قراءة في كتاب “مؤشر الديمقراطية الإسرائيلي”
مقدمة
في نهاية كانون أول/ ديسمبر من كل عام، يقدم مركز الديمقراطية الإسرائيلي إلى رئيس الدولة، كتابًا يُعرف باسم "مؤشر الديمقراطية الإسرائيلي"، حيث يرّكز الكتاب، من خلال استطلاعات الرأي، والقياس، والمقارنة مع الديمقراطيات العالمية، على تقييم الوضع الداخلي في "إسرائيل"، وتقييم مؤسساته السيادية من وجهة نظر الجمهور الإسرائيلي(Hermann et al. 2017) .
ومركز الديمقراطية الإسرائيلي، هو مركز مستقل غير حزبي، يعمل في مجالات الحكم، والاقتصاد، والمجتمع، وأهدافه كما أعلنها هي:
1. تقوية البنية القيمية والمؤسساتية في "إسرائيل" كدولة يهودية ديمقراطية.
2. تحسين أداء نظام الحكم والسوق.
3. بلورة طرق لمواجهة التحديات الأمنية من خلال الحفاظ على القيم الديمقراطية.
4. رعاية المشترك بين مواطني الدولة.
ومن أجل تحقيق تلك الأهداف، يجتهد الباحثون في إعداد دراسات تؤسس فكريًا للديمقراطية الإسرائيلية، ثم يتم تقديم النتائج والتوصيات لتحسين أداء النظام الديمقراطي في الدولة. وضع المركز لنفسه هدف تقوية الحوار الجماهيري في المواضيع الهامة، والقيام بمبادرات سياسية واقتصادية، والعمل كمستشار لصانعي القرار، وللقاعدة الجماهيرية الواسعة.
النتائج الأساسية لبحث قياس الديمقراطية الإسرائيلي
أولًا: "إسرائيل" مقارنة مع دول العالم
عرض البحث مقارنة للواقع الديمقراطي في "إسرائيل" بمعيارين أساسيين، الأول مقارنة مع دول العالم ككل، والثاني مقارنة مع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "OECD"، والتي تضم الدول المتقدمة في العالم. وضع القائمون على البحث تصنيفًا يعتمد على وضع نسبة مئوية لمدى تطبيق المعيار في "إسرائيل" مقارنة مع تلك الدول، وقد كانت النتائج كما يلي:
المعايير |
نسبة تطبيق المعيار في "إسرائيل" مقارنة مع دول العالم |
نسبة تطبيق المعيار في "إسرائيل" مقارنة مع الدول المتقدمة |
الحقوق السياسية |
71-75% |
14-26% |
الحقوق المدنية |
59-61% |
6% |
حرية الصحافة |
67-68% |
17% |
التمثيل والمسؤولية |
71% |
14% |
المشاركة السياسية |
98-99% |
89-94% |
المساواة في الحقوق السياسية |
75% |
14% |
المشاركة المدنية |
95% |
77% |
التداول الديمقراطي |
79% |
34% |
الثقافة السياسية والديمقراطية |
85-89% |
43-51% |
أداء الحكومة |
83-84% |
43-46% |
سيادة القانون |
84% |
37% |
الشفافية |
84% |
37% |
يُشير البحث إلى أنّ النتائج، مقارنة مع الدول المتقدمة، والتي تعتبر "إسرائيل" نفسها جزءًا منها، هي نتائج مقلقة، حيث جاءت نسبة "إسرائيل" في معظم المعايير أقل من النصف. أما النتائج المرتفعة التي حققتها "إسرائيل" مقارنة مع دول العالم، فإنّها لا تبعث على الاطمئنان، لأن هذه المقارنة تشمل كل دول العالم، بما فيها الدول التي لا تملك أي نظام ديمقراطي، بل إن جزءًا كبيرًا منها هي أنظمة استبدادية.
وهنا يُمكن ملاحظة أنّ "إسرائيل"، ومن بين الدول المتقدمة، حلّت في الربع الرابع، في كل من الحقوق السياسية، والحقوق المدنية، وحرية الصحافة، والمساواة في الحقوق السياسية، والتمثيل والمسؤولية، فيما حلت في الربع الأول فقط في المشاركة السياسية، والمدنية، مع وجود مؤشرات فساد مرتفعة، في ظل التحقيق مع الكثير من الشخصيات العامة، وعلى رأسهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
وحسب البحث، يُمكن إعادة هذا التراجع الإسرائيلي مقارنة مع الدول المتقدمة، إلى عدة عوامل، أهمها تراجع الثقافة الديمقراطية في السنوات الأخيرة. ورغم أنّ التبادل السلمي للسلطة هو سيد الموقف، إلا أن لغة التخوين والإقصاء، درجت في ظل حكم اليمين، وأخذت في الارتفاع تحت غطاء القانون. ففي الوقت الذي يتم فيه إعداد هذا البحث، تم تمرير قانون "التوصيات"، الذي يمنع الشرطة من تقديم توصياتها بالمحاكمة وتقديم لائحة الاتهام، بعد انتهاء التحقيق، وذلك في مسعى واضح من مقدم القانون، لحماية نتنياهو الذي يتعرض للتحقيق في عدة قضايا.
وحسب البحث أيضا، دأب اليمين الحاكم على زيادة التضييق على حرية الإعلام والصحافة، والتي هي في تراجع مستمر. ويأتي ذلك في ظل الاتهامات المتكررة لوسائل الإعلام من قبل نتنياهو والمحيطين به، وفي ظل التغيرات الكبيرة التي حصلت مؤخرًا على الهيكلية الإعلامية، وإلغاء هيئة البث العام، رغم معارضة أغلبية أحزاب الائتلاف الحكومي.
والأهم من ذلك، هو أن هذه النسب الضعيفة، تعود إلى التمييز الواضح الذي تمارسه "إسرائيل" ضد الفلسطينيين، الذين يُشكلون حوالي 20% من سكان الدولة، إلى جانب تمييز آخر ضد اليهود الشرقيين والإثيوبيين (توبمان، 2017)، وهو الأمر الذي بات يُناقَش بشكل كبير في "إسرائيل"، والذي أظهرها على أنَها دولة اليهود الغربيين دون سواهم. وهذه النسب الضعيفة مقارنة مع الدول المتقدمة، تضع "إسرائيل" في كثير من الأحيان، إلى جانب دول لا تتمتع بالديمقراطية أصلًا.
ثانيًا: الثقة بمؤسسات الدولة
لا زالت مؤشرات الثقة بالمؤسسات الحاكمة في "إسرائيل" متدنية، إلّا أنّ عام 2017، شهد تحسنًا، ولو طفيفًا، على بعضها:
المعايير |
نسبة الثقة عام 2016 |
نسبة الثقة عام 2017 |
الثقة بالكنيست |
26.5% |
26% |
الثقة بالحكومة |
27% |
29% |
الثقة بالأحزاب |
14% |
15% |
الثقة بالشرطة |
40% |
37% |
الثقة بالمحكمة العليا |
56% |
56% |
الثقة برئيس الدولة |
61.5% |
65% |
الثقة بالإعلام |
24% |
28% |
الثقة بالجيش |
82% |
81% |
وبالنظر إلى المعطيات أعلاه، فقد حدث تحسن طفيف على الثقة بالحكومة الإسرائيلية، والأحزاب، ووسائل الإعلام، فيما القفزة الكبيرة حققها رئيس الدولة رؤوبين ريفلين، الذي بات يطور صلاحيات منصب رئيس الدولة عامًا بعد عام. فيما تراجعت الثقة بالكنيست كهيئة تشريعية، وشهدت أجهزة الشرطة والجيش تراجعًا طفيفًا. ويُمكن إعادة ذلك إلى ما يلي:
أولًا: الكنيست: لا زالت تعتمد التصويت الحزبي بشكل واضح، فقد شهد العام المنصرم، الكثير من القوانين التي مرت بتصويت حزبي، وإرضاءً للأحزاب الائتلافية، الأمر الذي جعل من الكنيست رهينة لاتفاقات ائتلافية، وليست مشرّعًا حقيقيًا، وهذا بدوره انعكس على الأحزاب، والتي تُعتبر الأقل ثقة من بين مؤسسات الدولة.
ثانيًا: الشرطة: تواجه حملة شرسة من الحكومة الحالية، وذلك في ظل تبادل الاتهامات حول تسريب المعلومات المتعلقة بالتحقيق مع نتنياهو (ابراهام، 2017). وفي الوقت الذي تعاني فيه الشرطة من تراجع الثقة بها، بسبب ارتفاع الجريمة في "إسرائيل" (جواتمة، 2017)، فإن هذه الثقة ستنخفض أكثر بسبب المواجهة مع الحكومة برئاسة نتنياهو.
ثالثًا: المحكمة العليا: يرتبط عدم التحسن بتغلغل الفكر اليميني إلى قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي، حيث بات الشباب الإسرائيلي يصنفون أنفسهم على أنهم يمينيون (حاي، 2015)، وبات يُنظر إلى المحكمة العليا، على أنّها إحدى الجهات المعطلة لتفعيل حُكم الأغلبية، وذلك بسبب رفع الكثير من مشاريع القوانين إلى طاولة المحكمة للنظر فيها، الأمر الذي يعتبره البعض، كوزيرة العدل إيلات شاكيد، مساسًا بالسلطة التشريعية (باروخ، 2017).
رابعًا: الإعلام: الارتفاع الطفيف على الثقة بالإعلام الإسرائيلي، له عاملان أساسيان، الأول هو حدة التجاذب بين الحكومة ووسائل الإعلام، وتحديدًا بين رئيس الحكومة والمحيطين به، وبين العديد من وسائل الإعلام التي باتت تُتهم بأنّها يسارية، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى الدفاع عنها. والثاني هو أنّ اليمين الإسرائيلي بات أكثر رضىً، ولو بنسب قليلة، عن وسائل الإعلام، بعد إلغاء هيئة البث، وصعود شعبية العديد من وسائل الإعلام اليمينية، كالقناة 20، وصحيفة "إسرائيل هيوم".
خامسًا: رئيس الدولة: يبدو أن ارتفاع الثقة برئيس الدولة رؤوبين ريفلين، يعود إلى أدائه الجيد، وطرحه للقضايا العامة، وإطلاقه برنامجًا لتوحيد كافة الإسرائيليين، والقضاء على التمييز، ومحاولة جسر الهوّة مع يهود الخارج (ليس، 2017).
سادسًا: الجيش: بات تراجع الثقة بمؤسسة الجيش، ولو بشكل طفيف، مؤشرًا مقلقًا في "إسرائيل"، وذلك في ظل عدم نشر كل ما يتعلق بالجيش، وتراجع الرغبة في الانضمام إلى الوحدات القتالية فيه (سيبوني و فينكل، 2017). ورغم حفاظ الجيش على نسبة ثقة مرتفعة في ظل التحديات الأمنية، والدعم الكبير جماهيريًا ورسميًا لهذه المؤسسة، إلّا أنّ النقد العلني لها بات واضحًا، خاصة في ظل مظاهر رفض المتدينين الحريديم للتجنيد، ووجود شخصية غير مهنية على رأس المؤسسة.
ثالثًا: الوضع العام في الدولة
يتناول هذا المعيار النظرة العامة في "إسرائيل" إلى الواقع العام في الدولة. وقد قسم الكتاب الجمهور إلى يهودي وعربي، لأن هناك فرقًا في الرؤية بين كلا الجمهورين.
الوضع العام في الدولة |
اليهود |
العرب |
جيد جدا |
15% |
16% |
جيد |
33% |
26% |
متوسط |
33% |
33% |
سيء |
9.5% |
12.5% |
سيء جدا |
8% |
12% |
لا أعرف |
1.5% |
0.5% |
بشكل عام، يوجد رضىً عن الواقع في الدولة، إلا أنّ نسبة من يعتقدون أنّ الواقع جيد وجيد جدا، هي أقل من النصف. ورغم ذلك، فإنّه يُعتبر تحسنًا مقارنة مع السنة السابقة (هيرمان، 2016). ويُمكن إعادة ذلك إلى التحسن الاقتصادي الذي شهدته "إسرائيل" ما بين عامي 2016-2017 (ارمان، 2017)، إلى جانب الهدوء الأمني النسبي، مقارنة مع عامي 2015-2016.
وهناك اعتقاد سائد في "إسرائيل"، وبنسبة 74%، بأنّ الأجيال القادمة ستعاني أوضاعًا أكثر سوءًا، مقارنة مع الجيلين السابق والحالي، حيث تنظر الغالبية في "إسرائيل" نظرة متشائمة حيال المستقبل البعيد، في ظل الوضع العام، والتحديات الأمنية، وعدم التوصل إلى اتفاق سلام شامل، وفقدان الرؤية الاستراتيجية للحكومة الإسرائيلية، إلى جانب تعمّق الفجوات داخل "إسرائيل" بين المتدينين والعلمانيين، وبين الشرقيين والغربيين، وغيرها.
رابعًا: الديمقراطية الإسرائيلية في خطر
حسب نتائج البحث، يعتقد 45% من الإسرائيليين أنّ الديمقراطية في الدولة تتعرض لخطر حقيقي، بينما ينفي ذلك 25% فقط. وحسب النتائج أيضا، يرى 72% من اليسار أن الديمقراطية في خطر، و 23% من اليمين يرون ذلك، و 65% من العرب أيضا. كما يعتقد 59% أنّ المؤسسات الحقوقية تضر بالدولة.
إن الشعور بالخطر الذي يتهدد الديمقراطية الإسرائيلية، مصدره العديد من التطورات الملفتة، التي حدثت في العقد الأخير، وعلى رأسها تشريع قوانين تمس الديمقراطية، وإن كانت في بعض الأحيان لدوافع أمنية، إلّا أنّ منظمة حقوق المواطن في "إسرائيل"، تُشير إلى تقلص الديمقراطية في البلاد، وتفسر ذلك بالعديد من التشريعات والأفعال (منظمة حقوق المواطن في اسرائيل، 2017)، مثل:
1. مشاريع قوانين تمس الأسس الديمقراطية، كقانون يهودية الدولة.
2. مشاريع قوانين تمس المساواة أمام القانون، وحرية التعبير.
3. ألفاظ غير ديمقراطية في الكنيست، تقلل من قيمة الأقليات.
4. المساس بالمؤسسات الحقوقية، والحد من تمويلها.
إلى جانب ذلك، فإنّ ضعف المعارضة الإسرائيلية، وغياب شخصيات كاريزمية عن الساحة السياسية، جعل من رئيس الحكومة الحالي، صمّام أمان لحزب الليكود، واليمين ككل، الأمر الذي مهد لأفعال شبه دكتاتورية، حين ألزمَ مؤيدو نتنياهو الكثيرَ من وزراء الليكود بالمشاركة في مظاهرات داعمة لنتنياهو (توكفيلد، 2017)، وذلك على خلفية اتهامه بقضايا فساد.
ومما يجعل الديمقراطية الإسرائيلية في خطر، ليس التبادل السلمي للسلطة، ولا القبول بالتعددية، وإنما محاولة المساس بفصل السلطات الثلاث. فالسلطة التنفيذية في "إسرائيل" هي انبثاق عن السلطة التسريعية، لأن النظام في "إسرائيل" هو نظام برلماني، والتصويت حزبي، ويتأثر بشكل كبير بالاتفاقات الائتلافية سلفًا. يُضاف إلى ذلك، المحاولات المتكررة للمساس بالمحكمة العليا، بذريعة أنّها غير منتخبة، وبالتالي المساس بتوازن السلطات الثلاث، والذي بات واضحًا بشكل كبير في السنوات الأخيرة. ووفق الدكتور عمير فيكس، والبروفيسور مردخاي كارمينتشر، فإنّ ما يحدث من مساس بالمحكمة العليا في "إسرائيل"، لا يشكل مساسًا بالديمقراطية فحسب، بل أيضا تضليل للعقل (فيكس و كارمينتشر، 2016).
خامسًا: نظرة الجمهور للمنظومة السياسية والسياسيين
أظهرت النتائج أنّ 65% من الجمهور، يرون أنّ الحكومة الإسرائيلية غير موفقة في سياساتها، مقابل 59% رأوا ذلك عام 2012. كما رأى 67% أنّ المعارضة الإسرائيلية ضعيفة جداً، مقابل 11% فقط رأوا أنّها قوية. 80% رأوا أنّ السياسيين يعملون لمصالحهم الشخصية، وذهب 68% من الجمهور إلى أنّ السياسيين لا يؤدون عملهم بجد، وفقط 6% من الجمهور الإسرائيلي ينتمون للأحزاب، مقابل 75% لا ينتمون لأي حزب.
يكمن عدم الرضى عن أداء الحكومة الإسرائيلية، في أنّ الكثير من الملفات باتت مفتوحة أمام حكومة اليمين. فمن الناحية السياسية، لم تتوصل الحكومة إلى رؤية واضحة، والوضع الأمني قابل للتدهور في أي لحظة. كما أنّ زيادة نسبة الفقر في المجتمع الإسرائيلي، وتوّسع الفجوة الاجتماعية بين السكان، وزيادة ضعف الطبقة الوسطى، وتفشي مظاهر العنصرية، والتمييز ضد الأقلية العربية والشرقيين في الدولة، كل ذلك يُساهم في عدم الرضى عن أداء الحكومة (التأمين الوطني، 2017).
ومن المعروف أنّ المستطلَعين في النهاية، يقيّمون أداء حكوماتهم بناءً على رضاهم عن تطبيق برامج تعود بالفائدة عليهم. وفي ظل الانقسام المجتمعي الواضح، ما بين متدينين قوميين وحريديم وعلمانيين، ويسار ويمين، ومركز ووسط، وغربيين وشرقيين، ستكون نسبة الرضى ضئيلة، حتى لدى أحزاب الائتلاف الحكومي، والتي تُحاول تحقيق برنامجها للحد الأقصى، إلّا أنّ ذلك سيصطدم بالاتفاقات الائتلافية، ومراعاة بقية الشركاء.
وحيال المعارضة الإسرائيلية، فإنّ فقدان الشخصيات الكاريزمية، إلى جانب سيطرة اليمين على الحكم منذ 8 سنوات، وتصدّره استطلاعات الرأي في أي انتخابات قادمة، علاوة على قدرة اليمين على تمرير أجندته من خلال السيطرة البرلمانية، كل ذلك يُعطي مؤشراتٍ واضحة على ضعف المعارضة، التي بات يتزعمها اليوم شخصية من أصول يمينية، هو آفي جباي. والأهم من ذلك، هو اندثار الفروق الأيديولوجية بين المعسكرين، من الناحية السياسية، وطبيعة نظام الحكم، الأمر الذي يُعطي مؤشرًا على عدم وجود معارضة حقيقية.
أمّا عدم الثقة بالسياسيين، فهو انعكاس للوضع العام، والذي بات فيه الكثير من السياسيين، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة، يخضعون للتحقيق في قضايا فساد. إلى جانب غياب الشخصيات ذات الثقل عن الساحة السياسية، وتحديدًا ذات الخلفية الأمنية، والتي تُعتبر أقل فسادًا بنظر الجمهور. كما أنّ الطبقة السياسية باتت في غالبها من الأثرياء، الأمر الذي انعكس على صورة السياسي التي رافقت تأسيس الدولة، حيث تميّز الجيلان الأول والثاني بالزهد، مقارنة مع الجيل الحالي من السياسيين.
كما أن الانخفاض الكبير في الانتماء الحزبي، ليس منفصلًا عن تغير طبيعة دور الأحزاب، والتي كانت سابقًا مركزًا مهمًا لتقديم الخدمات الاجتماعية والثقافية، إلى جانب امتلاكها منابر إعلامية. فانفصال الأحزاب عن دورها التاريخي، وهو نتاج تطور طبيعي للواقع السياسي، سواء المحلي أو العالمي، ساهم بدوره في ابتعاد الجمهور رويدًا رويدًا عن الأحزاب، والاكتفاء بالمشاركة السياسية من خلال التصويت في الانتخابات، في الغالب.
سادسًا: شكل الدولة
في ظل الصراع على شكل الدولة بين الديني والعلماني، أو بين الديمقراطي واليهودي، رأى 47% من اليهود أنّ اليهودية هي منطلق قومي، فيما اعتبرها 30% ميّزة دينية، واعتبرها 9.5% ميزة ديمقراطية وتسامحية، و 4% فقط رأوها عاملًا سلبيًا.
وحول الجانب الأقوى في الدولة، رأى 42% أنّ اليهودية باتت أقوى من الديمقراطية في "إسرائيل"، وهي نسبة أعلى بـ 3% عن عام 2016، فيما رأى 23% أنّ المركب الديمقراطي، لا زال أقوى، وهي نسبة أقل بـ 2% عن عام 2016.
عند الإعلان عن قيام دولة "إسرائيل"، تم تحديد شكل الدولة بأنّها الدولة القومية لليهود، على أنّ تُحفظ حقوق الأقليات فيها. إلّا أنّ السنوات الأخيرة، وفي ظل حكم اليمين، ووجود الأحزاب الدينية، باتت تشهد سعيًا متواصلًا لتحديد شكل الدولة في القانون، بأنّها دولة يهودية ديمقراطية، تستند إلى القيم اليهودية، كمُحدد لطبيعة التشريعات فيها.
إن سن مثل هذا القانون، سيزيد من الظلم الواقع على العرب في "إسرائيل"، وربما سيؤدي إلى سحب مواطنتهم على خلفيته، وسيجعل من السطوة الدينية سمة بارزة، إلى جانب تجسيده عدم المساواة بشكل حقيقي في الدولة. ويُشير الدكتور يوحنن فلسنر، إلى أنّ شكل الدولة يجب أن لا يتم تحديده على يد أغلبية بسيطة تتغير، بل يجب أن يكون بالشراكة بين كل فئات الشعب، وبأغلبية كبيرة (فلسنر، 2017).
ورغم عدم سن القانون بعد، إلّا أنّ الشعور العام بأنّ اليهودية باتت أقوى من القيم الديمقراطية، والذي يزداد مع مرور الوقت، يُمكن استشعاره بسيطرة النواحي الدينية على الحياة العامة، كقدرة الحريديم على منع تجنيد أبنائهم، وفرض طقوس السبت على كافة اليهود، رغم أنّ الغالبية غير متدينة، إلى جانب سن العديد من القوانين ذات الطابع الديني.
ويُمكن إيعاز الصراع على هوية الدولة، إلى عدم وجود دستور في الدولة العبرية، حيث تعتمد على العديد من قوانين الأساس، التي يمكن تغييرها، ولو بأغلبية بسيطة. وهذا يشير إلى إمكانية فرض شكل للدولة، مع كل ائتلاف حكومي جديد. إلّا أنّ تجانس الائتلاف الحكومي الحالي، والذي يضم كافة أطراف اليمين في حكومة واحدة، يدفع باتجاه فرض الشكل اليهودي للدولة خلال الأشهر القليلة القادمة، الأمر الذي لن يُلغي الديمقراطية، ولكن سيُفرغها من مضمونها الليبرالي.
سابعًا: ما هي الديمقراطية من وجهة نظر الإسرائيليين؟
كان أحد المعايير المهمة التي تم فحصها في البحث، هو: ماذا تعني لك الديمقراطية؟ وقد كانت النتائج كما يلي:
المعيار |
نسبته |
الحرية بشكل عام، وحرية الانتخاب |
23% |
حرية التعبير والرأي |
22.9% |
مؤسسات وأجهزة، وفصل للسلطات الثلاث |
5.6% |
سيادة الشعب وحكم الأغلبية |
16.4% |
المساواة |
13.6% |
التعددية واحترام حقوق الأقليات |
4.6% |
حقوق الفرد والمواطن |
3.8% |
العدل |
0.4% |
إلغاء الديمقراطية |
1.4% |
لا أعلم |
8.3% |
ربما من الطبيعي أن تكون النتائج على هذا النحو، لأن على المُستطلع الاختيار من مجموعة معايير. إلّا أنّ حصول معيار "العدل" على أقل من نصف في المئة، يُعطي مؤشرًا واضحًا على أنّ الإسرائيلي لا يُقدر القيم الديمقراطية، وإنّما بات يميل بشكل أكبر، لتقدير وتعظيم حُكم الأغلبية.
كما أنّ مؤشر "التعددية واحترام حقوق الأقليات"، والذي يبدو أنه حصل على نسبة 4.6% بسبب الصوت العربي، يُعطي مؤشرًا واضحًا على رفض التعددية في المجتمع العبري، الذي بات يميل إلى اعتبار هذه القيم حكرًا خاصًا بالعرق اليهودي.
كما أن نسبة الذين لا يعلمون ماذا تعني لهم الديمقراطية (8.3%)، هي نسبة عالية، وتدل على مؤشر سلبي تجاه النظرة للديمقراطية.
ختامًا، شمل التقرير معطيات مهمة، مع وجود تراجع في بعض الجوانب الديمقراطية في "إسرائيل"، وتحديدًا المعايير الليبرالية، وتقدم في جوانب أخرى. وفي الوقت الذي يسهم فيه هذا الكتاب في متابعة مؤشرات الديمقراطية، إلا أن كافة المؤشرات تُشير إلى زيادة الضغط على فلسطينيي الداخل المحتل، الأمر الذي يتطلب وقفة حقيقية مع هذا الجزء من الشعب الفلسطيني، الذي حُوّل إلى أقلية في وطنه.
المراجع:
التأمين الوطني. (كانون اول, 2017). ممادي هعوني فهبعريم هحبرتييم ( قياس الفقر والفجوات الاجتماعية ). مؤسسة التأمين الوطني.
تمار هيرمان. (كانون أول, 2016). مداد هدمقراطيا هيسرائيليت 2016 ( قياس الدمقراطية الاسرائيلي 2016 ). المعهد الاسرائيلي للدمقراطية.
توبمان, ب. (2017, كانون أول 27). اكاديميم اتيوبيم: معات يتسوج بميشك فهربه بعري ساخر ( الاكاديميين الاثيوبيين: قلة تمثيل وفرق في الاجر ). Retrieved from تأجيد هشيدور "كان": http://www.kan.org.il/item/?itemId=26044
جابي سيبوني، و جال فينكل. (11 كانون أول, 2017). مشبير موتيباتسيا بجيوس لشيروت تساهل ( أزمة حوافز في التجنيد لصفوف الجيش الاسرائيلي ). معهد دراسات الأمن القومي.
جواتمة, ي. (2017, آب 29). هبشيعا هكلكليت بيسرائيل ب2016، شوحد، سحيتوت، هونئا فترور ( الجريمة الاقتصادية في اسرائيل 2016، فساد، رشاوى، وارهاب ). Retrieved from ذ ماركر: https://www.themarker.com/law/1.4390699
حزاكي باروخ. (27 كانون أول, 2017). اتا مشفيل فروميس ات هكنيست ( انت تهين وتدوس على الكنيست ). تم الاسترداد من القناة السابعة: https://www.inn.co.il/News/News.aspx/362462
حنجال ارمان. (2 كانون ثاني, 2017). 2016 بمسباريم: هتسميحا بيسرائيل مهجبوهوت بمعراف ( 2016 بالارقام: النمو في اسرائيل من الافضل في الغرب ). تم الاسترداد من ميدا: http://mida.org.il/2017/01/02/2016-%D7%91%D7%9E%D7%A1%D7%A4%D7%A8%D7%99%D7%9D-%D7%94%D7%A6%D7%9E%D7%99%D7%97%D7%94-%D7%91%D7%99%D7%A9%D7%A8%D7%90%D7%9C-%D7%9E%D7%94%D7%92%D7%91%D7%95%D7%94%D7%95%D7%AA-%D7%91%D7%9E%D7%A2%D7%A8/
شاخر حاي. (4 شباط, 2015). هنوعر يميني: ما يشفيع عل هتيخونيستيم شيتسبيعو ( الفتيان أكثر يمينية: كيف سيؤثر ذلك على مضمون الانتخابات ). تم الاسترداد من يديعوت احرونوت: http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4622439,00.html
عمير فيكس، و مردخاي كارمينتشر. (9 تشرين اول, 2016). هفردات رشويوت او حلوكا شل سمخويوت ( فصل للسلطات أم تقسيم للصلاحيات ). المعهد الاسرائيلي للدمقراطية.
منظمة حقوق المواطن في اسرائيل. (تشرين ثاني, 2017). تمتسوم همرحاب هدمقراطي بكنيست ه20- تمونات متساب ( تقلص المساحة الدمقراطية في الكنيست 20، صورة للواقع ). منظمة حقوق المواطن في اسرائيل.
ميتي توكفيلد. (17 آب, 2017). هدمقراطية لو بسكنا، ايلا هاوبوزاتسيا ( الدمقراطية ليست في خطر، بل المعارضة ). تم الاسترداد من يسرائيل هيوم: http://www.israelhayom.co.il/article/498035
يرون ابراهام. (14 تشرين أول, 2017). نتنياهو ضد الشيخ: هدلفوت لو حوكيوت هفخو لتسونامي ( نتنياهو ضد الشيخ: تسريبات غير قانونية اصبحت تسونامي ). تم الاسترداد من القناة الثانية: http://www.mako.co.il/news-law/crime-q4_2017/Article-ddaa6131c2c1f51004.htm
يهوناتان ليس. (14 تشرين ثاني, 2017). ريبيلن منسيه لباييس ات يهودي ارتسوت هبريت، مكفيه شندون بعنيان هكوتيل ( ريبيلين يحاول مصالحة يهود الولايات المتحدة: نأمل أن نستطيع نقاش قضية حائط البراق مستقبلاً ). تم الاسترداد من هارتس: https://www.google.ps/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=1&cad=rja&uact=8&ved=0ahUKEwjVkPyr-avYAhWDEVAKHQocDCAQFgglMAA&url=https%3A%2F%2Fwww.haaretz.co.il%2Fnews%2Feducation%2F1.4593663&usg=AOvVaw2j1JbN8VWq5dspqNJyaNsG
يوحنن فلسنر. (27 تموز, 2017). حوك هلئوم فهشيفيون ( قانون القومية والمساواة ). المعهد للدراسات الدمقراطية.
Hermann, T., & Chanan Cohen, Ella Heller, Tzipy Lazar-Shoef, and F. O. (2017). The Israeli Democracy Index 2017. Tel Aviv. Retrieved from https://www.idi.org.il/media/9684/israeli-democracy-index-2017-he.pdf