قراءة في المشهد الإسرائيلي شباط 2016
الملخص:
اهتم المشهد الإسرائيلي بعدة قضايا خلال شهر شباط؛ كان أبرزها استمرار الانتفاضة الفلسطينية في ظل مطالبات اليمين بتشديد القبضة الأمنية، حيث اقترح ليبرمان خطة من عشر نقاط لمواجهة الانتفاضة. وفي السياق ذاته شهد شهر شباط اهتمامًا واسعًا بالعملية التي نفذها الشرطي الفلسطيني أمجد السكري لأنها نفذت بسلاح أجهزة السلطة، كما ساد الخلاف حول تصريحات رئيس هيئة الأركان غادي ايزنكوت التي قال فيها إنه لا يجوز لجندي تفريغ مخزن رصاص في فتاة تحمل مقصًا، حيث تعرض لانتقادات اليمين وتأييد اليسار.
وفي سياق منفصل، طالب المفتش العام للشرطة بتعزيز عناصر الأمن في المناطق العربية في الداخل المحتل خوفًا من ردات الفعل وإن اضطر لاستئجار شركات أمنية خاصة. من جهة أخرى أقرت وزارة التعليم الإسرائيلية عنوان “القدس الموحدة” شعارًا للعام الدراسي المقبل، وأيده اليمين لبث روح إسرائيل الموحدة في الأجيال القادمة.
من جانب آخر، أقر الكنيست قانون الجمعيات الذي يقنن التمويل الأجنبي بما لا يزيد على 50%، وهو ما انتقده اليسار الإسرائيلي بشدة لاستهدافه المنظمات الحقوقية واليسارية بالدرجة الأولى، وتطرق المشهد الإسرائيلي لحركة المقاطعة العالمية وتصريحات رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون التي عبرت عن انزعاجه من الأوضاع في القدس واستمرار الاستيطان فيها.
وحظي اقتراح إقامة كازينو في إسرائيل بجدل واسع، فقد اعتبره اليمين لعنة إلهية وبؤرة للجريمة المنظمة، بينما وجد فيه اليسار دعمًا للاقتصاد، ولكن يبدو أن الاقتراح سيقابل بالرفض.
وفي مجال آخر حظي الراب موسى بن ميمون بنقاش تاريخي حول حقيقة إسلامه، وتوصل التحقيق إلى نتيجه تفيد بأنه أسلم مجبرًا ولكنه عاد إلى اليهودية عند وصوله مصر.
وتستعرض هذه القراءة في نهايتها كتابًا صدر مؤخرًا بعنوان “حتى يعود الجندي الأخير: قصص وحدات العثور على مفقودي جيش الدفاع” يتطرق إلى تأصيل وأهمية إعادة الجنود المفقودين.
1. استمرار الانتفاضة الفلسطينية “عملية الشرطي الفلسطيني أمجد سكري”، ومطالبات بتشديد القبضة الإسرائيلية
اهتم المشهد السياسي الإسرائيلي بالنقاش حول استمرارية الانتفاضة الفلسطينية القائمة، وتنفيذ شرطي فلسطيني عملية إطلاق نار على حاجز الـ DCO والمخصص لمرور الشخصيات الدبلوماسية وحملة بطاقة الـ VIP، والذي يقع قررب مستوطنة بيت إيل “بيت الرب”، والتي تعتبر مستوطنة عقائدية، وكانت عاصمة لدولة إسرائيل الأولى، ويعتبر هذا الحاجز مهمًا على المستوى الإسرائيلي لخنقه مدينة رام الله.
• أحزاب اليمين
اعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية وزعيم حزب الليكود “التكتل” بنيامين نتنياهو، أن عملية الشرطي الفلسطيني مؤشر خطير، كون المنفذ هو أحد أفراد الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وباشر نتنياهو بفرض حصار على رام الله، وأعلن بعد عدة أيام نيته إقامة أسوار عازلة جديدة، وقال إن هناك معيقات قانونية أمام تنفيذ إجراءات الحكومة ضد الانتفاضة الفلسطينية، فيما أقرت الحكومة برئاسته هدم بيوت سبعة من منفذي العمليات، وطالب نفتالي بنيت زعيم حزب البيت اليهودي “هبايت هيهودي”، بضرورة إطلاق يد الجيش ودعمه بصورة أكبر لمواجهة الانتفاضة الفلسطينية، فيما هاجم افيجدور ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا “يسرائيل بيتينو” اليميني المعارض نتنياهو، معتبرًا أنه لا ينتمي للمعسكر اليميني القومي، مقدمًا خطة تتضمن عشر نقاط لمواجهة الانتفاضة الفلسطينية تمثلت بالآتي:
1. العودة للاغتيالات المركزة.
2. إيقاف تحويل الأموال للسلطة الفلسطينية.
3. طرد عائلات منفذي العمليات إلى قطاع غزة.
4. سحب الجنسية من عائلات منفذي العمليات.
5. السماح بلم شمل العائلات فقط في الجانب الفلسطيني.
6. هدم بيت من حاول تنفيذ عملية وليس من نفذ فقط.
7. تشديد العقوبة على العمال من غير تصريح ومشغليهم.
8. إقرار قانون إعدام لمنفذي العمليات.
9. عدم تحويل جثث الشهداء إلى أهاليهم.
10. إعلان حالة الطوارئ وقت الحاجة كما فعلت فرنسا بعد العمليات على أراضيها.
• أحزاب اليسار والوسط
اعتبر زعيم حزب العمل “هعفودا” يتسحاك هرتسوغ وزعيم المعارضة، أن استمرار الانتفاضة الفلسطينية يأتي بسبب الضعف الذي يمر به بنيامين نتنياهو وكذلك الرئيس الفلسطيني محمود عباس، معتبرًا أن كلا الطرفين قد تعب ويفتقر إلى الجرأة في اتخاذ قرارات مصيرية، وأقر حزب العمل في نفس الوقت خطة زعيمه السياسية وهي:
أولاً: انسحاب أحادي الجانب من بعض المناطق الفلسطينية لضمان الأمن للإسرائيليين.
ثانيًا: بعد الانسحاب من الممكن الحديث عن مفاوضات بين الطرفين.
من جانبه اعتبر يائير لبيد زعيم حزب يوجد مستقبل “يش عتيد” المعارض، أن النواب العرب في الكنيست شركاء في التحريض على الانتفاضة، ودعا إلى فتح تحقيق ضدهم، مؤكدًا أن مواجهة الانتفاضة تتطلب حكومة لا يرأسها نتنياهو.
• موقف الشاباك والجيش الإسرائيلي
نظر الشاباك الإسرائيلي بخطورة كبيرة إلى استمرار الانتفاضة الفلسطينية، وقيام شرطي فلسطيني بتنفيذ عملية ضد جنود إسرائيليين، معتبرًا أن خطورتها تكمن في العديد من الاتجاهات:
أولاً: احتمالية دخول المزيد من أفراد الأجهزة الأمنية، غير المقتنعين بالتنسيق الأمني، لدائرة الانتفاضة الفلسطينية.
ثانيًا: الخشية من انتقال سلاح الأجهزة الأمنية إلى خلايا تنظيمية.
ثالثًا: الخشية من تطور عمليات الانتفاضة الفلسطينية وصولاً إلى عمليات تفجيرية ونوعية في الداخل الإسرائيلي، حيث الاستمرار سيقود إلى ذلك.
رابعًا: الجيش قام ويقوم بكل جهد ممكن للقضاء على الانتفاضة الفلسطينية، لكن لا يمكن توقع العمليات الفردية.
2. الخلاف حول تصريحات رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي غادي ايزنكوت
أثارت تصريحات رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي غادي ايزنكوت الخلافات في الساحة الإسرائيلية، حيث قال إنه لا يجوز أن يفرغ جندي مخزن رصاص في فتاة تحمل مقصًا، ولا يجوز العمل وفق مبدأ “من جاء ليقتلك بادر بقتله”.
• موقف أحزاب اليمين
حظيت تصريحات ايزنكوت بهجوم حاد من بعض الأطراف اليمينية، حيث اعتبر وزير الأمن الداخلي جلعاد اردان، من حزب الليكود، التصريحات مرفوضة لأن الجيش الإسرائيلي يعمل وفق أخلاقيات معلومة ولم يحدث مطلقًا أن قام جندي إسرائيلي بإفراغ جعبته في فتاة تحمل مقصًا، فيما اعتبر نائب رئيس الكنيست بتسلال سيموتريتس، من حزب البيت اليهودي، أن كلام ايزنكوت فيه نوع من الإذلال والاستخفاف بالقيم اليهودية التي تربى عليها الشعب اليهودي والجيش الإسرائيلي، فيما حاول وزير الدفاع موشيه يعلون الدفاع عن ايزنكوت معتبرًا أن أقواله قد أسيء فهمها.
• موقف أحزاب اليسار والوسط
رحبت أحزاب اليسار والوسط بتصريحات ايزنكوت، واعتبر يتسحاك هرتسوغ زعيم المعسكر الصهيوني “همخنيه هتسيوني” والمعارضة الإسرائيلية، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية سلم رقبة ايزنكوت لأعضاء الكنيست ووزراء الحكومة حينما السماح لهم بتوجيه نقد حاد لايزنكوت، معتبرًا أن الجيش صمام أمان يمنع المساس به، كذلك تبنى يائير لبيد زعيم يوجد مستقبل “يش عتيد” نفس الموقف معتبرًا أن مهاجمة رئيس هيئة الأركان هي استخفاف بالجيش.
3. مطالب بتعزيز الشرطة الإسرائيلية في المناطق العربية في الداخل المحتل
صرح المفتش العام للشرطة الإسرائيلية الجنرال روني الشيخ أمام لجنة الداخلية التابعة للكنيست أن الوضع الإجرامي في مناطق 1948 بالنسبة للمواطنين العرب أصبح لا يحتمل، وكذلك أضاف أن من أولويات الشرطة توفير الأمن في القدس، وأشار الشيخ لأهمية شركات الحراسة الخاصة، حيث أن استخدامها يهدف إلى المساهمة في الأمن الوقائي لمنع وقوع الجريمة وخصوصًا في ظل تردي الوضع الأمني.
من جهته قال وزير الأمن الداخلي أردان: إن الوسط العربي بحاجةٍ إلى إنشاء 100 محطة شرطة عندما تتوفر الميزانيات، علمًا أن عدد عناصر الشرطة الذين يعملون في الوسط العربي يبلغ 1300 فقط، ووعدت لجنة المالية في الكنيست بدراسة إمكانية تخصيص ميزانيات استثنائية لدعم عمل الشرطة.
4. إقرار وزارة التعليم الإسرائيلية “القدس الموحدة” عنوانًا للعام الدراسي المقبل
أقر وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بنيت عن حزب البيت اليهودي عنوان “القدس الموحدة” شعارًا للعام الدراسي المقبل.
رحبت أحزاب اليمين بشكل عام بخطة وزير التعليم الإسرائيلي معتبرة ذلك ضرورة هامة، من أجل بث روح إسرائيل الموحدة للأجيال القادمة والوقوف بوجه من يريدون تقسيم القدس “في إشارة لخطط اليسار وحاييم رامون”، فيما اعتبر دوب هلبرتل، وهو قطب بارز من أقطاب الحريديم، أن هذه الخطة تحوي بين طياتها نوعًا من الجنون والمخاطرة، معتبرًا أن استمرار السيطرة على القدس الشرقية يُفقدها طابعها اليهودي.
من جهة أخرى، هاجمت أحزاب الوسط واليسار الإسرائيلي خطة وزير التعليم بنيت، حيث قال يتسحاك هرتسوغ زعيم المعارضة: “لست أدري عن أي قدس موحدة يتحدث بنيت، هل هي القدس التي يوجد بها 350 ألف فلسطيني!؟ كلنا نحب القدس ومن يريد الحفاظ عليها، يجب أن ينفصل عن الفلسطينيين للحفاظ على يهوديتها.”
5. إقرار قانون الجمعيات في القراءة الأولى
أقر الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الأولى قانون الجمعيات، والذي ينص على أن أي جمعية تتلقى تمويلاً خارجيًا بقيمة 50% عليها أن تقدم ذلك بأوراق رسمية، وقد صوت 50 عضو كنيست لصالح القانون فيما عارضه 43 عضوًا. يذكر أن وزيرة العدل اييلات شاكيد من البيت اليهودي هي من اقترحت القانون.
• موقف أحزاب اليمين
رحبت أحزاب اليمين بالقانون معتبرة أن الحكم الديمقراطي، يقتضي نقاش أي موضوع داخل قبة البرلمان، حيث اعتبرت شاكيد أن أحزاب اليسار تحتكر الديمقراطية والعدل لنفسها، وقد دعم القانون غالبية أعضاء الكنيست اليمينيين من الليكود والبيت اليهودي وكذلك حزب المركز كولانو، علمًا أن اقتراح القانون جاء بهدف تقليم المنظمات الحقوقية اليسارية في إسرائيل والتي تتلقى دعمًا من دول أجنبية، وذلك بسبب اعتراضها على الجرائم التي تقوم بها مؤسسات الحكومة الإسرائيلية، ومعارضتها التوجه اليهودي واليميني المتطرف في إسرائيل.
• موقف أحزاب اليسار والوسط
اعتبرت أحزاب اليسار والوسط الإسرائيلي، أن قانون الجمعيات الذي أقره الكنيست يعتبر بمثابة تدمير للديمقراطية، حيث رأى يتسحاك هرتسوغ زعيم المعارضة والمعسكر الصهيوني، في هذا القانون ما يسبب ضررًا لأصدقاء إسرائيل والمدافعين عنها، مطالبًا أعضاء الكنيست بفهم القانون بعمق، فيما تخوف يائير لبيد زعيم يوجد مستقبل من أن هذا القانون سيدفع باتجاه تحول بعض الجمعيات إلى أوروبية بالكامل، وأن المقصود من وراء هذا القانون هو طرف واحد على الساحة الإسرائيلية “في إشارة إلى اليسار”، بينما ذهب حزب ميرتس اليساري إلى أن هذا القانون يهدف إلى تقويض اليسار الإسرائيلي، ورأى فيه الحزب تهديدًا واضحًا للديمقراطية، ودليلاً على وحشية اليمين الإسرائيلي ونفاقه.
6. حركة المقاطعة العالمية وتصريحات رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون
أبدى رئيس وزراء بريطانيا انزعاجه للوضع في القدس الشرقية ورفضه لاستمرار الاستيطان فيها، مما أثار ردود فعل رسمية وغير رسمية ضد تصريحاته، كذلك أثارت شعارات المقاطعة العالمية “BDS” ردود فعل محلية إسرائيلية غاضبة.
وعبّر المسؤولون اليمينيون وبنيامين نتنياهو بأن الحكومة الإسرائيلية تعمل بكل قوتها للقضاء على حركة المقاطعة العالمية، وقال نتنياهو إن حكومته عملت فورًا لإزالة شعارات العنصرية التي انتشرت في لندن، وفيما يتعلق بتصريحات رئيس الوزراء البريطاني كاميرون قال نتنياهو “إنها تجاوزت العديد من الحقائق، فسيادة إسرائيل على القدس هي التي تمنع حماس وداعش من السيطرة عليها”، وكذلك ردّ رئيس بلدية القدس اليميني نير بركات بأن الوضع في القدس أفضل مما كانت عليه أيام الانتداب البريطاني، مشيرًا إلى أن إسرائيل طورت البنية التحتية إلى أبعد الحدود في القدس الشرقية، متسائلاً هل ينزعج كاميرون من المدارس والمستشفيات المتطورة التي تقدم الخدمات للجميع على حد قوله.
بينما ذهبت أحزاب الوسط واليسار الإسرائيلي إلى أن سياسة الحكومة الإسرائيلية ستؤدي إلى المزيد من النقد العالمي وستقوي من حركة المقاطعة العالمية، وأكدت أن على إسرائيل اتخاذ خطوات في اتجاه حل الصراع وتقوية الدبلوماسية الخارجية التي قضى عليها نتنياهو وفق تعبيرهم، فيما أشار يائير لبيد بأنه هو، وليست الحكومة الإسرائيلية، من قام بالتواصل مع السلطات في لندن من أجل إزالة شعارات العنصرية.
7. هل سيقام كازينو “أخيرًا” في إسرائيل؟
دار نقاش بعد تقديم اقتراحات عدة من قبل وزير السياحة الإسرائيلي لإقامة كازينو في إيلات لدعم السياحة التي انخفضت 40% خلال السنوات الخمس الأخيرة، وكانت الحكومة الإسرائيلية شكلت لجنة برئاسة المحاسب يحزقيل فلومين حيث أوصت بإقامة كازينو في المنطقة الحرة في إيلات، بشرط منع الإسرائيليين من دخوله واقتصار ذلك على السياح الأجانب، وتأتي هذه الخطوة بعد أن أغلق كازينو “اوزي” في أريحا الذي أقيم في العام 1998 في مناطق السلطة الفلسطينية ولم يعمل سوى سنتين، وكان يستقبل كل يوم 3000 إسرائيلي تحت إجراءاتٍ أمنية مشددة، وقد أغلق الكازينو بعد اندلاع الانتفاضة الثانية.
وفشلت كل المحاولات الإسرائيلية السابقة في فتح كازينوهات، فدائمًا ما يتحالف أعضاء الكنيست من الليكود واليمين وبعض اليسار لإفشال المشروع بحجة أن الكازينوهات بؤر للجريمة المنظمة، وسبب في إفلاس وانهيار الشركات، عدا عن اللعنة الدينية والإلهية التي ستلحق بإسرائيل بسببها.
أما من يؤيد إقامة الكازينوهات فإنه يدعم حجته بأن إغلاقها سيؤدي إلى زيادة الاغتصاب، ولجوء المدمنين على القمار إلى الخارج، وأن أكثر من 15 مليار شيكل (4 مليار دولار ) تستهلك في القمار غير القانوني والتي قد تذهب إلى خارج إسرائيل. ورغم ذلك من الواضح أن الاقتراح لن يمر بسبب المعارضة الشديدة من اليمين والائتلاف الحكومي.
8. صحيفة هآرتس :هل الراب موسى بن ميمون قد أسلم حقًا؟
نشرت صحيفة هآرتس تحقيقًا تاريخيًا قام به البروفيسور أمير مزوس من الجامعة العبرية، المتخصص في التاريخ الإسلامي حول الراب والطبيب اليهودي المشهور موشيه بن ميمون “موسى” (1138 – 1204 ) ، وكان سؤال البحث: هل الراب موسى بن ميمون قد أسلم حقًا، أم بقي على يهوديته في السر؟
لقد عاش موسى بن ميمون في الأندلس ثم هاجر مع عائلته إلى المغرب أيام حكم دولة الموحدين، وكان حينها في العاشرة من عمره، ودولة الموحدين، حسب البحث، كانت تخير النصارى واليهود بين بالدخول في الإسلام أو القتل، فاختارت عائلة موسى بن ميمون أن تسلم، وحفظ الابن موسى القرآن غيبًا، وتعلم الشريعة والطب وأبدع فيه، ثم هاجر إلى مصر وأصبح الطبيب الخاص للعائلة الحاكمة الفاطمية، ثم أصبح الطبيب الخاص لصلاح الدين الأيوبي.
يجيب المؤرخ اليهودي أن الراب موسى بن ميمون قد عاد إلى اليهودية عندما عاد إلى مصر، وأصبح الزعيم الروحي والسياسي للطائفة اليهودية في مصر كلها، وعندما هدده أحد الذين يعرفون بإسلامه أثناء وجوده في المغرب اضطر لاستئجار قاتل مأجور وقتله.
يعلق المؤرخ أمير مزوس متهمًا المؤرخين المسلمين بأنهم يلجؤون إلى اتهام هذا الرجل اليهودي “الناجح جدًا” والذي استطاع أن يصل إلى أعلى المراتب.
لا شك أن المؤرخين اليهود يعترفون بأن تاريخ اليهود في ظل الحكم العربي والإسلامي لم يدون إلا على يد المؤرخين العرب والمسلمين كجزء من التاريخ العام، وهذه القضية تحظى بأهمية خاصة، لا سيما وأنها تتحدث عن واحد يعتبره اليهود من أهم مراجع الفقه اليهودي، وقد شغل ،كذلك، منصب الطبيب الخاص لصلاح الدين الأيوبي، ولكن تبقى هذه الرواية التي عرضها البروفيسيور أمير ميزوس من زاوية إسرائيلية.
9. استعراض كتاب: حتى يعود الجندي الأخير: “قصص وحدات العثور على مفقودي جيش الدفاع”
من الإنتاجات الفكرية التي صدرت مؤخرًا كتاب (حتى يعود الجندي الأخير: “قصص وحدات العثور على مفقودي جيش الدفاع”)، ويتحدث مؤلفه “يرح باران” فيه عن وحدة “إيتان” التي شارك هو نفسه في إنشائها عقب حرب تشرين 1973 لمعرفة مصير 2000 جندي إسرائيلي فقدوا في خضم الحرب. الوحدة التي يزعم “باران” بعدم وجود نظير لها بين الأمم، تشكلت بمبادرة من مجموعة من المتطوعين أبرزهم المؤرخ وخبير العثور على المفقودين “شلومو بن-إلكانا”، والذي سبق وأن نجح في اكتشاف مدفن عظام “أفشالوم فاينبرج” أحد أفراد خلية التجسس اليهودية “نيلي” والتي عملت لصالح الإنجليز أثناء الحرب العالمية الأولى.
يستعرض “باران” في الفصل الأول من الكتاب أبرز منجزات الوحدة من حيث:
– العثور على جثتي طيارين في دلتا النيل بعد ما يقرب على عقدين من انتهاء الحرب.
– تحديد موقع طائرة الهليوكبتر التي قتل فيها عاطف شقيق أنور السادات في حرب 1973، (الرواية المصرية تتحدث أن عاطف السادات استشهد في طائرة سوخوي 7).
– تحديد مصير عدد من الجنود الذين فقدوا على جبهة الجولان.
في الفصل الثاني ومن خلال المقارنة بين الثقافات الإبراهيمية الثلاث؛ الإسلامية، والمسيحية، واليهودية، يحاول وبشكل متعسف أن يؤكد خصوصية استعادة قتلى الحرب في الثقافة اليهودية، وذلك من خلال رد الثقافة الإسلامية إلى العنصر البدوي دائم الترحال، وغير المكترث بالبيت الثابت، ولا بالقبر الثابت، متجاهلاً كل النصوص والشواهد الإسلامية المتعلقة بكرامة الإنسان حيًا وميتًا.
رغبة المؤلف في إبراز الخصوصية اليهودية، جعلته لا يرى من النصب التذكارية ومقابر الجنود الأوروبيين المنتشرة عبر العالم إلا تضمنها لقبور جنود مجهولين، متخذًا من ذلك دليلاً على ما ذهب إليه من كون الثقافة المسيحية لا تولي قتلى ومفقودي الحرب الأهمية التي توليهم إياها الثقافة اليهودية.
أما في الجزء الذي خصصه المؤلف للمكانة الخاصة لقضية جثث المفقودين في النصوص اليهودية، فقد ساق لذلك نصوصًا من سفر التثنية تحض على استعادة جثث القتلى اليهود ولو كانوا خاطئين، بالإضافة لاقتباسات من سفر صموئيل الأول، تبرز اهتمام الملك داوود باستعادة جثث شاؤول وأولاده الذين قتلوا على يد الفلستيين، وعلقت رؤوسهم على أسوار المدن الفلستية.
الكتاب ورغم صدوره بعد عدوان 2014 على غزة، والجدل الذي ثار في المجتمع الإسرائيلي حول إجراء “هنيبعل” أي السماح لجيش الاحتلال في الحالات التي لايمكن فيها إنقاذ أسير بقتله مع آسريه، لأن الجندي الميت أفضل من الجندي الأسير، فإنه لم يتطرق إلى كون حساسية المؤسسة العسكرية المفرطة حيال قضية الجنود المفقودين قد تدفعها إلى قتل جنودها أنفسهم مع خاطفيهم، كما حدث في عدوان 2014، فالكتاب وكما هو واضح من تركيزه على وحدة “إيتان” المكونة من متطوعين، دون التركيز على وحدة الجيش الرسمية “ميتان”، يهدف إلى إذكاء روح بدا المجتمع الإسرائيلي اليوم مفتقدًا لها، عبر سرد قصص بحث وتعقب أقرب ما تكون إلى المغامرات منها إلى العمل المؤسساتي المهيمن على الجيش الإسرائيلي في حقيقة الأمر.
يجدر التنويه هنا إلى أن الجيش الإسرائيلي أقر رسميًا عبر موقعه الإلكتروني من خلال تصريح للميجير جنرال “بيرمان” بوجود خمسة جنود مفقودين، بالإضافة إلى 179 جنديًا آخر لم يعرف مكان دفنهم قتلوا خلال الفترة الممتدة بين 1947 وحتى يومنا هذا.