عرض كتاب: الربيع العربي بعيون الشباب
عرض كتاب: | الربيع العربي بعيون الشباب |
المؤلف: | رونيت مرزين |
عرض: |
د. عدنان أبو عامر |
الناشر: | دار برديس للنشر وجامعة حيفا |
سنة النشر: | 2021 |
اللغة: | العبرية |
- المقدمة:
لا تعدّ “إسرائيل” “الربيع العربي” منذ انطلاقه أواخر 2010 وبداية 2011 شأنًا عربيًا داخليًا فقط، بل تعدّه”إسرائيلي” بامتياز، باعتباره مفهوم بدا في البداية على أنه شرق أوسط جديد كان في الطريق إلى الإعلان، لكن نضال الشباب والشابات العرب من أجل التحرر من نير الأنظمة الحاكمة، لم يفض إلى التغيير المتوقع والمأمول، وفي النهاية لم تمثل هذه الثورات قصة نجاح، على الأقل وفق القراءة “الإسرائيلية”، في ظل قدرة عدد من الأنظمة على البقاء رغم مرور عقد من الزمن، ونجاح الثورات المضادة في دول أخرى.
هذا الكتاب “الإسرائيلي” لمؤلفته “رونيت مرزين” المحاضرة في تاريخ الشرق الأوسط بجامعة حيفا، خبيرة الشؤون الفلسطينية والعربية، الذي يناقش الثورات العربية ليس الأول من نوعه، فقد ازدحمت المكتبة “الإسرائيلية” بعشرات الكتب والمؤلفات، ومئات الأبحاث وأوراق العمل التي بحثت حيثيات هذه الثورات، وما وراءها، لكنه الكتاب الأول الذي يسعى إلى تفسير ما واكب هذه الثورات من أساليب ووسائل وفعاليات شبابية، ومنها الأعمال الفنية والجداريات وشبكات التواصل الاجتماعي، التي عبر فيها الشباب والشابات بشكل رئيسي في العالم العربي عن أنفسهم وتطلعاتهم.
سعى الكتاب إلى إيجاد مقارنات علمية وميدانية في هذه الوسائل بين الدول التي انتشرت فيها هذه الثورات، وهي: مصر وتونس وسوريا وليبيا واليمن، من خلال بحث أكاديمي خاص استعرض بجهد ميداني لافت ما قال أنها رسومات غرافيتي وجداريات ورسوم كاريكاتورية وموسيقى الراب والأعمال الأدبية والعروض المسرحية والأفلام الوثائقية والمدونات والمواقع الإلكترونية وكثير من المعلومات على الشبكات الاجتماعية.
لم تتوانَ المؤلفة في الاستعانة بشهادات شخصية للثوار الشباب، ومعرفة رؤياهم الثورية المستمدة من دراسة المصادر الفنية والثقافية، وقد حفل الكتاب في نهايته بالمئات من الملاحظات المتعلقة بمصادر المعلومات، وقائمة ببليوغرافية غنية بالكتب والمقالات باللغات العبرية والعربية والإنجليزية، مما جعل الكتاب ذا قيمة مضافة، كونه مصدرًا مهمًا لفهم العملية التاريخية التي اقتحمت التاريخ الإقليمي والعالمي في عام 2011.
- محتويات الكتاب:
جاء الكتاب في 535 صفحة، موزعة على أحد عشر فصلاً، أولها عن الجيل العربي الشاب بين الذخر والعبء، لاسيما تنقله بين أكثر من ثقافة وبيئة وأيديولوجية، وثانيها عن الحاكم العربي من حامي الأمة إلى سارقها، كما يقدم الكتاب استعراضًا سريعًا لأبرز السلوكيات السياسية والسلطوية التي اتسمت بها أنظمة الحكم العربية التي شهدت اندلاع الثورات ضدها، وثالثها الموت من الخوف، من خلال ما مارسته تلك الأنظمة من أساليب تسلط وسطوة على مواطنيها، ورابعها الاستيقاظ من الخيبة، المتمثلة برغبة الأجيال العربية الشابة بالتخلص من هذا الإرث الثقيل الذي رافقها طيلة العقود الخمسة الماضية التي سبقت اندلاع الربيع العربي.
ركز الفصل الخامس على حرب الشوارع، وما اصطلح على تسمياتها بثورات ميادين التحرير، وخروج مئات آلاف الشبان العرب للمطالبة بحقوقهم، واصطدامهم بقوات الأمن والمخبرين والشبيحة والعواينية والبلطجية، وسادسها الغضب على التحالف الثلاثي المقصود به تحالف المال بالسلطة والدول الغربية التي تمنح الغطاء لهذه الأنظمة التسلطية، وسابعها كسر حاجز الخوف عقب الوصول إلى نقطة الصفر التي تمثلت في كل بلد بنموذج منفرد.
جاء الفصل الثامن بعنوان حب الوطن المتمثل بالتقاء الثائرين العرب على كلمة الوطن، وإذابة الخلافات الأيديولوجية بينهم إلى حين التخلص من النظام الحاكم، وشيوع شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، وتاسعها كيف تكون عربيًا من خلال السعي إلى الحصول على نظام يمثل جماهيره العريضة وليس مفروضًا عليهم، إما بقوة العسكر أو بإرادة الأجنبي، وعاشرها الثورة التي أخذت أشكالا شتى في عدد من بلدان الربيع العربي، فمنها من احتفظ بطابعه السلمي، وآخرها ذهب نحو العسكرة والقتال، والفصل الأخير جاء بعنوان الثورة مستمرة، لاسيما عقب نجاح الثورات المضادة في أكثر من بلد عربي.
انشغلت المؤلفة بتحليل عوامل تفجير الشباب العربي لثوراتهم قبل أكثر من عقد من الزمن، أهمها كسر مشاعر الخوف والحزن والعار، وتفاقم مشاعر الغضب والكراهية والرغبة في الانتقام التي يشعر بها الثوار من حكامهم وأنظمتهم القمعية، وهو عُبر عنه في السياقات الاجتماعية والثقافية، حيث انبثقت فسيفساء غنية وأصيلة من الدراما بين الأجيال الشبابية التي حدثت في بلدان الثورات العربية.
يذهب الكتاب إلى تحليل متعدد التخصصات للكتابة على الجدران، واللوحات الجدارية، والرسوم المتحركة، وموسيقى الرّاب، والأعمال الأدبية، والعروض المسرحية، والأفلام الوثائقية، ومقاطع الفيديو على اليوتيوب، والمدونات، والتواصل على الشبكات الاجتماعية والشهادات الشخصية للثوار.
في الوقت ذاته، يسمح عالم الإعلام ومجال الفنون بجميع أنواعه للجيل الشاب بالتعبير عن مشاعره من خلال الوسائل المرئية والمسموعة والنصية، فلم يعد يعيش في مجتمع راسخ حول الخوف والخضوع والسلبية، بل قادر على تحقيق نفسها، وبناء مجتمع قائم على الاحترام والاستقلال والحرية والتضامن.
- الجداريات والمرئيات:
يجتهد الكتاب في تجميع ما قال إنه العوامل الديموغرافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي اجتمعت معاً، وتسببت في اندلاع الجماهير نحو ميادين التحرير العربية، لاسيما الأجيال الشابة منها، التي استعانت بالتطور التكنولوجي والثورة السمعية البصرية التي حدثت في الثلث الأخير من القرن العشرين، وشكلت مصادر غير لفظية جديدة، بجانب الصور المرئية والوسائل الصوتية، بما فيها اللوحات الجدارية والأفلام اليدوية والأغاني والشعارات التي وفرت للمؤلفة مصدرًا أوليًا ملموسًا يوثق تطلعات ومشاعر وأفكار هذا الجيل العربي الشاب الذي شقّ طريقه في الفضاء العام.
اعتمد الكتاب على تحليل لغوي ودلالي ومصطلحي ومفاهيمي ورسمي للشعارات التي أثيرت في الانتفاضات العربية، وتمثيلات بصرية ظهرت في صور فوتوغرافية وجداريات وكتابات على الجدران وصفحات فيسبوك للثوار الشباب، كما تعامل مع اقتباسات مختارة من الأعمال الأدبية والفنية التي وثقت مشاعر الجماهير تجاه الحكام.
عدَّ الكتاب انتفاضات “الربيع العربي” مسؤولة عن الانطلاقة الحقيقية لنضالات الشباب والشابات العرب من أجل التحرر من النظام الأبوي والأعراف الاجتماعية والثقافية المفروضة عليهم من قبل من وصفهم “الأب البيولوجي والأب القومي وزوج الأم الغربي”، ويفتح نافذة على مشاعر الغضب والكراهية ضمن باقي السياقات الاجتماعية والثقافية.
لم ينشغل الكتاب كثيرا فيما انشغلت فيه كتب “إسرائيلية” أخرى بحثت الأسباب السياسية والعوامل الأمنية للثورات العربية، بقدر ما ركّز البحث على تحليل متعدد التخصصات في الوسائل الفنية والسمعية والبصرية والنصية، لأن عالم الاتصال ومجال الفنون بجميع أنواعه سمح لجيل الشباب بالتعبير عن مشاعرهم من خلال هذه الوسائل، التي عبرت عن حقيقة جديدة مفادها أنه لم يعد “جيل ينتظر” يعيش في مجتمع قائم على الخوف والخضوع والسلبية، بل جيل قادر على تحقيق نفسه وبناء مجتمع قائم على الاحترام والاستقلال والحرية والتكافل.
- الرأي العام:
في ذات الوقت الذي ركز فيه الكتاب على الأدوات الفنية الحديثة للثورات العربية، فقد حاز جزء منه على تأثير الربيع العربي على الرأي العام العربي، من خلال النظر إلى هذه الثورات على أنها جزء من موجات تاريخية شهدتها المنطقة، وعلى فترات زمنية محددة، بدءًا بعامي 1990-1991 بعد غزو العراق للكويت؛ مرورًا بسنوات 2001-2003 عقب هجمات سبتمبر، والموجة القوية المفاجئة من التعاطف الشعبي القوي بين العرب والمسلمين للمنظمات الجهادية، وصولًا إلى اندلاع انتفاضة الأقصى بين الفلسطينيين، وانتهاءً بأحداث 2010-2011 عندما أطاحت الانتفاضات الجماهيرية بعدد من زعماء المنطقة، على غير المتوقع.
سعى الكتاب إلى وضع اليد على الأسباب التي دفعت بالشباب العربي إلى استبدال “بندول” الاسترخاء بأقراص الصحوة والثورة في ميادين التحرير، مع العلم أن أولوياتهم تركزت أولاً في الأمور الشخصية العملية مثل الأسرة والدخل والصحة والتوظيف والتعليم، وليس القضايا السياسية، وفق البيانات التجريبية الناجمة عن الدراسات الاستقصائية التي أجريت في الأعوام التي تلت اندلاع الثورات العربية مع مشاركين من مختلف الدول العربية.
ربطت المؤلفة أسوة بسواها من زملائها الباحثين “الإسرائيليين” بين الثورات العربية التي اندلعت في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وبداية العقد الثاني، وتلك الانتفاضات العنيفة التي شهدتها عقود الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، حين انهارت سلسلة من الملكيات العربية الوراثية: مصر 1952، والعراق 1958، واليمن 1962، وليبيا 1969، لكن منذ ذلك الحين ظهرت الأنظمة الملكية العربية أكثر نجاحًا من باقي الأنظمة الاستبدادية، ولذلك ظهر مثلا أن الربيع العربي الحالي لم يمسّ إلا بشكل طفيف ممالك الخليج الست، بجانب الأردن والمغرب.
من المعطيات التي توقف عندها الكتاب ما أسماه “إرث” الربيع العربي المتعلق بالرأي العام العربي تجاه “إسرائيل”، بزعم أن تغييرًا كبيرًا حصل في افتراض الدول العربية بأن “إسرائيل” تعدُّ أخطر تهديد في الشرق الأوسط، وبدلاً من ذلك، على حد التوصيف “الإسرائيلي”، تدرك معظم الدول العربية الآن أن التهديد الأكثر خطورة تشكله إيران ووكلاؤها وحلفاؤها على المنطقة، ولهذا السبب، ازداد استعدادهم للتطبيع مع “إسرائيل”، ولعل هذا التغيير في الرأي العام العربي هو أحد الدوافع للتغييرات التي تبدو مفاجئة في سياسة الحكومة والديناميكيات الإقليمية، ورغم استمرار غالبية الجمهور العربي رافضاً لإقامة علاقات مع “إسرائيل”، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك أن الجمهور المصري، الذي أقام رسميًا علاقات سلمية مع “إسرائيل” لأكثر من أربعين عامًا، لكن التقارير الإعلامية والأحداث القصصية تظهر أن معظم المصريين ما زالوا لا يحبون “إسرائيل”، وتؤكد استطلاعات الرأي، أن معظمهم لا يدعمون علاقة معها.
- الخاتمة:
يصدر هذا الكتاب في الوقت الذي تشهد فيه بلدان الثورات العربية حالة من الانتكاسات الداخلية، مما يشكل خبرًا سعيدًا ل”إسرائيل”، بعد أن شكل انطلاقها مصدر قلق حقيقي عليها، لأن هذه الثورات سعت إلى التخلص من “الأوبئة” الاجتماعية والسياسية في بلدانها، وأثبتت هذه الثورات أن الثقافة السياسية في العالم العربي موجودة إلى حد كبير، وهي حقيقة واقعة، ما يعني فشل الأنظمة الاستبدادية طوال العقود الماضية في إلغائها وتغييبها، وهو الواقع الآسن الذي استفادت منه “إسرائيل” أيما استفادة.
صحيح أن أسباب الانتفاضات العربية اختلفت من بلد إلى آخر، مما يعني أن نتائجها اختلفت عن بعضها البعض، وفقاً للمميزات الأساسية لكل مجتمع عربي، لكنها اشتركت كلها في نتيجة قائمة وهي أنها واجهت صعوبات كبيرة، وتحديات على الطريق نحو ديمقراطية مستقرة ممكنة في المستقبل القريب، لكنها لم تتحقق لأسباب كثيرة داخلية وخارجية، شكلت في مجموعها تطورًا إيجابيًا لصالح “إسرائيل” التي تدرك تمامًا أن نشوء نظام ديمقراطي حولها ليس في صالحها.