فضاء التواصل الإلكتروني: دور الإعلام البديل كأحد مقومات الانتفاضة

مقدمة 

لم تعد المقاومة تتخذ الطابع العسكري على سبيل الحصر، فقد تطورت بتطور العصر التقاني، وهذا يعني إمكانية أن تسلح المقاومة ذاتها بالقوة الناعمة، التي تتخذ من الآلة التكنولوجية أداة وأسلوبا جديدا للتصدي والمواجهة. 

تنقسم المقاومة إلى نوعين: المقاومة المسلحة، والمقاومة الشعبية. وتتميز المقاومة الشعبية بإمكانية ممارستها من كافة الشرائح والأعمار، وهي بذلك مقاومة يومية، تتجلى في الثبات على المبادئ أولا، وهي تعبير مستمر عن رفض التماهي وفقدان الهوية ثانيا، خصوصا فيما يتعلق بالحالة الفلسطينية وخصوصيتها. 

تفترض الباحثة أن المقاومة الشعبية قد استعانت بالأدوات التقانية الجديدة، لتضيف إضافة نوعية إلى أشكال المقاومة الفلسطينية. وتكون بذلك قد استفادت من التطور التكنولوجي الهائل، وكم المعلومات المتدفق بسرعة عالية. ولعل أهم مميزات الشكل التقاني من المقاومة المدنية: توفرها، وسهولة استخدامها، وقلة تكاليفها. ففي الوقت الذي تدار فيه حرب عسكرية في العالم الواقعي، تدار حرب أخرى باستخدام قواها الناعمة عبر الفضاء الافتراضي. 

يتناول نموذج هذه الدراسة الفترة الحالية من الهبة الجماهيرية التي أطلق الشباب الفلسطيني شرارتها في تشرين الأول من عام 2015، في مختلف أنحاء الضفة الغربية، والتي تتخذ أشكالا مختلفة من الاحتجاج والمقاومة على المستوى الفردي، إضافة إلى الفضاء الإلكتروني، أو ما يسمى بالإعلام الجديد عبر مواقع التواصل الاجتماعي. 

تتجلى أهمية هذه الدراسة في دراسة حقل الفضاء الإلكتروني من حيث تركيباته ومختلف أشكاله، ومدى اعتماد الهبة الجماهيرية الحالية عليه. والتعرف إلى طبيعة هذا الفعل التواصلي الاحتجاجي داخل الفضاء الإلكتروني، مثل الفيسبوك وتويتر وواتس آب وجوجل بلس، وغيرها من أدوات التواصل. 

يطلق الإعلام الفلسطيني وأغلب منابر الإعلام العربية على هذه الهبة أو الموجة الجماهرية "انتفاضة القدس"، وإن صح ذلك فستكون هذه الانتفاضة هي الثالثة في تاريخ القضية الفلسطينية، وعلى صعيد حركة التحرر الوطني الفلسطيني. لقد برزت عدة سمات تميز الهبة الحالية، أولها أن جل حملة لوائها من الشباب، كما أن حاضنتهم ليست حزبية فصائلية، وإنما شعبية جماهيرية، وهذا يعني أن العمليات التي يقوم بها الشباب ليست عمليات عسكرية أو مسلحة بالمعنى الحرفي للكلمة، وإنما تستعين بأدوات تدل على شعبية هذه الانتفاضة. أما السمة الجديدة فهي أدوار الأدوات التقانية التواصلية، وهي ما نسلط الضوء عليها في هذه الدراسة، ونتناولها بالوصف والتحليل.

تستعين الدراسة بالمنهج الوصفي التحليلي، وهذا التوصيف لا بد أن يستعين بأدوات بحثية تدرس التقانة الإلكترونية  في المجال الفلسطيني: انتشارها، وفاعليتها، وتأثيرها، وهذا يحيلنا إلى تحليل كمي وكيفي عميق يسهم في استخلاص نتائج جادة. حيث تقوم الباحثة بإدراج إحصاءات تبين المدى الذي يستخدم فيه الفلسطينيون الأدوات التقانية في التواصل وعملية الاحتجاج، خصوصا إبان الموجة الانتفاضية الحالية، وقياس مدى تأثير التوظيف للتقانة، والتي نخص فيها هنا مواقع التواصل الاجتماعي. إضافة إلى تناول أهم الحملات التي تم إطلاقها دعما للأسرى وحماية المسجد الأقصى، وغيرها من الحملات، كذلك رصد مواقع التواصل الاجتماعي التي قالت مراكز الإحصاء إنها الأهم على الساحة الفلسطينية، والتي تتوزع بين مواقع إخبارية أو حزبية، مثل صفحة صحيفة القدس، ووكالة شهاب للأنباء. أو مواقع التضامن مع الأسرى وأهالي الشهداء، مثل صفحة "الأسير محمد القيق". 

ثم تقوم الباحثة بتحليل ما يرد من معلومات من خلال ربطها بنظرية يوغرن هابرماس للتواصل، وربط علاقات التقانة والتواصل بأعمال المقاومة، ثم الوصول إلى نتائج بشأنها.

وقد استخدمت الباحثة أدوات بحثية- نفصلها لاحقا- تساعد في قياس مدى تأثير الفضاء العام الإلكتروني خلال الهبة الجماهيرية في فلسطين، أي تأثيرها في سير الأحداث، ومدى مساهمتها في تحقيق أهداف واستراتيجيات الرسالة المراد ايصالها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. هذا بالإضافة إلى إجراء مقابلات مع الناشطين والفاعلين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتوصيف تجاربهم عبر الفضاء الإلكتروني. 

تكمن الإشكالية التي يتناولها البحث في دراسة الأدوار المنوطة بالتقانة الإلكترونية الجديدة في المجال الفلسطيني، ودور الفاعلين في مجال وسائل التواصل الاجتماعي، على اختلاف مسؤولياتهم، ليس في بدء الحراك فقط، وإنما في البحث في طرق تدشين قاعدة جماهيرية تسهم في الوصول إلى الكتلة الحرجة ، ومن ثم التأثير فيها. بالإضافة إلى بحث سبل الانتفاض والمحافظة على المنجزات التي تحققها حركة التحرير الفلسطيني بكافة أطيافها وشرائحها. والسؤال الذي يبرز هنا هو حجم مساهمة وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي في الهبة الجماهيرية الحالية.

 


 
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى