فلسطين وأزمة كورونا.. بين إدارة الأزمة وخيارات المستقبل
للتحميل الملف هنا
في 5/3/2020، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن تسجيل أول 7 حالات إصابة بفيروس كورونا في فلسطين، تم تسجيلها في مدينة بيت لحم، وهو ما دفع الرئيس الفلسطيني، وفي خطاب متلفز ألقاه بالنيابة عنه رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية، إلى الإعلان عن حالة الطوارئ في فلسطين، مدة 30 يومًا قابلة للتجديد.
وما بين منتقد لسرعة إعلان حالة الطوارئ، وبين مؤيد لها، وقعت المؤسسات الرسمية الفلسطينية في الأيام الخمسة الأولى للأزمة، في حالة من الارتباك، بدأت تتبدد بشكل تدريجي بعد امتصاص الصدمة الأولى.
ومن أجل قراءة هذا الموضوع، وانعكاساته، والخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين، استطلع مركز رؤية للتنمية السياسية[1]، رأي عدد من الشخصيات الأكاديمية والإعلامية والحقوقية الفلسطينية، ورؤيتهم للتفاعل بين إجراءات السلطة الفلسطينية حول أزمة كورونا وتعاطي المجتمع الفلسطيني مع هذه الإجراءات، وذلك من خلال إجاباتهم على الأسئلة التالية: كيف تقيّم الأداء الرسمي الفلسطيني مع بدْء انتشار كورونا في فلسطين، وهل أنت راضٍ عن طريقة إدارة الأزمة من قبل الحكومة؟ هل كان قرار إعلان حالة الطوارئ قرارا متعجلا، وهل كان بالإمكان الذهاب لإجراءات أخرى قبل هذا الإعلان؟ هل كان هناك تخبط في بداية الأزمة، وهل يعود ذلك لغياب البناء المؤسسي، أم غياب التجربة الفعلية؟ هل كشفت الأزمة الحالية عن وجود ضعف في التعامل مع الأزمات؟ هل تعتقد أن الشارع الفلسطيني استطاع استيعاب الأزمة ضمن نطاقها الصحيح، وبالتالي يُمكن أن يكون مهيّأً للتعامل مع الأزمات المختلفة؟ كيف كان التعاطي الإعلامي مع الأزمة؟ وما هي الخيارات التي يمكن أن تذهب إليها السلطة الفلسطينية في حال طالت هذه الأزمة؟
تتلخص آراء هذه النخبة في فيما يلي:
- في الأيام الأولى، كان هناك ارتباك في التعامل مع الأزمة، ثم أثبتت التطورات صحة قرار إعلان حالة الطوارئ، رغم أنه كان لا بد من خطوات تمهد لذلك، كما أثبتت أن الأداء الحكومي كان جيدا ويحظى برضا واضح.
- إعلان حالة الطوارئ كان لأسباب صحية بحتة، رغم أن البعض يضيف إليها أسبابًا سياسية. لسرعة الإعلان عنه ولعدم القيام بأية خطوات وقائية قبله.
- رغم استهجان إعلان حالة الطوارئ في البداية، إلا أن الشارع الفلسطيني بكل تصنيفاته، استجاب للقرار، وتعامل معه بإيجابية.
- الأداء الإعلامي لم يكن منضبطًا في البداية، إلا أنه بعد خمسة أيام تطور بشكل ملحوظ، وأصبح يقدم المعلومات للرأي العام، بصورة تخدم المشهد بشكل عام.
- من الخيارات التي ينبغي اللجوء إليها، الحد من التنقل بين التجمعات السكانية، وتكثيف التوعية الصحية، وتشكيل أداة للبحث عن حلول، وإنشاء صندوق مالي وبشري لإدارة الأزمات، واتخاذ خطوات لتعزيز الصمود، مثل تعويض القطاعات المتضررة. كذلك يمكن وقف دوام الموظفين في وزارات غير حيوية، وليس لها دور فعلي في مواجهة الأزمة، مما يعني ضرورة أن تعيد الحكومة تدوير موازنتها.
د. ماجد العاروري، خبير قانوني، والمدير التنفيذي للهيئة الأهلية لاستقلال القضاء
تعاملت الجهات الرسمية الفلسطينية مع هذه الأزمة بمنهج وقائي، حيث أدركت أن الفلسطينيين إذا وصلوا لمرحلة الإصابة والعلاج، فلن يكون بمقدورهم التعامل مع هذه الأزمة؛ لعدم توفر الإمكانيات اللازمة. ولكن في المقابل، فإن الإجراءات التي اتُخذت منذ الإعلان عن حالة الطوارئ، لم يكن هناك أي تمهيد لها، بل إنه قبل الإعلان عن حالة الطوارئ بيوم واحد، كان هناك إعلان عن خلو فلسطين من الإصابات.
يتطلب الذهاب إلى إعلان حالة الطوارئ، أن تكون هناك عوامل تدفع باتجاهه. وأنا شخصيا أعتقد أن القضية لا تتعلق فقط بأزمة الفيروس، على الرغم من أهميتها، وإنما هناك عوامل سياسية أيضا دفعت باتجاه إعلان الطوارئ، من بينها وجود تصاعد في حركة الاحتجاجات لدى النقابات المهنية المختلفة، كنقابات المعلمين والأطباء والممرضين. وكان واضحًا أن هناك عوامل سياسية داخل القطب الحاكم، مما شكّل دافعًا مهمًا لاتخاذ هذه الخطوة بشكل سريع. وإذا تابعنا الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة عشية إعلان الطوارئ، نجده خطابًا جديًا، ويحمل رسائل سياسية أكثر منها نصائح طبية أو سيكولوجية موجهة للمجتمع، حيث غاب خطاب التطمين وعدم القلق لدى الجمهور، على عكس المؤتمر الصحفي الذي خرج به بعد 10 أيام، والذي كان يحمل رسائل تطمين أكثر.
باعتقادي أيضا أن هناك مجموعة من عوامل القوة لدى الفلسطينيين، تدفع باتجاه اتخاذ قرار بهذه القوة والسرعة، أهمها هو أن انتقال هذا الفيروس، في ظل الحالة الفلسطينية الحالية، سيكون محدودًا، حيث إن المدن الفلسطينية تتواجد في كانتونات بعيدة عن بعضها البعض، أي أن الواقع الديمغرافي السياسي سهّل السيطرة على التجمعات، فمثلًا، يمكن السيطرة على مداخل أي مدينة فلسطينية، ومخارجها، بأقل عدد ممكن من رجال الأمن.
كما أن جاهزية الناس للعزلة في منازلها، هي جاهزية عالية، حيث إن المواطن الفلسطيني عايش ظروفًا عديدة مشابهة في الانتفاضات السابقة، كمنع التجول وغيره.
الأمر اللافت أيضا، هو أن الحكومة تريد أن تتخذ مجموعة من الإجراءات التي تضمن الوقاية من المرض، دون أن يكلفها ذلك مصاريف مالية. ولهذا السبب، ذهبت باتجاه القرار الأمني لمنع التنقل ما بين المحافظات، أو داخل المحافظات نفسها، بمعنى أنها ابتعدت عن أي سياسات قد تترتب عليها أي تكلفة، وذهبت باتجاه السياسات المرتبطة بالوقاية غير المكلفة، بمعنى أنها لم ترصد موازنات لهذا الأمر.
في البداية، اتُخذت الخطوة بشكل غير مدروس، ولهذا السبب، لاحظنا الارتباك والتخبط في الأيام الأولى. ولو أنها كانت خطة مدروسة، كان يجب أن تسبقها خطوات تمهد للذهاب بهذا الاتجاه الوقائي.
لكن رغم عشوائية الخطوة، إلا أنه كانت هناك استجابة شبه كاملة من الشارع الفلسطيني. كما أن الحكومة نفسها، حاولت تدارك الأمر بعد الأيام الخمس الأولى، وبدأت تتابع تدفق المعلومات بشكل أفضل، مما أوصل الوضع إلى حالة من الاستقرار والقبول. ومما ساهم في تقبل هذا القرار أكثر، هو أن انتشار المرض بشكل سريع في دول أخرى مثل إيطاليا، جعل الناس تشعر بالخطر الجدي، الذي يتعدى الحدود كلها.
بعد اجتياز الأيام الخمس الأولى، وبعد أن تم تكليف المهمة الإعلامية للناطق باسم الحكومة، وسحبها من وزارة الصحة، خرج الأمر من حالة الارتباك والتخبط، وأصبح هناك تحسن في الأداء، رغم نقص في المعلومات التي تقدم للرأي العام، وبات الخطاب الإعلامي يتسم بنوع من الذكاء، أفضل من الأيام الأولى، ويقدم جرعات إيجابية للناس، ويجعلهم أكثر تفاؤلًا، وأكثر تقبلًا لفكرة الفحص الطبي، وفكرة الخضوع للحجر الصحي.
أفضل إجراء يمكن الاستمرار به من قبل الحكومة، هو الحد من التنقل بين التجمعات السكانية في الضفة وغزة. كذلك يجب اتخاذ قرار يتعلق بالعمال الفلسطينيين داخل “إسرائيل”، حتى لو كان قرارًا مشترَكًا مع “إسرائيل”، ولكن على الحكومة أن تسعى لحماية حقوق هؤلاء العمال، وتوفير سبل السلامة لهم ولعائلاتهم.
الدكتور بسام ماضي، طبيب فلسطيني عمل مديرًا لصحة محافظة سلفيت سابقًا، ومديرًا لبرنامج الصحة المجتمعية في وكالة الغوث، وممثلًا لوزارة الصحة الفلسطينية في الاتحاد الأوروبي
كانت إدارة الأزمة جيدة، ولكنها تمت تحت نظرية المدفع، وذلك بالتصدي للمرض دفعة واحدة، وربما كان الأفضل أن يسبق ذلك حملات توعية وتثقيف حول خطورة المرض، مما يجعل العملية منظمة، وضمن آلية تقوم أولًا على احتواء المرض، ومحاولة تأخير انتشار الفيروس لأبعد قدر ممكن، من خلال التركيز على العادات الصحية التي تمنع انتشاره، والتركيز على الفئة الأكثر تضررًا منه، وهذا قد يجعل التكلفة أقل، وأكثر فعالية.
قد يكون للإجراءات الحادة تداعيات على الوضع الصحي والاجتماعي للناس، وقد تؤدي إلى نقص في الإنتاجية، وهذا يتطلب تكاتف جهات الاختصاص، ما بين علم النفس والصحة والاجتماع والاقتصاد والسياسة.
لم يكن الشارع الفلسطيني مستعدًا لهذه الأزمة، وخاصة كونها أزمة صحية، ولكن الآن يُمكن أن نلاحظ أن وضع المجتمع الفلسطيني أصبح يتطور للأفضل، وتم أخذ الموضوع بشكل أكثر جدية، وإذا ما تم توثيق ما جرى في الأزمة الحالية، فإنه يمكن الاستفادة منها في تجارب قادمة مماثلة، وسيكون تعامل الجمهور أفضل.
إعلان حالة الطوارئ جيد، لكن ربما كان الأفضل رفع مستوى الجاهزية قبل ذلك. فمن المفترض أن تكون في كل محافظة مراكز مجهزة للعزل، مع مستشفيات ميدانية يمكن اللجوء إليها في أي حالات طوارئ مشابهة.
الإعلام هو أكثر المستويات التي من المفترض أن تتحلى بالمسؤولية، وتكون أكثر وعيًا. في بداية الأزمة، ريما كان هناك تخبط إعلامي، لكن مخاطبة الجمهور تحسن نحو الأفضل، ويُمكن أن يكون أكثر توجيهًا للناس والمجتمع، إذا ما تم الاستعانة بخبراء علم الاجتماع في مخاطبة الناس.
من الخطوات الممكنة في هذا المجال، تكثيف التوعية الصحية، والأخذ بالعادات السليمة للمواجهة، وتشكيل أداة للبحث عن حلول، لحين التوصل لطعم دولي، مع الاستفادة من الحالات الموجودة، والتعامل معها، لرفع الكفاءة في التعامل مع حالات أخرى قد تنشأ مستقبلًا.
علي أبو سرور، وكيل وزارة السياحة سابقًا، ماجستير في السياحة، وماجستير في الإدارة (Management)
كان الأداء الرسمي مع بدْء انتشار المرض، وبشهادة منظمة الصحة العالمية، جيدًا، ولبى متطلبات الحالة، وكان سباقًا وجريئًا.
الضعف في التعامل مع الأزمات وارد، خاصة لكوننا لا نملك الإمكانيات التي لدى دول كبرى، ولذا فإننا بحاجة لإنشاء صندوق مالي وبشري لإدارة الأزمات، يوفر سبل النجاة، ويقلل من نسبة تأثير أي أزمات حال حدوثها. فمثلًا، بالنسبة لقطاع السياحة، يُفترض مراجعة السياسات التي تخصها، والتي ينبغي أن تتم بالتعاون مع وزارتي الصحة والداخلية، مثل كيفية التعامل مع السياح القادمين، وعمليات الفحص.
لو تأخر إعلان حالة الطوارئ قليلًا، لكان أفضل، كأن تكون هناك فترة يُعاد خلالها تقييم الأمور، ومن ثم يتم تقرير إعلان حالة الطوارئ من عدمها، خاصةً وأنَّ إعلان حالة الطوارئ، شكل صدمة للقطاع الاقتصادي. مع ذلك، يُمكن القول إنّ الشارع الفلسطيني تعامل مع الأزمة بشكل جيد، وخاصة في بيت لحم، فالتجربة كانت ناجحة، وقللت نسبة انتشار الوباء بشكل كبير.
أما الإعلام، فقد ضخّم في بعض مفاصله من بعض الأمور، وهوّل من طريقة التعامل مع الحدث، وتم التعامل معه وكأنّه خبر عاجل فقط. ولكن الحكومة تداركت الخلل، وحاولت ضبط السلوك الإعلامي، ونجحت بشكل جيد في ذلك. وربما كان أفضل لو أُديرت الخطة الإعلامية بشكل جماعي، من قبل الوزارات ذات العلاقة.
غياب التجربة الفعلية، هو الذي شكّل حالة إرباك في البداية، وليس غياب البناء المؤسسي، إذ إن الإمكانيات الفلسطينية، مقارنة بدول كبرى، هي إمكانيات متواضعة، ومع ذلك كانت التجربة جيدة.
في حال استمرار الأزمة، ورغم الإمكانيات القليلة، فإن المطلوب هو اتخاذ خطوات لتعزيز الصمود، ويمكن ذلك من خلال مساعدة الناس في قروض ميسرة، وتعويضات للقطاعات المتضررة.
صلاح هنية، رئيس جمعية حماية المستهلك الفلسطيني في محافظة رام الله والبيرة، المنسق العام لائتلاف جمعيات حماية المستهلك الفلسطيني
في اللحظة الأولى، كانت الحكومة تتلمس طريقها بثقة عالية، وتجري التوازنات اللازمة، لا سيما أننا لا زلنا تحت الاحتلال، وأن اقتصادنا ضعيف، ومحدود الخيارات، ومهيمن عليه من قبل الاحتلال. وفي ذات الوقت، قدمت الحكومة مصلحة الوطن والشعب، التي تتلاقى فيها المصالح الصحية والاقتصادية والتربوية، المترابطة والمتشابكة.
أنا راضٍ عن الأداء الرسمي، وعن إدارته للأزمة، لا سيما أنه بدا متماسكًا واضحًا صارمًا، وقد سبق كثيرًا من دول العالم، التي تمتلك إمكانيات تفوق كثيرًا ما نمتلكه نحن، وكان جريئًا عندما علق العملية التعليمية في المدارس والجامعات، ودعا إلى الصلاة في البيوت. اليوم بات واضحًا أن هذه القرارات، وإعلان حالة الطوارئ، جنبت فلسطين كثيرًا من التطورات التي لا طائل لنا بها.
مع ذلك، كان بإمكاننا تطوير استراتيجية إدارة الأزمات والكوارث، ليس ورقيًا ونظريًا، بل واقعيُا. كان بإمكاننا استنهاض منظمة المدن المنيعة العالمية، التي تضم بلدية رام الله عضوًا فيها. كما تمثل الضعف في غياب دور مركز إدارة الكوارث والأزمات الفلسطيني، بينما كان مثيله في الأردن، حاضرًا في الأزمة.
واضح أن الرأي العام الفلسطيني لم يستوعب الأزمة في البداية، وطرح تساؤلات تبدو أنها منطقية، ولكنها ليست مقبولة في هذه الحالة، التي نسعى فيها لتجاوز كارثة وباء للمرة الأولى. وسرد الرأي العام كل المبررات التقليدية، دون أي اعتبار لحالة الطوارئ وخطورة الوضع القائم، وكأننا نتعامل مع منخفض جوي. وعندما اكتشف الرأي العام أن دول العالم تأخرت في اتخاذ ذات الإجراءات، وتفاقمت الأوضاع لديها، أدرك جدية ما يجري.
لعل الناس رأت أن الإعلان عن حالة الطوارئ، فيه إظهار لخطورة الوضع، والتشدد في تنفيذ القرارات. ولكن من الواضح أنه لم يكن بالإمكان أفضل مما كان، بمعنى أنه كان لا بد من حالة الطوارئ، خاصة أننا أمام وباء لم يكن معروفا، ولا علاج له لغاية اللحظة. لقد انعكس هذا الأمر في تفاعل القطاعات كافة مع حالة الطوارئ، وإنْ بشكل متفاوت، وفي تطور الخطاب الإعلامي، وصحة محتواه، وسرعة التفاعل بإيجاد مراكز الحجر الصحي، كإجراء استباقي في المحافظات غير المُصابة.
في البداية، كان التعاطي الإعلامي مرتبكًا، وكأننا نتعامل مع رشح عادي يمر مرور الكرام، ومن ثم تغير الحال، وبات الظهور الإعلامي منتظمًا، وذا محتوى ومضمون.
وفي البداية أيضا، كان التخبط بسبب غياب البناء المؤسسي في إدارة الأزمات والكوارث، وعدم وجود تجربة سابقة، وبات مُلحًا مأسسة هذا العمل، دون أن ننكر جهود مركز إدارة الأزمات. إلا أن واقع الأزمة، بات يتطلب استخلاص العبر، ومأسسة العمل بصورة تخدم تجارب أخرى، حيث إن أقصى تجربة خضناها، هي منخفض جوي، وتراكم ثلوج، وانهيار أكتاف الطرق ومحيطها.
الأزمة ليست صحية فقط، بل أزمة وطنية شاملة. تتطلب العناية بالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والعمالية، إلى جانب الوضع الصحي. فهناك قطاعات تعطلت بسبب إعلان حالة الطوارئ، مثل مكاتب السياحة والفنادق، ومكاتب الحج والعمرة، وهي قطاعات بحاجة لعناية فائقة إذا طالت الأزمة. وارتباط الناس بالبنوك والقروض، يتطلب حلولًا خلاقة من سلطة النقد، والمؤسسات المالية. وكذلك القطاع الزراعي، واستمرار تزويد الأسواق بالمواد الغذائية، ومسألة التعليم عن بعد، كلها قطاعات ينبغي الاهتمام بها، والخيار الأهم هو تهيئة المجتمع إلى أن الأزمات واردة ومتنوعة، ولا حل إلا الجاهزية.
د. صالح مشارقة، منسق الأبحاث والسياسات في مركز الإعلام بجامعة بيرزيت
يمكن القول إن الإيجابية في التعامل الفلسطيني مع أزمة كورونا، كانت في سرعة الخطوات، والاستجابة لها، وقدرة السلطة والمؤسسات على وضع خطة لمواجهة هذا الوضع، والسيطرة عليه، وحصره في بيت لحم. كما أن السياسات الحكومية التي تم اتخاذها، سواء في رئاسة الوزراء، أو في العلاقة ما بين الحكومة وباقي المؤسسات في الدولة، كالبلديات ومستشفيات القطاع الخاص، وحدت الجميع في حلقة موحدة لمواجهة التطورات. ومن الإيجابيات الأخرى، نجاح القطاع التعليمي، الحكومي والخاص، في الانتقال المباشر إلى التعليم الرقمي. ونجاح الناطق الإعلامي باسم الحكومة، في إعطاء المعلومة كاملة، وفي وقتها، وبشكل صحيح. ورغم انتقادنا لأداء الحكومة في الأسبوعين الماضيين، إلا أننا نلمس حاليًا تطور الأداء، ونجاحه.
برأيي أن حكومة الدكتور اشتية، ومنذ توليها العمل، تجيد وضع السياسات العامة، والتخطيط والتنفيذ الجيديْن. وحتى رئيس الحكومة نفسه، يضع بصماته في العمل، وهو قريب من جميع الوزارات والمديريات التي تشهد أزمات، وهو يعمل بنفسه، ولا يعتمد على الوزراء فقط في متابعة ملفاتهم. وبالتالي، فإن الحكومة الحالية، ورغم تجربتها القصيرة، ومواجهتها أكثر من أزمة، كانت قادرة على إدارة الأزمات، أكثر من الحكومات السابقة.
في الأيام الخمس الأولى، ومن خلال مراقبة الشارع، ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي، لاحظنا أن هناك حالة من الفوضى والهلع والاضطراب، وهو ما دفع الناس إلى سلوكيات مختلفة، منها الإقبال على شراء المواد التموينية، والأدوات الطبية والمعقمات، بطرق غير سليمة. لكن بعد مرور هذه الأيام الأولى، تغير سلوك الناس. ويبدو أن المشكلة في البداية، تمثلت في استقبال الناس للمعلومات من مواقع التواصل، ومن أكثر من مصدر. لكن بعد أن قدمت الحكومة المعلومات الكاملة، أصبحت هي المصدر الرئيس لها، وبالتالي أصبح الناس يتعاطون مع هذه المعلومات، وأصبح الجمهور أكثر التزاما بالتعليمات، وأقل اعتمادا على مواقع التواصل.
أعتقد أن قرار إعلان حالة الطوارئ، جاء في الوقت المناسب، وكان خطوة وقائية صحيحة؛ لأننا في أول يوم ظهرت فيه الحالات في بيت لحم، ارتبكنا جميعا، دولةً ومؤسساتٍ وأفرادًا، فجاء إعلان حالة الطوارئ لوقف كل هذه الحالة من الارتباك. وبالرغم من تعطيل كثير من مناحي الحياة، إلا أنه كانت هناك بدائل، سواء في العمل، أو التعليم، أو الغذاء، وبالتالي استطعنا أن ننجح في الحد من انتشار الفيروس، وربما أكثر من دول أخرى لم تتخذ مثل هذه الخطوة الاستباقية.
منذ حوالي ثلاث سنوات، عايشنا أزماتٍ كانت تتطلب حراكًا سياسيًا، وآخر شعبيًا، ومنذ الحراك الشبابي ضد قانون الضمان الاجتماعي، وما تبعه من حراك للمعلمين، تبلورت حالة نشاط شعبي، يغلب عليه الهم العام، ويقود الشارع أكثر من الحراك السياسي. واليوم، وفي ظل أزمة الكورونا، ورغم وجود بعض التدخلات السياسية من قبل بعض الأطراف، إلا أنها لا تعطل نمط الحياة العامة، وهي مظاهر عفوية أكثر منها منظمة.
في حال طالت هذه الأزمة، فإنه يجب على الجميع الالتزام بالسياسات العامة، حتى وإن لم نتفق معها، وهذا يجب أن يجعلنا مستعدين لقبول أي قرارات، مثل التزام البيوت، وعدم النزول للشارع. كما يجب أن يكون إعلامنا أكثر حذَرًا في نقل المعلومات، خاصة الإعلام الاجتماعي، وعدم نشر أي معلومات دون التحقق من دقتها.
د. بلال الشوبكي، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل
لم تكن مناطق السلطة الفلسطينية تعيش حالة اعتيادية، من حيث الطبيعة القانونية والدستورية، قبل بدء الأزمة الحالية. بمعنى أن السلطة الفلسطينية كانت تدير هذه المناطق، بالتزام كامل وفق القانون الأساسي الفلسطيني، وبالتالي لم تكن بحاجة أصلًا لإعلان حالة الطوارئ تجاه ملفات أخرى، غير ملف فيروس كورونا.
أنا مقتنع تماما أن إعلان حالة الطوارئ، جاء في سياق انتشار فيروس كورونا، أي أنه منذ إعلان حالة الطوارئ، وحتى هذه اللحظة، لا يوجد أي فعل سياسي أو ميداني، غير هذه الأزمة. لذلك جاء إعلان حالة الطوارئ، لإدراك السلطة الفلسطينية عدم قدرتها على التغلغل في الأراضي الفلسطينية بشكل كامل، وحتى تتمكن من فرض بعض السياسات التي تتعلق بمواجهة الفيروس. لذلك لا أظن أن إعلان حالة الطوارئ، جاء من أجل الاستثمار السياسي، رغم أن أداء الحكومة حتى اللحظة، زاد من رصيدها، مقارنة مع الحكومات السابقة، كما أن الحكومة نجحت في إدارة الملف، بشكل يرضي الجمهور نوعًا ما.
رغم أننا في بداية الأمر استهجنا خطوة إعلان حالة الطوارئ، إلا أنه تبين أنها خطوة كان يجب القيام بها. نحن الآن بحاجة إلى قضيتين، هما الأمن والصحة، لذلك هناك خطوات يجب اتخاذها الآن على المدى القريب والمتوسط، وعدم الانتظار حتى ينتشر هذا المرض. ويجب أن تبادر الحكومة إلى خطوات استباقية، لمنع وصول المرض إلى حالة الذروة، وخاصة أن التقديرات تذهب إلى توقعات مخيفة، فمثلًا، ما المانع من إغلاق كامل للمدن الفلسطينية، لا سيما أننا نتحدث عن مناطق يمكن السيطرة عليها، وبالتالي يمكن إغلاقها لمدة أسبوعين، من أجل تجاوز المرحلة بأقل الخسائر. كذلك يمكن وقف دوام الموظفين في وزارات غير حيوية، وليس لها دور فعلي في مواجهة الأزمة، وهذا يعني ضرورة أن تعيد الحكومة تدوير موازنتها، وآلية تقسيمها
[1] الضفةالغربية هي النطاق المكاني للتقرير، ولم يتطرق التقرير لقطاع غزة، لأن ذلك يستوجب دراسة عوامل إضافية نتيجة الانقسام ووجود سلطتين في الضفة الغربية وقطاع غزة. على أن يتم توسعة النطاق المكاني في التقارير القادمة.