قراءة في خيارات الحكم والسيناريوهات المستقبلية لقطاع غزة

ياسر مناع

في ذروة الحديث عن اقتراب صفقة تبادل بين “إسرائيل” وحماس، تبرز مسألة “اليوم التالي” كقضية محورية تشغل اهتمام الأطراف الإقليمية والدولية. تتمحور هذه القضية حول تساؤلات مصيرية بشأن من سيتولى إدارة القطاع، وكيف ستتمّ إدارته. على ما يبدو أنّ مسألة إدارة غزة بعد الحرب ليست مجرد شأن فلسطيني داخلي، بل هي معضلة ذات أبعاد سياسية وأمنية وإنسانية واسعة، تؤثر على مستقبل الفلسطينيين وعلى طبيعة التفاعلات الإقليمية والدولية. وفي ظل الإجماع الأمريكي – “الإسرائيلي” على ضرورة إنهاء حكم حركة حماس في القطاع، تتباين الرؤى والمبادرات المطروحة بشأن البدائل الممكنة، مما يجعل هذه المسألة محورًا أساسيًا في صياغة ملامح المرحلة المقبلة.

في هذا السياق، أصدر مركز منتدى السياسة الإسرائيلية (Israel Policy Forum) ورقة سياسات تسلط الضوء على “اليوم التالي” لانتهاء الحرب في قطاع غزة،[1] من إعداد إبراهيم عيد دلالشة[2] وشيرا إيفرون[3]. تركز الورقة على قضية إدارة القطاع كعنصر محوري متعدد الأبعاد، مع تسليط الضوء على الإجماع الدولي على إنهاء سيطرة حركة حماس، ومناقشة السيناريوهات والخطط المقترحة من الأطراف الفاعلة. كما تتناول الورقة التحديات التي قد تواجه انتقال السلطة في غزة، وآليات إعادة الإعمار، والتأسيس لحكم مستدام يضمن استقرارًا طويل الأمد. من بين المحاور التي تعالجها الورقة، الرؤية المصرية لإنشاء لجنة دعم مجتمعية لإدارة الحكم الانتقالي، والخطة الإماراتية التي تدعو إلى وضع غزة تحت سيطرة دولية مؤقتة.

عن منتدى السياسة الإسرائيلية؟

منتدى السياسة الإسرائيلية (Israel Policy Forum) هو منظمة ومركز أبحاث مقره الولايات المتحدة، تأسس عام 1993 بهدف تعزيز حل الدولتين كوسيلة لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. ينطلق عمل المركز من أولوية ضمان “أمن إسرائيل” واستمرارها كدولة “يهودية وديمقراطية”، مع تحقيق تطلعات الفلسطينيين في إقامة دولتهم. يركز المركز على إعداد أوراق سياسات وتحليلات بحثية تستهدف صناع القرار الأمريكيين والإسرائيليين، إلى جانب تنظيم فعاليات وبرامج تعليمية تهدف لتثقيف الجمهور حول أهمية التوصل إلى تسوية سياسية شاملة. كما يطمح إلى تعزيز دور الولايات المتحدة في إحياء مفاوضات السلام، وتوجيه الجهود نحو حلول مستدامة للصراع[4].

تستعرض هذه الورقة أبرز ما جاء في ورقة سياسات صادرة عن Israel Policy Forum، التي تناولت السيناريوهات المختلفة لإدارة قطاع غزة بعد الحرب من خلال استعراض بعض التصورات الدولية والإقليمية حول مصير إدارة قطاع غزة في المرحلة التالية الحرب، التي تنطلق في جلها من التركيز على ضرورة إزاحة حركة حماس من السلطة، ورغبة بإعادة السلطة الفلسطينية، ضمن تصورات معينة، إلى حكم القطاع. ومع ذلك، هناك تباينات حول الآليات والأهداف في الخطط والتصورات التي تطرحها كل من مصر، والإمارات، والولايات المتحدة، والسلطة الفلسطينية. ومع أنّ الورقة تركز على تصورات هذه الجهات فقط، فإنّ هناك تصورات أخرى طرحت خلال الحرب من جهات أخرى، لم تتطرق لها الورقة، كما أنّها لم تتطرق للموقف الإسرائيلي من هذه التصورات.

الخطة المصرية

قدمت مصر خطة تهدف إلى إنشاء لجنة دعم مجتمعية في غزة، تتولى مسؤولية نظام حكم انتقالي يستند إلى الخبرات المحلية، مع تقليل التدخل الدولي إلى الحد الأدنى. تقترح الخطة تشكيل لجنة من 10 إلى 15 متخصصًا تتوافق عليهم الفصائل السياسية المختلفة، على أن تعمل هذه اللجنة وفق قوانين السلطة الفلسطينية، وتخضع لإشراف هيئة وطنية لضمان وحدة الأراضي الفلسطينية ومنع فصل غزة عن الضفة الغربية.

فيما يتعلق بالأمن والنظام، لم يتم تقديم خطة أمنية مفصلة، ولكن يُفترض أن تعمل اللجنة وفق توجيهات السلطة الفلسطينية. أما في مجال إعادة الإعمار، فتقترح الخطة إدارة هذه العملية عبر اللجنة بالتنسيق مع منظمات إقليمية، وإنشاء صندوق جديد يديره المانحون الدوليون. كما تتضمن الخطة تعاونًا بين اللجنة والجهات الدولية والعربية لدعم جهود إعادة الإعمار وضمان استمرارية العمل.

من الجدير بالذكر أن حركة حماس أبدت موافقتها على هذه الخطة في بيان رسمي صدر بعد محادثات مع مسؤولين مصريين ومن حركة فتح في القاهرة خلال ديسمبر. ومع ذلك، لا يزال موقف حركة فتح والسلطة الفلسطينية قيد المراجعة، حيث تشير التقارير إلى وجود تحفظات جوهرية على مضمون الخطة.

الخطة الإماراتية

طرحت الإمارات خطة تركز على وضع غزة تحت سيطرة دولية مؤقتة فور انتهاء الحرب، على أن تُنقَل المسؤولية تدريجيًا إلى السلطة الفلسطينية في المدى الطويل، بشرط تحقيق إصلاحات جوهرية في السلطة الفلسطينية، تشمل تعيين رئيس وزراء جديد.

ترمي الخطة إلى تحقيق الاستقرار في غزة وإعادتها إلى سيطرة السلطة الفلسطينية، ضمن إطار رؤية أشمل تهدف إلى دفع عملية حل الدولتين وتعزيز إصلاح السلطة الفلسطينية وتنشيط دورها، وهو ما دعت إليه الإدارة الأمريكية. كما تقترح الخطة إنشاء بعثة دولية مؤقتة (TIM) تتألف من ممثلين عن دول عربية وغربية، بالتعاون مع السلطة الفلسطينية، لتتولى مسؤوليات الأمن وإنفاذ القانون في المرحلة الأولى، على أن تُنقل هذه المسؤوليات تدريجيًا إلى السلطة الفلسطينية.

أما فيما يتعلق بإعادة الإعمار، فستقود الجهات المانحة الدولية هذه الجهود، مع التركيز على تطوير البنية التحتية، وإعادة بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية في غزة. يتم التنسيق في تنفيذ الخطة مع إسرائيل عبر الولايات المتحدة والإمارات وشركاء إقليميين آخرين.

الخطة الأمريكية

تقترح الولايات المتحدة خطة تعتمد على إشراف دولي هجين، يهدف إلى انتقال تدريجي للسيطرة إلى السلطة الفلسطينية، مع التركيز على بناء قدرات حكم مستدامة وإصلاحات سياسية شاملة.

تشمل الخطة تنفيذ إصلاحات في السلطة الفلسطينية لتمكينها من تحقيق حكم طويل الأمد في غزة، وإدارة مرحلة انتقالية عبر مجلس تنفيذي يتضمن ممثلين فلسطينيين وشركاء دوليين. في مجال الأمن، سيتم تدريب قوات أمن جديدة تابعة للسلطة الفلسطينية، مع نشر قوة متعددة الجنسيات بشكل مؤقت لتأمين الحدود، وتقديم المساعدات الإنسانية.

فيما يتعلق بإعادة الإعمار، سيُنشَأ صندوق دولي مخصص لتوجيه المساعدات عبر السلطة الفلسطينية، مع التأكيد على ضمان الشفافية والمساءلة في إدارة الأموال وصنع القرارات. وستقود الأمم المتحدة جهود تقديم المساعدات الإنسانية، بينما ستساهم الولايات المتحدة ودول الخليج بتقديم الدعم السياسي والمالي لتحقيق أهداف الخطة. ويتماشى هذا الطرح إلى حد كبير مع الرؤية الأمريكية في العديد من جوانبه.

خطة السلطة الفلسطينية

تسعى السلطة الفلسطينية إلى تعزيز استقلال الشعب الفلسطيني، وتوحيد المؤسسات الوطنية تحت قيادتها، والعمل على تحقيق حل الدولتين. تركز خطتها على تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وتقديم مساعدات إنسانية عاجلة، والوصول إلى تسوية سياسية شاملة تستند إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 67/19، الذي اعتمد في عام 2012، ومنح فلسطين صفة عضو مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

في مجال الحكم، سيتم توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة تحت مظلة السلطة الفلسطينية وفقًا لمبدأ “قانون واحد، سلطة واحدة، وسلاح واحد”. كما تتضمن الخطة إعادة تنظيم حكومة السلطة الفلسطينية؛ لضمان النظام والسيطرة على جميع الأراضي الفلسطينية.

أما في مجال الأمن، فستعمل قوات الأمن الفلسطينية تحت قيادة موحدة لضمان الاستقرار والسيطرة الأمنية. وستتولى السلطة الفلسطينية، بدعم من المانحين الدوليين، بناء البنية التحتية وتعزيز التنمية الاقتصادية، مع التركيز على تحقيق الاستقلال عن السيطرة الإسرائيلية من خلال إعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية القائمة. كما تسعى الخطة إلى عقد مؤتمر سلام دولي لتحقيق حل الدولتين بمشاركة عربية ودولية.

توافقات، وتباينات، وتحديات تواجه الخطط المطروحة:

تطرح الورقة عددًا من الإشكاليات والتحديات التي تستوجب الوقوف عليها لتحليلها وتقييم مدى إمكانية تحقيق هذه الرؤى على أرض الواقع. في هذا السياق، يمكن القول إنّ التصورات السابقة تتفق في بعض القضايا الأساسية، وتختلف بدرجات متفاوتة حول بعض القضايا والإجراءات العملية، ومن أهم تلك التوافقات والتحديات:

  1. استبعاد حركة حماس من أي دور مستقبلي. تشترك معظم الخطط المقدمة من الجهات الإقليمية والدولية في رفضها الواضح لأي دور مستقبلي لحركة حماس في إدارة قطاع غزة. ومع ذلك، قد يكون الموقف المصري أقل حدة مقارنة بما يظهر في النصوص الرسمية، حيث تشير النقاشات حول تشكيل لجنة الإسناد إلى احتمال منح حماس دورًا معيّنًا.

بطبيعة الحال، تتعامل العديد من الجهات الإقليمية والدولية حركة حماس كطرف غير شرعي في الحكم، فضلًا عن تصنيفها كحركة “إرهابية” لدى معظم الدول الغربية، في حين أنّ جزءًا من الدول العربية ينظر إلى حركة حماس بعين الريبة، وهذا الأمر نابع من تبني الحركة لمشروع الكفاح المسلح وارتباطاتها الإقليمية، لا سيما بـ”محور المقاومة”، وخلفياتها الأيديولوجية، وهي عوامل تقف وراء السعي الدولي والإقليمي لاستبعاد حماس عن الحكم ضمن أي ترتيب سياسي مستدام في غزة. ومن ناحية أخرى، يرى العديد من الفاعلين الإقليميين أن وجودها يشكل أحد العوائق أمام مشاريع التطبيع و”السلام” الإقليمية، بما يتماشى مع الرؤية الأمريكية – “الإسرائيلية”. ومع ذلك، لا تبدو مسألة إزاحة حماس عن المشهد السياسي الفلسطيني مسألة سهلة التحقق، نظرًا لقدرتها على الاستمرار في المواجهة على مدار الحرب، وتمتعها بشعبية سياسية مؤثرة، وغير ذلك من العوامل.

2. تتعارض الخطط الدولية والإقليمية لإيجاد بديل لحكم حماس في غزة مع المواقف الإسرائيلية التي ترفض بشكل قاطع أي دور رسمي للسلطة الفلسطينية في القطاع، كما عبر عن ذلك صراحة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتانياهو. وبعيدًا عن الحجج التي ترفعها حكومة الاحتلال لمعارضة عودة السلطة إلى القطاع، فإنّ السلوك الإبادي الذي ينتهجه الاحتلال في قطاع غزة يشير إلى أن مجمل التصور الإسرائيلي يهدف إلى تفكيك المجتمع الفلسطيني وتهجيره، مما يجعل أي دور للسلطة الفلسطينية غير ضروري من وجهة نظر إسرائيلية.

من ناحية أخرى، فإن عدم تحقق هدف التهجير الفوري، وترافقه مع عودة السلطة الفلسطينية للقطاع، يجعل دولة الاحتلال تخشى من تعزيز دور السلطة وتقوية مكانتها على الصعيد الدولي، مما قد يُستغل لدفع الضغط نحو تحقيق حل الدولتين أو إعادة الاعتبار لعملية السلام، وهو خيار ترفضه الحكومة الإسرائيلية الحالية بشدة. لذلك تسعى “إسرائيل” إلى الإبقاء على الوضع القائم الذي يضمن لها السيطرة على الحدود والمعابر، وتبعًا لذلك التحكم الكامل في الأنشطة الاقتصادية والأمنية داخل غزة، بما يعزز من إستراتيجيتها القائمة على تقويض أي جهود لتمكين الفلسطينيين من إقامة كيان مستقل ذي سيادة.

  • تحديات التنسيق بين الفاعلين الدوليين والإقليميين: تكشف الخطط المطروحة عن تناقضات جوهرية بين المصالح والرؤى السياسية للدول المعنية. على سبيل المثال، تعكس الخطة المصرية توجهًا يعتمد على تعزيز الحكم المحلي بحد أدنى من التدخل الدولي، بينما تفضل الإمارات والولايات المتحدة إشرافًا دوليًا مباشرًا، مع مشاركة قوى إقليمية ودولية في إدارة الأمن وإعادة الإعمار. هذا التباين يشير إلى احتمال وجود صعوبات في تحقيق توافق دولي حول الآلية المناسبة لإدارة غزة، لا سيما إن أخذ في عين الاعتبار أنه من غير الممكن استبعاد مصر من أي ترتيب مستقبلي لمصير القطاع؛ كونها تشكل الطرف الإقليمي العربي الأكثر تأثيرًا وتأثّرًا بمجريات الأمور في القطاع.

كما أنّ الخلافات بين الدول العربية الفاعلة، مثل مصر والإمارات، بشأن الأدوار السياسية والأمنية في غزة قد تزيد من تعقيد المشهد. علاوة على ذلك، ستظل العلاقات بين إسرائيل وهذه الدول عاملًا حاسمًا في تحديد مدى فعالية تنفيذ هذه الخطط، ومدى التجاوب الإسرائيلي مع هذه الطروحات، خاصة إذا اقترن الأمر بمساعي إعادة إيجاد مسار سياسي.

4[A1] .  تؤكد جميع الخطط، رغم اختلاف تفاصيلها، على أن الحل في غزة يجب أن يكون جزءًا من تسوية سياسية شاملة أو مؤقتة تضمن الاستقرار والاستدامة. ومع ذلك، تبرز محاولات واضحة لتقليص الدور الفلسطيني في صياغة هذه الحلول، بما في ذلك جهود تجاهل ضرورة توحيد الأراضي الفلسطينية تحت قيادة توافقية تشاركية تشمل جميع الفصائل.

يتطلب تحقيق هذه الرؤية العمل على تعزيز الأمن وإعادة بناء الاقتصاد، إلى جانب توفير إطار قيادي يعكس التعددية السياسية الفلسطينية. ومع ذلك، يظل تنفيذ هذا الطموح مرتبطًا بتجاوز الانقسامات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية، فضلاً عن الحاجة إلى ضمان دعم دولي مستمر وقوي لتحقيق هذه الأهداف بشكل واقعي ومستدام.

  • عوائق التنفيذ في الميدان: تواجه أي خطة مستقبلية لتغيير الحكم في غزة تحديات ميدانية كبيرة. من بين هذه التحديات، قدرة السلطة الفلسطينية على إعادة فرض سيطرتها على القطاع. يتطلب ذلك إعادة بناء المؤسسات، وضبط الأمن، والتعامل مع البنية التحتية المدمرة، والتوصل إلى تفاهمات مع فصائل المقاومة، لأنها ما زالت فاعلة ولها قدرات على الأرض وهي قادرة على التأثير بمجريات الواقع الغزي. إضافة إلى ذلك، قد تواجه القوات الدولية أو البعثات الإشرافية مقاومة محلية، سواء من القوى المؤيدة لحماس أو من سكان القطاع الذين قد ينظرون إلى هذه التدخلات كنوع من الاحتلال الجديد.

تبعًا لذلك، فإنّ خطة السلطة الفلسطينية تواجه عقبات جوهرية، من أبرزها ضعف نفوذها في قطاع غزة وتراجعه في الضفة الغربية، إضافة إلى الانقسامات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية التي تجعل مهمة السلطة شبه مستحيلة دون التنسيق مع فصائل المقاومة، ما قد يؤدي إلى اصطدام داخلي. بالإضافة إلى ذلك، تفتقر السلطة إلى القدرة على تحشيد الموارد الكافية لإعادة الإعمار وبناء المؤسسات، ما يجعل تنفيذ رؤيتها أمرًا بالغ الصعوبة. كما أنها لا تمتلك أية أوراق قوة للضغط على الاحتلال بالقبول بعودتها إلى قطاع غزة، أو القبول بالعودة إلى أي مسار سياسي، ولذلك فنجاح هذه الخطة يتطلب دعمًا دوليًا وإقليميًا قويًا ومستمرًا، وهو أمر يظل موضع شك كبير في ظل الوضع الراهن.

  •  احتمالية التأثير السلبي على السكان المدنيين: تشير الورقة إلى أن جميع الخطط المطروحة تركز على الأبعاد السياسية والأمنية خاصة تلك المتعلقة بدولة الاحتلال واعتباراتها، مع غياب واضح لإستراتيجيات مباشرة للتعامل مع الأزمة الإنسانية الحادة في غزة. يشكل هذا الأمر خطرًا على السكان المدنيين الذين يعانون من الفقر، والبطالة، ونقص الخدمات الأساسية. نجاح أي خطة مستقبلية يتطلب وضع احتياجات السكان في قلب الأولويات.

التصور الإسرائيلي الغائب الحاضر

مع أن الورقة استعرضت التصورات المطروحة إقليميًا ودوليًا، إلا أنّها تجاهلت التصور الإسرائيلي لما بات يعرف بـ”اليوم التالي”، في القطاع. فرغم غياب خطة إسرائيلية رسمية معلنة، إلا أنّ الممارسات والسياسات التي تتخذها دولة الاحتلال تعطي ملامح واضحة لتصورها حول مستقبل قطاع غزة. يتجلى هذا التصور في عدة نقاط أساسية، أبرزها رفض أي دور رسمي للسلطة الفلسطينية في القطاع، وأيضًا إحداث أكبر قدر من التدمير للبنية التحتية والخدمية والصحية، ومجمل بنى المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ لجعل قطاع غزة منطقة غير قابلة للحياة، تغدو مسألة إعادة إعمارها أكثر صعوبة مع استمرار حرب الإبادة.

تسعى “إسرائيل” إلى تثبيت سيطرتها من خلال فرض مناطق عازلة داخل القطاع بمسافات تمتد لأكثر من كم مربع على امتداد القطاع، والإبقاء على التحكم في المناطق الحيوية داخل القطاع، بالإضافة إلى ذلك، تصدر دعوات داخلية لإعادة الاستيطان في غزة، وهي خطوة تعكس نيات لفرض واقع جديد يتعارض مع المقترحات المعروضة.

تعكس السياسات الأمريكية تجاه غزة تقلبًا واضحًا، إذ تتماشى في معظم الأحيان مع الرؤية الإسرائيلية، مع تناقض بين الخطاب المعلن والسياسات الفعلية. على سبيل المثال، دعمت الولايات المتحدة مبادرات مثل “خطة الفقاعات الإنسانية”، التي تهدف إلى تقسيم غزة إلى مناطق منفصلة، مما يعمق عزلتها دون معالجة القضايا الأساسية أو تقديم حلول شاملة. هذه الخطط تتناقض مع التصريحات الأمريكية الداعية إلى تحقيق الاستقرار، ما يكشف عن ازدواجية في المواقف تخدم المصالح الإسرائيلية.

من المرجح أن يتعزز الانحياز الأمريكي للتصورات الإسرائيلية في حقبة الرئيس دونالد ترامب، الذي يتبنى سياسات أكثر انسجامًا مع الأجندة الإسرائيلية، فمع عودته واستمرار تأثير سياساته تجاه المنطقة والقضية الفلسطينية، قد تُستكمَل مشاريع تهدف إلى فرض وقائع جديدة على الأرض وفق الرؤية والرغبات “الإسرائيلية”.

 


[1] https://israelpolicyforum.org/post-war-governance-in-gaza-comparison-of-four-plans/

[2] إبراهيم دلايشة هو المدير التنفيذي لمركز الأفق للدراسات السياسية والتواصل الإعلامي.

[3] شيرا إيفرون هي المديرة العليا لبحوث السياسات في مؤسسة ديان آند جيلفورد جليزر، ومحللة في منتدى السياسة الإسرائيلية في نيويورك.

[4] للمزيد انظر/ي الرابط: https://israelpolicyforum.org/about/


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى