فرض العقوبات على السلطة الفلسطينية: قراءة في خطة “سموتريتش” لحسم الصراع

أ. كريم قرط[1]

أقرَّ المجلس الوزاري “الإسرائيلي” المصغر في 28 يونيو/حزيران جملة من الإجراءات والعقوبات على السلطة الفلسطينية، والتي طالب بها وزير مالية الاحتلال، والوزير في وزارة الحرب “بتسلإيل سموتريتش”، ردًا على ما سمّاه “النشاط القانوني المعادي” الذي تمارسه السلطة على الساحة الدولية ضد “إسرائيل”، واعتراف عدد من الدول الأوروبية بدولة فلسطين.

شملت العقوبات التي أقرها “الكابينت“: شرعنة 5 بؤر استيطانية – تنفيذًا لتهديدات سابقة أطلقها “سموتريتش”، بإقامة مستوطنة جديدة مقابل كل دولة تعترف بفلسطين، وتوسيع البناء في المستوطنات، وفرض عقوبات على مسؤولين كبار في السلطة الفلسطينية، بما يشمل قيودًا على حركتهم، ومنعهم من السفر، ومعاقبتهم على “التحريض”، وإبعاد عدد من المسؤولين، دون أن يحدد من هم المسؤولون المستهدفون بهذه العقوبات، وبالإضافة إلى ذلك، “فرض القانون”، أي هدم الأبنية والمنشآت ومنع البناء في المناطق المصنفة (ب)، حسب اتفاقيات “أوسلو”.

بعيدًا عن الذريعة التي ساقها “سموتريتش” لفرض هذه العقوبات، فالمسألة لا تتعلق برد على أية خطوات، فمن الناحية العملية ليس هناك دور يُذكر للسلطة الفلسطينية في الدعوى المرفوعة ضد قادة الاحتلال في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي أو محكمة العدل الدولية، أو اعتراف الدول الأوروبية بفلسطين، غير أنّ المحرك الحقيقي لهذه الخطوات التي اتخذها “سموتريتش” هي الأهداف التي نذر حياته -حسب وصفه- لتحقيقها، إذ إنه قال خلال جلسة لقائمة الصهيونية الدينية في “الكنيست” في 24 يونيو/حزيران:”إن مهمة حياتي هي أن أمنع أية إمكانية لإقامة دولة فلسطينية في أرض “إسرائيل”، هذا هو السبب الذي انخرطت من أجله في العمل الجماهيري وأقمت جمعية “ريغافيم”، ولاحقا انخرطت في القيادة القومية، وانتُخبت عضوًا في “الكنيست”، وعُيّنت وزيرًا في الحكومة، وأنا أعمل على استغلال صلاحياتي لتغيير الوضع على الأرض، لتعزيز الاستيطان في يهودا والسامرة، ولشرعنة البؤر الاستيطانية التي هي العائق أمام السيطرة العربية على المناطق المفتوحة، وأنا أعمل لفرض وقائع على الأرض لتحويل يهودا والسامرة إلى جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل”.

الخطوة الثانية هي فرض عقوبات على السلطة الفلسطينية، وشرعنة البؤر الخمس التي أُعلن عنها ضمن هذه العقوبات، والتي تمثل جزءًا من أهداف “سموتريتش” التي لخصها في خطابه الآنف الذكر، وهذه العقوبات تترافق مع سلسلة خطوات بدأ “سموتريتش” بما لديه من صلاحيات، وبموجب الاتفاق الائتلافي مع حزب “الليكود”، بتنفيذها لتحقيق هدفه النهائي، وهو “حسم الصراع”.

يهدف هذا التقرير إلى إيضاح الأساس الذي يبني عليه “سموتريتش” خطواته وسياساته، والمغزى من تنفيذها، لا سيما في التوقيت الحالي.

ماذا يريد “سموتريتش”؟

ينسجم ما أعلن عنه “سموتريتش” من عقوبات على السلطة الفلسطينية مع ما جاء في خطته المعروفة باسم “خطة الحسم: مفتاح السلام لدى اليمين“، التي نشرها في مجلة “هشيلوح” “الإسرائيلية” في العدد 6 أيلول/ سبتمبر 2017، والتي عرضها أيضًا في مؤتمر حزب “الاتحاد القومي” في الشهر نفسه، وحظيت بثقة المؤتمر، إذ إنّ هذه الخطة، التي هي بمنزلة برنامج سياسي وبيان أيديولوجي، تضمنت الأُسس التي ينطلق منها “سموتريتش” في تعاطيه مع القضية الفلسطينية ومستقبل الصراع، حيث ينطلق من قاعدة يبني عليها الخطوات العملية اللاحقة، إذ يرى أنّ “الحركة الوطنية الفلسطينية والحركة الصهيونية هما حركتان متناقضتان لا تتحقق التطلعات القومية لإحداهما إلا بتنازل الأخرى عن تطلعاتها القومية، وبطبيعة الحال، فالحركة الصهيونية لن تتنازل عن تطلعاتها القومية”.

ينفي “سموتريتش” على هذا الأساس وجود الشعب الفلسطيني، ويعتبره مجرد شعب مختَرَع لم يكن موجودًا قبل نشأة المشروع الصهيوني، وينفي وجود “فلسطين” التي هم مجرد اسم -حسب تصوره- أُطلق على “أرض إسرائيل” لمحو ذكر اليهود عن هذه الأرض، ومن هنا فهو يدعو لاعتماد منهج جديد، أي “حسم الصراع”، بدلًا من منهج “إدارة الصراع” الذي ظل مُتبعا منذ عام 1967.

يقوم هذا المنهج في تصوره على حقيقية مفادها أنّ مقاومة الشعب الفلسطيني للمشروع الصهيوني ليست نابعة من اليأس، أي اليأس من إمكانية الحصول على أية تنازلات من المشروع الصهيوني أو من الظروف المزرية وما إلى ذلك، وإنما تنبع هذه المقاومة من “الأمل”، إذ يرى أنّ الشعب الفلسطيني طالما بقي لديه أمل بإمكان تحقيق أي منجزات من خلال مقاومة المشروع الصهيوني، فإنه سيستمر في القتال، ولذلك فمعنى الحسم هو القضاء على هذا الأمل.

يتأتى القضاء على الأمل -حسب وجهة نظره- بحسم الصراع مرة وإلى الأبد، من خلال الإعلان عن ضم الضفة الغربية بشكل فوري ومباشر، فضلًا عن بناء المستوطنات وتوسيعها، وجلب مئات آلاف المستوطنين للاستيطان في الضفة الغربية، وأمّا عن مصير الفلسطينيين في الضفة الغربية فهو يضع أمامهم ثلاثة خيارات فقط:

  • الهجرة الطوعية، وهذه لمن لا يرغب في العيش في كنف الدولة اليهودية، ولا يستطيع التنازل عن تطلعاته القومية.
  • العيش كفرد دون أيّ حقوق سياسية في إدارات محلية تحكم نفسها حكمًا ذاتيًا في ظل الدولة اليهودية، وهذه الإدارات لا تُعبر عن أيّ هوية جمعية للشعب الفلسطيني، وإنما تُعبر عن هويات محلية قبلية.
  • الحرب أو القتل لمن لا يريد الهجرة أو التنازل عن تطلعاته القومية والعيش كفرد في كنف الدولة اليهودية.

لا يتسع المقام هنا لشرح تفاصيل خطة “سموتريتش”، أو تفنيدها أكثر من ذلك، ولكن المهم هو استنباط هدفه النهائي المتعلق بالشعب الفلسطيني، وخاصة ذلك الجزء الذي في الضفة الغربية، فهدفه فيما يتعلق بالأرض هو الضم والاستيطان، كما هو واضح مما سبق، أمّا السكان فهدفه يتمحور بـ”تفكيك الشعب الفلسطيني من حيث هو شعب”، وهذا هو الهدف المقبول لديه حاليًا، ومن هنا فإنه ينظر إلى السلطة الفلسطينية على أنها تجسيد للهوية الجمعية للشعب الفلسطيني، في أراضي 1967 على أقل تقدير، ولذلك يجب التخلص منها لإزالة الهوية الجمعية الفلسطينية وتفكيك الشعب الفلسطيني، وتحويل من بقي من الشعب الفلسطيني في أرضه إلى “عرب محليين” ضمن إدرات محلية لا تربطهم ببعض أيّ هوية جمعية.

بناءً على هذا الأساس، فالعقوبات التي يتخذها “سموتريتش” ضد السلطة الفلسطينية ومحاولاته الصريحة لإسقاطها، عبر خنقها والتهديد بعزلها ماليًا من خلال منع البنوك “الإسرائيلية” من التعامل مع البنوك الفلسطينية، هي خطوات تأتي في إطار تطبيق “خطة الحسم”، وتترافق مع الخطوات الحثيثة لضم الضفة الغربية.

مساعي ضم الضفة:

وفقا لما نشرته حركة “السلام الآن” “الإسرائيلية” المناهضة للاحتلال، عقد حزب الصهيونية الدينية، في 9 يونيو/حزيران من العام الجاري، اجتماعًا داخليًا في البؤرة الاستيطانية المسماة “حفات شحريت”، المقامة على أراضي محافظة قلقيلية، بمشاركة الوزيرين “بتسلإيل سموتريتش” و”أوريت ستروك”، وقد عرض “سمريتريش” في هذا الاجتماع سلسلة الخطوات الحكومية الهادفة إلى جعل ضم الضفة الغربية أمرًا واقعًا دون الإعلان الرسمي عن ذلك.

حسب ما أدلى به “سموتريتش” في الاجتماع، فإنهم يعملون على “إجراء تغييرات بنيوية تؤدي إلى إحداث تغيير في DNA المنظومة على مدى عدة سنوات قادمة “، و المقصود هنا إضعاف الإدارة المدنية الخاضعة لجيش الاحتلال “الإسرائيلي”، لكن “سموتريتش” الذي هو إضافة إلى كونه وزيرًا للمالية في حكومة الاحتلال، فهو وزير ثان في وزارة الحرب “الإسرائيلية” فيما يتعلق بشؤون الإدارة المدنية والاستيطان في الضفة الغربية، وقد كان لديه هدف واضح بتفكيك الإدارة المدنية خلال المفاوضات الائتلافية مع حزب “الليكود” قُبيل تشكيل الحكومة الحالية، وتحويل صلاحياتها من جيش الاحتلال إلى الوزارات “الإسرائيلية”، ما يعني الضم الفعلي لإدارة الضفة الغربية، ولكن يبدو أنه قد أجرى تغييرًا في أسلوب تحقيق هذا الهدف، وهو ما عبّر عنه بمفهوم تغيير DNA  المنظومة.

أعلن “سموتريتش” عن عدة خطوات جذرية اتخذها لتحقيق هذا الغرض، وعرضها في الاجتماع كما يلي:

  1. تمدين الإدارة المدنية، أي تحويلها من جهاز عسكري إلى جهاز مدني، وقد استطاع تحقيق خطوات مهمة على هذا الصعيد، إذ أُنشأت دائرة داخل الإدارة المدنية تُدعى “إدارة الاستيطان”، وهي مؤسسة شبه وزارة حكومية داخل وزارة الحرب، وقد عَيّن “سموتريتش” صديقه المستوطن المخضرم في مجال الاستيطان “إيهود إلياهو” مديرًا لها، وسيكون لهذه الإدارة صلاحيات مهمة فيما يتعلق بالمستوطنات والأراضي في الضفة الغربية، ومحاربة الوجود الفلسطيني في مناطق (ج) بشكل أساسي.
  2. نزع المزيد من الصلاحيات من الإدارة المدنية التي يتولاها شخصية عسكرية، إذ جرى تعيين نائب “مدني” لرئيس الإدارة المدنية، وهو “هيلل روت”، أحد قادة المستوطنين المقربين من “سموتريتش”، وانتقلت لهذا النائب جميع الصلاحيات المتعلقة بالمستوطنات والأراضي، غير أنّ هذا النائب ليس تابعًا لرئيس الإدارة المدنية، وإنما لدائرة الاستيطان، التي سبق ذكرها في الفقرة السابقة.
  3. سحب جميع الصلاحيات القانونية المتعلقة بقضايا الاستيطان والأراضي من المستشار القانوني العسكري في الضفة الغربية إلى الإدارة القانونية في وزارة الحرب الخاضعة ل”سموتريتش”.

بهذه الخطوات يعلن “سموتريتش” أنه فكك الإدارة المدنية، ونقل كل صلاحياتها من جيش الاحتلال إلى موظفيين مدنيين مستوطنين، ولكنه أبقى على الطابع العسكري للإدارة المدنية، من خلال بقائها ولكن بدون صلاحياتها المتعلقة بالاستيطان والأراضي، والهدف من هذا المسار الملتوي هو تنفيذ الضم دون الإعلان عنه لتجنب الانتقادات القانوينة والسياسية، وليسهل استيعاب هذه الخطوات.

إضافة إلى هذه التغييرات المهمة في طبيعة الإدارة المدنية، فقد أعلن “سموتريتش” عن خطوات عملية باتجاه شرعنة البؤر الاستيطانية وترسيخ ضم الضفة الغربية، منها الإعلان عن طريقة ملتوية لشرعنة 63 بؤرة استيطانية تحت بند “مواقع تحت التقنين”، وتحت هذا البند سيجري مد هذه البؤر بالشوارع والماء والكهرباء وغيرها من امتيازات المستوطنات، وأيضًا العمل على شرعنة البؤر الزراعية والرعوية.

إضافة إلى ذلك، فقد أعلن “سموتريتش” تخصيص مليارات الشواكل لتعزيز الأمن في البؤر الاستيطانية وشق الشوارع للربط بين المستوطنات فيما بينها من جهة، وبينها وبين أراضي 48 من جهة أخرى، إضافة إلى الإعلان عن مخطط لمصادرة قرابة 15 ألف دونمًا وتصنيفها “أراضي دولة”، علما أنه منذ بداية العام الحالي وحتى شهر أبريل/نيسان جرى تصنيف أكثر من 11 ألف دونم كـ”أراضي دولة”، أي أنه خلال هذا العام سيكون أعلن عن أكثر 27 ألف دونم “أراضي دولة”، وهو الرقم الأعلى على الإطلاق منذ عام 1993، ففي سنة 1999، التي سُجّل فيها أعلى عدد من الدونمات المعلنة “أراضي دولة”، كان عددها 5200 دونم خلال السنة كلها.

كما أعلن “سموتريتش” عن إدخال تعديلات على ما يسميه “فرض القانون على البناء الفلسطيني غير الشرعي”، لتعزيز عمليات الهدم ومنع البناء، وهو يقر أنّ الهدف لا يتعلق بمسألة فرض قانون، وإنما بأهداف جغرافية سياسية استراتيجية، ولا تقتصر محاربة البناء الفلسطيني على المناطق المصنفة (ج)، وإنما تتعداها لمناطق (ب) و(أ) أيضًا، غير أنّ هذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها “سموتريتش” موضوع “فرض القانون” على الضفة الغربية بمختلف تقسيماتها؛ ففي شهر يوليو/تموز 2023 أجرت لجنة الخارجية والأمن في “الكنيست” “الإسرائيلي” جلسة خاصة لمناقشة “سيطرة السلطة الفلسطينية على المناطق المفتوحة في الضفة الغربية، والرد “الإسرائيلي” على ذلك“، وكان “سموتريتش” حاضرًا في الجلسة، وحسب ما طرحه في تلك الجلسة فإنّ “الاستيطان الفلسطيني” ووضع اليد الفلسطينية على الحيز المفتوح لا يقتصر على مناطق (ج)، وإنما يطال أيضا مناطق (أ، ب)، ورأى أنّ على سلطات الاحتلال التدخل لوضع حد لهذا الوضع، وقد حظيت المنطقة المسماة “محمية الاتفاق” الواقعة شرق بيت لحم في المناطق المصنفة (ب)، التي تقدر مساحتها بـ3% من مساحة المنطقة (ب)، بتركيز مهم، إذ حسب اتفاق “واي ريفر” عام 1998 ستعتبر هذه المنطقة محمية طبيعية يجب أن تتعامل معها السلطة الفلسطينية بموجب المعايير العالمية فيما يتعلق بالمحميات الطبيعية، غير أنّ سلطات الاحتلال ترى أنّ السلطة أخلَّت بهذا الالتزام، والبناء العمراني الفلسطيني يتمدد فيها، وبناء على هذه المناقشات السابقة، لا يبدو مستغربًا التركيز في عقوبات “سموتريتش” على السلطة الفلسطينية على هذه المنطقة بالذات.

توقيت الإعلان عن العقوبات:

كان “سموتريتش” قد بدأ يطالب بفرض عقوبات على السلطة الفلسطينية، فيما اعتبره ردًا على “النشاط القانوني” للسلطة المعادي ل”إسرائيل” على الساحة الدولية، واعتراف عدد من الدول الأوروبية بدولة فلسطين، في رسالة بعث بها إلى “نتناياهو” في أواخر إبريل المنصرم، وقد ناقش في رسالته مع “نتانياهو” موضوع العلاقة مع السلطة الفلسطينية بناءً على الأرباح والخسائر المتأتية منها قبل عام، أي فعليًا عقب دخوله إلى الحكومة بأشهر معدودة.

تزايَدَ تهديد “سموتريتش” بفرض العقوبات وزيادة الخناق على السلطة بعد إعلان المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية أنه قدم طلب إصدار مذكرات اعتقال بحق عدد من المسؤولين “الإسرائيليين”، ثم ازدادت مطالبه بعد انسحاب “بني غانتس” و”غادي آيزنكوت” من الحكومة، واللذان كانا من الممكن أن يعارضا فرض مثل هذه العقوبات على السلطة لاعتبارات أمنية، وقد اتخذ “سموتريتش” فعليًا عددًا من الخطوات التي يمكن أن تؤدي إلى انهيار السلطة، في ظل تحذيرات دولية من إمكانية انهيارها الوشيكة، فمسألة احتجاز أموال المقاصة والاقتطاع منها وتجميدها، والاقتطاع من الأموال المحجوزة لتعويض عائلات “إسرائيلية” قُتل أفراد منها في عمليات للمقاومة الفلسطينية، ومحاولة حجب تعامل البنوك “الإسرائيلية” مع البنوك الفلسطينية؛ هي خطوات نتيجتها واضحة، إذ إنها ستسارع عملية انهيار السلطة الفلسطينية، غير أنّ ما يمنع هذا المسعى في الوقت الحالي هو المصلحة الأمريكية “الإسرائيلية” في بقاء السلطة، ولذلك وردت أنباء بأنّ إدارة بايدن طرحت فكرة فرض عقوبات على “سموتريتش” في ظل خطواته الهادفة إلى إسقاط السلطة.

يبدو أنّ قادة الاحتلال وتحت ضغط أمريكي، قد توصلوا إلى حل وسط بين طموحات “سموتريتش” بضم الضفة الغربية وإسقاط السلطة، وبين الاعتبارات الأمنية لدى الاحتلال، التي يُعد وجود السلطة حيويًا لها، وقد كان لافتًا في هذا الإطار التصريح الذي نقلته القناة 12 العبرية عن “نتانياهو” مؤخرًا، الذي جاء فيه: “انهيار السلطة الفلسطينية ليس في مصلحة إسرائيل الآن”، مع التركيز على كلمة “الآن”، فحسب ما ورد عن “سموتريتش” في الاجتماع المذكور أعلاه، فإن “نتانياهو”: “يتفق معهم كلية”، حول الخطوات التي يتخذها لتسريع الضم، وبناءً على ذلك، تراجع “سموتريتش” عن بعض الخطوات المالية ضد السلطة الفلسطينية، حيث أعلن عن إلغاء قرار تجميد أموال المقاصة، بما لا يشمل حصة غزة أو ما تدفعه السلطة لعوائل الأسرى والشهداء، وأعلن عن تمديد التعامل بين البنوك الفلسطينية و”الإسرائيلية” لأربعة أشهر أخرى، وفي مقابل ذلك أقرّ “الكابينت” خطواته الهادفة إلى تعميق ضم الضم الغربية وتقويض السلطة الفلسطينية.

ليس من مصلحة الاحتلال انهيار السلطة في المرحلة الحالية، ولكن التوقيت الحالي يمثل فرصة لحكومة الاحتلال في اتخاذ خطوات جذرية لتغيير الواقع على الأرض لضم الضفة الغربية، إذ يستغل قادة الاحتلال انشغال العالم بحرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة لتسريع خطوات الضم دون إثارة الكثير من ردود الفعل، ومن ناحية أخرى، فإنّ قادة المستوطنين الموجودين في حكومة الاحتلال الحالية يستغلون هذه الفرصة التي أتيحت لهم، والتي مكنتهم من التحكم بمستقبل الضفة الغربية، ومنحتهم قدرة تأثير كبيرة على قرارت حكومة الاحتلال، لتنفيذ مخطط ضم الضفة الغربية، إذ إنّ إمكانية عودة هذا الائتلاف للحكم غير مؤكدة، سواء أسقطت الحكومة الحالية أم استمرت في الحكم حتى انتهاء مدة ولايتها القانونية، في ظل تراجع نسبة تأييد حزبي الصهيونية الدينية و”عوتمسا يهوديت” بقيادة “إيتمار بن غفير”، وحزب “الليكود” القائد للائتلاف الحاكم، ولذلك فإنهم يسعون إلى استغلال هذه الفرصة لترسيخ أمر واقع لا يمكن الرجوع عنه يؤدي إلى الضم الفعلي للضفة الغربية.

الخاتمة:

بناء على ما تقدم، فإنّ بقاء السلطة الفلسطينية ضمن الأيديولوجية الاستيطانية الحاكمة في دولة الاحتلال هو أمر مرفوض، غير أنّ التوقيت المناسب لترك السلطة تنهار، بالنسبة للاحتلال، لم يحن بعد، وإن هذا التوقيت يتعلق بالمصالح الأمنية للاحتلال، فالوضع الذي تعيشه الضفة الغربية حاليًا، من خنق اقتصادي بلغ مستويات خطيرة منذ بدأ الحرب على قطاع غزة، أي قبل قرابة 9 أشهر، وتصاعد في الانتهاكات واعتداءات المستوطنين، ومصادرة الأراضي وإقامة البؤر الاستيطانية، وتسارع مخططات التهجير وتعطيش الضفة الغربية، وتصاعد عمليات هدم البناء الفلسطيني؛ هو وضع من المفترض أن يؤدي إلى انفجار عارم في الضفة، لكن هذا الانفجار لم يحدث، فيما تحافظ السلطة الفلسطينية على سياسة “المهادنة” والانحناء في وجه العاصفة، وهي تدرك أنّ هذا الوضع سيؤدي إلى انهيارها عاجلًا أم آجلًا، ففضلًا عن عجزها عن دفع رواتب موظفيها إلّا بنسب متدنية غير منتظمة معظمها تمكنت من تأمينه من خلال الديون والاقتراض، فصلاحياتها على الأرض تتقلص بشكل سريع في ظل مساعٍ معلنة لدى حكومة الاحتلال في تقويضها وضم الضفة الغربية.

مع هذه المخاطر المحدقة بمستقبل الضفة الغربية، وخاصة بعد إعلان فرض العقوبات على مسؤولين في السلطة، فإن السلطة لم تُجر أي مراجعات أو تغييرات في طريقة تعاطيها مع هذا الواقع، وما صدر عن اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، عقب فرض العقوبات، لم يحتوِ على أي خطوة حقيقية سوى وصف الواقع الذي يعرفه الجميع، فيما أن الاستمرار بهذه الطريقة في التعاطي مع الواقع يعني أنّ حكومة الاحتلال لن تتورع عن فرض مزيد من العقوبات واتخاذ المزيد من الخطوات لضم الضفة الغربية فعليًا، وهذا ما يثبته الواقع المعاش، فكل الخطوات التي اتخذتها سلطات الاحتلال في الضفة الغربية بعد السابع من أكتوبر ما زالت تتصاعد، ولم ينتج عنها أي رد فعل رسمي أو شعبي على نفس المستوى، ولذلك لا تجد سلطات الاحتلال أي مانع في الإمعان في الخنق والتضييق وفرض العقوبات وترسيخ ضم الضفة الغربية.


[1] – باحث في مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، رام الله

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى