قراءة في المواقف الإسرائيلية من سقوط نظام الأسد
ساهر غزاوي
في ظل تطور الأوضاع الميدانية وتسارعها في سوريا، تتابع “إسرائيل” ذلك عن كثب، مدركة أن تقدم فصائل المعارضة، وإعلانها سقوط نظام حكم بشار الأسد في سوريا يتطلب استعدادًا كاملًا لمواجهة أي سيناريو محتمل.
بناءً على هذه المستجدات، يسلط هذا التقرير الضوء على آلية تعامل تل أبيب مع التطورات الأخيرة في سوريا، مع تحليل تداعيات هذه الأحداث على المشهد الإسرائيلي بشكل عام.
عملية “ردع العدوان” وسقوط نظام الأسد
في 27 تشرين ثاني/نوفمبر 2024، أطلق تحالف من فصائل المعارضة السورية، يضم “هيئة تحرير الشام” (المعروفة سابقًا بـ”جبهة النصرة”) وعددًا من فصائل الجيش الوطني المدعوم من تركيا، عملية عسكرية واسعة تحت اسم “ردع العدوان”. وأوضحت المعارضة أن العملية جاءت ردًا على استمرار قصف قوات النظام السوري وحلفائه لمناطق سيطرتها في أرياف إدلب، ضمن محاولات النظام استعادة “مناطق خفض التصعيد” التي أُنشئت وفق اتفاقيات أستانا. وسبق ذلك في 5 تشرين أول/أكتوبر 2024، هجوم بمسيّرات استهدف حفل تخرج ضباط في الكلية الحربية بمدينة حمص، مخلّفًا نحو 100 قتيل. واتهم جيش النظام السوري آنذاك “تنظيمات إرهابية مسلحة مدعومة من أطراف دولية معروفة” بتنفيذ الهجوم عبر مسيّرات محمّلة بالذخائر المتفجرة. في الوقت ذاته، كثّف النظام قصفه على مدن وبلدات في ريف إدلب ومدينة دارة عزة غربي حلب، ما أدى إلى مقتل 8 مدنيين وإصابة آخرين. ولاحقًا، أعلن “الجيش الوطني السوري” عن عملية جديدة باسم “فجر الحرية”، استهدفت مواقع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والمليشيات الكردية المسلحة في شمال شرق سوريا، إضافة إلى مواقع قوات النظام.
تهدف عملية المعارضة السورية، بحسب ما ذكرت مصادرها، إلى تنفيذ “ضربة استباقية” ضد قوات النظام، وهي تُعتبر أول خرق لخطوط التماس بين الطرفين في إدلب منذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعته تركيا وروسيا في آذار/مارس 2020.
تزامنت هذه التطورات مع تصاعد الاشتباكات في ريف حلب الغربي بين قوات النظام السوري والفصائل الموالية لإيران من جهة، وفصائل المعارضة من جهة أخرى، وسط تصعيد النظام لقصف المناطق المدنية. وفي تطور لافت، أعلنت الفصائل السورية المعارضة، فجر الأحد 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، عن مغادرة رئيس النظام السوري بشار الأسد العاصمة دمشق، داعية المهجّرين في الخارج للعودة إلى سوريا. معلنة طيّ صفحة حكم نظام البعث وآل الأسد في سوريا.
وبعد سقوط نظام الأسد، شنت الطائرات الإسرائيلية فجر الإثنين 9 كانون أول/ديسمبر 2024، سلسلة غارات استهدفت نحو 100 موقع في سوريا. وتزامن ذلك مع إعلان الجيش الإسرائيلي السيطرة على مواقع في “المنطقة العازلة” وقمة جبل الشيخ السوري. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الغارات استهدفت مواقع عسكرية مطلة على هضبة الجولان، بالإضافة إلى مستودعات أسلحة ومجموعات موالية لإيران في دير الزور شرقي سوريا. كما نفذ الطيران الإسرائيلي غارات على القلمون وقواعد للجيش السوري في ريف مدينة درعا، مستهدفة مستودعات الأسلحة. كما وردت أنباء عن هجمات إضافية في محافظة درعا ومواقع عسكرية أخرى في المنطقة. وقد أدى هذا الهجوم الذي أطلقت عليه اسم عملية “حيتس هباشان“، أو سهم الشام، إلى تدمير أكثر من 80% من القدرات الإستراتيجية للجيش السوري السابق، بما شمل سلاح الجو السوري والمطارات العسكرية، وسلاح البحرية، ومخازن الصواريخ، ومعامل الأبحاث العسكرية، ومنظومة الدفاع الجوي كاملة.
ترافق مع ذلك إعلان نتنياهو أن اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 قد انهار، وأن دولة الاحتلال ستسيطر على المنطقة العازلة داخل سورية، التي تبلغ مساحتها قرابة 400 كم مربع، بما يشمل نقطة جبل الشيخ. وعلى أثر ذلك احتلت قوات الاحتلال مدينة القنيطرة وعددًا من المدن والقرى السورية، وأصبحت على بعد 30 كم مربع عن العاصمة السورية دمشق.
التقييم الإسرائيلي لعملية “ردع العدوان”
أبدت مراكز الدراسات والصحف الإسرائيلية اهتمامًا كبيرًا بتطورات الوضع في سوريا بعد إسقاط نظام بشار الأسد، خاصة مع فشل توقعات بقائه. ورغم ذلك، أشارت معظم التحليلات إلى حالة من القلق، حيث تفاوتت ردود الفعل في تل أبيب. وتناول الإعلام الإسرائيلي بقلق سقوط نظام الأسد، مركزًا على التداعيات الإستراتيجية والأمنية لهذا التحول المفاجئ، وسط تساؤلات عن مستقبل المصالح الإسرائيلية والتحديات الأمنية التي قد تطرأ نتيجة لذلك.
تقييم ما قبل سقوط النظام
يرى معهد دراسات الأمن القومي أن توقيت هجوم فصائل المعارضة السورية لم يكن عشوائيًا، بل كان مرتبطًا بالأحداث التي بدأت في 7 أكتوبر 2023، وأن عنصر المفاجأة لعب دورًا حاسمًا في العملية. ويشير المعهد إلى أن الوضع الإقليمي، مثل تراجع دور حزب الله بسبب صراعه مع “إسرائيل”، وتقليص الدعم الروسي بسبب الحرب في أوكرانيا، ساهم في تعزيز موقف المعارضة.
ويوضح يارون فريدمان، الباحث والمحاضر في قسم الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية بجامعة حيفا، أن ضعف حزب الله في سوريا كان عاملًا مهمًا، لافتًا إلى أن “تركيا تعمل خلف الكواليس لتعزيز هجمات المعارضة وتزويدها بالأسلحة”، مما يزيد من تعقيد العلاقات بين “إسرائيل” وأنقرة. ويشير الباحث فريدمان إلى أن إحدى القضايا التي تثير قلق “إسرائيل” هي “الهوية الأيديولوجية للثوار الذين يقاتلون النظام السوري”، إذ تشارك هيئة تحرير الشام في غرفة العمليات المشتركة خلال الهجوم الأخير للمعارضة السورية. وهو يعتبر أن هذه الجماعات “تمثل تهديدًا ليس فقط للنظام السوري، بل أيضًا للأقليات في المنطقة”.
وفي ذات السياق، ترى صحيفة “يديعوت أحرنوت” أن الهجوم ضد الأسد يمثل فرصة مهمة لأردوغان، وأشارت إلى أن إيران أبدت قلقها من الأحداث، وأرسلت دعمًا عسكريًا عبر ميليشيات عراقية وحزب الله. وهو ما ذهب إليه المؤرخ الإسرائيلي إيال زيسر، فقد أثارت المعارضة السورية قلق إيران بهجماتها على نظام الأسد، مما دفعها إلى إرسال دعم عسكري عبر ميليشيات من العراق ومقاتلي حزب الله من لبنان. وأكد زيسر أن إسرائيل تخوض حرب بقاء منذ 7 أكتوبر 2023 ضد عدو يسعى لإبادتها، ممثلًا في حماس وأذرع إيران مثل حزب الله والمليشيات في اليمن والعراق. ورغم دعوته إلى عدم تدخل “إسرائيل” في الحرب السورية الحالية، يشدد زيسر على ضرورة منع تواجد عملاء إيران في سوريا ومنعها من نقل الأسلحة، كما حدث مع حزب الله سابقًا. وانتقد تردد “إسرائيل” في مواجهة هذه التحوّلات، محذّرًا من أن التراخي سيضعف موقفها في حرب البقاء، مؤكدًا أن الانتصار يتطلب اتخاذ إجراءات حاسمة.
من جهتها، رأت صحيفة “هآرتس” أن توقيت الهجوم كان مفاجئًا لكنه جاء في ظل تطورات إقليمية، مثل جهود تركيا لتطبيع العلاقات مع سوريا ووقف إطلاق النار بين “إسرائيل” ولبنان، ما منح المعارضة فرصة للتحرك مع ضعف قدرة حزب الله على التنقل. وأضافت الصحيفة أن الضغوط الإسرائيلية على الأهداف الإيرانية في سوريا أدت إلى تقليص وجود الحرس الثوري وقادة الميليشيات، مما زاد من وعي الفصائل بضعف النفوذ الإيراني. وتناول تحليل الصحيفة تأثير هجوم “هيئة تحرير الشام” وسيطرتها على حلب وإدلب وتقدمها نحو حماة وانعكاسه على سيطرة الأسد، مشيرة إلى أن السؤال المهم لتل أبيب هو ما إذا كانت روسيا وإيران ستعززان قواتهما لمساعدة الأسد، مع العلم أن موسكو وطهران اكتفتا بالتعبير عن القلق دون تحرك فعلي.
ونقلت صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية عن المعلق العسكري رون بن يشاي، أن الهجمات الإسرائيلية المتكررة على الجيش السوري وعناصر الحرس الثوري الإيراني والمتحالفين معهم في سوريا خلقت بيئة ساعدت فصائل المعارضة المسلحة على التقدم، حيث تمكنوا من التحرر من الضغوط وتنظيم صفوفهم للهجوم على القوات السورية. ورغم أن “إسرائيل” لم تقصد ذلك، إلا أنها أوجدت “الفرصة التي كانت تنتظرها الفصائل المسلحة”.
تقييم ما بعد سقوط النظام
توالت ردود الفعل الإسرائيلية التي يُتوقع أن تزداد زخمًا في قابل الأيام، متفقة على أن هذه اللحظة تمثل منعطفًا تاريخيًا في الشرق الأوسط. ويرى المراقبون أن “إسرائيل” تسعى للاستفادة القصوى منها لتعزيز سياستها الإقليمية. وفي هذا السياق، نشرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” في 5/12/2024 تقريرًا عن زيارة وفد إسرائيلي إلى روسيا لبحث الوضع في سوريا وقضية الرهائن في غزة. وأشارت الصحيفة إلى تصريحات مسؤولين عسكريين إسرائيليين، الذين أكدوا أن تقدم المسلحين في سوريا فاق التوقعات، وأن انهيار خطوط دفاع الجيش السوري حدث بشكل سريع. وأوضح المسؤولون أن مصلحة “إسرائيل” في هذا الصراع تكمن في استمرار القتال بين الأطراف المتنازعة، خاصة وأن أحد الجانبين يشمل الجهاديين السلفيين والآخر إيران وحزب الله. وأضافوا أن “إسرائيل” تفضل أن يضعف الطرفان بعضهما البعض، مع تأكيد أن “إسرائيل” لا تتدخل مباشرة، لكنها مستعدة للتعامل مع أي تطورات في المستقبل وفقًا للظروف.
وبعد سقوط النظام في سوريا، أعلنت “إسرائيل” أن هذا السقوط كان نتيجة مباشرة للضربات العسكرية التي وجهتها ضد إيران وحزب الله، وهما الداعمان الرئيسان لنظام بشار الأسد. وأكد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، خلال زيارته للحدود السورية، أن هذه الضربات أسهمت بشكل كبير في انهيار النظام، معتبرًا ذلك بمنزلة تحفيز للجهود الإقليمية الرامية للتحرر من سيطرة النظام السوري.
من جهته، أوضح معهد دراسات الأمن القومي أن الانهيار السريع لنظام الأسد ناتج عن غياب الدعم الفعّال من حلفائه في محور المقاومة؛ فالجيش السوري، الذي شهد عملية إعادة تأهيل مكثفة، تبين أنه ضعيف وغير فعال، في حين أن روسيا، التي قلصت من وجودها وركزت في منطقة الساحل حيث قواعدها العسكرية، لم تتمكن من الدفاع بشكل كبير عن نظام الأسد.
ووصفت صحيفة “يديعوت أحرنوت” سقوط النظام السوري بأنه يهدد فكرة الردع التي حاولت إيران بناءها في غزة ولبنان وسوريا في وجه “إسرائيل”. واعتبرت صحيفة “هآرتس” أن سقوط الأسد يشكل ضربة قوية للمحور الإيراني، لكنه قد يخلق صعوبات لـ “إسرائيل”. كما عبرت عن قلقها من النشاط المتزايد للمسلحين في منطقة الجولان، بالإضافة إلى الأضرار التي ألحقها الثوار بقوة مراقبي الأمم المتحدة والقرى الدرزية على الجانب السوري.
تلخص التوجهات الإستراتيجية الإسرائيلية الساحة السورية كأولوية قصوى، حيث تسعى إسرائيل لتقويض النفوذ الإيراني وقطع إمدادات الأسلحة عن حزب الله، في ظل مراقبتها للتحولات الناجمة عن سقوط نظام الأسد وعملية “ردع العدوان”. وتركز إسرائيل على استغلال ضعف إيران وتراجع حزب الله لتعزيز موقفها، لكنها تواجه مخاوف من فراغ أمني قد تستغله جماعات مسلحة مثل “هيئة تحرير الشام”. كما أن التدخل التركي المتزايد يعقّد العلاقات الإقليمية، بينما تظل روسيا لاعبًا غير مباشر. أما على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، فهناك دعوات لاتخاذ مواقف أكثر حسمًا لضمان أمن “إسرائيل” وحدودها الشرقية.
تداعيات الأحداث في سوريا على المشهد الإسرائيلي
تظل تداعيات الأحداث الجارية في سوريا على المشهد الإسرائيلي موضوعًا معقدًا، حيث تحمل تأثيرات كبيرة على السياسة والأمن في “إسرائيل”. فقد أعربت الاستخبارات الإسرائيلية عن قلقها من سرعة انهيار خطوط الدفاع للجيش السوري. وبحسب تقارير إسرائيلية، فإن الاستخبارات العسكرية والموساد لم يتمكنا من رصد أي استعدادات لهجوم المعارضة المسلحة، كما لم تُبذل جهود كافية لجمع معلومات استخبارية عن فصائل المعارضة. عمليًا، اعتمدت “إسرائيل” على مفهوم إستراتيجي يقوم على استقرار نظام الأسد، رغم أنها أعدت خطة سابقة لمواجهة احتمال سقوط الرئيس بشار الأسد، وتزايد خطر تسرب الأسلحة الإستراتيجية إلى المعارضة.
وتعتبر “إسرائيل” أن ما يجري في سوريا يشكل تهديدًا كبيرًا لأمنها، إذ يتيح للميليشيات الموالية لإيران التمركز العسكري في سوريا وعلى الحدود معها، مما يسهل تهريب الأسلحة إلى لبنان لتسليح حزب الله مجددًا. وتُعد هذه النقطة مصدر قلق رئيس لـ “إسرائيل”، إذ إن انهيار نظام الأسد قد يؤدي إلى تحول سوريا إلى دولة فاشلة مشابهة لليمن ولبنان وغزة، ما يتيح لإيران تمويل وإنشاء جيش إرهابي يهدد الأمن الإسرائيلي. إن ما يُعرف بـ “صوملة” سوريا، أي تحولها إلى دولة ممزقة وفوضوية على غرار الصومال، سيشكل تهديدًا كبيرًا للحدود الإسرائيلية، خاصة في مناطق الجولان والجليل الشرقي، مع وجود قوات جهادية سنية وشيعية في هذه المناطق.
وهناك من يرى أن الإطاحة بالأسد قد تكون بداية عهد جديد من الفوضى في سوريا، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني ويهدد استقرار المنطقة بأسرها، بما في ذلك “إسرائيل”. ومن المؤكد أن لـ “تل أبيب” مصلحة مباشرة في إضعاف الوجود الإيراني في سوريا، إذ سيُلحق ذلك ضررًا بإمدادات الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله اللبناني، وقد يساهم أيضًا في دفع الروس إلى مغادرة البلاد. ومع ذلك، يظل السؤال الأبرز في الوقت الحالي: ما هي البدائل المتاحة لشكل النظام في سوريا، وهل ستؤدي هذه البدائل إلى تحقيق الاستقرار أم ستزيد من تعقيد الوضع الأمني في المنطقة؟
من جهة أخرى، يرى معهد دراسات الأمن القومي أن الأحداث المتطورة في سوريا تحمل جوانب إيجابية وسلبية بالنسبة لـ “إسرائيل”. من الجانب الإيجابي، فإن ضربة قوية لنظام الأسد أو حتى سقوطه ستكون بمثابة ضربة مؤلمة لإيران ووكلائها، فضلًا عن روسيا. وسيُجبر هذا الوضع إيران على سحب قواتها من سوريا، مما سيقطع المسار المباشر لإعادة بناء حزب الله من خلال إمداده بالأسلحة عبر العراق وسوريا إلى لبنان. بالإضافة إلى ذلك، سيكون لنظام حكمٍ جديد في سوريا معادٍ لإيران تأثير مباشر على الميليشيات الموالية لها في العراق، ما سيجبر طهران على التركيز على أمنها المباشر، وهو ما سيكون بالضرورة على حساب اهتمامها بالمساس بـ “إسرائيل”. ورغم القلق من تعزيز قوة الجماعات “المتطرفة” بالقرب من الحدود وغياب “عنوان” واضح، إلا أن المعهد يرى أن القدرات العسكرية للمعارضة لا تقارن بتلك التي تمتلكها إيران وأذرعها. بجانب تعزيز استعدادات “إسرائيل” على الحدود الشمالية، ومن المهم تعميق الحوار مع الجهات السورية، الحكومية وغير الحكومية، لفهم الاتجاهات المستقبلية لسوريا، وربما التأثير في تشكيلها بما يخدم المصالح الإسرائيلية.
ويرى البعض بأن لا مصلحة لـ “إسرائيل” في سيطرة نسل تنظيم القاعدة على سوريا، في إشارة إلى “هيئة تحرير الشام” التي تتصدر هجوم المعارضة المسلحة. بل على العكس، كانت “إسرائيل” ترغب باستمرار حكم الأسد الضعيف وإبعاده عن المحور الشيعي. وقبل سقوط النظام السوري، لم تُجرِ “إسرائيل” مداولات إستراتيجية لتحديد أهدافها في هذا السياق، بحسب المحلل العسكري في القناة 13، ألون بن دافيد.
بالمجمل، ومن وجهة نظر إسرائيلية، قد تكون هزيمة النظام السوري ضربة إستراتيجية لإيران، لكنها قد تخلق تحديات أمنية كبيرة لـ “إسرائيل”. ومع سقوط الأسد، تبرز المخاوف من صعود قوى إسلامية “متطرفة”، مثل الجماعات السلفية الجهادية، التي قد تشكل تهديدًا أكبر على الحدود الإسرائيلية مقارنة بنظام الأسد وابنه. ومن جهة أخرى، فإن سيطرة المعارضة السورية، خاصة الجماعات الجهادية، قد تؤدي إلى الفوضى وتهديد الاستقرار الإقليمي. بذلك، لم يعد استمرار حكم الأسد تحت حماية روسيا، رغم عيوبه، خيارًا مطروحًا بعد سقوط النظام.
الخاتمة
تظل تداعيات سقوط نظام الأسد، والوضع الضبابي حاليًا في سوريا على المشهد الإسرائيلي موضوعًا معقدًا يتطلب متابعة دقيقة وفهمًا إستراتيجيًا عميقًا. إذ إنها تفرض تحديات كبيرة على “إسرائيل” على الصعيدين العسكري والأمني، كما أنها خلقت فرصًا كبيرة لها. فرغم أن “إسرائيل” ترى في الوضع السوري فرصة للحد من نفوذ إيران وحزب الله، فإن انهيار النظام السوري قد يؤدي إلى فوضى وصعود “جماعات متطرفة”، على حد وصفهم، مما يزيد التهديدات الأمنية. ومن أبرز القضايا التي تشغل “إسرائيل” هو إمكانية تمركز الميليشيات الإيرانية قرب الحدود، مما يشكل تهديدًا مباشرًا بسبب تهريب الأسلحة لحزب الله وللمقاومة الفلسطينية. كما تواجه “إسرائيل” تحديات في التعامل مع البدائل المحتملة لنظام الأسد، إذا كانت هذه البدائل جماعات متطرفة تحمل توجهات معادية لها. كما أن التغيرات في الوضع السوري قد تؤثر على العلاقات الإسرائيلية مع روسيا، مما يستدعي إعادة تقييم لسياساتها تجاه موسكو. وفي هذا السياق، تدرك “إسرائيل” حاجتها إلى إستراتيجيات واضحة للتعامل مع الوضع السوري، وتعزيز التواصل مع الأطراف السورية لعدم عودة النفوذ الإيراني، واستثمار الضربة القاسية التي تعرض لها “محور المقاومة”. وفي ظل هذه التحديات، قد تجد “إسرائيل” نفسها أمام خيارين: التصعيد العسكري أو البحث عن حلول دبلوماسية مع أطراف إقليمية مثل روسيا وتركيا. ولكن يبدو أنها قد حسمت الأمور عسكريًا لتعزيز موقفها في أي تسوية سياسية قادمة.