عرض كتاب: رسائل من “الموساد”.. قصص حقيقية من عالم الظلال

المؤلف: أهارون شاريف

عرض: د. عدنان أبو عامر

الناشر: كنيرت زامورا بيتان

سنة النشر: 2022

اللغة: العبرية

  • المقدمة:

كثيرة هي الكتب “الإسرائيلية” التي صدرت عن جهاز “الموساد”، وتتحدث عما يمكن اعتبارها إنجازات أمنية استخبارية ينفذها خارج حدود دولة الاحتلال، وفي ذات الوقت فإن الكتب التي سلطت الضوء على إخفاقاته وكشفت عن جوانب فشله قليلة، على اعتبار أنّ هذا الجهاز حاز على ثقة “الإسرائيليين” سنوات وعقود طويلة، ونظروا إليه على أنّه صاحب الذراع الطويلة القادر على النيل من أعدائهم في شتى ربوع الكرة الأرضية.

هذا الكتاب واحد من القسم الثاني الذي سعى إلى معرفة كيف أغوى عملاء “الموساد” بعضًا من الضباط والمسؤولين العرب في بعض العواصم الأوروبية، وكيف تمكن من استهداف عالم الصواريخ الألماني الذي ساعد مصر؟ وما هي الوسائل التي استخدمها لتجنيد بعض عملائه في الدول العربية المجاورة والبعيدة على حد سواء؟ وكيف حاول الموساد ضمّ ساحل العاج إلى اتفاقية “كامب ديفيد” مع مصر؟ وعلاقة الجهاز بتهجير اليهود اليمنيين، وغيرها الكثير من الحوادث الأمنية والمهام الاستخبارية.

  • سيرة ذاتية:

بدأ المؤلف حياته المهنية في أجهزة الأمن “الإسرائيلية” كحارس شخصي لرئيس الوزراء الأول “ديفيد بن غوريون” عن طريق الصدفة، وتحول من هذا العمل إلى الموساد، ولم يكن من قبيل المصادفة أنّه استمر في التقدم في عمله في الجهاز، فقد وطئت أقدامه أرصفة المدن الأوروبية في عمليات سرية، وترأس فرقة “بيتسور” لتعزيز هجرات اليهود من إثيوبيا والدول العربية والإسلامية، كما ترأس شعبة “تيفيل” المسؤولة عن الاتصالات مع أجهزة استخبارات موازية في دول أخرى، فقد بات جهاز “الموساد” الذي أسّسه رئيس الوزراء الأول “ديفيد بن غوريون” سنة 1951، بمثابة ذراع استخبارات خارجية رئيس ضمن الأجهزة السرية المتعددة، لأنّ ساحات عمله خارج حدود الدولة، ويتمّ توظيف معلوماته عن “الأعداء” في الخارج لمواجهتهم.

يتكون “الموساد” من مجموعة أقسام ودوائر رئيسة، تتبعها وحدات ومحطات ميدانية وفرعية، أهمها جمع المعلومات، والعمليات، والاتصال والارتباط، والإدارة والتنظيم، ولديه قيادة عليا تشرف على أنشطته، تضمّ رؤساء الأقسام وقادة الدوائر والوحدات الكبيرة من ذوي الإلمام العالي والخبرة والتجربة الشخصية في مجال العمل الاستخباري والتجسسي الميداني، وتعادل رتب أعضائها الرتب العسكرية لأعضاء هيئة الأركان العامة للجيش، جنرال وميجر جنرال، وعميد.

إنّ مطالعة صفحات الكتاب الـ224، تعيدنا بالضرورة إلى الاسم الكامل لجهاز “الموساد”، وهو “الأمن الخارجي والمهام الخاصة”، وقد عبّرت الكلمتان الأخيرتان عن نطاق كبير من الأنشطة التي لا ترتبط على الإطلاق بمجال الاستخبارات أو جمع المعلومات بمعناه الضيق، ونتيجة لذلك فإنّ مجالات “الموساد” تشمل أنشطة عملياتية متنوعة تخدم احتياجات دولة الاحتلال خارج حدودها، مع الإشارة إلى وجود جهازين أمنيين آخرين يتكاملان مع “الموساد”، وهما جهاز الأمن العام- الشاباك، وجهاز الاستخبارات العسكرية- أمان، وجرت العادة أن يتناوب رؤساء الأجهزة الأمنية الثلاثة على قيادتها.

  • مهام خاصة:

يكشف “شاريف” في هذا الكتاب عما وراء الكواليس، وقصص خلف الظلال من أحداث تُشكِل جزءًا لا يتجزأ من أصول دولة الاحتلال، وقد تقاعد بعد أن شغل منصب رئيس ثلاثة أجنحة مختلفة في الجهاز، وشارك طوال 35 عامًا في الأحداث التأسيسية في تاريخ الدولة وشاهدها، وفي الوقت ذاته، كما أن بعض الحوادث التي يذكرها الكتاب لم توجد في الأرشيف.

لسنا بحاجة إلى التقرير بأنّ الكتاب شهد تقليصات عديدة قامت بها الرقابة العسكرية، فمن يقرأه بلغته العبرية يتخيل له أنّه يشاهد فيلمًا خياليًا أمريكيًا، لكنّه مع الانتقال من فصل لآخر يظهر فيلمًا وثائقيًا، لاسيما وأنّ المؤلف شاهد عيان مباشر عن العديد من الأحداث التي شهدتها الدولة، واكتسبت في حينه قيمة تاريخية، ومنها مباحثات “غولدا مائير” مع “موشيه ديان” للتوصل إلى اتفاق مع أنور السادات بشأن انسحاب جزئي من سيناء، مقابل فتح قناة السويس بين 1970-1973، الأمر الذي كان من شأنه منع وقوع حرب أكتوبر.

يكشف المؤلف عن العديد من العلاقات الأمنية التي أقامها مع نظرائه في أجهزة الأمن العالمية مع دول لم تربطها ب”إسرائيل” علاقات سياسية رسمية، مثل الصين والهند، بجانب تجديد وتعميق العلاقات الاستخبارية مع روسيا، وإقامة اتصالات أمنية مع الدول التي تم إحياؤها بعد سقوط الجدار الحديدي في برلين، مثل أوكرانيا والتشيك وبولندا وأذربيجان وغيرها الكثير، وقد شكّل سقوط الجدار بداية لعصر جديد من الروابط الاستخبارية، في الوقت ذاته، لم يتردد “الموساد” في تعميق علاقاته الأمنية مع دول وكيانات في العالم الإسلامي والعربي، وبتوجيه من رئيس الوزراء الراحل “يتسحاق رابين”، حيث قاد الجهاز المحادثات مع الأردن، والتي أدّت إلى اتفاق السلام عام 1994، وتأسيس العلاقة السرية الخاصة مع المغرب وساحل العاج وزائير، وتجنيد ضابط عربي كبير لمدة عشرين عامًا، كان قد قدم معلومات قادت إلى ضرب المفاعل النووي العراقي 1981، ممّا دفع المؤلف للكشف عن معلومات حول تطور عمل “الموساد”، وطرقه وأساليبه لأكثر من ثلاثين عامًا.

  • الاتصالات السرية:

إنّ أيّ قارئ مهتم بأنشطة الاستخبارات “الإسرائيلية” المتنوعة سيجد ثروة من المعلومات والأفكار في هذا الكتاب، والذي يكشف كيف أنّ قدرات قادة “الموساد” السياسية العملية ظهرت بوضوح أمام مختلف رؤساء الحكومات “الإسرائيلية”، وقد منحوهم ثقتهم، وأقاموا صداقة معهم من خلال حصولهم على موافقتهم لتنفيذ المزيد من الأنشطة العملياتية العديدة، لاسيما عمليات جلب اليهود من اليمن وسوريا وإيران، بجانب أثيوبيا التي كانت مرتبطة آنذاك بالاتحاد السوفيتي خلال منتصف الثمانينيات، حيث نُفِذَت عملية سرية واسعة النطاق، وبتشكيلات مختلفة أيضًا، نفذه “الموساد” عمليات في دول آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية لإقامة علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل”.

يكشف المؤلف مزيدًا من الجوانب السرية للموساد مع نظيره السوفيتي “الكي جي بي”، بعد ربع قرن من الانفصال، مع أنّه ابتداء من عام 1972، أُنشِئَت قناة اتصال سرية بين “إسرائيل” والاتحاد السوفيتي عبر لجنة “ممثلي القيادة الروسية”، وأُدِيرَ الاتصال لأول مرة من ممثلي وزارة الخارجية، مع أنّ جوهر العلاقة كان سياسيًا استراتيجيًا، حتى إنّ رئيس الوزراء الروسي الأسبق “يفغيني بريماكوف” زار “إسرائيل” عام 1975، ورُتِبَت اجتماعات منفصلة مع رئيس الوزراء “يتسحاق رابين” ووزيري الحرب “شمعون بيريس” والخارجية “إيغال آلون”، وفي وقت لاحق نشر كتابًا تُرجم للإنجليزية خصّص فيه 50 صفحة للعلاقة مع “إسرائيل”.

أصاب “الموساد” مع مرور الوقت، الكثير من مظاهر الفساد والترهل والتضخم، وذلك باعتراف العديد من كبار مسؤوليه السابقين، كونه جهاز تجسسي سرّي يعمل في “الظلمة” بعيداً عن الأضواء، وخارج أطر الرقابة القانونية والقضائية، مما ولّد دعوات متكررة بين فترة وأخرى إلى ضرورة إجراء إصلاحات، وإعادة تنظيم جذرية لأقسامه وهياكله ومهامه ووظائفه، لاسيما بعد كل فضيحة كبرى، أو فشل ذريع تعرض له، علمًا بأنه لا يتمّ الإعلان عن حجم ميزانياته التي تنفقها عليه خزينة الدولة.

  • فشل وإخفاقات:

لا يخفي ما سعى الكاتب إلى تقديمه عن كشف بأهم ما اعتبرها “إنجازات” للموساد، فضلا عن وجود قائمة أخرى من “الإخفاقات”، حيث ارتبط اسمه بسلسلة طويلة من العمليات الفاشلة، التي هزّت صورته، وتسببت مراراً بحرج بالغ ل”إسرائيل”، وألحقت ضرراً بعلاقاتها على المستوى الدولي، ومن أبرزها ما شهده عام 1973 من تنفيذه اغتيال خاطئ بمنتجع “ليليهامر” في النرويج، لنادل مغربي اعتقادًا بأنه أبو حسن سلامة قائد منظمة أيلول الأسود، وفي ذات العام أدّت معلومات خاطئة قدمها “الموساد” إلى اعتراض طائرة حربية “إسرائيلية” لطائرة ركاب مدنية ليبية، وإجبارها على الهبوط في “إسرائيل” ظنّاً أن زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جورج حبش موجود على متنها، كما أنّ “الموساد” يُتّهَم بإسهامه في إقحام “إسرائيل” بالمستنقع اللبناني سنة 1982، من خلال تقديمه معلومات خاطئة وأحكام مضللة عن الوضع هناك، خاصة فيما يتعلق بقدرات حلفائها في المليشيات المسيحية المارونية، وفي عام 1991 ألقى شرطي قبرصي القبض على أربعة من عملاء لل”موساد” حاولوا وضع أجهزة تنصت داخل سفارة إيران بنيقوسيا، وفي عام 1985 أوقفت السلطات الأميركية “جوناثان بولارد” اليهودي الأميركي، لاتهامه بالعمالة السرية ل”إسرائيل”، مستغلًا عمله مهندساً في البحرية الأميركية، وتزويده “الموساد” بوثائق ومعلومات سرية وحساسة. كما اعتقل الأردن عام 1997 اثنين من عملاء “الموساد” إثر مشاركتهما في محاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس خالد مشعل، واحتجت كندا على استخدام الجهاز جوازات سفرها أثناء المحاولة، وفي عام 1998، أخفق فريق من الموساد في سويسرا في تنفيذ مهمة تجسسية خاصة استهدفت زرع أجهزة تنصت في شقة مواطن لبناني، ينسب له الارتباط بعلاقة تعاون لحساب حزب الله.

يُعتبر ما سبق عينة فقط من الإخفاقات الاستخباراتية التي أسفرت عن الممارسة الفاشلة لجهاز “الموساد”، يضاف إليها وقوعه في مفاجآت استخبارية غير متوقعة، أهمها سقوط سور برلين، وانهيار الاتحاد السوفيتي، وخطأه في التقدير الاستخباري حول وقف إطلاق النار في حرب العراق إيران سنة 1988، وعدم توقعه لتَعَرُّض “إسرائيل” لصواريخ عراقية عام 1991، ومفاجأته بأحداث النفق في المسجد الأقصى عام 1996، وخطأ تقديراته بشأن العمل العسكري المتوقع لحزب الله عقب الانسحاب من لبنان عام 2000، مع العلم أنّ هناك ثلاث مشاكل نشأت لدى “الموساد” أدت إلى فشله الاستخباراتي، تتمثل في تدفق المادة الخام غير الدقيقة إلى قادته، وتوزيع المادة الاستخبارية على محافل البحث، وبعثرة معلوماتها، وعدم الخروج بتقدير جيد، والترهل الإداري الذي يلعب دوراً مهماً في عملية الإخفاق، وبالتالي، فقد انعكست سلسلة الإخفاقات سلباً على واقع “إسرائيل” كدولة، وعلاقاتها الخارجية وسياساتها مع دول العالم.

  • الخاتمة:

يمثل هذا الكتاب نموذجا للإصدارات التي تتحدث عن “الموساد” بأقلام من عملوا فيه، وترأسوا عددًا من دوائره الحساسة، مما دفعهم في الكثير من الأحيان لتقديم نماذج مبالغ فيها عن إنجازاتهم، متجاهلين في الوقت ذاته فداحة الأخطاء الاستخبارية، والثغرات الأمنية التي وقع فيها “الموساد”.

لعل الإخفاق الأكبر الذي وقع فيه “الموساد” يكمن في نجاح القوى المعادية للاحتلال، لاسيما خارج الحدود، من “خطف دولة بأكملها” بعد سنوات عديدة من التسلح والتخفي، بحيث استفاقت لتجدها أكثر تنظيماً، وأكفأ قتالية وتدريباً مما كان في جولات القتال السابقة، وأسفر عن تغير الوضع مع مقاتليها في ساحة المعركة، ولعل العديد من المعارك والحروب التي خاضها الاحتلال مزودًا بمعلومات “الموساد” المضللة، افتتحت سلسلة الأخطاء الأمنية الاستخبارية؛ حيث نجح المقاومون بمباغتة الجيش، مما أشار إلى وجود خلل استخباري لا تُخطئه العين.

لقد أسهمت سلسلة الإخفاقات الأمنية والاستخبارية التي وقع فيها الاحتلال في بروز شروخ أولية في الإسناد الذي وفره “الموساد” للقيادتين السياسية والعسكرية؛ مما دفع محافل سياسية ووزارية “إسرائيلية” للإعراب في محادثات مغلقة عن قصور الاستخبارات التي يمثلها “الموساد” في جمع المعلومات اللازمة.

لعل سلسلة الإخفاقات التي تطرقت لها السطور السابقة تمثل نماذج من الشواهد التي تشير بما لا يدع مجالاً للشكّ إلى أنّ العقبات التي واجهها جيش الاحتلال في مواجهاته العسكرية، لم تكن فقط متعلقة بالناحية اللوجستية، بل بصورة أساسية شكلت إخفاقاً استخبارياً شمولياً، وبات من الواضح أنّ المعطيات الميدانية أشارت إلى أنّه لم يُجهّز نفسه لكل السيناريوهات بسبب التقارير الأمنية الاستخبارية المغلوطة التي وصلته من “الموساد”!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى