تقدير موقفالاستيطان والجدار

قانون “تشريع المستوطنات العشوائية”.. الخلفيات والتداعيات

"فرصتنا التاريخية لتمرير ما نريد من قوانين، فلربما لن يجتمع اليمين بأكمله في حكومة ثانية يمينية بالكامل"، هذا الكلام لنفتالي بينت زعيم حزب البيت اليهودي "هبايت هيهودي"، والذي بات يُعتبر اليوم حامي عرين يمين اليمين الإسرائيلي، والشخص الذي بات معروفًا بسعيه الدائم لترسيم حدود المستوطنات وتوسيع البناء في الضفة الغربية، والذي وقف بقوّة وراء تمرير قانون الهسدرا "تشريع المستوطنات" الأسبوع الماضي.

وليست هذه المرة الأولى التي يحاول فيها اليمين الإسرائيلي، تمرير قانون تشريعي في الكنيست الإسرائيلي يقضي بتشريع البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة الغربية والمبنية على أراض خاصة للفلسطينيين.

القانون الذي مرّ في السادس عشر من تشرين ثاني، بأغلبية 58 عضو كنيست مقابل 50 ضد القانون، سبقه سيل عاصف من الاتهامات والتهديدات الداخلية في الائتلاف الحكومي، وصلت إلى حد التهديد بفك الائتلاف والذهاب إلى انتخابات مبكرة.

ما هو قانون تشريع المستوطنات؟

قانون الهسدرا "ההסדרה"، يعني تشريع المستوطنات، التي بُنيت على أراض فلسطينية خاصة خارج حدود عام 1967، ويَحظر هدمها أو إخلاءها بالقوّة، وقد جاء هذا القانون على خلفية الخلاف الكبير حول إخلاء مستوطنة عمونا المبنية منذ عشرين عامًا، على أراض فلسطينية خاصة بالقرب من مدينة رام الله، حيث أقرت المحكمة العليا الإسرائيلية وقبل عامين، ضرورة إخلائها حتى الخامس والعشرين من كانون أول عام 2016.

ويحوي القانون بين طيّاته النقاط التالية:

  1.  في حال ثبوت أن البناء قد وقع على أرض فلسطينية خاصة، تُصادر تلك الأرض، لحين الوصول إلى حل سياسي.
  2.  تُصرف التعوضيات لمن يُثبت من الفلسطينيين ملكيته للأرض، بقيمة 125% زيادة على القيمة الحقيقية للأرض، أو يُعطى أرضًا بديلة حسب اختياره.
  3.  يُصبح القانون بعد إقراره المرجعية التشريعية، بما يوجب تعطيل قرارات المحكمة التي اتخذت خلافًا لذلك القانون.

الخلفية الفكرية والأيديولوجية للقانون:

على شاكلة الكثير من القوانين، فإن قانون "تشريع المستوطنات" بادر به مجموعة من أعضاء الكنيست، وتحديدًا عضو الكنيست عن حزب الليكود "التكتل" الحاكم، يوئاب كيش، وهو من أبرز الأطياف اليمينية في الحكومة، إلى جانب مجموعة من زملائه أعضاء الليكود، وكذلك البيت اليهودي "هبايت هيهودي".

وبالعودة للاتفاقات الائتلافية بين البيت اليهودي والحزب الحاكم الليكود، فقد اشترط نفتالي بنت زعيم البيت اليهودي، ترسيم حدود المستوطنات ورفع ميزانيتها والعمل على ضمها بشكل رسمي للدولة، وقد نجح البيت اليهودي إلى الآن بزيادة ميزانية المستوطنات، وبدا واضحًا عمله الدؤوب من أجل شرعنة أوضاعها رسميًّا.

قد يكون المٌحرك لهذا القانون قضية بؤرة عمونا، إلا أنه يُعبّر عن أيديولوجيا، إذ يؤمن البيت اليهودي بضرورة بسط السيطرة على كامل الأراضي الفلسطينية، ويَعتبر أن أراضي عام 1967، هي أراض محررة للشعب اليهودي، وممنوع التنازل عن أي شبر منها، ويجب أن تخضع للسيادة الإسرائيلية بشكل كامل، ويجب المساواة بين المستوطنين في الضفة الغربية مع بقية سكان الدولة، وتسوية أوضاع المخالفين منهم، بشرط بقائهم في أرضهم، وإيجاد بدائل أخرى لتسوية أوضاعهم.

لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن الأمر لم يكن مقصورًا على أعضاء البيت اليهودي فقط، فعند الحديث عن أحزاب الائتلاف الحكومي، فإننا نجد أن كفة يمين اليمين هي الراجحة، بمعنى أن هناك ثلاثة أحزاب تُعنى بالشؤون السياسية بشكل عام، وهي حزب البيت اليهودي، ذو الأيديولوجية اليمينية الدينية الصرفة، وحزب "إسرائيل بيتنا" وهو حزب يميني صرف كذلك، ومجموع ما لديهم من مقاعد 14 عضو كنيست، فيما يملك الحزب الثالث، وهو الليكود، 30 عضو كنيست، لكن بحسبة بسيطة، وفي ظل تغلغل يمين اليمين إلى الليكود، كيوئاب كيش، ويهودا جليك، وميري ريجب وغيرهم، فإن كفة يمين اليمين تميل وترجح.  

يُدرك حزب البيت اليهودي، في ظل أن 47% من المستوطنين في الضفة هم من المتدينين الصهاينة، فإن عليه بصفته ممثلاً لهذا التيار أن يعمل على تشريع أوضاعهم، ومنع إخلاء أي من البؤر الاستيطانية، وإلا فإنه سيفقد كتلته التصويتية في أي انتخابات قادمة، خاصة أن المعطيات أشارت إلى نزول نسبة التصويت في المستوطنات في العام 2015، لصالح البيت اليهودي مقارنة بالعام 2013، لذى فقد فهم نفتالي بنت الدرس، ويعمل جاهدًا لتسوية أوضاعهم، وإن كان من الصعب تعطيل إخلاء عمونا، فإن حال بنت يقول، عليَّ العمل، حتى إن اتُّهمت بأنني أعمل لأغراض انتخابية كما عبّر عن ذلك إفيجدور ليبرمان، حينما وصف أعمال نفتالي بنت قُبيل التصويت بأنها دعاية انتخابية.

الخلافات ما قبل القانون:

شهد ما قبل إقرار القانون في قراءته المبدئية، خلافات عاصفة بين الليكود والبيت اليهودي، وكذلك الليكود وحزب كُلنا. زعيم البيت اليهودي نفتالي بنت، قال بأنه ذاهب في التصويت حتى النهاية، وبأن قرار المحكمة بعدم تأجيل إخلاء عمونا، لم يترك مجالاً إلا الذهاب للتصويت، هنا بدأ الخلاف، حينما وصف نتنياهو رئيس وزراء حكومة الاحتلال، بنت بأنه صبياني، في المقابل وصفه بنت على أنه مجرد مُدَوِّن.

رفض نتنياهو التصويت على القانون كان لسببين رئيسين، الأول؛ أنه لم يكن يريد المساس بالمحكمة العليا، وبالتالي الدخول في أزمة مع موشيه كحلون زعيم حزب كلنا "كولانو" والذي كان يعارض القانون كونه يمس بالمحكمة العليا، الأمر الذي سيحرجه أمام كتلته الانتخابية، ومن الجانب الآخر لم يُرد نتنياهو التعرض لمزيد من الإحراج الدولي، ويريد الاستمرار بالعمل على الأرض دون تشريعات تُدلل على المشاريع الاستيطانية الظاهرة للعين.

بعد العديد من المحاولات لتأجيل التصويت والتي لم تُفلح، اضطر بنيامين نتنياهو إلى الذهاب باتجاه الخيار الأسهل، وهو التفاوض لإقناع كحلون زعيم كلنا، حيث اشترط الأخير إضافة بند عدم المساس بالمحكمة مقابل موافقته دعم القانون، وهذا ما حدث، حين تم صياغة البند بعمومية مطلقة.

إصرار بنت على الذهاب باتجاه التصويت، أو فك الائتلاف الحكومي، أظهر وجود خطر حقيقي على الائتلاف، ليس من منطلق أن نتنياهو يخشى من انتخابات مبكرة، فهي مستبعدة، لكن كانت خشية نتنياهو من ظهور انقسام الليكود، فقد صوت سبعة وزراء أثناء جلسات الحكومة لصالح التصويت، وأظهر غالبية أعضاء الليكود في الكنيست، أنهم سيدعمون القانون، علاوة على أن موازين القوى وفق استطلاعات الرأي، وضعت الليكود ثانيًا.

ماذا يحتاج القانون ليصبح قائمًا؟

مرَ القانون لكن بالقراءة الأولية (في حال تقدم عضو كنيست بقانون خاص، فإنه يجب إقراره وتحويله للجان الخاصة قبل العملية التشريعية)، أي أنه يحتاج إلى ثلاث قراءات ليُصبح نافذًا.

  • في القراءة الأولى، تقوم لجنة الكنيست بالعمل على إعداد مشروع القرار، وتستدعي الجهات ذات الصلة للنقاش، وفي حال أن تكاليف المشروع تفوق الخمسة ملايين شيقل، فإنه يتطلب الحصول على 50 عضو كنيست داعم له.
  • في القراءة الثانية والثالثة، تبدأ الكنيست بنقاش القانون، كل بند على حدة، ونقاش التحفظات على تلك البنود، بعدها يتم الذهاب للتصويت بالقراءة الثانية، وفي حال مرّ القانون، يتم الاتجاه للقراءة الثالثة، إلا في حال وجود تحفظات فيتم تأجيل التصويت في القراءة الثالثة مدة أسبوع.

نظريًّا فإن اليمين الإسرائيلي يملك 65 عضو كنيست، وبالتالي بإمكانه تمرير أي من القوانين، لكن حساسية وجود المحكمة العليا، قد تدفع حزب كلنا "كولانو"، إلى الامتناع على الأقل عن التصويت، وقد تدفع معارضين آخرين إلى التغيب وعدم التصويت.

تداعيات القانون، داخليًّا وفلسطينيًّا:

من المرجح أن قانون تشريع المستوطنات سيمرّ في قراءاته الثلاث، حيث سيتوصل الفرقاء إلى صيغ مُرضية للجميع، لكن من المستبعد أن يمنع مرور القانون، إخلاء بؤرة عمونا، حيث لا يمكن تشريع قانون بهدف تعطيل أمر قضائي، لكنه سيكون مجديًا في الحالات الشبيهة المقبلة.

مرور القانون بالقراءات الثلاث سيكون له العديد من التداعيات الداخلية إسرائيليًّا، وتداعيات خطيرة للغاية على الفلسطينيين في الضفة الغربية، فمن المتوقع أن يُسهم هذا القانون في تقوية عصب اليمين الإسرائيلي في الدولة، وإلى الدخول في معركة تشريعية قضائية، في ظل أن وزيرة العدل إيلات شاكيد "بيت يهودي"، ترى أنه من الضروري العمل على تغيير تركيبة وآلية انتخاب أعضاء المحكمة العليا، التي باتت تظهر على أنها يسارية وتُتهم بذلك، في سعي يميني متواصل للضغط على هيئتها لتمرير رؤية اليمين في القضايا الاجتماعية والسياسية.

ولهذا القانون أيضًا، تداعيات على الانتخابات الإسرائيلية في المستقبل، فهي من الجانب الأول ستُسهم في رفع ثقل اليمين وتحديدًا في المستوطنات، وكذلك رفع النسب التصويتية عند الكُتل اليمينية المختلفة وبالتالي تجسيد حكم اليمين لفترات أطول، علاوة على فتحه الشهية أمام تمرير قوانين أخرى تحت شعار "صوّت لي سأصوّت لك"، فقد صوّت الحريديم (متدينون غير صهاينة) لصالح القانون، بعد موافقة بنت وزير التعليم، على إلغاء تعليم المواد الأساسية (الرياضيات واللغة إنجليزية والعلوم) لطلابهم، والاكتفاء بتعليم العبرية والتوراة.

فلسطينيًّا، سيزيل هذا القانون العقبة الأخيرة، التي كانت في وجه التيارات الاستيطانية التي كانت تمنعها من البناء في كل المناطق، وخطورة القانون تكمن في:

أولاً: سيُسهم هذا القانون في تسوية أوضاع العشوائيات الاستيطانية وتحويلها إلى مستوطنات رسمية، وسيحرم الفلسطيني حق التوجه -حتى لو كان شكليًّا- للمحاكم الإسرائيلية.

ثانيًا: سيدفع هذا القانون، باتجاه سيطرة المستوطنين على المزيد من الأراضي العشوائية الخاصة والعامة في الضفة الغربية، مما سيكون له أثر كبير على الخريطة الاستيطانية التي ستصبح أكثر تعمقًا وتشابكًا مع الأراضي الفلسطينية.

ثالثًا: سيسمح هذا القانون للبؤر الاستيطانية الكُبرى، بالتوسع والسيطرة على المزيد من الأراضي، تحت شعار من الممكن تسوية ذلك، وفق القانون.

رابعًا: وهو الأمر الأكثر خطورة، سيمهّد هذا القانون لضم المستوطنات بشكل فعلي لدولة الاحتلال، حيث ستصبح المواطنة كاملة، ومن المرجح أن يقوم اليمين الإسرائيلي بضم المناطق "ج" بالكامل والتي تُشكّل 60% من مساحة الضفة، ويقطنها 200 ألف فلسطيني، سجري إخضاعهم ليس للسيطرة الإسرائيلية فحسب، بل بإعطائهم مواطنة مؤقتة لتسوية أوضاعهم.

خاتمة:

بات اليمين الإسرائيلي مرتاحًا في إقرار القوانين العنصرية، وتحديدًا تلك التي تمسّ بالفلسطيني، وتنتزع ما تبقى له من حقوق سواء في الأراضي المحتلة عام 1948، أو في الضفة الغربية المحتلة منذ العام 1967.

تمرير هذا القانون بقراءته الأولية دليل على يمينية التركيبة الائتلافية من الناحية السياسية بشكل صرف، وهي تركيبة يتحكم في رقبتها يمين اليمين الذي لم يعد مُمثَلاً في البيت اليهودي فحسب، بل وفي أروقة الليكود كذلك.

والملفت للنظر، أن اليمين الإسرائيلي، رأى في فوز المرشح الأمريكي دونالد ترامب، فوزًا لليمين في "إسرائيل" وانتكاسة لليسار والوسط الإسرائيلي وفرصة جيدة، من أجل تسوية موضوع المستوطنات، والقضاء على حلم الدولة الفلسطينية، حيث يرى وزير الجيش إفيجدور ليبرمان أن "إسرائيل" مستعدة للبناء فقط في الكتل الاستيطانية، مقابل أخذ مصادقة أمريكية على ذلك.

مرحلة كسر العظم في سن القانون مبدئيًّا؛ انتصر فيها اليمين الصرف، الذي يريد فرض الحقائق على الأرض لحين التوصل إلى اتفاق سياسي، كان الاستيطان قد حال دون الوصول إليه، ففي الوقت الذي فاوض فيه نتنياهو أبو مازن في العام 2010، أكد أنه يجب تقبل الأمر الواقع على الأرض، وهو واقعٌ يزداد تعقيده يوميًّا مع الابتلاع المستمر لمزيد من الأراضي الفلسطينية، وسيكون تقبله شرطًا في أي مفاوضات مقبلة إن تمّت.

قانون تشريع المستوطنات، يُلزم الفلسطيني العمل الجاد من أجل الوقوف في وجه النزعة العنصرية غير المسبوقة تجاهه، ولأن خيار المفاوضات قد فشل باعتراف مسوقيه من الفلسطينيين أو الإسرائيليين، فإن المحافل الدولية والذهاب إلى محكمة الجنايات، والمقاومة بكافة أشكالها هي السبيل الوحيد الذي سيدفع بتلك المخططات، للانكفاء والعودة خطوات إلى الوراء.   

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى