قراءة في خيارات الفلسطينيين نحو توجهات الاحتلال في ضم الأراضي الفلسطينية
لتحميل الملف اضغط هنا
الكاتب : د . أيمن دارغمة
منذ أن قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتاريخ 28/1/2020، بالإعلان عن صفقة القرن، التي سماها “السلام من أجل الازدهار”، ونتنياهو ينتظر الوقت المناسب، للإعلان عن ضم الغور، وشمال البحر الميت، والمستوطنات في الضفة الغربية. وها هو اليوم يستغل انشغال العالم بجائحة كورونا، ليترجم وعوده الانتخابية إلى إعلان رسمي، بعد أن ضمن البقاء في رئاسة الحكومة عامًا و نصف، و بعد أن تمكن من ضم حزب “أزرق أبيض” تحت جناحيه. كما أن الظروف العامة، دوليًا وإقليميًا وفلسطينيًا، أصبحت مناسبة جدًا، الأمر الذي شجعه، هو وحكومته، على استغلال هذه الفترة الذهبية المتبقية من فترة رئاسة ترامب؛ ليسجل لنفسه سبقًا تاريخيًا، يدخل من خلاله قائمة القيادات التاريخية لدولة الاحتلال، خاصة وأن مسألة الضم، ليست من الأمور المختلف عليها بين تحالف الليكود و “أزرق- أبيض”، بل إنه تم إفراد بند ومادة أساسية في تفاهمات تشكيل الحكومة بينهما، حول ذلك، وتم تحديد شهر تموز/يوليو من هذا العام، للإعلان بشكل رسمي عن فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق الضم، والذهاب إلى المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية، ولجان الكنيست، من أجل إقرار القانون، وإعطائه الصفة الرسمية.
تحظى خطة الضم بدعم وغطاء رسمي أمريكي. فمنذ أن تم الإعلان عن الصفقة في واشنطن، دأبت لجان مشتركة أمريكية وإسرائيلية، على إعداد الخرائط اللازمة لإكمال ترسيم الحدود، و ترجمتها على الخرائط، بعد أن تم فرضها كوقائع على الأرض منذ زمن. ويؤكد وزير الخارجية الأمريكي بومبيو هذا الدعم، حيث قال “قرار ضم مناطق من الضفة الغربية، هو شأن يعود للحكومة الإسرائيلية”. وأكدت الموقف نفسه، الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، حيث صرحت بأنهم على استعداد للاعتراف بالإجراءات الإسرائيلية، الرامية إلى بسط السيادة، وتطبيق القانون الإسرائيلي على أجزاء من الضفة الغربية، واعتبار تلك الأراضي جزءًا من “إسرائيل”.
يرى كثير من المراقبين، أنه قد تم تنفيذ البنود الأساسية والهامة من صفقة القرن على الأرض، ابتداءً من الاعتراف الأمريكي بالقدس الموحدة عاصمة لـ “إسرائيل”، ومن ثم نقل السفارة الأمريكية إليها من تل أبيب، وكذلك قيام الإدارة الأمريكية بوقف التمويل عن وكالة الغوث “الانروا”. وكلها إجراءات تنسجم مع روح الصفقة، التي تضمن مصالح “إسرائيل” السياسية والأمنية، وفي نفس الوقت، تضرب أسس قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967، وفقًا للاتفاقيات الدولية.
يرى الكاتب والمحلل السياسي سعادة ارشيد، أن الصفقة قائمة عمليًا على الأرض، وقد تم تنفيذ كثير من بنودها على أرض الواقع، وبقي أن تُتخذ الإجراءات القانونية والرسمية اللازمة للإعلان عن ذلك، من خلال الإعلان عن فرض السيادة الإسرائيلية على الأجزاء المصادرة.
سارعت السلطة الفلسطينية إلى رفض صفقة القرن، وتوعدت بردود غير مسبوقة، وفقا لما قاله الرئيس الفلسطيني محمود عباس: “إن الخطة لن تمر، وستذهب إلى مزبلة التاريخ، كما ذهبت مشاريع التآمر في هذه المنطقة”. وهدد الرئيس عباس باتخاذ إجراءات لإنهاء الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية، ردًا على ذلك.
وأعلنت حركة حماس رفض الصفقة، مؤكدة أنها ستسقط. وتم تأكيد الموقف نفسه من الكل الفلسطيني، شعبيًا ورسميًا وفصائليًا. لكن بقي السؤال المطروح، وهو: كيف سيكون الرد الفلسطيني الفعلي، على الإعلان عن عملية الضم؟ السيد تيسير الزبري، العضو السابق في المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية، والسياسي المستقل حاليًا، يرى أن الفلسطينيين لن يستطيعوا أن يواجهوا هذا المشروع الصهيوني الأمريكي بنفس الأدوات الحالية، وبشكل خاص الأدوات السياسية لدى قيادة السلطة. ويرى ضرورة أن تكون هناك ردود من خارج الصندوق، تبدأ بإصلاح الوضع الفلسطيني الداخلي، من خلال اجتماع الإطار القيادي المؤقت، ليتولى مسؤولية إدارة الرد على المشروع، ومتابعة عملية إصلاح البيت الفلسطيني من الداخل. لكن الكاتب والمحلل السياسي سعادة ارشيد، ذهب إلى أن أحداثا هامة وخطيرة جرت، مثل وضع بوابات إلكترونية على مداخل الحرم القدسي، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال، ولكن لم تقم السلطة بأي رد هام.
السيناريوهات الفلسطينية المتوقعة للرد
أولًا: موقف السلطة وحركة فتح
لا بد من التذكير بأن السلطة الفلسطينية أنشئت وفقا لاتفاق أوسلو، أملًا من الرئيس الفلسطيني السابق المرحوم ياسر عرفات، بأن يفضي هذا الاتفاق إلى قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967، لكن “إسرائيل” من طرفها، اعتبرت الاتفاق وكأنه وسيلة لتحقيق مكاسب استراتيجية، أقلها التخلص من الأعباء الوظيفية والإدارية والأمنية للفلسطينيين، وإبقاء كل شيء تحت سيادتها. وفعلًا قامت “إسرائيل” بحملة استيطان غير مسبوقة، خاصة في مناطق (ج)، التي تشكل حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية، بحيث ارتفع تعداد المستوطنين في الضفة، من نحو 105 آلاف مستوطن قبل أوسلو، إلى أكثر من 700 ألف يجثمون الآن فوق 60% من أراضي الضفة، المندرجة تحت مسمى مناطق (ج)، الخاضعة لسيطرة الاحتلال، ومناطق “النفوذ الاستراتيجي.
عاشت السلطة الفلسطينية على وهم وسراب الدولة، التي بدأت تكبر وتتطور مؤسساتيًا، أملًا في تحقيق الاستقلال، ولكن الاحتلال الإسرائيلي، المحمي والمدعوم أمريكيًا، فرض حقائق على الأرض بالقوة، وحاصر أحلام الفلسطينيين، الذين تعودوا خلال ربع قرن، أن يتصرفوا ويعيشوا وكأنهم دولة. ويرى الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري، أن عشرات السنين من الاحتلال واتفاق أوسلو والانقسام، جعلت الفلسطيني تحت تأثير بيئة وبنية سياسية اقتصادية اجتماعية ثقافية، ليس من مصلحتها قلب الطاولة، وتغيير المسار. وعليه، فإن هاجس الحفاظ على سراب الدولة، يشكل أولوية لدى قيادة فتح، الأمر الذي يجعلها في وضع صعب بشأن اتخاذ الردود المناسبة للتعامل مع الحدث.
السيناريو الأول:
يتمحور هذا السيناريو حول رفض الصفقة وعملية الضم، والحفاظ على الوضع الحالي للسلطة، وعدم الانخراط في أي تصعيد ميداني، والاكتفاء بمواقف إعلامية، رافضة ومهددة ومتوعدة، وبدْء حملة دبلوماسية، أممية وإسلامية وعربية، من خلال التوجه إلى جامعة الدول العربية، والقمة الإفريقية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومجلس الأمن، ومحكمة الجنايات الدولية، ومؤسسات الأمم المتحدة، وكذلك البدْء بسلسلة من الاجتماعات لمؤسسات السلطة والمنظمة وفتح، وإصدار مواقف متشددة. وربما يرافق ذلك، تحرك شعبي وجماهيري محدود تقوده حركة فتح، والتهديد مرة أخرى بوقف التنسيق الأمني، ووقف العمل بالاتفاقيات مع الاحتلال، فيما في الواقع، تستمر العلاقة مع الاحتلال وفقًا للوضع القائم، وفي جميع المجالات، وذلك خشية من انهيار السلطة أولًا، ولعجز قيادتها عن تحمل تبعات التصعيد ثانيًا، ولأن السلطة تشكل إنجازًا لفتح لا يمكنها التضحية به ثالثًا.
في هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي والوزير السابق د. عمرعبد الرازق، أن الرد من طرف السلطة، غالبًا ما سيكون كالمعتاد، ولا يخرج عن سياق التهديد الكلامي، والتوجه للمؤسسات الدولية، وتحريك الشارع. ويضيف د. عبد الرازق، أنه من غير المستبعد أن تلجأ السلطة إلى تصعيد محدود ومحصور، كما حدث في الرد على حفر النفق تحت المسجد الأقصى، التي عُرفت بهبة النفق، والتي استمرت لثلاثة أيام في عام 1996، وارتقى خلالها 63 شهيدًا، وجُرح 1600 فلسطيني.
ويتفق الكاتب والمحلل السياسي سعادة ارشيد، حول تبني السلطة لهذا الخيار، ويرى أن فتح ربما أيضا تراهن على رفض أطراف في “إيباك” لعملية الضم، ولكنه يرى أن هذا الرهان في غير محله. ويضيف أن مسألة ضم القدس، وإعلانها عاصمة لدولة الاحتلال، هي مسألة أهم في بعدها السياسي والوطني، ومع ذلك كانت الردود باهتة وخجولة، ولم تخرج عن نمط ولغة المعارضة والتهديد والإدانة، الأمر الذي يذكر بالمثل العربي (أشبعتهم شتمًا وفازوا بالإبل). ولا يستبعد ارشيد، أن يرافق هذا السيناريو مفاوضات سرية، تحت ذريعة الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، وتحت يافطة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، خاصة وأن المفاوضات هي برنامج الرئيس أبو مازن، الذي يؤكد عليه دائما، ويرى أنه لا بديل عن المفاوضات إلا المفاوضات. وقد يتعزز ذلك، في حالة فوز ترامب ثانية كرئيس للولايات المتحدة، والذي يتقن سياسة جر السمك إلى الشباك. كذلك فإن بعض الضغوط العربية، ستساهم في جلوس السلطة إلى طاولة مفاوضات، ثنائية أو مشتركة، خاصة وأن مواقف زعماء عدد من الدول العربية، لم تكن رافضة للصفقة، بل بعضها لم يُخفِ تأييده لها.
ربما يشكل هذا السيناريو الخيار الأكثر توقعًا من السلطة، بناءً وقياسًا على سياساتها السابقة، حيث ستأخذ بالاعتبار ضرورة حفظ ماء الوجه أمام الشعب الفلسطيني، والظهور بموقف القيادة الممثلة، والمدافِعة عن الحقوق والمصالح الفلسطينية، في الوقت الذي يتم فيه اتخاذ كل التدابير اللازمة لمنع الانجرار إلى مواجهة، قد تتطور إلى انتفاضة تعيد إلى الذاكرة اجتياح مناطق السلطة، خلال انتفاضة الأقصى عام 2002.
ويرى محمد دراغمة، الصحفي في وكالة أسوشيتيد برس، أن هذا السيناريو هو الأرجح، ويؤكد أن “إسرائيل” قامت من طرفها أصلًا بإلغاء الاتفاقيات. ويتساءل: ماذا تبقى للسلطة لتلغيه؟ ويضيف أنه في اليوم التالي للتهديد بإنهاء الاتفاقيات، سيضطر الفلسطينيون مجبَرين، إلى اللجوء إلى نفس الإجراءات اللوجستية والإدارية، التي تتم من خلال التوجه إلى الاحتلال فيما يتعلق بالشؤون الحياتية، مثل السفر عبر المعابر، وجوازات السفر، وبطاقات الهوية، والاستيراد والتصدير، وتصاريح العمال، وغيرها. ولذا، فإن الإعلان من طرف الرئيس عن إلغاء الاتفاقيات، هو مجرد تهديد لإرضاء النفس والشعب. ويستبعد دراغمة أن يستجيب الشارع الفلسطيني لدعوات التظاهر والاحتجاج، في حالة الدعوة لها من قبل حركة فتح، وسيقتصر ذلك على أعداد قليلة من حركة فتح والفصائل المؤيدة لها، بسبب أزمة الثقة بين الشعب وقيادة السلطة، والتي ازدادت حدتها على إثر القرارات بقوانين، التي أصدرها الرئيس لصالح الوزراء وفئة من المسؤولين، على حساب الشعب، وفي ظروف الفقر والجائحة.
وضمن هذا السيناريو، قد تنشط الجهود المتعلقة بحوارات إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، وربما تتم سلسلة من اللقاءات، وتتكرر الدعوة للانتخابات، ولكن يُستبعد أن يتم تحقيق اختراق هام بهذا الخصوص، لعدم جدية هذه المساعي .
السيناريو الثاني:
مع ترجيح حدوث السيناريو الأول، قد تخرج ردود فعل فردية، أو من مجموعات لم تكن في الحسبان، كما حدث عدة مرات ردًا على سياسات الاحتلال، الأمر الذي يؤدي إلى خلط الأوراق، وفرض حقائق جديدة لها تداعيات وارتدادات على مواقف السلطة، التي لن تستطيع إدانتها، حتى وإن تعاونت سرًا مع الاحتلال في مجابهتها ولجمها، وقد تتطور الأمور في حال إقدام سلطات الاحتلال على اتخاذ إجراءات عقابية مشددة، ضد الكل الفلسطيني، وهذا التطور قد يضع السلطة في موقف حرج، الأمر الذي يضطرها إلى لعب دور ذي الوجهين. فمن جهة، لا تستطيع السلطة أن تقف ضد حق الشعب الفلسطيني في التعبير عن غضبه وردة فعله على مصادرة أراضيه، وفي نفس الوقت لن تتمكن من اتخاذ قرارات متشددة ومتماهية مع المطالب الشعبية، وفي المقابل تتواصل عملية التنسيق الأمني والعمل بالاتفاقيات، ويتواصل بذل الجهود لاحتواء موجة التصعيد، والحيلولة دون الوصول لمرحلة الانتفاضة.
السيناريو الثالث:
يتمحور هذا السيناريو حول قلب الطاولة، وذلك من خلال الإعلان عن وقف العمل بالاتفاقيات، وخاصة التنسيق الأمني، والإعلان عن حل السلطة، وتحميل الاحتلال المسؤولية عن تقديم الخدمات للسكان الفلسطينيين، وفتح المجال أمام ردود فعل شعبية وفصائلية، تخلط الأوراق، وتخلق وضعًا جديدًا، قد يتطور نحو انتفاضة ثالثة، وربما يترافق مع هذه التطورات، إعلان الرئيس وحركة فتح، عن الاستعداد لتحمل تبعات المرحلة، والانخراط في مواجهة مفتوحة مع الاحتلال، والإعلان عن الاستعداد للمصالحة والشراكة، وإعادة بناء البيت الفلسطيني. لكن هذا الخيار مستبعد، مع أنه مفضل شعبيًا. في هذا السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري، أن القيادة الفلسطينية، لا تؤمن بهذا السيناريو، وهي غير جاهزة لدفع ثمنه، وليس من مصلحتها قلب الطاولة، وتغيير المسار، ولذا ستقاوم حدوث هذا السيناريو بكل قوتها. ويضيف المصري، أن القوى المؤثرة إقليميًا ودوليًا، ستضغط باتجاه عدم تحول الفلسطينيين نحو هذا المسار.
ثانيًا: موقف حركة حماس
هناك عدة عوامل تحدّ من خيارات حركة حماس، وتجعلها أكثر حذرًا في اتخاذ القرار، أولها التحسب من حرب جديدة على غزة، في ظروف الحصار وصعوبة أوضاع القطاع المعيشية، وفي ظل عدم استقرار الوضع الإقليمي والدولي، الذي يميل لصالح الاحتلال، خاصة مع انشعال العالم بجائحة كورونا، كما أن جهود الوساطة لإتمام صفقة تبادل الأسرى، ستكون من العوامل الهامة والمؤثرة والضاغطة. ولذا، سيكون همّ حماس، ومعها فصائل المقاومة في غزة، هو الموازنة الدقيقة بين واجب الرد، وبين الآثار المترتبة على ذلك.
السيناريو الأول:
قد تلجأ حركة حماس لتشكيل موقف مشترك مع فصائل المقاومة في غزة، على أرضية موقف رسمي ومعلن لرفض الضم، وإصدار ما يلزم من بيانات ورسائل، وتحركات شعبية، ومسيرات رافضة ومنددة، ضمن رؤية سقفها عدم الذهاب لمواجهة، وذلك من أجل عدم تحميل أهل القطاع تبعات وكوارث ومآسي حرب جديدة، مع تحمل السلطة مسؤولية ما يحدث، لارتباطها بأوسلو، خاصة وأن مسرح الأحداث وعملية الضم، تتم في الضفة الغربية، التي تقع تحت مسؤولية السلطة الفلسطينية. وضمن هذا السيناريو، ستكرر حركة حماس مطالبتها السلطة بالقيام بما يلزم للرد على عملية الضم، مثل المطالبة بوقف التنسيق الأمني، وإلغاء اتفاقيات أوسلو، وإطلاق يد الشعب الفلسطيني للقيام بالرد، وبما يتناسب وعملية الضم، وكذلك ضرورة الإسراع بعملية الإصلاح الداخلي للمؤسسات القلسطينية. ولا يُستبعد أن تكون هناك محاولات، قد تنجح وقد لا تنجح، للرد من خلال أعمال مقاومة في الضفة الغربية. ويرى محمد دراغمة، أن وضع حركة حماس الحالي لا يسمح بالتصعيد، فهي ليست على استعداد لخسارة بنيتها الاقتصادية والعسكرية، خاصة وأنها مسؤولة عن تسيير أمور السكان في القطاع، في ظرف يخضع فيه القطاع للحصار والعقوبات، وظروفه المعيشية في غاية الصعوبة.
ويزيد من فرص تبني هذا السيناريو، إذا تزامن مع إبداء جدية من طرف الاحتلال، لإتمام صفقة تبادل الأسرى، وضبط التوقيت من طرفه؛ لتتزامن الصفقة مع الإعلان عن الضم. وهذا ما يتوقعه د. عمر عبد الرازق، حيث يتوقع أن الاحتلال سيتعمد ربط توقيت الوصول إلى تفاهمات تتعلق بالصفقة، لتتفق زمنيا مع قرار الإعلان عن الضم، وبالتالي يصعب موقف حركة حماس من اتخاذ إجراءات عنيفة. ولا يستبعد قيام الاحتلال بسلسلة من التخفيفات و الإجراءات فيما يتعلق بالحصار، وإبداء مرونة واضحة في مساعي الوصول إلى تهدئة.
السيناريو الثاني:
يتمحور هذا السيناريو حول التصعيد المحدود من القطاع، سواءً كان ذلك بقرار من حركة حماس وفصائل المقاومة، أو من خلال أفعال غير متفق عليها، تجر القطاع لموجة من التصعيد المحدود زمنيًا وجغرافيًا. وربما يكون من أهداف مثل هذا التصعيد، إضافة إلى الرد، الضغط من أجل تحقيق أهداف محددة لسكان القطاع، مثل رفع الحصار وغيره.
السيناريو الثالث:
أما هذا السيناريو، فيتمحور حول التصعيد المفتوح، وإشعال جبهة الجنوب بكثافة، وفتح معركة مع الاحتلال من خلال غرفة العمليات المشتركة، وبالتنسيق مع الفصائل الأخرى، أو بشكل منفرد، ردًا على سياسة الضم أولًا، ومن أجل الضغط على الاحتلال والمجتمع الدولي لكسر الحصار عن القطاع ثانيًا. لكن هذا الخيار غير مرجح في ظل الظروف الحالية، الإقليمية والفلسطينية. فسياسات الإقليم والمحيط، لا تفضل هذا السيناريو، وستجد غزة نفسها وحيدة في مواجهة الجيش الإسرائيلي، المدعوم أمريكيًا، كما حدث في الحروب السابقة. لكن هذا الخيار ربما يصبح ملزِمًا لحماس ولفصائل المقاومة في غزة، في حال تبنت السلطة وحركة فتح السيناريو الثالث، أي سيناريو “قلب الطاولة”، حيث سيضع هذا الاحتمال، وإن كان مستبعَدًا، حركة حماس أمام مسلك إجباري.
خاتمة:
مع أن الطرف الفلسطيني هو الحلقة الأضعف، لكنه صاحب الحق، ولن تمر الصفقة دون توقيع الطرف الفلسطيني عليها، حتى ولو تمت عملية الضم. فوفقًا للقانون الدولي، واتفاقيات الأمم المتحدة، تعتبر هذه الإجراءات باطلة، وبإمكان الفلسطينيين التوجه ضدها للمحاكم الدولية، فعلى الأطراف الفلسطينية كافة، أن تبدأ بالإعداد لاستحقاق هذا اليوم من الآن، من خلال الاتفاق على برنامج مشترك، ومن خلال قيادة وطنية موحدة تمثل الشعب الفلسطيني كله، في جميع أماكن تواجده، وهذا يتطلب سياسات غير عادية من طرف الرئيس أبو مازن، بناء على ما يملكه من صلاحيات، فهو رئيس المنظمة والسلطة وحركة فتح، وعليه أن يتحمل مسؤولياته الوطنية، بناء على ما تمليه طبيعة المرحلة. ولذا، فإن دعوة الإطار القيادي الموحد للاجتماع في أقرب وقت، هي ضرورة ملحة، وتحكم على مدى جدية الرئيس وحركة فتح، في تغيير السياسات القائمة حاليا، ولتنتقل المسؤولية بذلك للكل الفلسطيني، وليتحمل هذا الإطار واجب إدارة جميع الملفات، بما فيها مواجهة مصادرة الأراضي، وصفقة القرن، والبدء بخطوات لإصلاح البيت الفلسطيني على أسس متفق عليها .