فتح “إسرائيل” البوابات مع الضفة… دلالات التوقيت والدوافع

د. إياد أبو زنيط

في عام 2002، وفي عهد رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أريئيل شارون، بدأت حكومة الاحتلال بناء جدار الفصل العنصري في الأراضي المحتلة، لتحقيق أهداف استراتيجية بعيدة، حيث مثّل الجدار العازل أحد تجليات السياسات الإسرائيلية الاحتلالية التوسعية، الساعية للسيطرة على أكبر مساحة من الأرض، وتفريغها من الوجود الفلسطيني، إضافةً إلى الدوافع الأمنية التي ادعى الاحتلال أنه سيحققها بعد إقامة هذا الجدار، كالقضاء على العمليات الاستشهادية وهجمات فصائل المقاومة الفلسطينية في حينه.

أقام الاحتلال في الجدار الفاصل حتى شهر تموز/ يوليو 2020، وحسب المعطيات المتوفرة، حوالي 66 بوابة للتنقل إلى الضفة الغربية، التي حاصرها الاحتلال بفعل هذا الجدار، منها 27 بوابة مغلقة، وفقط 39 بوابة صالحة للتنقل، 20 بوابة منها مستخدمة حاليا وتنقسم إلى قسمين:

  1. معابر يومية تُستخدم للمرور من منطقة إلى أخرى في الضفة الغربية، يتم فتح بعضها لمدة 12 ساعة متواصلة يوميًا، في حين يتم فتح بعضها الآخر مرتين في اليوم، وفي ساعات محددة، وهناك معابر قليلة تُفتح 24 ساعة ضمن إجراءاتٍ أمنيةٍ مشددة.
  2. بوابات زراعية يومية يتم فتحها مرتين أو ثلاث مرات في اليوم، وذلك لمرور المزارعين إلى أراضيهم الموجودة في الجانب الثاني من الجدار الفاصل، ولكن ضمن شروط معينة، كالحصول على التصاريح اللازمة من قبل ما يسمى بالإدارة المدنية الإسرائيلية، والدخول عبر بوابة معينة فقط.

يمكن استعراض عدد من هذه البوابات على النحو التالي:[1]

الرقم الاسم المكان والوصف
1 بوابة مدخل بلدة قفين أقيمت هذه البوابة حتى يتمكن المستوطنون القادمون من مستوطنات محافظة جنين، من الوصول إلى “إسرائيل” عبر طريق جنين- باقة الشرقية، علما أن هذه البوابة لا تفتح إلا من أجل سيارات قوات الاحتلال والمستوطنين.
2 بوابة باقة الشرقية أقيمت هذه البوابة حتى يتمكن أهالي بلدات باقة الشرقية ونزلة عيسى ونزلة أبو نار، من  الوصول إلى مدينة طولكرم وباقي المحافظة، علما أن هذه البوابة تفتح فقط ساعة في الصباح وساعة بعد الظهر، علاوة على إغلاقها معظم الأيام أمام المواطنين، وحجزهم لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارة، بمن فيهم المرضى وحالات الولادة.
3 بوابة شويكة أقيمت هذه البوابة من أجل دخول آليات جيش الاحتلال عبر ضاحية شويكة إلى مدينة طولكرم.
4  بوابة قرية ارتاح أقيمت هذه البوابة حتى يتمكن المزارعون من الوصول إلى مزارعهم، لكنها بقيت مغلقة أمامهم.
5  بوابة فرعون أقيمت هذه البوابة لتسهيل حركة آليات جيش الاحتلال باتجاه مدينة طولكرم، انطلاقا من المعسكر الموجود في مستوطنة “أفني خيفت”، إضافة إلى إمكانية مرور المستوطنين عبرها.
6  بوابة خربة جبارة

 

أقيمت هذه البوابة من أجل دخول وخروج مواطني خربة جبارة، العاملين داخل الأراضي التي استولى عليها الاحتلال لتنفيذ مشروع “الجدار العازل”، لكن قوات الاحتلال لم تطبق ذلك منذ قيام “الجدار” وحتى اليوم، مما يضطر مواطني البلدة إلى الزحف من خلال عبّارات المياه للوصول إلى مدينة طولكرم.
7 حاجز قلنديا وهو محطة للعبور من القدس وإليها. ورغم أن الحاجز أقيم داخل أراضي الضفة الغربية، وبالقرب من قرى فلسطينية، إلا أن “إسرائيل” تعتبره “محطة” حدودية تفصلها عن الضفة الغربية.
8 البوابة الشمالية لمدينة قلقيلية تقع هذه البوابة على الشارع الذي كان سابقا يربط بين طولكرم والمثلث الشمالي، وهي فقط لاستخدام الجيش لتنفيذ مهماته داخل مدينة قلقيلية. ويطلق عليها الاحتلال معبر إيال (1144)

وفي الآونة الأخيرة، تردد في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واضح، أن هذه البوابات مفتوحة للعبور إلى فلسطين المحتلة، دون القيود الاحتلالية المعروفة بممارستها على هذه الحواجز والبوابات، والمتمثلة في التفتيش المهين، والشروط الإذلالية للدخول، وفي مناسبات وأوقات تكثر التساؤلات حولها، عمدت “إسرائيل” إلى فتح هذه البوابات.

تناقش هذه الورقة توقيت فتح هذه البوابات، ودوافع “إسرائيل وأهدافها من ذلك، ودلالاتها المستقبلية.

 

توقيت فتح البوابات

قام الاحتلال سابقا بفتح البوابات الفاصلة بين الضفة الغربية وفلسطين المحتلة عام 1948، في أوقات حرجة تثير تساؤلات مشروعة حول مقاصد الاحتلال وأهدافه من ذلك. ففي المرة الأولى، فتح الاحتلال البوابات في شهر آذار/ مارس 2020، عندما أعلنت السلطة الفلسطينية نيتها منع العمال الفلسطينيين من الذهاب للعمل داخل “إسرائيل”، وذلك في إطار مساعيها للسيطرة على فيروس كورونا، ومنعه من الانتشار في الأراضي الفلسطينية. وفي المرة الثانية، تمَّ فتح البوابات في عطلة عيد الأضحى بداية شهر آب/ أغسطس 2020، ولمدة استمرت حوالي 7 أيام، وضمن توزيع جغرافي متعمَّد، وذلك لاستقطاب أكبر عددٍ من الفلسطينيين الداخلين للتنزه، بعد أن كان الدخول لا يجري إلا بعد الحصول على تصاريح خاصة من الاحتلال، والتي توقفت مع توقف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل”، وهذا ما أثار العديد من الأسئلة التي يُمكن التطرق لها من خلال ما يلي:

 

تأكيد السيطرة على المعابر

يُستشف من الأوقات التي جرى فيها فتح البوابات الاحتلالية، أنَّ هدفًا إسرائيليًا أساسيًا كان حاضرًا في هذه الخطوة، وهو التأكيد للسلطة الفلسطينية على أنه ليس بمقدورها التحكم بالمعابر أو الحدود، وهذا يتضح من فتح البوابات كرد فعلٍ مدروس بعد إعلان السلطة نيتها تنفيذ قراراتها. ففي المرة الأولى، كان فتح البوابات أحد أوجه الصراع على العامل الفلسطيني في الداخل المحتل، فالسلطة الفلسطينية تمنعه من الدخول إلى “إسرائيل” نظرًا لخطورة الوضع الصحي، و”إسرائيل” تحتاجه كعمالة مطلوبة، وهنا كان التصرف الإسرائيلي واضحًا، بأن لا مكان للقرار الفلسطيني، ولا شأن له في المعابر. وفي هذا الإطار، أشار محافظ قلقيلية إلى أنَّ عدة مطالباتٍ فلسطينية بفتح البوابات سابقا، وفي الأوضاع الطبيعية، قوبلت برفضٍ إسرائيلي، بينما يأتي التصرف الإسرائيلي اليوم، وفي ظل الأزمات المختلف عليها بينها وبين السلطة الفلسطينية، بشكل سريع ومنفرد.[2]

وفي المرة الثانية، التي جاء فتح البوابات فيها متزامنًا مع عيد الأضحى، كانت الخطوة الإسرائيلية ردًا على مطالبات السلطة الفلسطينية لفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، بعدم دخول مناطق الضفة الغربية، ومطالباتها للفلسطينيين بعدم الدخول إلى “إسرائيل”، وذلك نظرًا لسوء الوضع الصحي، فجاء القرار الإسرائيلي حاملًا رسائل سياسية عدة للسلطة الفلسطينية، أبرزها التأكيد على أنّ “إسرائيل” هي المتحكم بالقرار، وأنه يُمكن للفلسطينيين بكل الأحوال، تدبر أمورهم دون الحاجة لإدارة فلسطينية.

 

تجميل صورة الاحتلال

يُلحظ أن توقيت فتح البوابات جاء في ظل عدة أزمات تواجه المواطن الفلسطيني. فالعامل الفلسطيني يمر بأزمةٍ اقتصادية خانقة في الضفة الغربية، نظرًا لتردي الوضع الاقتصادي الفلسطيني بشكلٍ عام، وبسبب الأزمة المالية لدى السلطة الفلسطينية بشكلٍ خاص. ففتح البوابات يُظهر “إسرائيل” وكأنّها ستخفف الضغوط عن المواطن الفلسطيني، وستخلصه من أزماته، وأنها هي التي توفر له فرص العمل. وفي هذا الإطار، يرى باحثون أن الدافع الرئيس خلف التسهيلات الإسرائيلية، يندرج في إطار خطّة “أنسنة” الاحتلال، والتي صاغها مسؤولون في الأمن وخبراء في علم النفس والاجتماع، من أجل اختراق الوعي الجمعي الفلسطيني، وتدجين الشعب وتحييده عن فكر المقاومة، وتحويل “إسرائيل” من عدو محتل، ومستوطنين يرتكبون الجرائم، إلى جارٍ يمكن العيش معه.[3]

يُضاف إلى ذلك أن هذه الخطوة الإسرائيلية، تتساوق مع نظرية رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حول “السلام الاقتصادي”، والتي ترى الفلسطينيين أفرادًا لا شعبًا بهوية وطنية، لذلك تحاول “إسرائيل” إيصال رسالة، مفادها أن الفلسطيني الجيد هو الذي يقبل أن يعيش كمواطن بلا حقوق وطنية، مقابل العيش والرفاهية والتنقل.

تُدرك “إسرائيل أن التاثير الأكبر لسياستها في ثنائية “الأنسنة” وصياغة الفلسطيني الجديد، يكمن في استغلال الأوقات الحرجة، التي يتضاعف فيها تأثير هذه السياسات، وهو ما حصل فعلًا في توقيت فتح البوابات. فـ “إسرائيل” تسعى إلى إعادة صياغة الوعي الفلسطيني، على أساس التعايش مع الاحتلال وفقا لتنظيره وتخطيطه، وذلك من خلال ما أسماه الفلسطيني الجديد، وهو الفلسطيني المستسلم والخاضع للاحتلال، وليس الفلسطيني الذي يدرك معاني الهوية والتاريخ وحقائق الصراع، إضافة إلى سعي الاحتلال إلى استهداف جهود المقاطعة، وكسر إرادة مُناهضي التطبيع، وكذلك تحقيق فوائد اقتصادية.

 

وجهات نظر.. ولكن استراتيجية غائبة

شهدت الساحة الفلسطينية نقاشاتٍ حادة ومتصاعدة، تنوعت بين رفض الدخول إلى “إسرائيل” من أجل التنزه، وبين قبول ذلك لأسباب معينة. واتسعت ساحة النقاش من نقاشٍ شعبوي ساد مواقع التواصل الاجتماعي، إلى نقاشٍ فكريٍ شارك فيه مثقفون وسياسيون. فالفريق المؤيد يرى أن زيارة أرض فلسطين التاريخية، هو حقٌ لكل فلسطيني وفي أي وقتٍ، وأن ما يحول بينه وبين الوصول إليها، هو تلك السياسات الاحتلالية العدوانية، وأن مثل هذه الزيارات لن تؤثر على وعي الإنسان الفلسطيني، بل تزيده تمسكا بأرضه، واشتياقا لها. بينما يرى فريق آخر أن دخول المواطن الفلسطيني إلى الأراضي المحتلة عبر هذه الآلية، يثير تساؤلات عديدة حول نظرته للاحتلال، فلو كانت “إسرائيل” صادقة فيما ادعته بشأن تخفيف القيود، لكان بالإمكان وضع آلياتٍ للدخول والخروج طيلة الوقت، وفي فترات الرخاء والشدة، كما أنّ هذا التنزه يُساهم في تحسين صورة “إسرائيل”، التي تسعى إلى إظهار نفسها وكأنها الطرف المتساهل الذي يحب السلام، وهي صورة نمطية مهمة في خطاب “إسرائيل” الإعلامي والسياسي الموجه نحو العالم والإقليم، لما لذلك من انعكاس واضح في استجلاب الدعم والتأييد، إضافة إلى تعزيز استقدام العنصر البشري، الذي يمكن له أن يعزز الوجود الإسرائيلي عبر الاستيطان.

ولكن أخيرًا، ورغم تعدد وجهات النظر، إلا أنه يُمكن الإشارة إلى غياب استراتيجية وطنية شاملة، تضمن رفع الوعي الفلسطيني، وتعزز الموقف الوطني تجاه الاحتلال المجرم وإجراءاته العدوانية، مهما حاول تحسين صورته. كما لا بد من الإشارة إلى حالة من الغياب الذاتي للقيادات الفلسطينية، والتي يوازيها تخطيط إسرائيلي مبرمج في استهداف الإنسان الفلسطيني، وسلخه عن قيادته.

[1] مركز المعلومات الفلسطيني، لمزيد من المعلومات، انظر الرابط: http://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=4108

[2]  عرب 48، صراعُ إسرائيل والسّلطة على العمال الفلسطينيين، لمزيدٍ من المعلومات، انظر الرابط: https://www.arab48.com/%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A

[3]  جريدة الأخبار، ما وراء التسهيلات الإسرائيلية للفلسطينيين، 13/8/2020، لمزيدٍ من المعلومات، انظر الرابط: https://www.al-akhbar.com/Palestine/292619/%D8%A3%D9%87%D8%A7%D

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى