قراءة في المشهد السياسي الإسرائيلي (كانون أول/ 12-2015)

قراءة شهرية في المشهد السياسي الإسرائيلي، تصدر عن مركز رؤية للتنمية السياسية، وتعرض أبرز القضايا التي شغلت المشهد السياسي الإسرائيلي، ومواقف الحكومة والأحزاب الإسرائيلية منها.

ملخص

برزت على الساحة الإسرائيلية خلال شهر كانون الأول خمس قضايا رئيسة حظيت باهتمام سياسي وإعلامي وجماهيري إسرائيلي، أهمها استمرار الحراك الفلسطيني “الانتفاضة”، حيث ترى الحكومة واليمين ضرورة التعامل بشدة مع هذا الحراك، بينما ترى المعارضة اليسارية والأجهزة الأمنية ضرورة التوصل لحل سياسي، والتخلص من أسباب الحراك الشعبي وانسداد الأفق.

كما برزت قضية عودة العلاقات مع تركيا، حيث عبر اليمين عن رفضه وتحفظه، بينما رحب اليسار بتحفظ، أما الأجهزة الأمنية فشككت بنوايا تركيا، ثم جاء الاهتمام باغتيال سمير القنطار، فقد رحبت “إسرائيل” بكافة أطيافها بالعملية. من جهة أخرى ساد خلاف حول حركة كاسروا الصمت “شوبريم شتيكا” اليسارية، فقد هاجمها اليمين والحكومة بينما حاول اليسار الوقوف على الحياد، وعلى صعيد آخر حظيت استقالة وزير الأمن الداخلي سيلفان شالوم، والتي جاءت  بسبب دعاوى التحرش الجنسي، بترحيب إسرائيلي.

1 استمرار الحراك الفلسطيني “الانتفاضة”

يحتل ملف ما بات يعرف بانتفاضة القدس حيزًا واسعًا من النقاش الحزبي الإسرائيلي، سواء على مستوى الحكومة واليمين من جهة أو المعارضة من جهة أخرى، وصولاً إلى القيادات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.

1.1 أحزاب الائتلاف الحكومي

اعتبر حزب “الليكود”، التكتل الحاكم بزعامة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أن استمرار تحريض الفلسطينيين هو السبب الرئيس وراء استمرار أحداث الانتفاضةحداأ، وأن “إسرائيل” ستستمر في تشديد قبضتها تجاه الفلسطينيين، وردّ نتنياهو على وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي حذر من أن استمرار الأوضاع على حالها سيسهم في قيام دولة ثنائية القومية، حيث أكد نتنياهو أن قيام دولة ثنائية القومية أمر مرفوض، وأشار إلى أن الحل يكمن فقط في اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، بعدها يمكن لإسرائيل أن تقيم دولة فلسطينية منزوعة السلاح، ضمن اتفاق يحفظ القدس عاصمة موحدة لدولة “إسرائيل”، وقد تبنى نفتالي بينت زعيم حزب البيت اليهودي “هبايت هيهودي” موقف بنيامين نتنياهو الذي يرى ضرورة تشديد القبضة على الفلسطينيين، وإطلاق يد الجيش للقضاء على الانتفاضة الفلسطينية.

1.2 أحزاب المعارضة

اعتبر حزب يوجد مستقبل “يش عتيد” بزعامة يائير لبيد أن هناك خطرًا حقيقيًا يواجه “إسرائيل” في حال استمرت في السيطرة على الأراضي الفلسطينية، مؤكدًا على ضرورة الانفصال عن الفلسطينيين، مقترحًا عقد قمة في القاهرة أو الرياض بمشاركة دول الخليج للوصول إلى تفاهمات. من جانبها اعتبرت تسيفي ليبني من حزب المعسكر الصهيوني “همخنيه هتسيوني” أن الحل يكمن في العودة للمفاوضات مع الفلسطينيين، والوصول إلى تفاهمات تقود لإقامة دولة فلسطينية، مؤكدة أنه “لا حلول سوى الحل السياسي”.

أما أفيجدور ليبرمان زعيم حزب “إسرائيل” بيتنا “يسرائيل بيتينو”، فيرى أن تعاطي الحكومة برئاسة نتنياهو مع أحداث الانتفاضة ضعيف، مصرحًا بأن “على الحكومة القضاء على حكم حماس في غزة”، من أجل ايقاف ما أسماه “موجة الإرهاب”، متهمًا الحكومة بالمساهمة في إعطاء غطاء لقيادة حماس في غزة لتطوير الانتفاضة في الضفة.

1.3 القيادات الأمنية

أبدى أربعة رؤساء سابقين لجهاز المخابرات الإسرئيلية “الشاباك” موقفًا من الأحداث الجارية في الضفة المحتلة، وهم آفي دختر، ويعقوب بيري، وعامي أيالون، وكرمي جيلون، حيث أجمعوا على أن الإحباط الذي يشعر به الفلسطينيون بسبب الواقع العربي، وظروف الحياة الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون، وشعورهم بالإذلال على الحواجز؛ من أبرز أسباب استمرار أحداث “انتفاضة القدس”، وأشاروا إلى أنه لا أحد يستطيع التكهن إلى متى ستستمر الأحداث في ظل ضعف المعلومات الاستخبارية، مؤكدين أن الحل يجب أن يكون سياسيًا بما يضمن الانفصال عن الفلسطينيين.

2 عودة العلاقات مع تركيا

اهتمت الأحزاب الإسرائيلية اليمينية واليسارية بالحديث عن عودة العلاقات التركية الإسرائيلية، بعد أن كشف الإعلام الإسرائيلي عن قرب التوصل إلى اتفاق تسوية للعلاقات بين الطرفين، جاء في أبرز بنوده، حسب الإعلام الإسرائيلي، أن تقلل تركيا من نشاط حركة حماس على أراضيها، وتسمح بتصدير الغاز الإسرائيلي من خلالها إلى أوروبا، في حين ظلت تركيا مصرة على شرط رفع الحصار عن قطاع غزة التي ما زالت “إسرائيل” ترفضه.

2.1 أحزاب اليمين

رحب حزب التكتل الإسرائيلي “الليكود” بتحفظ بعودة العلاقات الإسرائيلية التركية، واعتبر رئيس “الليكود” بنيامين نتنياهو أن العلاقات بين تركيا و”إسرائيل” في طريق العودة إلى طبيعتها، وقد عبر عن ارتياح “إسرائيل” لما وصفه “طرد القيادي في حماس صالح العاروري من تركيا”، ولكنه أكد قائلاً بأنه “لا وجود لتفاهمات نهائية، كما نرفض شرط تركيا برفع الحصار عن قطاع غزة”.

أما حزب “إسرائيل” بيتنا “يسرائيل بيتينو” المعارض، فيرى أن عودة العلاقات مع تركيا لها ضرر سياسي كبير على “إسرائيل”، واعتبر زعيمه أفيجدور ليبرمان أن “إسرائيل” حققت إنجازًا سياسيًا من خلال علاقاتها مع قبرص واليونان، مشددًا على أنه إنجاز لا تجوز التضحية به مقابل عودة العلاقات التركية الإسرائيلية التي لن تدوم طويلاً ، بسبب توجهات الحزب الحاكم التركي، الذي يسعى لإعادة أمجاد الخلافة العثمانية، وبناء علاقات قوية مع أعداء “إسرائيل” وتنظيم داعش على حد قوله.

2.2 أحزاب اليسار

رحب حزب المعسكر الصهيوني “همخنية هتسيوني” والذي يضم حزبي اليسار، العمل “هعفودا” والحركة “هتنوعا” بإمكانية عودة العلاقات التركية الإسرائيلية إلى سابق عهدها،  حيث اعتبر يتسحاك هرتسوغ أن عودة العلاقات مع تركيا أمر هام كان يجب أن يتم قبل عامين من أجل تقليل الأضرار السياسية الواقعة على “إسرائيل”، بينما تبنت زعيمة حزب الحركة تسيبي ليفني الموقف نفسه، أما حزب “ميرتس” الأكثر يسارية بزعامة زهافا جلاؤون فلم يكن له تعقيب على تطورات العلاقة، لكن الحزب اعتبر أن العلاقة مع تركيا لا ينبغي أن تكون على حساب ما أسماهأسم “المذبحة” التركية بحق الأرمن.

2.3  أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية

شككت بعض الأطراف الأمنية الإسرائيلية في جدية تركيا في موضوع إعادة العلاقات مع “إسرائيل”، معتبرة أنها ليست المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن مصالحة سياسية مع تركيا، كما أن تركيا لا زالت وفق رأيهم تستضيف قيادات لحماس، لها دور فعال في العمل ضد “إسرائيل”، إلا أن تلك الأطراف الأمنية ألمحت لإمكانية تحقيق اختراق بهذا الشأن إذا ما مارست تركيا ضغوطًا على حركة حماس.

3 اغتيال سمير القنطار

كان هنالك شبه توافق إسرائيلي بين كافة الأطياف السياسية على الترحيب باغتيال سمير القنطار، وحظيت القضية باهتمام إعلامي إسرائيلي كبير، كالتذكير بالعمليات التي نفذها القنطار ضد دولة الاحتلال.

3.1 أحزاب اليمين

رحبت أحزاب اليمين الإسرائيلي باغتيال القيادي في حزب الله اللبناني سمير القنطار، فقد حيّا أفيجدور ليبرمان اليميني المعارض اغتيال القنطار، قائلاً “ليس لدينا فكرة عمن اغتاله، ولكننا نحيي من قام بذلك”، كما قالت وزيرة العدل أيليت شكيد معبرة عن موقف حزبها حزب البيت اليهودي ” هبايت هيهودي”، “أنا سعيدة جدًا، لقتل هذا الإرهابي الذي قتل فتاة وهشّم جمجمتها”.

أما بنيامين نتنياهو زعيم حزب “الليكود” فقال إن “أي اعتداء على إسرائيل سيواجه بقوة وحزم”، وذلك في سياق رده على تهديدات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، كما استدعى المجلس الأمني المصغر للاجتماع، وأجرى مشاورات مع الرئيس الروسي بهدف تنسيق التعاون في مواجهة ما أسماه الإرهاب.

3.2  أحزاب اليسار

علق زعيم المعارضة الإسرائيلية ورئيس المعسكر الصهيوني يتسحاك هرتسوغ، على  اغتيال القنطار بقوله إن هذه “عدالة تاريخية، القنطار كان إرهابيًا، ولم يترك طريق الإرهاب والقتل، المنطقة أكثر أمانًا بدونه”.

3.3  الأجهزة الأمنية

يسود الأجهزة الأمنية الإسرائيلة اعتقاد بأن حزب الله سيرد على اغتيال سمير القنطار، لكن هذا الرد لن يكون في مستوى يقود إلى حرب شاملة، وإنما  بهدف الحفاظ على الهيبة التي تآكلت بفعل تورطه في سوريا.

4 الخلاف حول حركة كاسروا الصمت “شوبريم شتيكا”

حركة كاسروا الصمت “شوبريم شتيكا” هي حركة يسارية تأسست عام 2004 من الجنود اللذين أنهوا خدمتهم في الجيش، وهدفهم جمع معلومات عن سلوك الجيش والمستوطنين في الضفة. وتعتبر هذه الحركة أن الجيش والمستوطنين يرتبكون أفعالاً غير مقبولة ترتقي في بعضها إلى جرائم الحرب، ومن شأنها أن تؤدي إلى تعميق التورط الإسرائيلي في الصراع مع الفلسطينيين وزيادة خسائر “إسرائيل” البشرية، كما أنها تعارض الوجود الإسرائيلي في الضفة المحتلة، وقد شهد الشهر المنصرم نقاشات ومواجهات حادة بين الأحزاب الإسرائيلية حول الحركة.

4.1  أحزاب اليمين

اعتبر حزب الليكود أن حركة كاسروا الصمت تضر بالمصالح الإسرائيلية، وتعطي شرعية لكل من يهاجم دولة إسرائيل، مطالبًا زعيم المعارضة يتسحاك هرتسوغ بإدانة الحركة والعمل ضدها، وطالب الليكود على لسان وزير الجيش بوجي يعلون بضرورة حظر الحركة.

وفي ذات السياق، اعتبرت أحزاب الحريديم “شاس” و”يهودات هتوراة”، أن هذه الحركة تضر بمصالح إسرائيل وتوسع من دائرة مقاطعتها، وتبنى أفيجدور ليبرمان زعيم “إسرائيل بيتنا” الموقف نفسه، مؤكدًا أن أغلب ما تدعيه الحركة عن تصرفات الجيش، هو محض افتراء وكذب.

4.2  أحزاب اليسار

اعتبر حزب “ميرتس” اليساري بزعامة زهافا جلاؤون أن حركة كاسروا الصمت هي حركة مشروعة، وأن القائمين على هذه الحركة هم أبطال، ومن يحاول إسكات الحركة فإنه يساهم بشكل كبير في الحملة ضد شرعية دولة الاحتلال.

من جانبه اعتبر يتسحاك هرتسوغ زعيم المعسكر الصهيوني “همخني هتسيوني”، أنه ضد أعمال حركة كاسروا الصمت، لكنه في نفس الوقت ضد كل من يحاول منع عمل الحركة، فـالديمقراطية، بحسب قوله، ” تتطلب أن أسمع حتى الرأي الذي لا يعجبني”.

4.3   الجيش الإسرائيلي، نفي ومطالبة بضم الحركة للجيش.

من جانبه اعتبر جيش الاحتلال أن الاتهامات الموجه للجيش عارية عن الصحة، معتبرًا أنه الجيش الأكثر أخلاقًا في المنطقة، كما اعتبر الجيش أن نشاطات الحركة في خارج “إسرائيل” تأتي في سياق جلب الدعم الاقتصادي، لأن ادعاء ارتكاب جرائم حرب في أوروبا يساهم في تجييش الدعم المادي.

5 استقالة سيلفان شالوم

أعلن سيلفان شالوم وزير الأمن الداخلي، والعضو البارز في حزب الليكود انسحابه من الحياة السياسية، بعد 23 عامًا من تمثيل ناخبيه في الكنيست وفي أكثر من وزارة، وجاءت استقالته بعد رفع دعوات قضائية تتهمه بالتحرش الجنسي، وقد أثارت القضية نقاشًا واسعًا في “إسرائيل”، وقد أكدت كافة الأحزاب ترحيبها باستقالة شالوم احترامًا للقانون ولتاريخه الطويل.

واعتبر حزب الليكود على لسان زعيمه بنيامين نتنياهو، أن سيلفان شالوم اتخذ القرار الصائب، قائلاً إن “شالوم خدم الدولة كثيرًا، واستقالته تأتي احترامًا لتاريخه الطويل ولقانون دولته، منوهًا إن لا أحد فوق القانون”.

فيما اعتبر حزب ميرتس اليساري بزعامة زهافا جلاؤون، أن استقالة سيلفان شالوم هي انتصار للقيم المطلوبة من منتخبي وممثلي الشعب، وهي أيضًا انتصار للنساء اللواتي تعرضن للتحرش والتزمن الصمت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى