عرض كتاب: اليوم التالي بعد عباس.. خطة عمل “إسرائيلية”
المـؤلف: | ” أودي ديكل” و”نوعا شوسترمان” |
عـرض: | د. عـدنان أبو عـامر |
النـاشر: | معهد أبحاث الأمن القومي-جامعة تل أبيب |
سنــة النشر: | 2022 |
اللـغة: | العـبرية |
- المقدمة:
لا تخفي المحافل “الإسرائيلية” الأمنية والعسكرية والسياسية، ترقّبها لما يسمى في الأدبيات “الإسرائيلية” بـ”اليوم التالي” لغياب محتمل لرئيس السلطة محمود عباس، الذي ارتدى منذ 2005 ثلاث قبعات: رئيس السلطة، ورئيس منظمة التحرير، ورئيس حركة فتح، وخلال فترة ولايته التي بدأت بعد انتفاضة الأقصى، ساد الاستقرار الأمني في الضفة الغربية لصالح الاحتلال.
تزايدت في السنوات الأخيرة التقديرات “الإسرائيلية” حول إمكانية خروج عباس من المشهد السياسي الفلسطيني، إما طوعًا أو إكراهًا، مما منح المرشحين المحتملين لخلافته فرصة لاستعراض إمكانياتهم أمام الأطراف الفاعلة، وعلى رأسها الاحتلال والولايات المتحدة والدول الإقليمية، دون أن يوضع الشعب الفلسطيني في قائمة هذه الأطراف، وقد تمثلت آخر هذه الاستشرافات “الإسرائيلية” بما أصدره معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة “تل أبيب” من كتاب جديد؛ لفحص وتحليل مكونات حكم عباس، ونقاط قوته وضعفه، والسيناريوهات المحتملة بعد رحيله، والعواقب المحتملة على الساحتين “الإسرائيلية” والفلسطينية، ومن الملفت للانتباه استعراض أهم ما جاء في الدراسة الصادرة حديثًا، وهو أن السيناريوهات “الإسرائيلية” لمرحلة ما بعد عباس، وقد تركزت حول ثلاثة، أولها نقل السيطرة بطريقة منظمة إلى زعيم واحد، أو مجموعة قيادية من صفوف فتح، وثانيها دخول السلطة الفلسطينية في حالة صراعات مستمرة على الخلافة، مما سيضعفها، مقابل تقوية حركة حماس ونفوذها، وثالثها سيناريو الفوضى، وفقدان السيطرة إلى درجة تفكك السلطة الفلسطينية، و”عودة المفاتيح” إلى دولة الاحتلال.
صاغ الباحثون “الإسرائيليون” جملة توصيات لسياسة الحكومة “الإسرائيلية” وإجراءاتها تجاه الساحة الفلسطينية “لليوم التالي لعباس”، بعضها مرتبط بالوقت الحاضر، كونه لا يزال في السلطة، وذلك تمهيدًا لمدى تأثر قدرة النظام السياسي الفلسطيني على التعامل مع رحيله المفاجئ، مما قد يمسّ بشكل كبير قدرة السلطة على إدارة عملية تسليم وتسلم منظمة، دون صراعات على الخلافة، مع حيازة الاحتلال لأدوات المساعدة في ذلك، كتعزيز السلطة وحكمها، لخدمة مصالحه السياسية والأمنية، ومنع التصعيد الأمني الذي قد يمتد باتجاهه.
يستعرض في الاستشراف “الإسرائيلي” أهم العوامل التي ستتشكل في الساحة الفلسطينية عندما يصبح رحيل عباس حقيقة، من حيث نشوب اضطراب سياسي، بل وأزمة حقيقية، كونه ابن 86 عامًا، وشغل ثلاثة مناصب قيادية عليا لقرابة ثمانية عشر عامًا، وفي هذه الحالة فإن خروجه من الساحة السياسية، سيفسح المجال لمنافسة على هذه المناصب؛ مما يعني دخول المشهد الفلسطيني في جملة من السيناريوهات التي تبدأ بتوافق فتح على مرشح واحد، وتنتهي بسيطرة حماس على الضفة، على الأقل وفق تقدير الاحتلال.
- محتويات الدراسة:
بدأ الكتاب في فصله الأول في شرح معاني “اليوم التالي لعباس”، من حيث المصالح “الإسرائيلية” والفلسطينية، والمتغيرات الرئيسة على كليهما، أما الفصل الثاني؛ فشرع في الحديث عن السيناريوهات الرئيسة التي يتركز أولها في إيجاد مرشح متفق عليه، وثانيها صراع الورثة، وما يحوزوه من مراكز القوة، وثالثها إجراء انتخابات عامة، وفرصها ومخاطرها على “إسرائيل”، وصولًا إلى المرشحين المحتملين، ورابعها الفوضى الخطيرة، وعدم استقرار وتفكك السلطة الفلسطينية، من حيث نشوء قيادة جماعية، أو استيلاء قادة الأجهزة الأمنية عبر انقلاب عسكري، أو تفكك السلطة حسب المناطق الجغرافية، أما السيناريو الخامس؛ فهو هيمنة حماس في الضفة الغربية، سواءً عبر سيطرة عسكرية، أو فوزها في الانتخابات، أو توسيع نفوذها الزاحف نحو مراكز السلطة.
ينتقل الكتاب في فصله الثالث إلى الحديث عن العوامل المساهمة في سيناريو الفوضى، وأثرها على المجتمع الفلسطيني، وما يتسبب به من فجوة بين الأجيال الفلسطينية، ونشوء حالة العلاقة الجدلية بين المركز والمحيط، والمنافسة بين المنظمات الفلسطينية، وأثر الوضع المالي على هذه التطورات، وصولًا إلى بحث تداعيات سيناريوهات الفوضى الفلسطينية على “إسرائيل”.
يركز الفصل الرابع على ما يعتبرها الكتاب الزاوية الإقليمية، وتتعلق بمواقف الدول المجاورة من هذه التطورات الفلسطينية، خاصة الأردن، ومصر، ودول الخليج، فضلًا عن الدور “الإسرائيلي” في تشكيل النظام الفلسطيني المستقبلي بعد عباس، واستقراره، من خلال تقديم جملة توصيات لصناع السياسة في “تل أبيب”.
يستهل الكتاب باستعراض ما حازته مسألة استبدال أو خلافة عباس من أهمية استثنائية على الساحة الفلسطينية في السنوات الأخيرة؛ لأنها ساهمت في تسريع التنافس بين قواها الرئيسة خاصة فتح وحماس، وأضرّت بفاعلية سيطرة السلطة؛ لأنه عندما يصبح رحيل عباس حقيقة، فسيكون هناك اضطراب سياسي، بل وأزمة حقيقية في الشارع الفلسطيني، خاصة وأنه يشغل ثلاثة مناصب رئيسة، مما دفع أوساطًا فلسطينية إلى النظر إليه باعتباره حاكمًا ديكتاتوريًا، مع العلم أن المحاولات الأخيرة التي قام بها عباس لتعيين حسين الشيخ خليفة له، لم تحظ وفق التقدير “الإسرائيلي” بتأييد شعبي، بل أدت إلى انقسام في صفوف حركة فتح ذاتها، مما يعني أن السلطة قد تجد نفسها بدون قيادة متفق عليها، وبدون قيادة عملية منظمة ومتفق عليها مسبقًا، لتأسيس قيادة جديدة، مما سيجعل من صراعات الخلافة تترك تأثيراتها بالفعل على ميزان القوى الفلسطينية، لأنه داخل حركة فتح ذاتها ينشأ اتجاه لا يصمت ضد عباس، ومنهم توفيق الطيراوي وجبريل الرجوب، وسط مطالبات لأن تكون المرحلة المقبلة مختلفة تمامًا عن حقبة عباس، لصالح قرار جماعي وشراكة مؤسسات القيادة كافة.
- فحص السيناريوهات:
يميل الكتاب إلى أن السيناريوهات المعروضة في متنه لمرحلة ما بعد عباس ستترك تفاعلاتها وعواقبها على وضع السلطة و”إسرائيل” معاً، في ظل تعدد العوامل المؤثرة والمحتملة عليها، مما يجعل التنبؤ “الإسرائيلي” بمستقبل النظام الفلسطيني في اليوم التالي لغياب عباس أمرًا صعبًا؛ الأمر الذي يستدعي منها الاستعداد لتلك السيناريوهات الأساسية، أولها سلطة فاعلة وتنسيق مستمر معها، وثانيها سلطة معادية ل”إسرائيل”، وثالثها سلطة معطلة، وحتى فاشلة، ورابعها تفكك السلطة كلياً، وهي الأكثر إثارة للقلق “الإسرائيلي”، لأنها تعبّد الطريق لتشكيل واقع الدولة الواحدة، أو العودة للحكم العسكري.
لا يخفي المؤلفون أن الهدف الاستراتيجي ل”إسرائيل” هو إقامة سلطة فلسطينية مستقرة ومسؤولة وفعالة تتعاون معها في المجالات الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويسعى الكتاب إلى بحث السبل التي من شأنها الحفاظ على هذه المصلحة الاستراتيجية؛ مما يستدعي دراسة كل خطوة “إسرائيلية” في سياق تبدّل القيادة الفلسطينية، بحيث يجب أن يكون ذلك بطريقة مدروسة ودقيقة، دون التورط في محاولة “هندسة” النظام الفلسطيني سياسيًا، أو خلق انطباع بأنها تنوي فرض نوعية قيادة معينة على الفلسطينيين.
في الوقت ذاته، تبدو “إسرائيل” مطالبة بمحاولة وقف الاتجاه الفوضوي الذي سيؤدي إلى تفكك السلطة، وإعادتها إلى الانخراط المباشر والعميق في الضفة الغربية عبر بوابة الحكم العسكري، وكبح جماح تسريع الاتجاه الحالي الذاهب نحو الانزلاق لواقع الدولة الواحدة، صحيح أن “إسرائيل” مهتمة بشكل واضح بالحفاظ على السلطة بقيادة فتح، التي لا تزال ملتزمة رسميًا بالمسار السياسي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، لكن قدرتها محدودة في التأثير على السياسة الفلسطينية الداخلية، ومع ذلك يمكن لها أن تعدل بعض الاتجاهات السلبية الواضحة في الساحة الفلسطينية من خلال التحدث لزعيم جديد أو قيادة جديدة، وتدعم الاقتصاد الفلسطيني، وتحسين نوعية حياة الفلسطينيين.
يطالب الكتاب في السياق نفسه قادة الجهاز الأمني “الإسرائيلي” بالاستعداد لما يصفه سيناريو التشاؤم من الفوضى الذي قد يصل إلى حد تفكك السلطة، وفي هذه الحالة من الضروري فحص أي رد “إسرائيلي” على حوادث ميدانية قد تقع؛ لأن التسريع بتفكيك السلطة، قد يحول النبوءة “الإسرائيلية” إلى واقع يتحقق، والمقصود بها توسيع حماس لنفوذها بالضفة الغربية، وسيطرتها تدريجياً على السلطة، الأمر الذي يتطلب بصورة عاجلة، ومن قبل الدخول في حقبة ما بعد عباس، تعزيز التعاون الأمني مع الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، وتجنب الإجراءات العملياتية التي من شأنها إحراج تلك الأجهزة أمام الشارع الفلسطيني، أو الإضرار بالشرعية العامة للحكم الجديد، قدر الإمكان إلا في حالات استثنائية.
يدعو مؤلفو الكتاب دوائر صنع القرار “الإسرائيلي” إلى المبادرة بتكوين تفاهمات مع القيادة الفلسطينية الجديدة قيد التبلور، وغرضها تحسين الوضع الاقتصادي والبنية التحتية للخدمات المقدمة للفلسطينيين، بالشراكة مع دول في المنطقة وخارجها لها مصلحة في استقرار الساحة الفلسطينية، وهذا أمر وارد حتى في حالة تشكيل حكومة وحدة فلسطينية، بشرط ألا تلعب حماس دورًا رئيسًا فيها مثل رئيس الوزراء أو وزير الداخلية، وتجنب التحركات التي من شأنها عرقلة أي مسار للعودة للعملية السياسية مع القيادة الفلسطينية الجديدة.
- التوصيات العشرة:
وجهت الوثيقة “الإسرائيلية” جملة من التوصيات إلى دوائر صنع القرار في “تل أبيب” لمواجهة السيناريوهات المشار إليها أعلاه، وأولها الحاجة إلى تشكيل تحالفات مع شركائها الاستراتيجيين الإقليميين، خاصة الرباعية العربية: مصر والأردن والإمارات والسعودية، وبدعم أمريكي، للعمل على استقرار النظام السياسي الفلسطيني، ومنع حماس من الاستيلاء عليه، وثانيها الالتزام بمساعدة القيادة التي ستظهر في اليوم التالي لعباس، إذا أظهرت التزامًا بالاتفاقات والتفاهمات التي تُوصلَ إليها مع “إسرائيل”، وثالثها استمرار التعاون الأمني بينهما، وتسريع التنمية الاقتصادية والبنية التحتية في المناطق الفلسطينية، ورابعها الحد من العوامل التي تسعى إلى المواجهة والتصعيد المباشر مع “إسرائيل”، بينما تركزت توصية “إسرائيلية” خامسة، في إقامة شراكة إقليمية متينة تعتمد على مجموعة من التفاهمات والتنسيق المشترك، وسادسها نقل المسؤولية المدنية عن المنطقة “ج” للسلطة الفلسطينية، والسماح بالاستمرارية الجغرافية والتنقل في المنطقة، وسابعها زيادة التعاون الإقليمي والدولي؛ لكبح جهود التأثير السلبي في الساحة الفلسطينية من إيران ومحورها، وثامنها الاستعداد للتحدي الأكثر أهمية وهو انهيار النظام السياسي الفلسطيني، والانتقال من سياسة رد الفعل والاستقرار إلى سياسة استباقية لإثبات الحقائق على الأرض، أما عن التوصية التاسعة؛ فتتعلق بالمساعدة “الإسرائيلية” قدر المستطاع على استقرار السلطة الفلسطينية وقيادتها، وعدم تخريب المصالحة الداخلية مع حماس، وعدم منع إجراء انتخابات فلسطينية، ومساعدة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وصولًا إلى إطلاق سراح مروان البرغوثي من السجن، كونه زعيم قوي تقبله جميع الفصائل، فالتوصية العاشرة وتتعلق بتعزيز القيادات الفلسطينية المحلية، والترويج للخيار الأردني، مع إمكانية الاعتراف بحماس والمحادثات معها كخطوات محتملة في سيناريوهات استمرار عمل السلطة الفلسطينية، وقيادة جديدة تكتسب ثقة الجمهور، بما في ذلك التفكير في تعزيز الفصل السياسي والجغرافي والديموغرافي عن الفلسطينيين، بحيث تكون قادرة على التعبير عن استعدادها للاعتراف بدولة فلسطينية داخل حدود مؤقتة، قبل الموافقة على جميع القضايا المعقدة لتسوية شاملة.