قراءة تحليلية لنتائج الانتخابات الطلابية في جامعة بيرزيت
احمد الطناني[1]
لطالما حظيت انتخابات جامعة بيرزيت باهتمام ومتابعة واسعة من قوى ومؤسسات ونخب الشعب الفلسطيني؛ لما تعطيه من مؤشرات حول أوزان وتأثير القوى المختلفة، وارتكازًا لما تحصل عليه الكتل الطلابية المحسوبة عليها في صندوق الانتخابات الطلابية، وهو ما يُفسر حجم الارتدادات التي ترتبت على إعلان نتائج الانتخابات هذا العام، الذي حققت فيه كتلة الوفاء الإسلامية المحسوبة على حركة حماس 28 مقعد، مقابل 18 مقعد لكتلة الشهيد ياسر عرفات المحسوبة على حركة فتح، و5 مقاعد للقطب الطلابي التقدمي المحسوب على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فيما لم تتمكن كتل الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب من تجاوز نسبة الحسم، وأمام هذه النتيجة غير المسبوقة تاريخيًا والتي حققتها الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت والتراجع المدوي للشبيبة الفتحاوية، برز التساؤل الذي تسعى الورقة إلى الإجابة عليه، هل تعتبر النتائج انعكاسًا للسلوك السياسي لكلاً من حركتي فتح وحماس، أم أن النشاط الطلابي والسلوك النقابي للكتلتين الطلابيتين كانتا عاملًا حاسمًا في توجهات الناخبين من الطلبة؟
استعراض تاريخي لنتائج انتخابات بيرزيت:
شهدت السنوات العشر الأخيرة حالة من الصعود والهبوط لكلا الكتلتين الأكبر في بيرزيت، وصلت لنوع من الاستقرار في أخر دورتين انتخابيتين سبقن الانتخابات الحالية، كما يوضح الجدول التالي:
الدورة الانتخابية | كتلة الوفاء الإسلامية | كتلة الشهيد ياسر عرفات | القطب الطلابي |
2012-2013 | 19 | 26 | 5 |
2013-2014 | 20 | 23 | 7 |
2014-2015 | 20 | 23 | 7 |
2015-2016 | 26 | 19 | 5 |
2016-2017 | 25 | 21 | 5 |
2017-2018 | 25 | 22 | 4 |
2018-2019 | 24 | 23 | 4 |
2019-2020 | 23 | 23 | 5 |
عوامل خارجية سبقت الانتخابات الأخيرة:
شهد العامين الفاصلين بين انتخابات العام 2019 إلى 2022 مجموعة كبيرة ومفصلية من الأحداث في الساحة الفلسطينية، التي كان لها تأثير مباشر في أسهم الكتل المتنافسة وفي المناظرة الانتخابية بينهم، وأبرزها التالي:
– تأجيل الانتخابات الفلسطينية العامة إلى أجل غير مسمى (المجلسين التشريعي والوطني والرئاسة) بعد تشكيل القوائم وبدء الدعاية الانتخابية.
– اغتيال الناشط الفلسطيني المعارض نزار بنات والحراك الشعبي المطالب بمحاسبة قتلته، وحالة القمع والملاحقة الأمنية التي جرت خلال الحراك.
– معركة (سيف القدس[2]) والمواجهة الواسعة التي خاضها الشعب الفلسطيني ومقاومته دفاعاً عن القدس وأهلها، وسط الغياب الواضح للسلطة وقيادتها عن المشهد.
– إصرار رئيس السلطة على عقد المجلس المركزي وسط مقاطعة واسعة من غالبية مكونات المشهد السياسي الفلسطيني.
– الغياب الكامل للسلطة والقيادة الرسمية التي أجلت اجتماعها إلى أجل غير مسمى، بخصوص التوتر المستمر واشتداد حالة المواجهة اليومية مع الاحتلال في باحات المسجد الأقصى والمدن والقرى الفلسطينية.
– عودة الارتفاع في وتيرة الاعتقال السياسي، الذي استهدف في جزء منه كوادر الكتلة الإسلامية.
– مجموعة من فضائح الفساد للسلطة مثل فضيحة اللقاحات منتهية الصلاحية، وتبرعات مستشفى خالد الحسن للسرطان.
– الانتخابات المحلية والنتائج المتباينة التي شهدت في جزء منها هزيمة لحركة فتح، إضافة إلى سلوك مناصري فتح بعد النتائج، وحوادث إطلاق النار والبلطجة على مرشحي بعض القوائم، وإطلاق النار باتجاه المواد الدعائية لقائمة منارة رام الله.
– تصاعد الخلاف الفتحاوي-الفتحاوي، وبشكل خاص بين أنصار رئيس السلطة وفريقه، والقائد الفتحاوي الأسير مروان البرغوثي على خلفية تشكيله قائمة منفصلة بالتحالف مع عضو اللجنة المركزية المفصول من الحركة ناصر القدوة في انتخابات المجلس التشريعي التي ألغيت وإلقاء ظلاله على تأجيل مؤتمر فتح الثامن.
عوامل البيئة الداخلية في جامعة بيرزيت:
شهدت جامعة بيرزيت وبشكل خاص في العام الأخير مجموعة من كبيرة من الأحداث على صعيد الحركة الطلابية والعلاقة مع إدارة الجامعة، نستعرض أبرزها:
– تغيير منسق الشبيبة في جامعة بيرزيت على خلفية موقفه المعارض لاغتيال نزار بنات، واستبداله بمنسق آخر محسوب على الأجهزة الأمنية للسلطة.
– اعتداء عناصر من الشبيبة الفتحاوية على كوادر في القطب الطلابي، والكتلة الإسلامية، وكتلة الوحدة الطلابية، في حوادث منفصلة على مدار العام.
– تغيير مجلس الجامعة وتكليف عميد لشؤون الطلبة من خارج الطاقم الأكاديمي بالجامعة، وهي جزء من منظومة السلطة وحركة فتح.
– محاولة عميد شؤون الطلبة الجديدة فرض وقائع جديدة ومحاولة تمرير سياسة (منع العسكرة) والتضييق على الأطر الطلابية ومنع إحياء انطلاقتي الجبهة الشعبية وحركة حماس.
– إصدار عقوبات طلابية ومحاضر ضبط بحق منسقي القطب الطلابي والكتلة الإسلامية.
– الاعتصام الطلابي الكبير الرافض لسلوك عمادة شؤون الطلبة، والداعي إلى إقالة عميدة شؤون الطلبة وإلغاء العقوبات على منسقي القطب الطلابي والكتلة الإسلامية.
– موقف الشبيبة الفتحاوية السلبي من الاعتصام الطلابي والانحياز إلى إدارة الجامعة وعميد شؤون الطلبة الفتحاوية، ومن ثم الالتحاق بالاعتصام الطلابي.
– اعتقال الاحتلال لمنسق الكتلة الإسلامية بعد إصابته داخل الحرم الجامعي، إضافة إلى اعتقال أحد قيادات القطب الطلابي في ذات الحادثة، وذلك خلال فعاليات الاعتصام الطلابي الداعي إلى إقالة عميد شؤون الطلبة.
– نجاح الاعتصام الطلابي رغم كمية التشديد ومحاولات الكسر في انتزاع مطالبه، واستقالة عميد شؤون الطلبة، وتثبيت حرية العمل الطلابي، وديمومة الحضور الوطني في حرم الجامعة.
– وأخيراً اعتقال الاحتلال لمجموعة من قادة الكتلة الإسلامية من بينهم مناظر الكتلة في الانتخابات الطلابية، وذلك قبل التصويت بيوم، إضافة إلى توزيع عدد كبير من رسائل التهديد التي تتوعد الطلبة في حال انتخاب الكتلة الإسلامية.
أثر العوامل المختلفة على توجهات الناخبين التصويتية:
يتنوع تأثير العوامل الخارجية والداخلية على بيئة وتوجهات الناخب في الجامعة، والأمر سيان عند الأخذ بعين الاعتبار التجارب الانتخابية الأخيرة التي جرت في عدد من المواقع، سواء المحليات أو النقابات أو الجامعات التي كان من الواضح فيها حجم التأثر بالعوامل السياسية في بناء التحالفات أو الدعاية والانتخاب، يترافق ذلك مع البرنامج المطلبي كلاً حسب تخصصه، وهو ما برز بوضوح في الخطاب الدعائي للقوائم، وأيضاً في ترجمات النتائج بالمعنى السياسي للفائزين والخاسرين أيضاً
– أشارت الانتخابات الطلابية والنقابية والمحلية إلى تصاعد حدة النقمة على سياسة السلطة وحركة فتح، إذ هُزمت حركة الشبيبة الطلابية في جامعة بيت لحم أمام جبهة العمل الطلابي الإطار الطلابي للجبهة الشعبية، في خسارة لم تشهدها في الجامعة منذ أكثر من 20 عامًا، إذ ارتكز الخطاب الدعائي للكتلة المُنتصرة على فساد السلطة وعجزها، والإشادة بالمقاومة وفعلها، وهو أيضاً الخطاب الذي قدمته القوى السياسية المُعلقة على نتائج الانتخابات وبشكل خاص كلاً من حركتي حماس والجبهة الشعبية، باعتبار النتيجة هي تقدم لبرنامج المقاومة على حساب برنامج السلطة وحركة فتح.
– تعي الكتل المتنافسة حجم وأهمية المساهمة الفاعلة لفصائلهم على رأي وتوجه الناخب، وهو ما كان واضحاً في المناظرة الانتخابية التي حاولت فيها كل الكتل الطلابية توضيح مساهمة أحزابها فيها، إضافة إلى أن استعراض النتائج السابقة للانتخابات، يعطي ملخصًا واضحًا بأن أفضل النتائج التي حققتها الكتلة الإسلامية كانت في العام 2015 بعد انتهاء عدوان 2014 على قطاع غزة والصمود الكبير التي حققته المقاومة مدة 51 يوم، والنتيجة الحالية في العام 2022 بعد معركة سيف القدس في أيار 2021.
– السلوك الأمني للسلطة وتصاعد حالة القمع ومصادرة الحريات العامة، وبشكل خاص في رام الله التي تعدُّ ساحة المواجهة الرئيسة التي شهدت قمع الحراك المطالب بمحاسبة قتل الناشط نزار بنات، إضافة إلى ملفات الفساد والضعف الحكومي، وقد انعكس بشكل واضح على شعبية حركة فتح وكان حاضرًا في خطاب معارضيها، وهذا أيضًا كان واضحًا في انتخابات نقابة المهندسين التي فازت برئاستها المهندسة نادية حبش ضمن قائمة مدعومة من حركة حماس والجبهة الشعبية، وحبش كانت قد اعتُقلت خلال قمع الحراك المطالب بمحاسبة قتلة نزار بنات في رام الله، وفي ذات السياق كانت صور بنات حاضرة في كلاً من انتخابات جامعة بيت لحم وجامعة بيرزيت ضمن المهرجانات الدعائية للكتل المعارضة، وبشكل خاص كتلتي الشعبية وحماس.
– تَدخُّل الأجهزة الأمنية في تكليف وعزل منسق الشبيبة في الجامعة على خلفية موقفه المعارض ساهم في عزلها عن محيطها الطلابي، إضافة إلى الموقف الطلابي السلبي للشبيبة الفتحاوية من الاعتصام الطلابي وتأخرها في الالتحاق فيه، حيث التحقت فيه بعد اعتقال منسقي الكتلة الإسلامية والقطب الطلابي من داخل الحرم الجامعي، هذا كله ساهم في خفض أسهمها لدى جمهور الطلبة.
– ساهمت الإشكاليات المتعددة وحالات الاعتداء التي خاضتها الشبيبة الفتحاوية ضد الأطر الطلابية المختلفة إلى تعزيز النفور منها بين أوساط الجمهور الطلابي، وبشكل خاص أن جزءًا أساسيًا من هذه الإشكاليات (بما فيها إشكالية داخلية بين عناصر الشبيبة) كان مع بداية الفصل الدراسي ودوام الطلبة الجدد، وهو ما انعكس ايضاً على نتائج التصويت بالانتخابات لطلبة المستوى الأول الذين كان للشبيبة الفتحاوية حضور وازن فيها بانتخابات بيرزيت في السنوات السابقة.
– تعزز التفاف الطلبة حول كتلة الوفاء الإسلامية بسبب الاستهداف الاحتلالي المستمر لكوادر الكتلة الإسلامية، وبشكل خاص حادثتي اعتقال منسق الكتلة الإسلامية إسماعيل البرغوثي من داخل الحرم الجامعي، واعتقال مناظرها معتصم زلوم مع مجموعة من زملائه خلال الانتخابات.
– نجاح الاعتصام الطلابي في تحقيق أهدافه عزز من إيمان الطلبة بقدرة الأطر الطلابية المبادرة للاعتصام على انتزاع مطالبهم من إدارة الجامعة ورفع أسهمها بشكل كبير.
الخلاصة:
في ضوء ما سبق من عوامل خارجية وداخلية أحاطت بانتخابات جامعة بيرزيت، يبقى التساؤل الرئيسي حول حجم التأثير للبرامج والأداء السياسي والميداني لكل طرف على توجهات الناخبين في الجامعة، وهل كان هذا التأثير هو الحاسم على حساب البرامج الطلابية والفعل النقابي المطلبي للكتل المتنافسة في الحرم الجامعي؟
ينقسم التأثير على نتائج انتخابات جامعة بيرزيت إلى قسمين، أولهما: التأثر بالعوامل الخارجية والحالة السياسية والميدانية في الساحة الفلسطينية، وثانيهما: التأثر بالسلوك الطلابي داخل الجامعة، ومن المهم أن يؤخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، فلا يمكن إغفال تأثير العوامل الخارجية على حساب الداخلية ولا العكس، وعلى الرغم من أن العوامل الداخلية والسلوك الطلابي لها نصيبها في التأثير -وهنا تجدر الإشارة إلى أن فساد السلطة وسلوكها الأمني ليس بجديد وهو حاضر دائما- إلا أن السلوك الطلابي للشبيبة الفتحاوية داخل الجامعة، كان يساهم في تقليص الفارق خلال السنوات السابقة من خلال تأثر جزء من الطلبة بالعمل الطلابي داخل الجامعة لكونه أولوية على حساب التأثر السياسي، لذا فإن التراجع في الفعل الطلابي أو سلبيته يلقي بظلاله على توجه الناخبين من طلبة الجامعة، والأمر سيان فيما يتعلق بالكتلة الإسلامية، والتي ساهم نجاح الاعتصام الطلابي وانتزاع المطالب الطلابية في تعزيز فرصها في تعظيم الفارق في الأصوات وعدد المقاعد.
يمثل انعكاس الحالة السياسية وحالة التفاعل الشعبي مع الأداء السياسي والميداني لكل مكون من مكونات الحالة السياسية الفلسطيني وبشكل خاص حركتي فتح وحماس، العامل الأبرز الذي ساهم في حسم النتيجة بهذا الفارق، وبالتالي فإن سلوك الناخبين يتأثر بالدرجة الأساسية بالعوامل الخارجية، دون إغفال التأثير النسبي للعوامل الداخلية والعمل الطلابي داخل الجامعة، وهو ما ساهم في تعظيم الفارق وتوسيعه، وهذا أيضاً يؤكده خطاب الكتل الطلابية خلال الدعاية الانتخابية وبعدها الذي يعطي المساحة الأكبر لاستعراض منجزات أحزابهم السياسية، ونقد خصومهم على حساب استعراض البرامج الطلابية والنقابية التي يكون نصيبها محدوداً من الخطاب.
[1] باحث فلسطيني مقيم في قطاع غزة.
[2] التسمية التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على المواجهة التي اشتعلت مع جيش الاحتلال في 10 أيّار/مايو من عام 2021 بعد الاعتداءات “الإسرائيلية” المستمرة في القدس المحتلة.