عرض كتاب: خروج طوارئ.. “إسرائيل” من القبلية إلى الفيدرالية
المؤلف: ساغيه إلباز
عرض: د. عدنان أبو عامر
الناشر: دار زامورا دفير
سنة النشر: 2023
اللغة: العبرية
- المقدمة:
بعد نهاية أكثر من سبعة عقود من عيش اليهود تحت سقف دولة واحدة، فإنهم يعتقدون اليوم أنه بات عليهم أن يعترفو بأنهم فشلوا في الاستمرار بهذا “العيش المشترك”، وأنّ كل الجهود الرامية لإقامة “دولة إسرائيلية” واحدة لم تسرِ على ما يرام؛ فالمجتمع “الإسرائيلي” بات منقسماً اليوم إلى أربعة “قبائل”: “علمانية، تقليدية، قومية دينية، ومتشددة”، وجميعها ذات قيم متضاربة وأنماط حياة مختلفة، وأحيانًا متناقضة، وهي على حافة التفكك الكامل.
يتزامن صدور الكتاب مع شيوع مصطلحات “إسرائيلية” لم تكن سائدة قبل سنوات، مثل: “الوحدة، الأخوة، حافة الهاوية، الحرب الأهلية”، وغيرها من العبارات التي من شأنها أن تحذر من خطر يهدد وجود “إسرائيل” كدولة، مما جعل ناشري الكتاب يعتقدون أنّ هذا الموسم هو الأكثر مناسبة لازدهار مبيعاته، لأنه يحذّر من زلزال قادم كفيل بجذب الانتباه.
يعتقد المؤلف أنّ هذه هي الأيام المضطربة التي لن يطول فيها وضع الكتاب على الرفوف، بل سيتم بيعه ورواجه بصورة أكثر من المتوقع، حيث تشهد “إسرائيل” أزمة غير مسبوقة، وتحتاج إلى الشفاء العاجل، وجَسر الهوّة التي تقسم المجتمع بين معسكرين: ديني وعلماني، ولا يرى المؤلف أنه في المستقبل البعيد أو القريب سيتم رأب الصدع الذي يمكن أن يقضي على “إسرائيل” بشكلها الحالي.
يتألف الكتاب من الناحية الهيكلية من ثلاثة أجزاء رئيسة، يعرض الأول تحليلًا تاريخيًا لتفكك المجتمع “الإسرائيلي”، والأضرار التي لحقت بمبادئه السياسية، مع التركيز على حقبة 2015-2022، ويحلّل الثاني القبائل اليهودية الواردة أعلاه بناءً على خلفية الانقسامات بينها، ويركّز الثالث والأخير من الكتاب على فكرة الفيدرالية كحل جذري، وأنها ضرورية لشفاء عِلل المجتمع “الإسرائيلي”، على أساس الاعتراف بحقيقة أنّ “إسرائيل” منقسمة ومفتتة من الداخل، وستظل كذلك إذا واصل “الإسرائيليون” الحلم بدولة موحدة لم تعد موجودة في الواقع.
- فشل البوتقة:
أُلِّف الكتاب من منطلق الاهتمام بمستقبل “دولة” الاحتلال، فصحيح أنّ وجهة نظر الكتاب علمانية، وآراءه السياسية قريبة من يسار الوسط، لكنّ مواقفه تجاه القضايا التي يناقشها كتابه مبنية على معطيات ونتائج أبحاث، والسبب الرئيس أنّ تأليفه له جاء تحقيقاً لرغبته بإيجاد حلّ للاستقطاب القائم بين المجموعات المختلفة في المجتمع “الإسرائيلي”، مع أنّ هذا الحلّ الذي يطرحه الكتاب لن يفيد العلمانيين فحسب، بل أيضًا التقليديين والمتدينين والمتشددين من اليهود، ولا يخفي المؤلف تطلّعه بأن يحفز صدور الكتاب على مناقشة متجددة حول كيفية تخفيف الانقسامات العميقة الموجودة داخل “الإسرائيليين”، وهي مناقشة يجب أن تُجرى مع الاعتراف بالاحتياجات المختلفة لكل مجموعة من المجموعات التي تشكل المجتمع “الإسرائيلي”، مؤكدًا أنه اليوم في عام 2023 يمكنه القول بوضوح إن بوتقة الانصهار بين “الإسرائيليين” قد فشلت.
في الوقت ذاته، لم تعد التعددية الثقافية نموذجاً للعيش المشترك مسألة عملية، وغدا المجتمع “الإسرائيلي” على وشك التفكك، كما خلق عدم الاتفاق على القيم الأساسية المشتركة اغتراباً انتهى بالتفكك الاجتماعي، وكذلك الجهود الرامية لإقامة “دولة إسرائيلية” واحدة على أساس قيمة مدنية أساسية سائدة، ستفشل في المستقبل أيضاً.
هذه الخلاصة دفعت الكتاب إلى الخروج باستنتاج مفاده أنه ليس هناك مفرّ من التخطيط لطريق جديد، لأنّ الانقسام العلماني الديني بين اليهود أنفسهم لم يعد يسمح بالتعايش، شارحًا أسباب ذلك بالتفصيل، وفي الوقت نفسه، فهو يقترح حلاً “ثورياً” يقوم على تحويل “إسرائيل” إلى اتحاد فيدرالي، وتقسيمها إلى دويلات مدن تتمتع بالحكم الذاتي على أساس الهوية القيمية لسكانها العلمانيين والمتدينين والمتدينين المتطرفين، واعتبار هذا الاتحاد هو المخطط الوحيد الممكن لإنقاذ الدولة من نفسها، ومن المنحدر الذي تتدهور فيه منذ عدة سنوات.
- نموذج بيت شيميش:
يكشف الكتاب -ويا للمفاجأة- أنه عندما كان “بنيامين نتنياهو” في ولايته الثانية رئيسًا للوزراء بين عامي 2009-2013، اقترح تقسيم مدينة “بيت شيمش” إلى مدينتين: علمانية ودينية، عقب تصاعد التوتر فيها، مما أدى إلى اشتباكات حادة بين المتدينين المتشددين والمحافظين والعلمانيين، على خلفية رغبة أبناء المجموعة الأولى في جعل الفضاء العام فيها أكثر تديّناً، بما في ذلك محاولة فرض الفصل بين الرجال والنساء في شوارعها وحافلاتها، مع أنّ المؤلف يبدي موافقته على مبررات تقسيم المدينة، الذي كان صحيحًا آنذاك، وما زال قائمًا حتى اليوم، وقد استندت الفكرة في حينه إلى حق العلمانيين والمتدينين بتحقيق أسلوب الحياة الخاص بهم.
اللافت أنً وزير الداخلية آنذاك كان زعيم حزب “شاس” “إيلي يشاي”، الذي عارض تقسيم المدينة، شارحاً موقفه بصراحة شديدة بقوله: إنّ هذه “المدينة الأرثوذكسية المتطرفة بهذا التقسيم لن يكون لها دخل، لا ضرائب، ولا صناعة، لأنّ المتدينين لا يعملون ولا ينخرطون في سلك الوظيفة العامة، وسيكون من الصعب جدًا الحفاظ على مدينة يهودية متطرفة في “إسرائيل” بدون علمانيين يدفعون ضريبة الأملاك، وبالتالي فقد سعى لإدامة حياة مشتركة في المدينة، مع الاستمرار بتأجيج الاستقطاب والكراهية بين الجانبين”، مع العلم أنّ أسلوب الحياة العلماني فشل في محاولته دمج المجموعات العديدة في “إسرائيل” داخل ثقافة واحدة مهيمنة، وخلال ولاية “نتنياهو” بين عامي 2015-2021، وصلت الكراهية بين المعسكرين السياسيين: اليمين واليسار، إلى ذروتها، وخلالها تم تقويض القيم التي يُنظر إليها خطأً بأنها مشتركة، أو متفق عليها، مما يعني فشل محاولة فرض هوية موحدة على “إسرائيل”، تستند لكونها أكثر تدينًا، مع الإضرار بالقيم العلمانية، مما يعني أنّ الجهود الرامية لإقامة “دولة إسرائيلية” واحدة، على أساس قيمة المواطنة، فشلت في الماضي، ومحكوم عليها بالفشل حتى اليوم.
- الدولة الإثنوقراطية:
يؤكد الكتاب أنّ تعدّد المجموعات “الإسرائيلية” التي تستمد معتقداتها ووجهات نظرها من مصادر مختلفة، ومتضاربة في بعض الأحيان، لا يشكّل وصفة لإنشاء أمة “إسرائيلية” متماسكة، ويظهر الواقع المرير على ذلك، وبالنسبة للأمن، فإن الصراع الفلسطيني “الإسرائيلي” وحده من يسمح بوجود فكرة الأمة الواحدة، لأنه يتوحد لمواجهة عدوّ خارجي.
ينقسم المجتمع اليهودي إلى عدة قبائل، تمثل وجهات نظر قطبية، وقيم متضاربة، وأنماط حياة مختلفة، ومتناقضة في بعض الأحيان، ولا يتفقون على أيديولوجية مشتركة، ولا على قيم أساسية، والتوتر المتأصل بينهم يثير اختلافات في الرأي، وصراعات داخل المجتمع “الإسرائيلي”، وبين أعضاء المجموعات الرئيسة الأربع ذاتها التي يناقشها الكتاب: الشرقيون التقليديون، القوميون المتدينون، الأرثوذكس المتطرفون، والعلمانيون، لكن المحور الذي يتحرك حوله الكتاب هو العلماني- الديني، رغم أنه لا ينفصل عن سياقات أوسع، بما في ذلك ثقافة كل قبيلة وهويتها وتقاليدها وسياساتها وعلاقتها بالصهيونية، لاسيما وأن “إسرائيل” تقوم طبيعتها الإثنوقراطية على عدة أسس متينة، أهمها الهوية الدينية كمبدأ توجيهي مركزي لموازنة احتياجات المجتمع.
- الحمض النووي:
تتمثل الطائفة الأولى في المهاجرين اليهود من البلدان العربية والإسلامية، المشار إليهم بـ”المزراحيم”، ويرتبط العديد من أعضائهم سلباً بالخارج، ويرون في التقاليد والمجتمع العلامة الثقافية التي تحميهم منها، ويولون أهمية كبيرة لوجود الحدود التي تعزز الهوية، والشعور بالانتماء، والقيمة الذاتية لأفراد مجتمعهم، ويحافظون على أسلوب حياة متدين، ولهذا السبب فهم يعارضون دمج العمال المهاجرين وفلسطينيي48 في أحيائهم، وتبدو قيم الليبرالية والتعددية والفردية والحفاظ على نمط الحياة العلماني التي يتميز بها اليسار غريبة عليهم.
القبيلة الثانية هي القومية الدينية، وهي التيار المحافظ في الصهيونية الدينية، ويُطلق عليه التيار الأرثوذكسي المتطرف “القومي الأرثوذكسي”، وهم أخطر جينة في “الحمض النووي” للمجتمع “الإسرائيلي”، وسمتهم الأبرز هو الرغبة بترجمة شعورهم بالتفوق على المجموعات الأخرى إلى أفعال: خاصة من العلمانيين والجماعات العرقية والدينية، وبالتالي، فإنهم في حالة نشوة من إنجازاتهم، واعتراف المؤسسة الرسمية بهم، وكثيراً ما يثير ممثلوهم البارزون، ويضاعفون كراهيتهم تجاه “الآخر”، اليهودي وغير اليهودي، مع أنّ هناك جزءً آخر من الصهيونية الدينية أكثر انفتاحاً و”ليبرالية”.
المجموعة الثالثة هي اليهود المتطرفين، وهي المخادعة بعض الشيء في نواحٍ عديدة، حيث يتحدون وممثلوهم من الحاخامات والسياسيين مع الحكومات “الإسرائيلية” المتعاقبة، وأكثر ولاءً لأحكام “الهالاخا” أي الشريعة من قوانين الدولة، والحفاظ على الاستقلال التعليمي، والتمتع بثقافة ترفيهية وغذائية منفصلة، وهو ما تجلى في عدم استجابتهم لتعامل “إسرائيل” مع وباء كورونا، والإخفاقات والكوارث الأخرى، ومن أجل ممارسة استقلاليتهم، يعتمدون على ميزانيات الدولة لتطوير نظام التعليم دون مراقبة محتواه، وتضخيم الخدمات الدينية، والوظائف المرتبطة بها، ومنح البدلات والخصومات في السكن والضرائب.
الفئة الرابعة والأخيرة هي العلمانيين، فرغم الانتقادات الموجهة إليهم في الأوساط الدينية والمحافظة، إلّا أنهم نقطة جذب للكثيرين في “إسرائيل”، وباتت “العربة” العلمانية مليئة ليس فقط بالعلم والثقافة والفن والأدب والفلسفة، بل مشبعة بالمعتقدات والقيم الإيجابية والمحلية والعالمية، كالبحث عن الحقيقة والمساواة والحرية، وهي قيم منتهكة في كثير من الأحيان في الواقع “الإسرائيلي”، لأنّ الجهات السياسية التي تمثلها وتروّج لها، تختفي على خلفية تسارع عملية الإكراه الديني في “إسرائيل” خلال العقد الأخير، وبذلك فقد تم دفع النظرة العلمانية وقيمها للهامش، ويرجع ذلك جزئيًا إلى غياب التمثيل السياسي.
يظهر الكاتب ملاحظة أن الخطوط التي تفرّق بين أعضاء المجموعات غير واضحة ومربكة، ففي حالة اليهودي المزراحي الأرثوذكسي، ليس من الواضح دائمًا أيهما أكثر مزراحيًا أم حريديًا، ويمكن لأي يهودي أن ينتمي لهاتين المجموعتين، ويقرر أيّة هوية الأكثر هيمنة بالنسبة له، لكن لا يمكنه أن يكون علمانيًا ومتدينًا في نفس الوقت، وبالتأكيد ليس علمانيًا ومتشددًا، بسبب الخصائص الفريدة لهذه الهويات.
إن عدم التداخل هذا يخلق أعلى درجات التوتر بين الجماعات في المجتمع اليهودي في “إسرائيل”، وهو تفسير لاختيار القيم بدلًا من المحور العرقي كعامل يحرك الانقسام القبلي في “إسرائيل”، ولهذا السبب، فإنّ “اليمين” ليس نوعًا من القبيلة محددة الحدود، لأنه يمكن العثور تحت هذه الفئة معًا على علمانيين وتقليديين ومتدينين ومتشددين.
- العداء والصراعات:
يحوز الكتاب على خصائص فريدة من نوعها من ناحيتين: أولاهما زعمه بأن الانقسام العلماني الديني لم يعد يسمح بحياة مشتركة في الواقع السياسي الحالي في “إسرائيل”، وثانيهما الحل المقترح فيه بتحويل “إسرائيل” إلى اتحاد فيدرالي، مع تقسيمها لدويلات مدن، أو مناطق حكم ذاتي، على أساس الهوية القيمية لسكانها، العلمانيين والمتدينين والأرثوذكس المتطرفين، باعتبارها الوصفة الوحيدة لاستمرار وجود المجتمع “الإسرائيلي” في ظل قومية “أكثر ليونة”، وحكومة ستكون أقل مركزية من الموجودة اليوم.
ينطلق المؤلف من فرضية مفادها أنّ فرض هذا النموذج يعود إلى أنّ الانقسامات الداخلية داخل المجتمع “الإسرائيلي” باتت أمرًا واقعًا، والفجوات بين مجموعاته كبيرة جدًا، ومحاولة العيش معاً جنباً إلى جنب في كيان مركزي واحد ستؤدي للعداء والصراعات بين المجموعات المختلفة، فصحيح أنّ الإيمان بالقدرة على توحيد القبائل “الإسرائيلية” أمر مناسب أخلاقياً، لكنه ليس عملياً، وسيؤدي لإحباط إمكانية إحياء المجتمع “الإسرائيلي”، ولذلك فإنّ الحلّ يتمثل في تعزيز الحكم الذاتي لقبائله المختلفة، وليس في محاولة مصطنعة لتجاهل وجود اختلافاتها، وبالتالي يجب أن يكون هذا الحكم الذاتي في إطار النظام الفيدرالي، على الأقل في مجالات التعليم والثقافة، بحيث تكون كل منطقة حكم ذاتي قادرة على تخصيص معظم أموال الضرائب المحصلة في منطقتها للأهداف التي حددتها الحكومة المحلية، بينما سيتم استخدام جزء صغير فقط من الإيرادات لتلبية احتياجات الدولة العامة مثل الأمن الداخلي والحماية من التهديدات الخارجية والعلاقات الدولية.
- غياب الكوابح:
يقرّ الكتاب حقيقة مفادها أنّ من سلبيات عيش “الإسرائيليين” بمختلف قبائلهم المتصارعة إنتاج خلل في الموارد والمزايا، مع إعطاء الأولوية للمعسكر الديني، مما يقدم وصفة طبية ستعرّض استمرار واستقرار وجود الدولة للخطر، والحقيقة أنّ قارئ الكتاب قد يتولّد لديه انطباع حتى دون الخوض في العمق، أنه في غياب الكوابح، فإن المعسكر الديني – الحريدي سيمسك بزمام الأمور في الحكومة، وهذه هي الطريقة التي توصف بها أولوية النخبة الدينية الأرثوذكسية المتمثلة بالهيمنة المستمدة جزئياً من القوة السياسية للمجموعة التي تمثلها والهوية الدينية للدولة.
يقترح المؤلف أنّ الطريق لشفاء المجتمع “الإسرائيلي” هو الانتقال من حالة القبلية إلى الفيدرالية، أي تقسيم “دولة إسرائيل” إلى المستوطنات المختلفة، الكبيرة والصغيرة، كل واحدة منها بمثابة منطقة حكم ذاتي، مستقلة في إدارة شؤونها الداخلية، وهوية الأغلبية: علمانية أو دينية، في مستوطنة معينة، ستربط المستوطنة بالمعسكر الديني أو العلماني، مع أنّ الدول المهمة تهتم بوجود حكم ذاتي داخل حدودها المعترف بها، مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي لديها 50 ولاية، ضمن نطاق الحكم الذاتي.
كما اقترح “مناحيم بيغن” رئيس الحكومة “الإسرائيلية” الراحل نموذج الحكم الذاتي للفلسطينيين بديلاً عن إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية، بوصفه بديلًا بدرجة منخفضة مقارنة بوضع دولة ذات سيادة، ولكن من الواضح أنه لن تكون هناك حكومة في “إسرائيل” توافق على إقامة حكم ذاتي داخل حدودها، بزعم أنه سيؤدي إلى حدوث صراعات بين الجنسيات المختلفة التي تعيش داخلها.
- الخاتمة:
يخلص الكتاب إلى أنّ “الإسرائيليين” اليوم باتوا يمتلكون قناعات تقترب من درجة اليقين أنهم أصبحوا في قلب التشرذم الجغرافي، وهو تطور بالغ الخطورة، ولم يعد ممكناً أن يبقوا جميعاً تحت سقف واحد، رغم أنه قد يكون هناك حلّ آخر، وقد يكون تنفيذه أقلّ صعوبة بكثير مما يبدو للوهلة الأولى.
خلاصة هذه القراءة لهذا الكتاب المثير للتفكير، يمكن تتبّع ظاهرة تفكك المجتمع “الإسرائيلي”، وتحليل عِلله، واقتراح الحلّ النموذجي من خلال تحويل “إسرائيل” إلى اتحاد فيدرالي، مع تقسيمها إلى دويلات مدن أو مناطق تتمتع بالحكم الذاتي على أساس الهوية القيمية لسكانها، بزعم أنه الوصفة الوحيدة لما يمكن اعتباره “شفاء” المجتمع “الإسرائيلي”، قبل أن يتدهور لحرب أهلية ثقافية، وربما لأزمة أسوأ، وهو حلّ قد تستفيد منه جميع “القبائل” “الإسرائيلية”.
المؤلف
يعمل المؤلف “ساغيه إلباز” باحثًا في العلوم السياسية، وتتمثل اهتماماته الرئيسة بتمثيل النخب والأقليات، والرقابة الذاتية، وثقافة الصراع في وسائل الإعلام، وهو محاضر في جامعة “تل أبيب”، والرئيس التنفيذي لـ “البيت العلماني للثقافة والمجتمع”، ويكتب مقالات رأي في صحيفة “هآرتس”، وهذا الكتاب هو الخامس في هذه السلسلة، وقد كشف أنه عندما وجد طريقه إلى العلمانية، وعارض القيود، انسحب من دروس التوراة في المدرسة الثانوية، بزعم أنها “ملوثة” بالتلقين الديني، ثم رفض الزواج وفق الطريقة الحاخامية، مما أوجد نزاعا عائليا حادّا، ومع مرور الوقت لم تعد عائلته تلتزم بالقواعد التقليدية الأساسية مثل صيام يوم الغفران، والشريعة اليهودية في عيد الفصح، وإضاءة الشموع في ليلة السبت.