عرض كتاب: السياسة الأمنية علاقة عدم الاستقرار الحكومي بمكافحة “الإرهاب”
المـؤلف: | تـال إلوفيتش |
عـرض: | د. عـدنان أبو عـامر |
النـاشر: | دار سيـغال للطبـاعـة |
سنــة النشر: | 2022 |
اللـغة: | العـبرية |
المقدمة:
نستعرض في ورقتنا هذه كتابًا “إسرائيليًا” صدر حديثًا بعنوان “السياسة الأمنية: عدم الاستقرار الائتلافي ومكافحة “الإرهاب”([1])، ويتحدث عن العلاقة الجدلية بين الأمن والسياسة في دولة الاحتلال، وكيف يؤثر كل منهما على الآخر، ويستعرض أبرز المحطات العسكرية التي انخرطت فيها بمواجهة الفلسطينيين قتالياً؛ مما ترك أثره على حالة الاستقرار الحكومي، أو زعزعته، ولعل أهمية الكتاب فضلًا عن مؤلفه وموضوعه أنه يصدر عشية الانتخابات “الإسرائيلية”، مما يمنحه أهمية استثنائية.
يرى الكاتب أن العواصف السياسية والأمنية غالبًا ما شكلت جزءً من الوجود الخاص ب”إسرائيل” منذ تأسيسها؛ مما خلق تأثيرًا متبادلًا بين السياسة والأمن؛ الأمر الذي يستدعي تقديم تحليل علمي لطريقة تعامل الحكومات “الإسرائيلية” مع ظاهرة المقاومة الفلسطينية من خلال المنطلقات السياسية والأمنية معاً، أو كل على حدة، من خلال الاستشهاد بأحداث تاريخية مهمة، تركت بصمتها على ذات المنطلقات.
لم يستحوذ تداخل العامل السياسي مع الأمني في السلوك “الإسرائيلي”، المتبع إزاء الفلسطينيين على كثير من الكتابات “الإسرائيلية”، رغم أن دولة الاحتلال تخوض منذ عقدين متواصلين حالة من العدوانات المستمرة على الفلسطينيين، بل إن ما حصل هو نقاش ضئيل للغاية، إن وجد، مما استدعى من المؤلف الذي شغل مواقع مختلفة في جيش الاحتلال؛ إجراء سلسلة من المقابلات مع كبار القادة السياسيين والعسكريين، ممن وقفوا على رأس القيادة السياسية والعسكرية للدولة.
- موقف أولمرت:
اختار المؤلف أن يقدم الكتاب رئيس الوزراء الأسبق “إيهود أولمرت” بين عامي 2006-2009، حيث شكك في العلاقة بين استقرار الائتلاف الحكومي والمفهوم الأمني، مقابل ما منحه من وزن كبير، وبشكل شبه حصري لشخصية رئيس الوزراء نفسه، معتبرًا أن أي زعزعة للائتلاف الحكومي، بسبب القضايا الأمنية يتحمل مسئوليتها ضعف القيادة، وليس التحالف ككل.
ويرى “أولمرت” الذي ختم حياته السياسية في عدوانه على غزة 2008-2009، أن التنظيمات الفلسطينية المسلحة أصبحت عاملاً؛ غيّر أسلوب الحياة الفلسطينية و”الإسرائيلية”، بما فيها أنماط السلوك ووسائل الدفاع والقتال، بعد أن اقتصر استهدافها ل”إسرائيل” في سنواتها الأولى على الخطوط الحدودية والمستوطنات المجاورة لها، لكنها سرعان ما أصبحت ساحة واسعة تتطلب من “إسرائيل” استعدادات مختلفة تمامًا من حيث الحجم، وأصبحت الحرب عليها في العقود الأخيرة الماضية، متعددة الأنظمة تشترك فيها جميع الهيئات المقاتلة، من الجيش والموساد والسفارات “الإسرائيلية” والوحدات الخاصة.
ويعترف “أولمرت” بالقول أنه بينما كان موقف جميع الحكومات “الإسرائيلية” دائمًا؛ أنها لن تتفاوض مع المنظمات المسلحة، ولن تستسلم لها أبدًا، وبغض النظر عن ائتلاف حكومي وآخر؛ فلم تقم أي حكومة “إسرائيلية” بتنفيذ هذا الالتزام، لأنها جميعا تفاوضت مع هذه المنظمات، سواء كانت تُجبر على ذلك، أو تشعر بأنها مجبرة، على التوصل لاتفاقيات تتضمن تنازلات كبيرة لمطالبها نتيجة لأعمال المقاومة، في تناقض واضح مع الصورة التي حاولت “إسرائيل” خلقها لنفسها بأنها دولة لا تستسلم.
يختم “أولمرت” مقدمته بالقول أن “إسرائيل” اضطرت للإذعان لإملاءات المنظمات الفلسطينية التي انطوت على تنازلات كبيرة، والنتيجة أن “إسرائيل” وصلت إلى نمط سلوك يتفوق في الضعف والتراخي حين وقفت في وجه تلك المنظمات، ربما بسبب تغير مرونة المجتمع “الإسرائيلي”، واستعداده لدفع الأثمان التي تنطوي على الحاجة لحماية أمنه.
- محتويات الكتاب:
تضمن الكتاب أربعة فصول، بدأ أولها في الحديث عن تطور مفهوم الأمن فيما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية، من خلال بحث الانتقال من الهجوم إلى الدفاع، والمواجهة المحدودة وأدوات التعامل مع المقاومة، ودور المستوى السياسي، وطبيعة العمليات في الضفة الغربية، والتطور “الإسرائيلي” بالانتقال إلى عقيدة دفاعية، وركز الفصل الثاني على مظاهر عدم استقرار التحالف الحكومي في “إسرائيل”، والفرق بين الاستقرار الحكومي الفعلي، وما وصفه “محاكاة” الاستقرار، وانتقل الفصل الثالث إلى الحديث عن عدم استقرار التحالف الحكومي باعتباره عاملًا لتشكيل التصور الأمني، وتصميم مفهوم الأمن، ومن يقرره، وصولًا إلى ظاهرة التطورات التكنولوجية في قتال الفلسطينيين، ودخول عوامل القانون “الإسرائيلي” والقانون الدولي على هذا القتال، ودور وسائل الإعلام والمجتمع المدني والبيئة السياسية في استقرار الحكومة أو زعزعتها، فيما جاء الفصل الرابع ليقدم جملة من الاستخلاصات والاستنتاجات، وإيراد عدد من الملاحق.
لا يتردد المؤلف في تقرير حقيقة مفادها أن ظاهرة عدم الاستقرار الحكومي ضيف دائم في أروقة الكنيست، وقليلون ممن يدّعون أن هناك استقرارًا حكومياً وسياسياً في “إسرائيل”، مما جعل الافتقار لهذا الاستقرار عاملاً في الحملات الانتخابية الأخيرة، ولعل من مظاهر عدم الاستقرار الحكومي السماح للقيادة العسكرية بأن تقدم لصانعي القرار السياسي مجموعة متنوعة من خيارات العمل الميدانية، بصورة أقرب إلى فرض الإملاءات عليهم.
مع العلم أن تزامن ظاهرة عدم الاستقرار السياسي والحكومي؛ مع بقاء “إسرائيل” في حالة طوارئ؛ مستمرة منذ عام 1948، وحتى توقيع اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين في العام 1993، وقد حصلت العديد من التغييرات على المفهوم الأمني الرسمي، بحيث تُحدَّث من وقت لآخر، ولئن جاءت النسخة الأولى من هذا المفهوم وفق ما كتبه رئيس الوزراء ووزير الدفاع الأول “ديفيد بن غوريون” في 1953، فقد نشر رئيس الأركان السابق “غادي آيزنكوت” نسخة محدثة منه على شكل وثيقة توضح بالتفصيل استراتيجية الجيش “الإسرائيلي”، لكنه سرعان ما اتضح أنها مصابة بالمحدودية والقصور.
- اتفاق أوسلو:
شكل توقيع اتفاق أوسلو، وما تبعه من تغييرات جيو-سياسية في الأراضي الفلسطينية، اضطرار آخر الحكومات “الإسرائيلية” المستقرة في أوائل التسعينيات؛ لإجراء تغييرات ضرورية على مفهومها للأمن، بما يعنيه ذلك من طبيعة القتال، واستخدام القوة العسكرية في المناطق الفلسطينية؛ مما جعل من حقبة التسعينيات فترة جديدة، والأمر الثالث متعلق بتغيير يخص العدد في التاريخ “الإسرائيلي” المعاصر، وتطوير المفهوم الأمني “الإسرائيلي”، مع العلم أن إجراء التعديلات “الإسرائيلية” على مفهوم الأمن ارتبط عضوياً بحالة الهزات الأرضية التي بدأت تعانيها الائتلافات “الإسرائيلية” الحاكمة، بحيث لم تكمل أي منها ولايتها الحكومية ذات الأربع سنوات حتى يومنا هذا، مما يشير إلى أن التحركات السياسية في أوائل التسعينيات؛ أحدثت تغييرًا عقائديًا مهمًا فيما يتعلق بالحرب على المقاومة الفلسطينية المتصاعدة في الأراضي المحتلة لأول مرة منذ حرب 1967.
يضاف إلى التحركات السياسية من جهة، وتفاقم المشاكل الأمنية للاحتلال من جهة أخرى، الجولات القتالية التي تدور بين “الإسرائيليين” والفلسطينيين، بما فيها انتفاضة الأقصى، وأثرت جميعها على الطريقة التي تحارب بها “إسرائيل” ظاهرة المقاومة الفلسطينية، سواءً بالوسائل العسكرية أو السياسية، مما أفسح المجال للحديث “الإسرائيلي” عن علاقة الاستقرار الحكومي بالتصور الأمني السائد في محاربة المقاومة الفلسطينية، ومع أن الادعاء بتأثر الأمرين: الأمن والسياسة، ليس بالأمر الجديد، لكنه ورد في الأدبيات “الإسرائيلية” بشكل عرضي، وغير متعمق.
- التأثر والتأثير:
طالما أن الكتاب انطلق من فرضية أن عدم استقرار التحالفات الحكومية “الإسرائيلية” ترتبط مباشرة في تشكيل تصورها للأمن فيما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية، فإنه من أجل الإجابة على هذا السؤال؛ يدرس المؤلف ما حدث في الحقبة السياسية “الإسرائيلية” بين عامي 1992؛ حيث تشكلت الحكومة الخامسة والعشرون برئاسة الراحل “إسحاق رابين”، وعام 2015 حيث الحكومة الثالثة والثلاثين برئاسة “بنيامين نتنياهو”، وبينهما “شمعون بيريس” و”إيهود باراك” و”أريئيل شارون” و”إيهود أولمرت”.
طغى على هذه الحقبة الهامة من تاريخ دولة الاحتلال ما يمكن أن نسميها فرضيات بنى الكتاب عليها منطلقه البحثي، أول هذه الفرضيات أن رئيس الوزراء وحكومته اتخذوا قراراتهم مع إعطاء وزن كبير لاعتبارات البقاء سياسيًا وحزبياً، وثانيها أنهم اختاروا عقيدة عسكرية قامت على تقليل الاحتكاك الميداني مع الفلسطينيين؛ من أجل ضمان استقرار حكمهم، وقدرتهم على إعادة انتخابهم، وثالثها أن عدم استقرار الائتلاف؛ أدى لتطوير عقيدة قتالية في التعامل مع المقاومة الفلسطينية، ومن أجل التأكد من صحة هذه الفرضيات أو نفيها، أجرى المؤلف ما قال أنها مراجعة للأدبيات الموجودة حول الموضوع، وقام بتحليل قرارات الحكومات “الإسرائيلية”، وبياناتها في المجالات السياسية والأمنية، فضلاً عن إجراء مقابلات متعمقة مع ذوي المناصب العليا في الأجهزة الأمنية والعسكرية والمواقع المدنية والحكومية طوال فترة البحث، مما جعل من هذه المقابلات المتعمقة أداة بحث مركزية في هذا الكتاب، ومن المهم الإشارة إلى عينة ممن التقاهم المؤلف، وهم الجنرالات السابقون الذين تولوا قيادة المنطقة الوسطى الخاصة بالضفة الغربية، أهمهم: “إيهود باراك”، “إسحاق مردخاي”، “عمرام متسناع”، “داني ياتوم”، “عوزي ديان”، “آفي مزراحي”، “غابي أوفير”، “يتسحاق غرشون”، “يتسحاق إيتان”، وزير الحرب “عمير بيرتس”، “فانينا شربيت باروخ” رئيس قسم القانون الدولي بوزارة الحرب.
يشار هنا إلى أن جزءًا من حالة التأثير والتأثر بين السلوك الأمني والاستقرار الحكومي، ارتبط عضوياً بشيوع مفاهيم “إسرائيلية” جديدة خلال فترة الدراسة؛ من أهمها تراجع الجيش “الإسرائيلي” كجيش شعبي، وانخفاض الدافع المدني للخدمة العسكرية، واهتزاز شعار “من الجيد أن نموت من أجل بلدنا”، مقابل صعود قيم الذات، والفردية، في المجتمع “الإسرائيلي” بشكل خاص.
- الخلاصة:
من الواضح أن الكتاب سعى إلى ربط عدم استقرار التحالف الحكومي “الإسرائيلي” بتطور مفهوم الأمن، والإشارة إلى أن عدم استقراره يؤدي لتبني مفهوم أمني تجاه الفلسطينيين، ولم يهدف إلى اتعامل مع العقيدة الأمنية تجاه التهديدات الخارجية، وليس في الفترات التي سبقت اتفاقيات أوسلو، بل إنه اختار الضفة الغربية كحالة اختبار، وأجرى مقابلات مع القادة العسكريين المنخرطين بهذه المسألة الميدانية، أهمهم: رئيس الوزراء، ومستشاره الأمني، ووزير الحرب، رئيس مجلس الأمن القومي.
سلّطت هذه الشخصيات الضوء على ما حدث خلال فترة وجودهم في مواقع اتخاذ القرار، وما اكتسبوه من خبرات خلال خدمتهم في المؤسستين المدنية والعسكرية، واستعراض للقرارات التي اتخذوها خلال فترة البحث فيما يتعلق بالبيئة الفلسطينية، مع التركيز على العمليات الأحادية الجانب، وتطوير الإجراءات العسكرية ضد المقاومة الفلسطينية.
كشف الكتاب عن جملة من العوامل التي تركت تأثيرها في تشكيل التصور الأمني “الإسرائيلي” تجاه الفلسطينيين، مثل: وسائل الإعلام والمجتمع المدني، منظومة القضاء المحلية والدولية، التطورات التكنولوجية، فضلًا عن البيئة السياسية، وجميعها بعد رصدها معاً مكنت المؤلف من تتبع العلاقة بين عدم استقرار التحالف الحكومي، وعملية تشكيل المفهوم الأمني، ووفقًا للبيانات التي تضمنها الكتاب فقد خرج باستنتاج مفاده أن عدم استقرار التحالف له تأثير كبير جدًا على عملية تشكيل المفهوم الأمني “الإسرائيلي” تجاه المقاومة الفلسطينية.
يعمل المؤلف “تال إلوفيتش” محاضرًا بجامعة تل أبيب، وقبلها وصل في الجيش إلى رتبة نائب لقائد فرقة الضفة الغربية، ومساعد رئيس مشروع الجدار الأمني في القيادة الوسطى، وبعد تحرره من الجيش عمل مستشارًا برلمانيًا في الكنيست، وعدة مناصب نيابة عن حزب العمل.
[1]) المقصود بمفردة “الإرهاب” الواردة في العنوان هي عمليات المقاومة، وبغرض الأمانة العلمية فقد أبقينا على ذات المصطلح الذي نختلف معه كلياً.