على من تدور الحروب في العالم الإسلامي.. ولماذا؟
د. أحمد العطاونة
يعتقد البعض أن الحروب التي لا تكاد تتوقف في عالمنا الإسلامي، وبالتحديد في العالم العربي، مرتبطة بجملة من العوامل السياسية والاقتصادية كالموارد الطبيعية وبالذات الطاقة، وقد كتب البعض عن لعنة النفط على منطقتنا، وكذلك الموقع الإستراتيجي والعوامل الجيوسياسية وإسرائيل.. إلخ، وهذا فيه قدر كبير من المنطق والموضوعية.
لكن أمرا آخر في منتهى الأهمية يشكل مشتركا بين تلك الحروب، وبالذات التي حدثت بعد الربيع العربي، لم يأخذ الحيز الكافي من التركيز، كما أن الدعاية الإعلامية المصاحبة لهذه الحروب تخفيه، بل تنظر بشكل معاكس تماما له. إنها الحرب على مشروع التغيير نحو الديمقراطية والسيادة الوطنية والاعتدال والنهضة، وهي حتما ليست حربا على التطرف والدكتاتورية والتخلف، خلافا لكل الشعارات المرفوعة ممن يقودون ويمولون هذه الحروب، ولقد استخدمت الحرب على “الإرهاب” و”التطرف” ذريعة لخوض حروب قادت إلى تدمير فرص التغيير في العالم العربي، وحاولت تقويض استقرار دول إسلامية وعرقلة مسار تطورها ونهضتها. إن المعارك المشتعلة في العالم الإسلامي بأشكالها المختلفة، عسكرية وسياسية واقتصادية.. إلخ، تجد المستهدف فيها طرفا بعينه وفكرة واحدة، وإن اختلف المستهدفون.
خلافا للضجيج الإعلامي والشعارات التي طالما رفعت لتبرير الحروب في المنطقة، ابتداء من غزو واحتلال وتدمير العراق، وصولا إلى تدمير سوريا وليبيا واليمن، والتضيق ومحاولات خنق التجربة في تركيا وتونس وغيرهما من الدول العربية والإسلامية، والتي تدعي أنها تهدف إلى نشر الديمقراطية وحماية الحريات ومحاربة التطرف والإرهاب، فالحقيقة أن الحرب الشرسة هي على حرية الشعوب وامتلاك الإرادة الوطنية والاعتدال والديمقراطية، فكيف يمكن أن نفسر دعم عدد من الدول الغربية التي تدعي دعمها للديمقراطية والحريات لقوى انقلابية في أكثر من دولة؟!
كيف يمكن تفسير دور دول أوروبية في تقويض تجربة التغيير في ليبيا وتونس؟! ولماذا تم تمويل الحرب في سوريا حتى دمرت البلاد وهجر أكثر من نصف الشعب السوري؟ ألم يكن الغرب قادرا على حسم الموقف؟! لماذا رعت الولايات المتحدة بشكل مباشر كل هذا الفساد والحرب الأهلية والتدمير في العراق، وحالت دون بناء دولة ديمقراطية عصرية تحترم إرادة الموطن؟! ولماذا تتم رعاية الدمار في اليمن والتآمر على قوى التغيير فيه والدفع لتقسيمه بعد تدميره؟! طبعا لا يعني هذا بحال إعفاء القوى المحلية من المسؤولية أو غض الطرف عن العوامل الذاتية التي ساهمت في الوصول إلى ما وصلنا اليه، لكن يجب أن يعطى كل عامل وزنه الحقيقي عند قراءة المشهد.
يدرك الغرب مدى حاجة العالم الإسلامي إلى نموذج حضاري قوي وناهض اقتصاديا وسياسيا، وأن نقطة الضعف الأساسية التي يعاني منها العالم الإسلامي في العصر الحديث هي غياب النموذج الملهم، فحتى اللحظة لم ينجح أي طرف مسلم في تقديم نموذج لدولة مسلمة قوية ناجحة ملهمة في أدائها للشعوب، وللشباب على وجه الخصوص، وإذا ما برزت معالم لمثل هذا المشروع فالحرب بأشكاله المختلفة تشن عليه، كي يبقى الغرب هو محل الإلهام والاستقرار والمستقبل وبوصلة الراغبين في حياة كريمة من الشباب، لذلك فإن الحؤول دون تقديم نموذج حضاري مسلم هو الهدف الأساسي لهذه الحروب. وإلا لماذا يترك كل هذا التطرف في المنطقة دون مواجهة ويتم التركيز على قوى التغيير المعتدلة، بكل أطيافها وأيديولوجياتها، وعلى محاولات بناء دول ديمقراطية تعددية؟ فالأنظمة المتطرفة والشمولية لا تواجه، بل تدعم في كثير من الأحيان، وقوى التخريب في المنطقة يغض الطرف عنها وتُسانَد وتدعم في السر وأحيانا في العلن كما يحدث في ليبيا.
هذا الأمر يعزز فرضية أن هذه الحروب هي لتقويض فرصة التغيير وبناء الدولة النموذج، هو ما يمكن أن يترتب على هذا النجاح في العالم العربي والإسلامي وعلى مستوى العالم، والذي يمكن التطرق إلى بعضه:
- سيضمن التعبير عن الإرادة الشعبية والانصياع لها، وهو ما يعني التحرر من الهيمنة والتبعية، وترسيخ السيادة الوطنية واستثمار الطاقات الهائلة بما يخدم النهضة الوطنية والأمن القومي.
- الإرادة الشعبية تعني التصدي للمشروع الصهيوني بوصفه دولة وظيفية وأداة استعمارية، وبالتالي التصدي للهيمنة والنفوذ الأجنبي.
- توفير مناخ مفعم بالأمل للشباب ومساحات عمل وانطلاق على الصعد المختلفة، اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، للتعبير عن ذاته وبناء مستقبله ووقف مسار الاستنزاف المستمر عبر الهجرة إلى الغرب الذي يعاني من الشيخوخة.
- تفنيد كل دعاوي التطرف والإرهاب والتخلف.. إلخ التي عملت عليها دول ونخب ومؤسسات لعقود طويلة، وتم إلصاقها بجهات وحركات ودول وفقا لتعريفات الغرب لها وبما يخدم مصالحه، في محاولة لنشر اليأس والإحباط وفقدان الثقة في المجتمعات المسلمة وبالذات لدى الشباب.
- إعادة الروح لرسالة الإسلام الحقة القائمة على الحرية والعدل والتسامح والكرامة الإنسانية، وهو ما يعني عودة البعد الحضاري المشرق للإسلام، مما يشكل خطرا حقيقيا على أيديولوجيات وأفكار وحضارات تعاني على أكثر من صعيد وتخشى الأفول.
إن ما سبق ذكره يفسر الكثير من التناقضات الماثلة أمامنا في المشهد السياسي في العالم الإسلامي، ويحل بعض ألغاز السياسة، إذ كيف تتقاتل دول في ساحة ما وتتحالف الدول ذاتها ضد طرف آخر في ساحة أخرى؟! وكيف يصنف الحزب أو الفصيل ذاته على أنه إرهابي في مكان ما وأنه ديمقراطي تحرري في مكان آخر؟! وكيف تكون دولة ما شيطانا حينا، وحليفا في حين آخر؟! ولماذا تستدعى كل أسباب القوة والبطش للتخلص من حالة تطرف في مكان ما وتتم رعاية حالة تطرف أخرى في مكان آخر؟!
إنها الرغبة في الإضعاف والتدمير والحؤول دون الاستقرار والتنمية والتطور، والتي لا يمكن التصدي لها إلا بامتلاك أسباب القوة الذاتية بعد إدراك دقيق للواقع بتعقيداته وتحدياته. إن إعادة اكتشاف الذات وتعريفها بشكل دقيق وبناء مشروع منسجم معها ومعبر عنها هو الخطوة الأولى اللازمة لذلك، وإن شوطا مهما قد قطعته الأمة في ذلك المسار ويحتاج لمن يكمله ويبني عليه.
المقال لموقع الجزيرة: