قراءات “إسرائيلية” نقدية لإدارة العدوان على غزة في شهره العاشر
خاص مركز رؤية
- المقدمة:
مع دخول الحرب “الإسرائيلية” على قطاع غزة شهرها العاشر، لا زال الاحتلال يعلن أنّ هدفه الرئيسي هو القضاء على قدرات حركة حماس العسكرية، والإطاحة بحكمها، سعياً لتغيير الواقع السياسي الاستراتيجي، ورغم أنّ العدوان بدأ باصطفاف غير مسبوق إلى جانب الاحتلال من قِبَل الولايات المتحدة والدول الغربية وبعض الدول العربية “ضمناً”، لكن مرور هذه الشهور من العدوان كشف عن سوء إدارته في مختلف الجوانب: العسكرية والقانونية والأمنية، مما أحدث ضرراً عميقاً في شرعية هذه الحرب على الصعيد الدولي، وتراجع قدرة الاحتلال في تسخير المجتمع الدولي لتحقيق أهدافه العدوانية.
- خطأ توصيف أهداف الحرب:
وجّهت العديدة من الكتابات “الإسرائيلية” انتقادات حادة لدوائر صنع القرار في “تل أبيب” بسبب إخفاقاتها المتلاحقة في إدارة الحرب، مما تسبب في الحيلولة دون نجاحها في تحقيق أهدافها، وما لم يحدث تغيير عميق في الطريقة التي تتصرف بها، فيبدو أنّ وضع الاحتلال في السنوات المقبلة سيكون أسوأ مما كان عليه قبل الحرب.
في الوقت ذاته، هناك اعتراف “إسرائيلي” بوجود نقص في توصيف جميع الجهود المطلوبة لإنجاز أهداف الحرب، وهو ما لم يكن ظاهرًا في البداية، مما أسفر مع مرور الوقت عن ارتفاع الأثمان المدفوعة على المدى الطويل، لأنه كشف عن عدم دراية “إسرائيلية” كافية بأهداف حماس واستراتيجيتها، سواء أكان إجبار الاحتلال على إطلاق سراح كبار الأسرى في سجونه، أو منع السعودية من الانضمام إلى اتفاقيات التطبيع، أو تحسين مواقفها التحضيرية لغياب محتمل لمحمود عباس، أو الاستفادة من الفرصة السانحة على خلفية الضعف الذي أصاب الاحتلال بسبب الانقلاب القانوني، وما أسفر عنه من شروخات داخلية، ولعلّ عدم الإحاطة “الإسرائيلية” الكافية بهذه الأهداف نتج عنه خطأ في فحص سلوك حماس العسكري طيلة الشهور الماضية.
اليوم، وبينما تدخل الحرب شهرها العاشر، تتواتر إقرارات الاحتلال بأنّ حماس استعدّت جيدًا للدفاع عن نفسها، وإلحاق العديد من الإصابات بجيشه، والتسبب بأضرار واسعة النطاق له، تمهيدًا لتحويل الحرب على غزة لتصبح متعددة الساحات، وتقويض اتفاقيات التطبيع، وزيادة الانتقاص من شرعية الاحتلال حول العالم، وصولًا لحرمانه من إمكانية استكمال خطته العسكرية، وإنهاء الحرب بعد إطلاق سراح الأسرى، مما يمنح الحركة مزيدًا من الهيبة والنفوذ بين الفلسطينيين، وبقائها مسيطرة على غزة، رغم ما مُنيت به من خسائر وأضرار.
لم يعد سرّاً أنّ هجوم السابع من أكتوبر الذي فاجأ الاحتلال، جعله عرضة للخطر، ويبدو أنّ هذا الضعف، إذا تجذّر، من شأنه أن يقوِّض بشكل أساسي مجتمعه من الداخل، والردع تجاه الأعداء، والنفوذ لدى الحلفاء، رغم بذله جهودًا مضنية ليثبت أنه لا يزال قوة إقليمية، وإلّا فسيكون مطالباً بتحمل العواقب الوخيمة المترتبة على سقوطه من هذه المكانة، مع أنّ أحد معايير تحديد القوة الإقليمية هو قدرته على إحداث تغيير استراتيجي، والتغيير المطلوب -وربما الأكثر قابلية للتحقيق- وفق القراءة “الإسرائيلية” هو الإطاحة بحكم حماس في غزة.
- حدود القوة والقيود الموضوعية:
في السنوات التي تلت عملية الرصاص المصبوب في غزة 2008-2009، اتبع الاحتلال منطقًا سياسيًا مفاده التهيئة لإقامة دولة غزة، بدليل أنّ جولات الصراع التي نشبت هناك طيلة العقد الماضي انتهت بالمفاوضات حول الترتيبات الاقتصادية، مثل مسافة الصيد والمناطق الزراعية وتحويل الأموال، لكن ما أقدمت عليه حماس في السابع من أكتوبر أفشل هذا المنطق الذي اعتمده الاحتلال، وأدخل للصراع معادلة جديدة مفادها أنه ليس ممكنًا الاستمرار في أي سياسة بهذه الأساليب، ولهذا السبب اعتمد الاحتلال منطقًا سياسيًا جديدًا مفاده أنه لا يمكن ترك حماس مسؤولة عن منطقة شبه ذات سيادة مثل غزة، بحكومة وجيش، حيث ترتب على ذلك، وفي اليوم التالي للهجوم على مستوطنات غلاف غزة، بروز الهدف الرئيسي للحرب، المتمثل بالإطاحة بحكم حماس من خلال القضاء على جيشها وكتائبها المسلحة، بجانب ضرب قدراتها التنظيمية والحكومية، مع أنّ العادة جرت عند تحديد أهداف الحرب، القيام بإجراء ما توصف بأنها عملية “دائرية” لفحص الأهداف المحتملة، مقابل تحليل حدود القوة والظروف والقيود الموضوعية، بحيث يتزامن اختيار الأهداف مع تهيئة الظروف لتحقيقها، لأنّ اختيار أهداف حربية تتجاوز حدود القوة، أو لا توجد رغبة أو قدرة على تهيئة الظروف لتحقيقها، أمر خاطئ وخطير، وهو ما وقعت به دولة الاحتلال فعلياً.
أكثر من ذلك، فإنّ هدف الاحتلال المتمثل بالإطاحة بحكم حماس يتطلب تعريفاً إضافياً، يجيب على سؤال: من سيحكم غزة بعدها، لأنّ التطلع لإسقاط حكومتها دون تحديد بديلها يفتقر لعنصر أساسي في تحديد أهداف الحرب، وبدونه فإنّ الجهد العسكري يفتقر للاتجاه وخط النهاية الموضوع له، وهو ما ارتكبه الاحتلال عن سابق إصرار.
عند الحديث عن هدف الاحتلال للإطاحة بحكم حماس، فإنه يتطلب انخراطا كاملًا للشركاء الإقليميين والدوليين؛ وجهدًا مشترك لتهيئة الظروف اللازمة لاستكمال العدوان العسكري على غزة، وآخر لتشكيل الإدارة الجديدة فيها، مما جعل الادعاء بأنّ الاحتلال بمقدوره أن يقوم بذلك بمفرده لا يتفق مع طبيعة الأشياء، لأنه قد لا يكون قادرًا على تحمّل العبء لوحده، لاسيما مع انضمام جبهات أخرى لغزة، تمهيدًا لسيناريو الحرب الشاملة، الذي سعى لطرح معضلات متعددة الساحات على الاحتلال من أجل تقييد حريته في العمل تجاه غزة.
- الخلاف مع الشركاء الإقليميين والدوليين:
ليس سرّا أنّ حلفاء الاحتلال الإقليميين والدوليين سعوا جادين لمنحه فرصة الانفراد بغزة، وعزل ساحتها عن الساحات المجاورة، والسماح للحرب بأن تكون ساحة واحدة، وقد كان واضحًا أنّ الموقف العسكري لحلفاء الاحتلال ونشاطهم العملياتي وأدائهم السياسي، يهدف لتهيئة الظروف لتركيز الجهود “الإسرائيلية” على الإطاحة بحكم حماس، وقد ساعدوه بالتصدي للهجمات الصاروخية التي شنّتها إيران، بجانب تزويده بالأسلحة الأساسية، وتمويل الحرب، وخلق الظروف اللازمة في النظام الدولي.
صحيح أنّ عملية استبدال حكم حماس بآخر، في حد ذاتها، تطلبت من الاحتلال التعاون مع الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية “الصديقة”، لكن من أجل ضمان شرعية الحكومة الجديدة، وتمويل إعادة إعمار القطاع، وإدارته المدنية، و”اجتثاث” فكرة المقاومة، فإنّ لهؤلاء الحلفاء والأصدقاء مصالحهم الخاصة، ومساعدتهم للاحتلال تتطلب منه النظر في مواقفهم، ولئن كان صعباً عليه القبول بها كلها، لكنه لم يكلف نفسه عناء إجراء حوار معهم لتحقيق أهداف الحرب الكاملة، بما في ذلك من سيسيطر على القطاع بعد حماس.
إنّ أحد أهم أخطاء الاحتلال في إدارة حرب غزة أنه لم يحدد بدقة من هو العدو الرئيسي الذي يجب محاربته، رغم أنه بمجرد اندلاعها، كان مطلوباً منه أن يتخذ عدداً من القرارات التي ستشكل طبيعتها، وصحيح أنه قرر أنّ العدو الرئيسي هو حماس، وأنه سيكون في موقع هجومي أساسي في غزة، وفي موقع دفاعي أساسي في الساحات الأخرى، لكن ما حصل لاحقًا من ضبابية ليست خافية على أحد بعد يوم السابع من أكتوبر مباشرة، ونظراً لإجراءات الاستعداد التي اتخذها حزب الله وغيره من الأطراف، فقد فسّر الاحتلال هجمات الحزب بأنها منضبطة، واختار هو ضبط النفس في مواجهتها كي لا تتسع رقعة الحرب.
لئن كان هذا القرار “الإسرائيلي” صحيحاً، من وجهة نظره، فإنه من المشكوك فيه أن يكون الاحتلال قد تأكد من أن تصرفاته ورسائله خلال الحرب كانت متوافقة مع هذا القرار، لأنّ اغتيال المسئول العسكري الإيراني حسن مهدوي أدّى لتبادل مباشر وغير مسبوق للضربات مع إيران، ولم يكن متّسقاً مع استراتيجية عزل الساحة في غزة، وتركيز الجهود عليها، وبالتالي فقد خاطر الاحتلال بلا داع بعمليات كان يمكن أن تؤدي لتحويل مسارها لساحات أخرى، وهو ما تكرر مع الضغوط الاقتصادية غير الضرورية على السلطة الفلسطينية.
- إرباك الأولويات في أهداف الحرب:
خطأ آخر وقع به الاحتلال، وهو ربطه بين الإطاحة بحكم حماس في غزة، والإفراج عن المختطفين، وقد بات واضحًا أنّ الهدفين تم وضعهما على أنهما مكمّلان لبعضهما، رغم أنّ تصريحات قادته أعطتهما الأولوية بشكل غير متسق، كما أنّ سلوكه العلني لم يكشف عن ترتيب واضح للأولويات بين الأهداف، فتارة ينفذ هجمات على المقاومين في غزة، متجاهلًا مصير المختطفين، وتارة أُخرى يوقف العمليات وكأنه يعطي الأولوية لهم.
في واقع الأمر، لا يمكن النظر للهدفين بأنهما متكاملان، فالحرب التي هدفها إطلاق سراح المختطفين تختلف عن الحرب التي هدفها الأساسي الإطاحة بحكم حماس، ورغم ذلك فإنّ المستوى السياسي لدى الاحتلال لم ينشر توجيهاً يبدد هذا الضباب، مما أثار العديد من الخلافات والتباينات بينه وبين المستويين العسكري والأمني، وباقي دوائر صنع القرار، التي أكدت أنّ الإطاحة بحكم حماس قد يستغرق سنوات طويلة، في حين أنّ الإفراج عن المختطفين مسألة ملحة، والوقت فيها عامل مهم وحاسم.
هناك خطأ إشكالي ثالث يتعلق بإدارة الحرب، وهو سقفها الزمني، ويعني النافذة الزمنية التي يمكن تلقيها من المجتمع الدولي، وللحيلولة دون تدهور الرأي العام الدولي لصالح الفلسطينيين، ويؤدي بالضرورة لإلحاق أضرار جسيمة بالاحتلال، والخشية من اندلاع مظاهرات شعبية عارمة في الشارع العربي قد تهدد استقرار الدول التي يعتبرها الاحتلال “معتدلة وصديقة” له، في الوقت ذاته، فإنّ السقف الزمني المطلوب لإنجاز هذه الحرب يشمل أيضاً مدى توفر جيش احتياطي كبير معبأ، الأمر الذي من شأنه تعطيل مسيرة الاقتصاد المعطلة أصلًا منذ عشرة أشهر، فضلَا عن أنّ هذا السقف الزمني يعني الاستمرار في نزيف ميزانية الدولة الموجهة معظمها لإدارة الحرب.
رغم كل هذه الاعتبارات المهمة، فإنّ الاحتلال لم يضع لنفسه سقفًا زمنياً تقديرياً، ولم يتلق الجيش توجيهاً من المستوى السياسي يحدد موازنة الموارد والأثمان المتاح دفعها في الحرب، والأسوأ من ذلك أنّ رسائل المستوى السياسي ربما خلقت الانطباع الخاطئ بأنّ للحرب ميزانية غير محدودة من الوقت والموارد، ورأس المال السياسي الدولي، وما إلى ذلك، وبالتالي فقد شجعت الجيش على تبني خطة عملياتية خاطئة، تشمل الوقت والموارد والأساليب، بزعم أنها لا تشكل عائقًا حاسمًا في طريق تحقيق أهدافه التي يدور حولها جدل كبير.
بعد عشرة أشهر من القتال، بات مشروعًا في المنظومة “الإسرائيلية” الحديثُ عن شكوك متزايدة عما إذا كانت خطة الجيش المتمثلة في التقدم البطيء من حي إلى حي من أحياء غزة، بزعم “هزيمة” كتائب حماس، مجدية وعملية، بدليل أنّ انتقال الجيش إلى الحي التالي، أو عودته للحيّ السابق، لا ينجم عنه تحقيق مخرجات استراتيجية تدعم موقف الدولة في مفاوضات صفقة التبادل.
- حرب ضد الفلسطينيين جميعًا، وليس حماس فقط:
خطأ رابع وقع فيه الاحتلال خلال إدارة الحرب، يتمثل في غياب استراتيجية تتعامل مع مسائل الدبلوماسية، والمساعدات الإنسانية، والاعتبارات القانونية، في ضوء أنّ القتال يتم في قلب أحياء غزة السكنية المزدحمة بالسكان، مما أدى بالضرورة لإلحاق أضرار جسيمة بغير المشاركين في القتال، وانتهاك سافر لقوانين الحرب، وغياب مبدأ التناسب في استخدام الوسائل القتالية.
بالرغم من ادعاء الاحتلال بأنه يحذّر الفلسطينيين مقدماً قبل أي اجتياح، ويوجِد ممرّات إخلاء ومساحات آمنة لهم، لكن الواقع يتحدث بخلاف ذلك، فالجرائم والمجازر التي ارتكبها جيشه على مدار الساعة، وصولًا لاستهداف خيام النازحين في المناطق التي صنفها بـ”الآمنة”، شكّل تحدياً لشراكاته الدولية، ومصدر إحراج لها، ومن الواضح أنّ الاحتلال لم يأخذ هذه المشكلة المتوقعة في الاعتبار، وبالتالي فلم يعوضها منذ البداية بمساعدات إنسانية واسعة النطاق، وتأكيدٍ على التزامه بقوانين الحرب، وغير ذلك من الأدوات التي تخفف من حدة التحدي الماثل أمامه اليوم في المحافل القانونية والمحاكم الدولية، رغم جهوده اللافتة باستخدام الوسائل الدبلوماسية والمساعدات الإنسانية كي تكون “جسراً” يعبّد طريقه نحو مزيد من الهجمات العسكرية.
أكثر من ذلك، فإنّ الاحتلال سعى لتعميم جملة من الرسائل “المضللة” فلسطينيًا ودولياً، وأهمها أنه يقاتل حماس وليس الفلسطينيين، رغم ثبوت بطلانها وزيفها، بدليل أنّ الاستباحة الشاملة لقطاع غزة، من أقصاه إلى أقصاه، واستخدام القوة العسكرية الفتاكة ضد المدنيين الآمنين في بيوتهم وخيامهم، ولّدت صورة إشكالية لدى شركاء الاحتلال، وفي الرأي العام الدولي، وتسببت في انقسام معهم، وصلت حدّ تجميد صفقات أسلحة للاحتلال، وأضرار واسعة النطاق لشرعية العدوان، واحتجاجات لم يتم السيطرة عليها في كبرى عواصم العالم والجامعات.
لقد مَثّل صدور قرار الاتهام من محكمة العدل الدولية نموذجًا واحدًا فقط على أنّ الساحة القانونية تم إدارتها بصورة خاطئة، رغم أنه جزء من خطة الحرب لدى الاحتلال، وليس فقط في جوانب الشرعية والأضرار الدولية، بل في المسؤولية القانونية عن غزة، أو أجزاء منها، وباتت سيطرته على ممر “نيساريم” وسط القطاع، ولاحقًا على المعابر الحدودية في رفح، تجعله أقرب لتعريف الاحتلال، مع كل المسؤوليات القانونية المصاحبة، والتكاليف الاقتصادية والأثمان الدولية، دون أن يكون الاحتلال مستعدا لذلك.
إنّ إصرار الاحتلال على عدم السماح لسكان شمال غزة بالعودة إليها يثير أسئلة قانونية، رغم أنه يمكن إدارة أي مخاطر متوقعة منها من خلال خطة متفق عليها مع الشركاء الدوليين لعودتهم التدريجية، مقابل انسحاب تدريجي للجيش من القطاع، لكن عدم القيام بذلك كشف عن فشل “إسرائيلي” في استنفاد الإجراءات القانونية في مواجهة الاتهامات الدولية، مما فتح الباب أمام التدخل القانوني الدولي في جميع قضايا الحرب.
- زيادة الشقوق تثير مزيدًا من الشكوك:
على الصعيد الاقتصادي، فقد بدا واضحًا أنّ إدارة الاحتلال للحرب تمثلت بتخصيص موازنات لا محدودة للإنفاق عليها، مقابل تخفيض ميزانيات قطاعات التعليم والصحة والزراعة، دون أن تُقدّم بدائل للقطاعات المتضررة من الحرب، وفي مقدمتها البناء والبنية التحتية والزراعة، مما أثّر على النشاط الاقتصادي وإيرادات الدولة من الضرائب، والنتيجة المباشرة هي ارتفاع العجز الحكومي إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي، مما أدى إلى انخفاض التصنيف الائتماني لدولة الاحتلال من قِبل المؤسسات الدولية.
عند الحديث عن العلاقات الدولية للاحتلال، فلا بُدّ من التأكيد على أنّ هذه الحرب العدوانية بدأت باصطفاف غير مسبوق من الولايات المتحدة والغرب بجانبه، الذي ارتكب مع مرور الوقت أخطاء وإخفاقات دفعته لرفض إجراء حوار مع شركائه الدوليين حول هوية الحكومة التي ستحل محل حماس في غزة، وتعثر الملف الإنساني فيها، وتصريحات وزرائه المتطرفين، وسوء إدارة الجانب القانوني، مما ألحق ضررا عميقا بشرعيته، وقدرته على تسخير المجتمع الدولي لتحقيق أهداف الحرب.
لقد حدث هذا الضرر “الإسرائيلي” عندما لم يكن هناك ربح، وعندما لم يكن سلوك الاحتلال يقربه من تحقيق أهداف الحرب، والأسوأ من ذلك، أنّ هذه الأخطاء هددت بخلق نقاط ضعف طويلة الأمد، وشقوق عميقة في صورة الدولة، بجانب تدهور علاماتها التجارية في عالم الأعمال حول العالم، وفي الاستثمارات والصادرات الأجنبية، وتراكم نقاط الضعف في التعاون الأكاديمي والبحثي، وزيادة المزايا النسبية التي تتمتع بها من جهة اقتصاد التكنولوجيا المتطورة، والتجارة الخارجية الغربية، والقرب الاستراتيجي من الولايات المتحدة، والقوى العاملة ذات الجودة العالية.
أوجدت كل هذه الشقوق التي تراكمت خلال أشهر الحرب، خوفًا “إسرائيليًا” من أن تؤدي لإضعافه بنيوياً، حتى من منظور أضيق: استراتيجياً وعسكرياً، ومن المشكوك فيه أن يؤدي السلوك الحالي لواقع أفضل بعد انتهاء الحرب، وبعد أن أسفر هذا السلوك المتخبّط عن خلل حقيقي في إدارة الحرب ضد من توصف بأنها “أضعف أعداء” الاحتلال، وهي حماس، فإنّ ذلك سيضرّ حتماً بقدرة الاحتلال على العمل ضد أقوى أعدائه، وهي إيران، وفي السياق الأكثر أهمية في المجال النووي.
- الخاتمة:
لقد كشفت عشرة أشهر من الحرب “الإسرائيلية” على غزة أنّ سلوك الاحتلال لم يتنبه لكثير من التطورات التي واكبته، وبالتالي جاءت العديد من النتائج السلبية نتيجة التردد، أو عدم القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة، وغياب الإدارة، بدليل أنه في الكثير من الأحيان، أظهر الاحتلال إصرارًا غريبًا على مسار معين في الحرب رغم أنّ ثمنه كبير، ويشكل مخاطر عالية جدًا، وبعد فترة من الوقت يتم التخلي عنه، ولكن بعد فوات الأوان، وبعد دفع ثمن باهظ للغاية، سواء أمام المقاومة من الناحية العسكرية، أو أمام المجتمع الدولي من الناحية الدبلوماسية.
عند ذهاب الاحتلال إلى مسار آخر لم يكن محسوبًا، بل تم اختياره نتيجة عن عدم القدرة أو عدم الرغبة بالتعامل مع القرارات الجدية، يتبدّى للعديد من “الإسرائيليين” أنّ سير الحرب منذ السابع من أكتوبر كشف عن الكثير من الأخطاء والإخفاقات التي تحتاج للعديد من القراءات النقدية في جميع مجالاتها.