قراءة في أبرز إصدارات مراكز الأبحاث الإسرائيلية خلال شهر تشرين ثاني/ نوفمبر 2018

مقدمة

تتناول هذه القراءة أهم ما أوردته أشهر مراكز الأبحاث في “إسرائيل” خلال شهر تشرين ثاني/ نوفمبر 2018. منها اليوم الدراسي الذي عقده مركز هرتسليا للدراسات الاستراتيجية، حول العلاقات الصينية الإسرائيلية، في ظل وجود علاقة قوية بين الصين وإيران، وتخوف “إسرائيل” من تأثير علاقتها المتنامية مع الصين، على علاقتها مع الولايات المتحدة.

كما تتناول هذه القراءة كلا من التقرير الذي أعده المركز المقدسي لدراسات الجمهور والدولة، حول الحرب النفسية بين “إسرائيل” وحماس. ونتائج استطلاعين أعدهما المركز الإسرائيلي للديمقراطية، أحدهما حول حل الدولتين، والثاني حول التعامل مع منفذي العمليات من الفلسطينيين. وأخيرًا الجدل بشأن الخطة السياسية التي أعدها مركز دراسات الأمن القومي، حول الحل مع الفلسطينيين.

وكانت أبرز خلاصات إصدارات هذه المراكز خلال هذا الشهر، ما يلي:

  • تعتبر الصين أنّ علاقتها مع إيران هي علاقة استراتيجية، بينما علاقتها مع “إسرائيل” ما زالت في طور الصداقة.
  • على “إسرائيل” الحذر من توتير علاقاتها مع الولايات المتحدة، على خلفية تنامي علاقاتها مع الصين.
  • تمارس حماس حربًا نفسية على “إسرائيل”، بعد العملية الإسرائيلية الأخيرة في خانيونس.
  • باتت الحرب على إدارة قطاع غزة بين يحيى السنوار وإسماعيل هنية، مكشوفة في القطاع.
  • تُعارض غالبية الجمهور الإسرائيلي حلّ الدولتين، بعد أن كان 70% يؤيدون ذلك عام 2007.
  • يؤيد 90% من الجمهور الإسرائيلي هدم بيوت منفذي العمليات من الفلسطينيين.
  • يؤيد 82% من الجمهور الإسرائيلي قصف المساجد لدواعٍ أمنية.
  • تقوية السلطة الفلسطينية هي مصلحة إسرائيلية، لضمان دولة يهودية ديمقراطية.

أولا: مركز هرتسليا للدراسات الاستراتيجية1

في الخامس والعشرين من تشرين ثاني/ نوفمبر، عقد المركز، بالتشارك مع المجلس الإسرائيلي للعلاقات الصينية الإسرائيلية، يومًا دراسيًا حول العلاقات الصينية الإسرائيلية، تحت عنوان “كيف يُمكن تقييم العلاقات بين الطرفين، في ظل العلاقات الصينية الإيرانية، والإسرائيلية الأمريكية` CITATION مرك182 l 11265 `.

شارك في اليوم الدراسي كل من رئيس المركز اللواء السابق عاموس جلعاد، ورئيس الموساد السابق أفرايم هليفي، ورئيس اللجنة الإسرائيلية للعلاقات الخارجية تومي شتاينر، والباحث البارز في المركز دان ماريدور.

استهل أفرايم هليفي حديثه بالإشارة إلى مساعي الولايات المتحدة لتدشين العديد من المشاريع في أقصى الشرق، في إشارة إلى استشعارها للخطر الاقتصادي الصيني. كما تطرق هليفي إلى مساعي الاتحاد الأوروبي للعمل الداخلي المشترك، من أجل الوقوف في وجه التحديات التي تفرضها الصين في مجالي الموانئ والتكنولوجيا.

الأهم من وجهة نظر هليفي، هي السياسات الصينية في الشرق الأوسط، والتي أوضح أنّها تتركز بشكل كبير في إيران، حيث أنّ النفط الإيراني حيوي بالنسبة للصين، التي تستثمر بشكل كبير في البحث عن حقول النفط الإيرانية، وتأمين وصول النفط الإيراني إليها. لذلك فإنّ حيوية النفط الإيراني بالنسبة للصين، تجعل من الأخيرة، وفق مسؤول صيني كبير، غير قلقة من المشروع النووي الإيراني، الذي لن يُشكل خطورة على الصين، إنما تكمن الخطورة في وصول سعر برميل النفط إلى حوالي 200 دولار، وهذا ما يجعل الصين تزيد من تواجدها في المنطقة، تحديدًا في منطقة الخليج، وهذه رسالة واضحة من الصين.

كما أشار هليفي إلى أنّه لا يستطيع أن يتخيل دورًا لـ “إسرائيل” في الاقتصاد العالمي، دون أن تقيم علاقة قوّية مع الصين، ولذلك يجب مضاعفة الجهود من أجل الوصول إلى هذا الهدف. وتطرق هليفي إلى الوجود الروسي في المنطقة، واعتبر أنه تجاوز مرحلة الوجود إلى مرحلة باتت فيها روسيا تعتبر نفسها جزءًا من الشرق الأوسط، وترتبط هي الأخرى بعلاقات مع إيران. فأمام هذه المعادلة، كما يرى هليفي، على “إسرائيل” العمل لتطوير علاقاتها مع الصين وروسيا، دون الحاجة للاحتكاك معهما في الملف الإيراني.

ما لم يقله هليفي هو أن يكون تجسير العلاقات مع الصين، من خلال إلقاء الملف الإيراني برمته في الحضن الأمريكي. بمعنى أنّ “إسرائيل” التي لا تستطيع الدخول في احتكاك مع الصين وروسيا حيال الملف الإيراني، عليها عدم المجازفة بتوتير العلاقات معهما، في ظل أنّ الولايات المتحدة تقوم بدور تقنيب الأظافر الإيرانية، وبالتالي تخليصها من عبء خطر الملف النووي الإيراني. وبهذا تجني “إسرائيل” علاقات جيدة مع الصين، وتطمئن من جانب الخطر الإيراني.

من جانبه، ذكر رئيس المركز عاموس جلعاد أن قضية العلاقة مع الصين تلاحقه منذ سنوات، وأنه كان دائما يُفكر حيال تساؤلٍ بارز: ماذا على “إسرائيل” أن تفعل مع الصين، في ظل النظرة الصينية المقدرة لـ “إسرائيل”، التي ترى أنّ الشعب اليهودي خاص بتركيبه؟ لذلك على “إسرائيل” استغلال ذلك، في اتجاه تحسين العلاقة مع الدولة الاقتصادية العُظمى.

ومن أجل الحفاظ على علاقة باتت تتطور مع الصين، قال جلعاد إنّ على “إسرائيل” الانتباه إلى أنّ العلاقة مع الحليف الأهم، أي الولايات المتحدة، يجب ألّا تتأثر. ويبدو أنّ هذه القضية تتفهمها الصين، لكن هناك بوادر احتكاك مع الولايات المتحدة في هذا الموضوع، حيث اعتبرت الولايات المتحدة، وعلى لسان أعضاء في البنتاجون، أنّ ما تقدمه “إسرائيل” من تكنولوجيا للصين، يُهدد المصالح الأمريكية، ولم تعد الولايات المتحدة قادرة على استيعاب ذلك. من هنا يُنبه جلعاد، وبشكل كبير، إلى أنّ الصداقة مع الصين، يجب أن تكون ضمن خط الحفاظ على التحالف مع الولايات المتحدة.

وأضاف جلعاد أنّ الصين نفسها لا ترى بـ “إسرائيل” حليفًا استراتيجيًا، بل على العكس أكدت أنّ تحالفها الاستراتيجي هو مع إيران، والصين كذلك لن تقوم بالضغط على كوريا الشمالية لتفكيك سلاحها النووي، بل الصورة مختلفة، وعلى “إسرائيل” التعامل مع الصين بحذر، حتى لا تُغضب الولايات المتحدة. ولُحسن حظ “إسرائيل” أن الصين تتفهم هذا الأمر، وفق جلعاد.

أمّا ماريدور، رئيس اللجنة الإسرائيلية للعلاقات الخارجية، فقد استذكر مشاعر الفرحة قبل 26 عاما، عندما بدأت العلاقات الصينية الإسرائيلية، حيث اعتبرها لحظة مؤثرة جدا في التاريخ العبري.

وأضاف ماريدور أنّ “إسرائيل” بحد ذاتها تعتبر معجزة. فقبل ثمانين عاما لم تكن هذه الدولة قائمة، وكان الشعب اليهودي في الحضيض على حد وصفه. وأشار إلى أنّ العلاقات مع الصين يجب أن تشهد المزيد من القفزات، وأن على “إسرائيل” أن تعمل على تمتين تلك العلاقات؛ لأن الصين باتت دولة عالمية مهمّة.

في ختام هذا العرض، لا بد من القول إن الاستراتيجية المعتمدة لدى الحركة الصهيونية، ومن بعدها الدولة العبرية، كانت التحالف مع الدولة الأعظم على الساحة الدولية. فبعد أن كانت تلك العلاقات تتركز على بريطانيا، تحولت إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية. واليوم، قد تكون محاولات مد الجسور مع الصين، لأن الصين قد تكون الدولة الأولى في العالم في يوم من الأيام.

لكن المرجح أن تبقى تلك العلاقات ضمن دائرة الحذر، حيث لن تُجازف “إسرائيل” بتوتير علاقاتها مع الولايات المتحدة، في ظل علمها أنّ علاقات مفتوحة مع الصين قد تؤدي لسوء فهم من قبل واشنطن، الأمر الذي سيجعل مساعي “إسرائيل” لتلك العلاقة مدروسة بشكل معمّق، وحذِرة إلى الحد البعيد، وربما تكون في سياق التنسيق مع الولايات المتحدة، لترسم واشنطن حدود تلك العلاقة، وسقف تطورها.

ثانيا: المركز المقدسي لدراسات الجمهور والدولة2

بعد التصعيد الأخير في قطاع غزة، واستمرار مسيرات العودة، أصدر المركز المقدسي تقريرًا حول الحرب النفسية مقابل حماس، ورأى أنّها باتت جزءًا أساسيًا في الحرب بين “إسرائيل” والمقاومة في غزة، وقد صدر التقرير تحت عنوان “الحرب النفسية مقابل حماس مستمرة”`CITATION الم185 l 11265 `.

جاء في هذا التقرير أنّ حركة حماس تُمارس حربًا نفسية ضد “إسرائيل”، بهدف توبيخها، وإثارة حالة من الضعف داخلها، وكشف عناصرها الأمنية؛ من أجل منعهم من القدرة على العمل في ساحات أخرى في المستقبل. وأشار التقرير إلى أنّ يحيى السنوار، قائد حماس في غزة، يستخدم هذه القضية لتقوية موقعه في قيادة القطاع.

وأكد التقرير أنّ ما نشرته حماس من أسماء الوحدة الاستخبارية الإسرائيلية وصورها، كان صحيحًا، منوّهًا إلى أنّ ذلك لن يكون نهاية المطاف، فالحرب النفسية بين الطرفين ستستمر، لكن في هذه المرحلة، وحيال هذه القضية، تريد حماس تأكيد انتصارها في الجولة الأخيرة، وإثارة الشك والضعف لدى الطرف الآخر، ومن هنا ينبع جوهر التركيز عليها في الإعلام الحمساوي.

ووفق ما ورد في التقرير أيضا، فإنّ حماس تسعى من خلال هذه الحرب على الوعي، إلى أن تقود “إسرائيل” لمربع كشف تفاصيل عملية خانيونس، وإثارة الرأي العام الداخلي.

وللتقليل من تأثير عملية خانيونس، بدأ التقرير بحرب نفسية، محاولًا رفع معنويات الجمهور الإسرائيلي. فقد زعم أنّ ما يحدث حاليًا في غزة، هو حربٌ على زعامة القطاع بين إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ويحيى السنوار، رئيس الحركة في القطاع، والمدعوم من القائد العسكري لكتائب القسام محمد الضيف، على حد زعمه.

كما ذكر التقرير أنّ “إسرائيل” ستتغلب على ما نشرته حماس، فقد واجهت ذلك بعد اغتيال محمود المبحوح عام 2010 في دبي، واستطاعت تجاوز نشر صور مَن قالت حماس إنّهم منفذو عملية الاغتيال. لكن التقرير لم يُشر إلى الحقيقة، أو ربما تجاوزها، وهي أنّ العملية الأخيرة فشلت في الوصول إلى هدفها، وخرجت بخسائر كبيرة، علاوة على انكشاف أمرها، وتلقيها صفعة قوّية، أدت إلى استقالة وزير الجيش ليبرمان، وانسحاب حزبه من الحكومة.

كما أشار التقرير إلى أنّ لحماس ثلاثة أهداف من الحرب النفسية:

  1. التأكيد على فشل عملية الجيش في خانيونس.
  2. إظهار حجم الغباء الإسرائيلي.
  3. نشر الخوف داخل المؤسسة الأمنية والمجتمع الإسرائيلي، وتأكيد عدم قدرتهم على الاعتماد على وحدات النخبة في الجيش.

من جانب آخر، اعتبر التقرير أنّ نشر الصور يدل على مأزق حماس، التي لم تستطع صدّ العملية قبل وقوعها، والتي باتت تُطالب الجمهور بمساعدتها، في إشارة لعدم قدرتها على التعاطي مع الملف وحدها. كما رأى التقرير أنّ حماس تعرضت لصدمة كبيرة، بسبب الاستجابة الكبيرة لقرارات الرقابة العسكرية من قبل الإعلام العبري والجمهور الإسرائيلي، بعدم التعاطي مع الصور التي نشرتها حماس.

يعود التقرير لرفع معنويات الإسرائيليين، من خلال التركيز على أمور يراها انتصارًا إسرائيليًا، قبل عملية خانيونس وبعدها، وهي:

  1. فشل حماس في كشف وجود القوّة الخاصة، وقدرة هذه القوّة على العمل بأريحية في قلب القطاع، قبل انكشافها.
  2. تأكيد أكاذيب الأمن الداخلي في القطاع، بأنّه استطاع القضاء على كل المتعاونين مع “إسرائيل”، أي العملاء، واستمرار قدرة “إسرائيل” على تجنيد متعاونين معها.
  3. وصول القوّة الإسرائيلية إلى داخل قطاع غزة، مما يدل على وجود اختراقات أمنية كبيرة في القطاع، وفشل محاولات حماس الدؤوبة للتغلب على ذلك.
  4. مساهمة هذه العملية في صراع داخلي بين قيادة حماس، حيث سيبدأ المقربون من إسماعيل هنية بالتشكيك في أداء يحيى السنوار.

ويُشير التقرير إلى أنّ نشر صور لقاء العمل بين السنوار وهنية بعد عملية خانيونس، يؤكد على أنّ الخلافات حقيقية، وما نشْر هذه الصور، إلا في إطار تفنيد الرواية الإسرائيلية على هذه الخلافات، حيث بات يحيى السنوار يخطف الأضواء من هنية، الأمر الذي جعل قدرة عمل الرجلين معا أمرًا صعبًا، وهو ما يولد الخلافات التي بدأت تتنامى داخل قيادة حماس.

ومن أجل رفع معنويات الإسرائيليين، حاول التقرير تحويل النقد الموجه إلى القيادة الإسرائيلية، إلى نقد موجه إلى غزة. وهُنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا المركز، وكبار الباحثين فيه، مثل يوني بن مناحم، هم من الأكثر تطرفًا وأيدولوجية في المجتمع الإسرائيلي.

في الختام، يبدو أن محاولة التخفيف ممّا حدث في غزة، تُفندها روايات إسرائيلية أكدت على ورطة القوّة الإسرائيلية وفشلها. فإلى جانب استقالة ليبرمان، أكد مسؤولون سياسيون وإعلاميون فقدان “إسرائيل” للردع، وعدم امتلاكها رؤية واضحة في التعاطي مع ملف الجنوب، إلى جانب اتهام الحكومة بخوفها من خوض حرب شاملة.

كما تجدر الإشارة إلى أن رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي الأسبق دان حلوتس، أشار إلى أنّ الحكومة الإسرائيلية لا تملك خطة، ولا تعرف ماذا تُريد في قطاع غزة، وأن عليها معرفة كيفية توفير الأمن لمواطنيها` CITATION معا18 l 11265 `. لذلك فإنّ محاولة المركز المقدسي في الحرب المعنوية، لن تغير من حقيقة أنّ المجتمع العبري، قد استلم رسالة الضربة الأخيرة في قطاع غزة.

ثالثا: المركز الإسرائيلي للديمقراطية3

أعد المركز استطلاعين مهمين خلال شهر تشرين ثاني/ نوفمبر. فقد كان الأول تحت عنوان “دولتين لشعبين”` CITATION ويل18 l 11265 `. فيما تمحور الثاني حول مواقف الجمهور الإسرائيلي من سلوك الجيش، في ظل ازدياد الانتقادات الموجهة إليه`CITATION مرك183 l 11265 `.

أولا: حلّ الدولتين

أظهر الاستطلاع أنّ 46% من اليهود في “إسرائيل” يدعمون حلّ الدولتين. وقد استعرض الاستطلاع نتائج السؤال المتعلق بحل الدولتين عبر السنوات السابقة. ففي عام 1995، وصلت نسبة التأييد إلى 37%، وارتفعت عام 2007 إلى نحو 70%، وهي أعلى نسبة يحصل عليها مبدأ حل الدولتين.

وبالنظر إلى الاستطلاع الحالي، فإنّ حل الدولتين نال أعلى نسبة تأييد ما بين سنوات 2000-2007. ويُمكن ربط ذلك بثلاثة متغيرات مهمّة:

  1. زخم الانتفاضة الفلسطينية خلال السنوات 2000-2007، حيث أثر في الرأي العام الإسرائيلي، وأكد ضرورة إيجاد حل سياسي يوقف الحراك الفلسطيني.
  2. وجود قيادة كاريزمية تمثلت بأرئيل شارون، ثم إيهود أولمرت، اللذيْن عملا بشكل ممنهج على إيجاد حلّ للصراع، سواء حل سياسي، أو من خلال الانفصال أحادي الجانب كما حدث في غزة، لذلك كان لأفكارهما تأثير كبير.
  3. تراجع حزب كاديما صاحب مشروع الانفصال أحادي الجانب، ووصول اليمين إلى الحكم عام 2009، وتصاعد الأيديولوجية اليمينية في المجتمع الإسرائيلي، كل ذلك أدى إلى تراجع حل الدولتين، وتزايد الاعتقاد بأنّ القدس هي العاصمة الموحدة لـ “إسرائيل”.

ربما ستكون هذه النسبة مرشحة للزيادة بشكل كبير مع مرر الوقت، حيث أظهرت النتائج أنّ الأجيال الشابة هي الأكثر رفضًا لحل الدولتين، إذ إن نسبة التأييد لهذا الحل لدى الفئة العمرية (18-34) عاما تبلغ 32% فقط، بينما تبلغ 47% لدى الفئة العمرية (35-54) عاما، و 64% لدى مَن هم أكبر من 55 عاما.

ثانيا: التعامل مع منفذي العمليات

أظهر الاستطلاع الثاني أنّ التطرف هو سمة باتت تُميز الجمهور الإسرائيلي، ويُمكن فهم ذلك من خلال النسب التي أظهرها الاستطلاع بشأن التعامل مع منفذي العمليات من الفلسطينيين:

  1. 63.2% يؤيدون إعدام منفذي العمليات من الفلسطينيين.
  2. 72.5% يؤيدون إغلاق الحواجز بشكل مستمر ردا على العمليات الفلسطينية.
  3. 73.3% يؤيدون عدم خروج منفذ العملية حيًا من موقع العملية.
  4. 79.1% يؤيدون اعتقال عائلة منفذي العملية.
  5. 82% يؤيدون قصف المسجد في حال وجود منفذ عملية داخله.
  6. 90.2% يؤيدون هدم بيوت منفذي العمليات.

تتناسب هذه الأرقام مع سلوك حكومة الاحتلال وجيشها على الأرض. ففي الوقت الذي حذّرت فيه المحكمة العليا، وتقرير للقناة العاشرة، من أنّ القبضة الحديدية على الفلسطينيين، ستؤدي إلى ردة فعل فلسطينية، ومزيد من العمليات ضد الاحتلال، تذهب الحكومة بخلاف ذلك، سعيًا وراء الصوت الانتخابي، ومراعاة لميول الجمهور، وليس لنصائح مؤسسات قضائية وإعلامية.

ثالثا: محاكمة الجندي في حال سرقته أموال الفلسطينيين

في ظل انتشار السرقات التي يقوم بها جنود الاحتلال أثناء اقتحامهم لبيوت الفلسطينيين، طرح الاستطلاع سؤالًا مهمّا: هل أنت مع محاكمة الجندي الذي يقوم بذلك؟ وقد أظهرت الإجابات على هذا السؤال أن 77% من المنتمين لتيار اليسار، و 64% من تيار الوسط، وفقط 48% من اليمينيين، يؤيدون ذلك.

رابعا: قتل منفذ العملية بعد تحييده

كانت الإجابات على هذا الموضوع مفاجئة، حيث دعم ذلك 27% من العلمانيين، و 35% من اليهود التقليديين غير المتدينين، و 35% من اليهود التقليديين المتدينين، و 42% من المتدينين القوميين، و 69% من المتدينين الحريديم.

تُظهر هذه النسب توجهًا مُهمًا، وهو أنّ القضايا التي تحظى بنقاش واسع من قبل السياسيين، تؤثر على الجمهور الإسرائيلي، حيث إنّ رفض الغالبية لهذا السلوك من قبل تيار الوسط، وحتى اليمين القومي، ينبع من رفض قيادته السياسية لهذا السلوك، إعلاميًا على الأقل، فيما يرتبط تأييده من غالبية الحريديم، بعدم تطرق قياداتهم لمثل هذه القضايا، علاوة على الامتثال الكبير من قبل هذه الفئة لتعاليم التوراة.

رابعا: معهد دراسات الأمن القومي4

أصدر معهد دراسات الأمن القومي في شهر تشرين ثاني/ نوفمبر، ما سمّاه خطة سياسية، واجهت الكثير من النقد، ولكنها نالت الدعم أيضا من أوساط مختلفة. وردًا على التساؤلات والانتقادات، أصدر المعهد تقديرًا آخر، أعده الباحثان في المركز أودي ديكل وكيم ليبا ` CITATION ديك18 l 11265 `.

ارتكزت الخطّة السياسية التي أعدها المعهد على النقاط التالية:

  1. تحديد هوية “إسرائيل” كدولة يهودية وديمقراطية، آمنة ومستقرة.
  2. منع الانزلاق لدولة ثنائية القومية، فلسطينية يهودية.
  3. البدء بخطوات عملية للانفصال عن الفلسطينيين سياسيًا وديموغرافيًا وجغرافيًا، من أجل الوصول إلى واقع يقود إلى دولتين في المستقبل.

في هذا الإصدار، نشر المعهد توضيحًا لبعض التساؤلات والاستيضاحات، وقد بوّب القضايا على النحو التالي:

الادعاء بأنّ الخطة تعتبر انسحابًا أحادي الجانب من الضفة الغربية، مثلما حدث في غزة

الادعاء بأنّ الخطة تُعتبر انفصالًا أحادي الجانب كالذي حدث في غزة، هو ادعاء صحيح، لكن الاختلاف جوهري، ففي غزة تُركت المناطق التي تم الانسحاب منها للمنظمات “الإرهابية”، على حد زعم الخطة، وتمت العودة إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967، دون أن يقدم الفلسطينيون أي ثمن.

لكن في الخطة التي قدمها المعهد، ليس هناك انسحاب من التجمعات الاستيطانية، ولا عودة لحدود الخط الأخضر. كما أنّ الخطة تحفظ للجيش حرية العمل الأمني في المناطق الفلسطينية، وعلى طول الحدود الفاصلة، وعلى أن يكون الانسحاب مقابل ضمانات استمرار التنسيق الأمني ضد حماس والمنظمات الأخرى. كما أنّ مُقترح تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين، من شأنه أن يُساهم في الاستقرار.

وهذا المقترح أيضا يختلف عما حدث في غزة، فهو يشمل تعاونًا كبيرًا مع السلطة الفلسطينية ومصر والأردن، وغالبية الدول العربية البراغماتية، التي سيكون دورها دعم السلطة الفلسطينية سياسيًا، ومساعدتها في بناء قدرات ذاتية، مقابل منح “إسرائيل” مزايا، كتوسيع دائرة التطبيع، والشراكة معها من قبل الدول العربية.

ما عرضه المعهد من خطة وردودٍ عليها، يأتي في سياق التمهيد لاحتمال نجاح حلّ الدولتين، لكن دون الالتزام باتفاقية أوسلو، أو أي اتفاقيات مقيدة، إذ إن التطورات على الأرض هي التي تُحدد طبيعة ما ستكون عليه الدولة الفلسطينية، وبذلك ستُحقق “إسرائيل” مكاسب على المستوى الإقليمي من خلال التطبيع، وعلى المستوى الدولي كدولة تبحث عن السلام.

الادعاء بأنّ الخطة تضمنت تنازلات للفلسطينيين دون مقابل

أشارت الخطة إلى أنّه من أجل ضمان دولة يهودية ديمقراطية، فلا بدّ من وجود سلطة فلسطينية مستقرة، لذلك كانت هناك اقتراحات بتقوية السلطة الفلسطينية. تنبع هذه الاقتراحات من أن قوّة السلطة الفلسطينية ستكون قوّة للدولة العبرية، لذلك لا مجال هنا للادعاء بأنّ “إسرائيل” ستتنازل دون وجود مقابل.

من يقرأ هذه الاقتراحات يُدرك أنّ الرؤية الإسرائيلية بمجملها، باتت تتمحور حول تركيز دور السلطة الوظيفي وليس السياسي، بمعنى أنّ بقاء السلطة وتقويتها، مرهون بما ستقدمه من خدمات تصب في صالح تقوية المشروع الصهيوني، وهذا ما يُفسر إلغاء المسار السياسي من جلّ التفكير الإسرائيلي، وإبقاء التركيز على الجوانب الحياتية والاقتصادية، كثمرة أخيرة من المُمكن للفلسطينيين جنيها، وليس دولة مستقلة ذات سيادة.

الادعاء بأنّ الخطة تشمل تجميد البناء في المستوطنات

صحيح أن الخطة تشمل تجميد البناء في المستوطنات، ولكن لا تشمل الانسحاب منها. والهدف من ذلك هو ترك مجال للانفصال عن الفلسطينيين، وتخفيف الاحتكاك بينهم وبين المستوطنين، والسماح للفلسطينيين بالتوسع الجغرافي والبناء، وهذا بحد ذاته سيفتح مجالًا واسعًا لإيجاد ترتيبات تخدم المصلحة الإسرائيلية، ضمن فرض الواقع الموجود.

يبدو أن الخطة التي قدّمها المعهد، ليست إلا حلقة إسرائيلية جديدة في دائرة إدارة الصراع. بمعنى أنّها تبحث عن متنفس جديد، واتفاقيات جديدة، تُحقق لـ “إسرائيل” مكاسب على الأرض من الناحية الأمنية، وقفزات في العلاقات الإقليمية التي باتت تتحسن بشكل كبير، دون ربط ذلك بالقضية الفلسطينية.

لكن من الناحية العملية، لا تستطيع الحكومة الإسرائيلية الحالية القفز باتجاه ترتيبات كالتي أوردتها الخطة، ليس من منطلق عدم قناعة الليكود الحاكم بها، ولكن بسبب مواجهته برامج سياسية داخل الحكومة، تجعل من اتفاقها حول برنامج واحد أمرًا ليس سهلًا. لذلك فإنّ الأفضل بالنسبة لنتنياهو، هو إبقاء الأوضاع على حالها، ضمن استراتيجية التوسع والاستيطان، وضمان بقاء السلطة الفلسطينية كشريك أمني، والعمل على تهيئة الأوضاع لملء الفراغ في حال انهيارها.


المراجع

المركز الإسرائيلي للدمقراطية. (28 تشرين ثاني, 2018). سولام عرخي هلحيما بترور شل هيسرائيليم ( سلم قيم الحرب على الارهاب بالنسبة للاسرائيليين ). تم الاسترداد من المركز الإسرائيلي للدمقراطية: https://www.idi.org.il/articles/24886

المركز المقدسي لدراسة الجمهور والدولة. (25 تشرين أول, 2018). هملحما هبسيخولوجيت مول حماس نمشيخت ( الحرب النفسية مقابل حماس مستمرة ). تم الاسترداد من المركز المقدسي لدراسة الجمهور والدولة: http://jcpa.org.il/article/%D7%94%D7%9E%D7%9C%D7%97%D7%9E%D7%94-%D7%94%D7%A4%D7%A1%D7%99%D7%9B%D7%95%D7%9C%D7%95%D7%92%D7%99%D7%AA-%D7%9E%D7%95%D7%9C-%D7%97%D7%9E%D7%90%D7%A1-%D7%A0%D7%9E%D7%A9%D7%9B%D7%AA/

اودي ديكل، و كيم ليبا. (4 تشرين ثاني, 2018). توخنيت ه INSS: متفيه استراتيجي لزيرا هيسرائيليت فلسطينيت ( خطة معهد دراسات الامن القومي: خطة استراتيجية للساحة الاسرائيليةالفلسطينية ). تم الاسترداد من معهد دراسات الأمن القومي: http://www.inss.org.il/he/publication/questions-and-answers-on-the-inss-plan-a-strategic-framework-for-the-israeli-palestinian-arena/?offset=9&posts=2490

مركز السياسات الاستراتيجية ips. (26 تشرين ثاني, 2018). هكينس هيسرائيلي هشنتي هشليشي بيحسي سين يسرائيل ( المؤتمر السنوي الثالث لعلاقات الصيناسرائيل). تم الاسترداد من مركز السياسات الاستراتيجية ips: https://www.idc.ac.il/he/whatsup/pages/third-conference-china-israel.aspx

معاريف. (29 تشرين ثاني, 2018). دان حلوتس توكيف ات همدينويت هبيتحونيت ( دان حلوتس يهاجم السياسة الأمنية ). تم الاسترداد من معاريف: https://www.maariv.co.il/news/military/Article-673106

ويليام كبيسون. (14 تشرين ثاني, 2018). شتي مدينوت لشني عميم ( دولتان لشعبين ). تم الاسترداد من المركز الإسرائيلي للدمقراطية: https://www.idi.org.il/articles/24845

1 تأسس المركز عام 2000 في مدينة هرتسليا، ويقوم بعقد مؤتمر سنوي شهير، يطلق عليه اسم مؤتمر هرتسليا السنوي، ويحضره العديد من النخب السياسية والأمنية، المحلية والعالمية، ويتناول قضايا متعددة تتعلق بالأمن والسلام، وتقديم قراءات ورؤى استراتيجية للقضايا المختلفة. ويركز المركز على بلورة سياسة إسرائيلية جديدة في العديد من القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية، وله علاقات عمل جيدة مع العديد من الباحثين، ورجال الدولة، ورجال المجتمع في مناطق متعددة في العالم. ويقدم المعهد دراساته على شكل كتب وكتيبات يلخص فيها مجمل النتائج التي يخرج بها المؤتمر. يرأس المركز اللواء في الاحتياط عاموس جلعاد.

2 تأسس المركز عام 1976، ويهتم بإعداد دراسات استراتيجية ذات صلة بالواقع الإسرائيلي العام، وانعكاسات ما يحدث في الساحة الإقليمية على “إسرائيل”، ويرأس المركز الدكتور دوري جولد.

3 مركز مستقل غير حزبي وغير حكومي، تأسس عام 1991، ويعد أبحاثا في مجالات الأحزاب، والديمقراطية، والأمن والمجتمع. ومن أبرز إصداراته السنوية: قياس الديمقراطية في “إسرائيل”. ويتبع للمعهد 5 مراكز أبحاث مستقلة، ويرأسه يوحنن فلسنر.

4 يُعتبر أبرز مراكز الأبحاث في “إسرائيل”، ويهتم المعهد تحديدا بالقضايا الأمنية والسياسية. تأسس عام 2006، ويستقطب أبرز الباحثين محليا وعالميا، ويُعتبر من المراكز الأبرز على الساحتين المحلية والعالمية، حيث تم تصنيفه عام 2008، كواحد من أبرز عشرة مراكز عالمية.

يتبع المعهد لجامعة تل أبيب، لكن يحتفظ لنفسه باستقلالية مالية وإدارية. ويهتم المعهد بالقضايا ذات الصلة بالأمن القومي الإسرائيلي، ويقدم خدماته عبر العديد من الدراسات، والمقالات، والتقديرات الاستراتيجية، ويعقد مؤتمرا سنويا يلخص فيه الأوضاع الأمنية والاستراتيجية لإسرائيل، ويشارك في المؤتمر كبار رجالات الدولة، كرئيس الدولة ورئيس الحكومة، والعديد من الشخصيات السياسية العالمية، كما يقدم المعهد لرئيس الدولة تقديرا استراتيجيا سنويا حول القضايا الأمنية التي تمس “إسرائيل”. يرأس المعهد اللواء السابق عاموس يدلين.

</div

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى