غزّة.. والعودة المتجددة للمفاوضات المسلّحة

مدخل:

بعدما كانت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة قد أبرمت تفاهمات مع الحكومة الإسرائيلية بوساطة مصرية عقبت مواجهات صاروخية بين الطرفين1، وأثناء انتظار تنفيذ الإسرائيليين الالتزامات المترتبة عليهم بعد فراغهم من انتخاباتهم الداخلية.. تجددت المواجهات، وعلى نحو أوسع، بعد أن قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي باستهداف مزدوج للمدنيين في قطاع غزّة أثناء مشاركتهم في مسيرة العودة، ولموقع عسكري لكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وذلك بينما كانت قيادة كل من حماس والجهاد الإسلامي قد اتّجهت إلى القاهرة، فيما يبدو متابعة للتفاهمات السابقة التي لم يلتزم بها الإسرائيليون.

تقرأ هذه الورقة في مسار المواجهات المتجددة، وصلتها بالمفاوضات المستمرّة حول رفع الحصار عن قطاع غزّة أو تخفيفه، والموقف الإسرائيلي إزاء ذلك، ومجمل المواقف الفلسطينية المعنية بالحدث.

مسار الأحداث:

استهدفت قوات الاحتلال جموع المدنيين المشاركين في "مسيرة العودة" الأسبوعية في قطاع غزّة، والتي جاءت هذه المرّة في الثالث من أيار/ مايو الجاري بشعار "الجولان عربيّة سوريّة"، مما أدى إلى إصابة 51 فلسطينيًّا استشهد منهم اثنان في وقت لاحق2، في حين ردّت حركة حماس على هذا الاستهداف بقولها إنّ أهالي غزّة، ومن خلفهم المقاومة الفلسطينية مصمّمون على استرداد حقوقهم وكسر الحصار3.

لم يمض وقت طويل، في اليوم نفسه، حتى استهدفت قوات الاحتلال، موقعًا لكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وسط قطاع غزّة، ممّا أدّى إلى استشهاد عنصرين من الكتائب4، ردًّا من قوّات الاحتلال على قنص جنديين إسرائيليين، على حدود القطاع، أصيبا بجراح بين متوسطة وخفيفة5.

عملية قنص الجنديين قد تكون ردًّا على استهداف قوات الاحتلال للمدنيين المشاركين في "مسيرة العودة"، وضغطًا على الإسرائيليين في سياق المفاوضات الجارية عبر الوسيط المصري، وقد ردّت حركة حماس على استهداف الموقع العسكري لجناحها العسكري بالقول إن المقاومة لن تسمح باستمرار نزيف الدم الفلسطيني، ولا باستمرار حصار قطاع غزّة6.

وكان رئيس حركة حماس في غزّة، وقبل يوم واحد من الأحداث، قد توجّه إلى القاهرة بدعوة من المخابرات المصرية، للتباحث "حول العلاقات الثنائية، وسبل تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، وعدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك"، بحسب البيان الذي أصدرته حركة حماس،7 بينما توجّه الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد نخالة، إلى القاهرة، بدعوة مماثلة، قالت حركة الجهاد الإسلامي إنّها تأتي في إطار "التواصل المستمر مع المصريين بشأن الوضع في فلسطين وتطورات الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي"8.

في اليوم نفسه، دعت قيادة الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة جميع الأجنحة العسكرية لرفع الجهوزية والاستعداد للرد على جرائم الاحتلال9، لتأخذ الأحداث في التصاعد في اليوم التالي بعدما زعم الاحتلال الإسرائيلي رصده إطلاق قذيفة صاروخية من قطاع غزّة10، لتبدأ قوات الاحتلال بقصف قطاع غزّة11، وهو ما قابلته غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة بقصف ما يُعرف بمستوطنات "غلاف غزّة"12.

توسّعت ردود المقاومة طوال أيام المواجهة، حتى وصلت مدن أسدود13، وعسقلان14، وبئر السبع15، وبلغ مجموع القذائف الصاروخية التي أطلقتها المقاومة، بحسب بعض المصادر، بما في ذلك مصادر إسرائيلية، 700 قذيفة صاروخية، أدّت إلى مقتل أربعة إسرائيليين، وذلك مقارنة بـما قدرته بعض المصادر ب4000 صاروخٍ وقذيفة طوال 51 يومًا في حرب العام 201416، وهو ما عدّته بعض المصادر الإسرائيلية إنجازًا عسكريًّا للمقاومة الفلسطينية يكذّب ادعاءات جيش الاحتلال حول نجاحه في تعطيل خطط المقاومة في إطلاق النار17، وكان من بين العمليات التي نفّذتها المقاومة في الأثناء استهداف آلية إسرائيلية بصاروخ كورنيت18.

في المقابل قالت "إسرائيل" إنها ضربت أكثر من 350 هدفًا في قطاع غزّة19، بلغ عدد ضحاياها حسب المصادر الفلسطينية 27 شهيدًا، و150 مصابًا20، وقد تضمنت تلك الأهداف، مباني سكنية، ومواقع عسكرية، وأنفاقًا للمقاومة، ومواقع أمنية، ومنظومة السايبر التابعة لحماس، ومكتب توفيق أبو نعيم مدير الأمن الداخلي في غزّة، وغيرها من الأهداف بحسب مصادر الاحتلال21.

وقد نعت حركة الجهاد الإسلامي سبعة من عناصر جناحها العسكري سرايا القدس22، بينما نعت كتائب القسام أحد قادتها الميدانيين الذي قالت إنه استشهد إثر عملية اغتيال مدبّرة23، وذلك في حين زعمت مصادر الاحتلال أن شهيد القسام هو مصرفي مسؤول عن نقل الأموال من إيران إلى حركة حماس وغيرها من فصائل المقاومة24.

وبالرغم من تعزيز جيش الاحتلال لقواته على حدود قطاع غزّة، إلا أنّ جهودًا دبلوماسية ساهمت فيها الأمم المتحدة وقطر ومصر أفضت إلى الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يبدأ سريانه فجر السادس من أيار/ مايو 201925.

نظرة على المواقف

دان الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، وطالب المجتمع الدولي بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني26، في حين دعت الحكومة الفلسطينية الأمم المتحدة للتدخل لوقف العدوان على قطاع غزّة27، وقد حمّلت حركة فتح الحكومة الإسرائيلية ورئيسها نتنياهو مسؤولية التصعيد في غزّة، قائلة إنّ جرائمه لن تمر دون عقاب وملاحقة قانونية28.

أمّا حركة حماس، فقد ذهب رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنيّة إلى القول بأن التباطؤ في تنفيذ التفاهمات ومحاولة كسب الوقت خلق حالة من الاحتقان في أوساط أهالي غزّة، وأنّ المقاومة لم تكن تهدف من توسيع ردّها على الاحتلال الذهاب إلى حرب جديدة، ولكنّها أرادت من ذلك كبح عدوان الاحتلال وإلزامه بالتفاهمات، مؤكدًا على أنّ العودة إلى الهدوء مرهون بوقف تام لإطلاق النار، وخاصة ضد المشاركين في المسيرات الشعبية مع البدء الفوري بتنفيذ التفاهمات التي تتعلق بالظروف المعيشية لأهالي غزّة29.

وقد كان موقف حركة الجهاد الإسلامي مماثلا، فقد قالت الحركة إنّ تنصل الاحتلال من تفاهمات إنهاء الحصار وتعطيل الكثير من آليات التنفيذ كان يهدف لخنق الفلسطينيين في غزّة "وهو أمر لا يمكن التسليم له والقبول به" بحسب الحركة، التي أكّدت أن المقاومة تقوم بواجبها ودورها في حماية الشعب الفلسطيني والذود عنه ومستعدة للاستمرار في الرد والتصدي للعدوان إلى أبعد مدى30.

وقد تطابقت مواقف الحركتين كذلك في الجانب العسكري، وهو ما عبّرت عنه غرفة العمليات المشتركة، واتفاق الفصيلين على أنّهما حقّقا إنجازًا عسكريًّا سواء في التمكن من تجاوز القبّة الحديدية31، أو قدرة المقاومة على توسيع أهدافها وتنويعها والاستمرار في ضرباتها، تعزيزًا للوفد المفاوض في القاهرة، كما قالت سرايا القدس32.

وقد دفعت هذه الوحدة الميدانية والسياسية حكومة الاحتلال للقول إنّ حركة الجهاد الإسلامي تجرّ حركة حماس وقطاع غزّة إلى التصعيد33، استنادًا إلى اتهام الاحتلال للجهاد الإسلامي بافتتاح التصعيد بقنص الجنديين على حدود القطاع، ثم بروز دور الجهاد بشكل لافت في المواجهة الأخيرة34، بيد أن التناغم الواضح بين الحركتين في الموقف السياسي والأداء العسكري، يشير إلى تكتيك يقوم على التنسيق التام في المواجهة، وفي الوقت نفسه تصدير قوى مقاومة أخرى على نحو واضح بما يمنح القوّة الحاكمة في القطاع، أي حركة حماس، مجالاً أوسع للمناورة، وبما يبقي فرصة لكبح ردود أفعال الاحتلال.

بدورها حرصت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على إبراز حضورها في المواجهة من خلال غرفة العمليات المشتركة قائلة إن الاحتلال توهم بأنه قادر على احتواء قدرات الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة ومقاومته، لكنه تفاجأ بصلابة الحاضنة الشعبية وبحجم الاستعداد والمخزون النضالي العالي لها، ودقة ضربات المقاومة وتكتيكاتها العالية في إدارة المعركة وتوسيع دائرة نيرانها، وذلك في حين انتقدت الجبهة الشعبية سلوك القيادة الفلسطينية الذي قالت إنه اقتصر على خطابات الإدانة والشجب والاستنكار للعدوان35.

كانت هذه الصورة العامّة للموقف الفلسطيني التي تتناول فصائل المقاومة في غزّة بمختلف أطيافها والتي يمكن القول إنّها تُعبّر عن نفسها من خلال غرفة العمليات المشتركة ومساهمتها في مسيرة العودة، بالإضافة إلى موقف القيادة الفلسطينية.

في المقابل كان الموقف الإسرائيلي على المقلب الآخر، وبالرغم من إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار، متحفّزًا ومهدّدًا باحتمال التصعيد، قائلاً إن قواعد اللعبة قد تغيرت في تصريحات لبنيامين نتنياهو، قال فيها إنّه أوعز لقواته بالاستعداد للمراحل القادمة، كما أوعز للدبابات وقوات المدفعية بالبقاء حول قطاع غزّة36، منوّهًا إلى أن تجديد سياسة الاغتيالات من ضمن ما تغير في قواعد اللعبة الجارية37.

ذلك في حين أدلى دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بتصريحات، يدعم فيها العدوان الإسرائيلي على غزّة 100٪، قائلاً إن "إسرائيل" تواجه هجمات مميتة من حركتي حماس والجهاد الإسلامي بينما تدافع عن مواطنيها38، كما استنكر جوسون غرنيبلات، مساعد ترامب للمفاوضات الدولية، عجز الأمم المتحدة عن إدانة حركة حماس39، وذلك في الإشارة إلى مساعٍ سابقة من الولايات المتحدة لإدانة حركة حماس في المحافل الدولية.

قراءة المشهد

يمكن الحديث عن جملة عوامل متشابكة فجّرت المواجهة الأخيرة، فمن الطرف الإسرائيلي، وبعد الفراغ من الانتخابات الداخلية، التي أجريت على وقع مواجهة سابقة عقبها تفاهمات بين الاحتلال والمقاومة، عادت دولة الاحتلال لممارسة سياستها التقليدية تجاه قطاع غزّة، التي تقوم بشكل أساسي على عدم التسليم بوجود قاعدة للمقاومة في جنوبها، بمسلك عملي يتمثل في الحصار، وفرض يد أمنية وعسكرية عليا للاحتلال، تتحرك ضمن سياسة الهدوء مقابل الهدوء، وهي المعادلة التي بدا وكأنّ المقاومة قد كسرتها في المواجهة الماضية، حينما بادرت بقصف "تل أبيب" في سياق مناورة وصفها المراقبون بالجريئة والذكية في الوقت نفسه، حينما لم تفوّت قصف العدوّ وردّت عليه بالمثل40.

وإذن، وبعد الفراغ من انتخاباته الداخلية، عاد الاحتلال لمحاولة تكريس معادلته القديمة، التي من ضمنها إبقاء الحصار، وهو ما يستدعي بالإضافة لمسلكه الأمني، كما في استهدافه لمتظاهري مسيرة العودة، التنصل من تفاهماته مع المقاومة، مع احتياج ذاتي لبنيامين نتنياهو لترميم صورته التي تهشمت بعد المواجهة السابقة مع المقاومة في غزّة، ولتعزيز أوراقه التفاوضية الداخلية حول تشكيله الحكومة، بالإضافة لعامل وجود رئيس أركان جديد (أفيف كوخافي) قد يسعى لوضع بصماته الخاصّة وإثبات مكانته من خلال قطاع غزّة، مع احتمالية أن تكون هذه المواجهة قراءة مسلحة، عسكرية وأمنية وسياسية، لاحتمالات ومآلات حرب قادمة أوسع، لاسيما مع تصاعد الحديث عن طرح ما يُدعى بـ "صفقة القرن" قريبًا41.

لا تبتعد سياقات هذه المواجهة عن سابقتها، فبينما جاءت المواجهة السابقة في ظرف تفاوضي بين حركة حماس والاحتلال بوساطة مصرية، فإنّ هذه تأتي في الظرف نفسه، أي أثناء وجود قيادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي في القاهرة.

هذا مع ضرورة الإشارة إلى المعطيات الخاصة بسلوك الاحتلال، وهي مماطلته في تنفيذ التفاهمات، واستهدافه ابتداء لمسيرة العودة..

فبينما ضغطت المقاومة في الجولة الماضية بالسلاح، وبالشكل الذي يضغط على أعصاب الاحتلال ويهدد بإمكانية الذهاب بعيدًا في حال لم يرفع الحصار، وهو ما تجلّى في القصف المتكرر، غير المعلن عن مصدره، لـ "تل أبيب".. فإنّها هذه المرّة قد ردت على استهداف مسيرة العودة، بقنص جنديين على حدود القطاع، مع توسيع للقصف شمل مدن عسقلان وأسدود وبئر السبع، وهو ما يدفع نحو معادلة جديدة، تجعل إدخال هذه المدن على خطّ النار بنفس اعتيادية قصف ما يُعرف بـ "غلاف غزّة"، مع سعة المقذوفات الصاروخية عددًا ونوعًا وعلى نحو فاق ما أطلقته المقاومة في حرب العام 2014، مع ضبط المواجهة وكبح سلوك الاحتلال بإرجاء قصف " تل أبيب" هذه المرة42.

ويبدو أنّ المقاومة، قد استفادت من ثلاثة معطيات للضغط على حكومة الاحتلال، الأول وهو ما يبدو امتناعًا إسرائيليًّا عن الذهاب نحو مواجهة أوسع وأكثر جذرية وشمولاً، والثاني إمكانية الإنجاز بالضغط المستمر على الاحتلال، فالتفاهمات الماضية أنجزت بعد ضربات "تل أبيب" وما تلاها من مواجهات، والثالث استضافة دولة الاحتلال لمسابقة الأغنية الأوروبية (Eurovision)، وهو الأمر الذي قد يكبّل ردود الاحتلال، بالإضافة لاستعداد الاحتلال لإحياء احتفالات "يوم الذكرى" و"يوم الاستقلال".43

وإذا كانت رؤية الاحتلال في المقابل تقدّر أن حماس لن تقصف "تل أبيب" أثناء هذه المسابقة حرصًا منها على علاقاتها بالأوروبيين44، إلا أنها في الوقت نفسه تقرّ بأنّ المقاومة الفلسطينية تقرأ الخريطة الإسرائيلية جيدًا، وبالتالي، سوف تنقل رسائلها التفاوضية المناسبة بالسلاح45.

خاتمة:

انتهت حوارات القاهرة، بإبرام اتفاق إطلاق النار، ثم عودة وفود المقاومة منها، بعد ثلاثة أيام على انتهاء المواجهات، وكانت المصادر الإعلامية قد قالت إنّ حركتي حماس والجهاد الإسلامي قد أبلغتا المصريين نيتهما التصعيد مع الاحتلال في ظلّ مماطلته في تنفيذ المرحلة الثانية من التفاهمات، مع التأكد على جدية تهديداتهما، وعدم تخوّفهما من الذهاب إلى مواجهة عسكرية جديدة في حال استمرار الاحتلال في التسويف، أو في حال تنفيذه عمليات اغتيال لقيادات عسكرية أو سياسية46، وذلك في حين قالت حماس إنّ وفدها عبّر عن تمسك المقاومة بالدفاع عن الشعب الفلسطيني وردع العدوان وتطبيق تفاهمات كسر الحصار دون تلكؤ47 .

وقد تبع انتهاء هذه الحوارات مجيء الوفد الأمني المصري إلى فلسطين متنقلاً بين "تل أبيب" وقطاع غزّة48، وذلك في حين استمرّت الأمم المتحدة عبر منسقها الخاص في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، في التدخل لإمضاء التهدئة وإنفاذ التفاهمات، وذلك في اتصال هاتفي أجراه ملادينوف مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية49، وذلك بينما استمرت مسيرة العودة في نشاطها الأسبوعي كلّ جمعة50.

مثّلت المواجهة الأخيرة استمرارًا للمواجهة السابقة، أي المفاوضات بالسلاح، ولكنّها كانت المواجهة الأوسع مند حرب العام 2014، وإذا كانت هذه المواجهة قد بينت أنّ كلاً من الطرفين لا يريد الحرب، فإنّها كشفت عن ثوابت الطرفين، فمن جهة وبينما تتحسب "إسرائيل" من الأثمان السياسية والاقتصادية والأمنية الهائلة في حال ذهبت نحو حرب جذرية مع قطاع غزّة، فإنّها غير قادرة على تقبل وجود قاعدة للمقاومة الفلسطينية في القطاع، وتعبّر عن موقفها هذا باستمرار الحصار، بينما باتت المقاومة تعتقد أن الضغط المستمر على الإسرائيليين بالسلاح، وكسر المعادلات التي حاولت "إسرائيل" تكريسها طوال المرحلة الماضية، هو الأداة التفاوضية الأنجح51.

عنصر آخر تفرزه هذه المواجهة، وهو تحول مجموع جولات التصعيد والمواجهات الصغرى بين المقاومة والاحتلال لنوع من حرب الاستنزاف، التي ترهق الاحتلال على نحو شبه دائم، وتفقده فترات التهدئة الطويلة التي كان يسعى لفرضها على المقاومة، تشكل المواجهات المتتالية في العامين الاخيرين، نموذجا جديدا من المواجهة تفرضه المقاومة على الاحتلال، وذلك على حساب نمط الحروب العدوانية المركزة الذي كان الاحتلال قد نجح في تكريسه لسنوات مضت.

بيد أنه وبالرغم مما يبدو من حرص الطرفين على عدم الوصول إلى الحرب، ولاسيما في ضوء الحسبة الإسرائيلية للأثمان المترتبة عليها، وإدراك المقاومة للحظة غير المواتية إقليميًّا ودوليًّا، فإن تكرار المواجهات على هذا النحو المتقارب، وقد بلغت في هذه المواجهة الأخيرة ذروة غير مسبوقة من حيث عدد المقذوفات الصاروخية والمدن التي شملها قصف المقاومة، وطبيعة ردود الاحتلال بالغة العنف. من شأنه أن يدفع نحو حرب أوسع، سواء في حال استمرّ الاحتلال في امتناعه عن تنفيذ التزاماته وبالتالي ضغط المقاومة بالسلاح، أو بالنظر لما يتوقعه مراقبون من أن تكون هذه المواجهة تدريبًا على حرب أوسع تأتي في سياق فرض خطة تصفوية على الفلسطينيين.


1. راجع تقرير مركز رؤية للتنمية السياسية حول ذلك:

غزّة.. من حافّة الحرب إلى طليعة التفاهمات، مركز رؤية للتنمية السياسية، 9 نيسان/ أبريل 2019، https://www.vision-pd.org/AR/Articles/Gaza_from_edge_war_forefront_understandings

2. تصريح للناطق باسم وزارة الصحة في قطاع غزّة أشرف القدرة، من حسابه على موقع فيسبوك، 4 أيار/ مايو 2019، https://www.facebook.com/Ashraf.ability/posts/1254863408024586

3. تصريح صحفي حول استهداف الاحتلال المتظاهرين السلميين عند الحدود، موقع حركة حماس، 3 أيار/ مايو 2019، http://hamas.ps/ar/post/10526

4. كتائب القسام تزف مجاهدين ارتقيا إثر قصفٍ صهيوني وسط القطاع، موقع كتائب القسام، 3 أيار/ مايو 2019، https://www.alqassam.net/arabic/statements/details/5417

5. إصابة جنديين في قطاع غزّة وقتل ثلاثة إرهابيين، موقع صحيفة إسرائيل اليوم الإسرائيلية، 3 أيار/ ماي، 2019، https://www.israelhayom.co.il/article/654465

6. تصريح صحفي نعيا لشهداء الاستهداف الإسرائيلي، موقع حركة حماس، 3 أيار/ مايو 2019، http://hamas.ps/ar/post/10528

7. تصريح صحفي حول زيارة رئيس حركة حماس يحيى السنوار للقاهرة، موقع حركة حماس، 2 أيار/ مايو 2019، http://hamas.ps/ar/post/10524

8. تصريح: الأمين العام يصل القاهرة على رأس وفد من الداخل والخارج، موقع حركة الجهاد الإسلامي، 3 أيار/ مايو 2019، https://jehad.ps//post/570

9. غرفة المقاومة المشتركة تدعو للاستعداد للرد على جرائم الاحتلال، موقع المركز الفلسطيني للإعلام، 3 أيار/ مايو 2019، https://www.palinfo.com/254880

10. تغريدة للمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي، على حسابه في موقع تويتر، 4 أيار/ مايو 2019، https://twitter.com/avichayadraee/status/1124564047855345664?s=21

11. تغريدة للمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي، على حسابه في موقع تويتر، 4 أيار/ مايو 2019، https://twitter.com/avichayadraee/status/1124571874246176768?s=21

12. بيان عسكري صادر عن الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية، موقع كتائب القسام، 4 أيار/ مايو 2019، https://www.alqassam.net/arabic/statements/details/5418

13. مقتل إسرائيلي في قصف صاروخي عنيف استهدف أسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة، موقع RT الروسي، 5 أيار/ مايو 2019، https://ar.rt.com/lt3s

14. 7 شهداء في غزة ومقتل إسرائيلي في عسقلان، موقع عرب48، 5 أيار/ مايو 2019، https://www.arab48.com/الأخبار/اخبار-عاجلة/2019/05/04/الاحتلال-يصعد-في-غزة-ويستهدف-مباني-سكنية

15. فيديو بثته كتائب القسام قالت فيه إنها قصفت أسدود وعسقلان وبئر السبع، 6 أيار/ مايو 2019، https://www.alqassam.net/arabic/news/details/15059

16. 700 صاروخ تقريبًا وأربعة قتلى في يومين: حماس ترفع قدراتها منذ عملية الجرف الصامد، موقع والا نيوز العبري، 6 أيار/ مايو 2019، https://news.walla.co.il/item/3234523

17. المصدر السابق.

18. بالفيديو.. المقاومة تستهدف آلية صهيونية بصاروخ "كورنيت" شرق الوسطى، موقع سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، 5 أيار/ مايو 2019، http://saraya.ps/post/56381/بالفيديو-المقاومة-تستهدف-آلية-صهيونية-بصاروخ-كورنيت-شرق-الوسطى

19. . تغريدة للمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي، على حسابه في موقع تويتر، 6 أيار/ مايو 2019، https://twitter.com/avichayadraee/status/1125241866855886853

20. تغريدة لأشرف القدرة الناطق باسم وزارة الصحة في غزة، 6 أيار/ مايو 2019، https://twitter.com/press221/status/1125331494271164417

21. عدد من التغريدات للمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي، على حسابه في موقع تويتر، https://twitter.com/avichayadraee/

22. الجهاد تزف سبعة من مجاهدي الحركة، موقع حركة الجهاد الإسلامي، 5 أيار/ مايو 2019، https://jehad.ps//post/578

23. كتائب القسام تزف القائد الميداني حامد الخضري الذي استشهد في عملية اغتيال استهدفته، موقع كتائب القسام، 6 أيار/ مايو 2019، https://www.alqassam.net/arabic/statements/details/5419

24. تغريدة للمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي، على حسابه في موقع تويتر، 5 أيار/ مايو 2019، https://twitter.com/avichayadraee/status/1125020465968361472

25. اتفاق تهدئة بين المقاومة والاحتلال يدخل حيز التنفيذ، موقع المركز الفلسطيني للإعلام، 6 أيار/ مايو 2019، https://www.palinfo.com/254950

26. الرئيس يدين العدوان الإسرائيلي على أبناء شعبنا ويطالب بتوفير الحماية الدولية، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، 4 أيار/ مايو 2019، http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=273BDBa854579970453a273BDB

27. الحكومة تدعو الأمم المتحدة إلى التدخل الفوري لوقف العدوان على أهلنا في قطاع غزة، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، 4 أيار/ مايو 2019، http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=HkDMVta854560935393aHkDMVt

28. "فتح" تدين تصعيد الاحتلال على غزة وتدعو المجتمع الدولي إلى لجم العدوان، موقع إعلام فتح- مفوضية الإعلام والثقافة والتعبئة الفكرية، 4 أير/ مايو 2019، https://www.fatehmedia.ps/page-62995.html

29. بيان صحفي صادر عن رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، موقع حركة حماس، 5 أير/ مايو 2019، http://hamas.ps/ar/post/10542

30. تصريح : حول رد المقاومة على العدوان الصهيوني، موقع حركة الجهاد الإسلامي، 4 أيار/ مايو 2019، https://jehad.ps//post/573

31. أبو عبيدة: نجحنا في تجاوز القبة الحديدية وتضليلها، موقع كتائب القسام، 6 أيار/ مايو 2019، https://www.alqassam.net/arabic/news/details/15059

32. بدماء الشهداء وصلابة المجاهدين.. السرايا تسجل إنجازاً جديداً وتلحق الهزيمة بالعدو، موقع سرايا القدس، 6 أيار/ مايو 2019، http://saraya.ps/post/56389/بدماء-الشهداء-وصلابة-المجاهدين-السرايا-تسجل-إنجازا-جديدا-وتلحق-الهزيمة-بالعدو

33. تغريدة لأوفير جندلمان المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي للإعلام العربي، على حسابه على موقع تويتر، 4 أيار/ مايو 2019، https://twitter.com/ofirgendelman/status/1124692986133135360

34. أمير بوحبت، معضلة نتنياهو: مساعدة حماس على النزول عن الشجرة أم كسر الأدوات، موقع ولا نيوز العبري، 4 أيار/ مايو 2019، https://news.walla.co.il/item/3234103

35. الشعبية: المقاومة تصنع صفحات جديدة من المجد ولن ينعم العدو بالأمن والراحة، موقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، 5 أيار/ مايو 2019، http://pflp.ps/ar/post/18449/الشعبية-المقاومة-تصنع-صفحات-جديدة-من-المجد-ولن-ينعم-العدو-بالأمن-والراحة

36. تغريدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على حسابه باللغة العربية على موقع تويتر، 6 أيار/ مايو 2019، https://twitter.com/Israelipm_ar/status/1125428531293560832

37. المصدر السابق، https://twitter.com/Israelipm_ar/status/1125429941078720512

38. تغريدة لدونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، على حسابه على موقع تويتر، 5 أيار/ مايو 2019، https://twitter.com/realDonaldTrump/status/1125191944525832192

39. تغريدة لجوسون غرنبلات، على حسابه على موقع تويتر، 9 أيار/ مايو 2019، https://twitter.com/jdgreenblatt45/status/1126661618694283264

40. ساري عرابي، مواجهة غزّة الأخيرة.. رموزها ودلالاتها، موقع عربي21، 26 آذار/ مارس 2019، https://arabi21.com/story/1169708/

41. هاني المصري، جولة تصعيد أم "بروفة" للعدوان القادم، موقع مركز مسارات، 7 أيار/ مايو 2019، https://www.masarat.ps/article/5143/جولة-تصعيد-أم-بروفة-للعدوان-القادم

42. النخالة: ساعات قليلة فصلت المقاومة بغزة عن استهداف كافة المدن الإسرائيلية، موقع حركة الجهاد الإسلامي، 8 أيار/ مايو 2019، https://jehad.ps//post/582

43. أمير بوحبت، معضلة نتنياهو: مساعدة حماس على النزول عن الشجرة أم كسر الأدوات، موقع ولا نيوز العبري، مصدر سابق.

44. "حماس ليست غبية بما يكفي لإطلاق النار على تل أبيب"، موقع واي نت العبري، 5 أيار/ مايو 2019، https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5504143,00.html

45. أمير بوحبت، معضلة نتنياهو: مساعدة حماس على النزول عن الشجرة أم كسر الأدوات، موقع ولا نيوز العبري، مصدر سابق.

46. «حماس» و«الجهاد» إلى القاهرة: لا هدوء مقابل خنق غزة، صحيفة الأخبار اللبنانية، 3 أيار/ مايو 2019، https://www.al-akhbar.com/Palestine/269932

47. تصريح صحفي حول زيارة السنوار لمصر، موقع حركة حماس، 9 أيار/ مايو 2019، http://hamas.ps/ar/post/10563

48. الوفد الأمني المصري يصل غزة، المركز الفلسطيني للإعلام، 9 أيار/ مايو 2019، https://www.palinfo.net/255091

49. خلال اتصال هاتفي مطول.. هنية وميلادينوف يبحثان جهود تنفيذ التفاهمات الخاصة بإنهاء معاناة غزة، موقع حركة حماس، 10 أيار/ مايو 2019، http://hamas.ps/ar/post/10565

50. بدء توافد المتظاهرين للمشاركة في جمعة "موحدون ضد الصفقة"، المركز الفلسطيني للإعلام، 10 أيار/ مايو 2019، https://www.palinfo.net/255129

51. David M. Halbfinger, Why Do Israel and Gaza Keep Fighting? Because It’s in Their Leaders’ Interests, May 6, 2019, The New York Times, https://t.co/JLytumwb2H

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى