مراجعات كتب

عرض كتاب “الذات الاستعمارية: البيت والتشرد في فلسطين/ إسرائيل”

محمد دار خليل

 

العنوان الأصلي “The Colonizing Self: or Homes and Homelessness in Israel/Palestine

المؤلف: هاغار كوتيف [1] 

الناشر: جامعة ديوك/ كارولينا الشمالية، الولايات المتحدة الأمريكية

سنة النشر: 2020

تحاول “هاغار كوتيف” النظر إلى الصراع القائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، من زاوية الطريقة التي تُبنى بها البيوت في “إسرائيل” منذ عقود، وما تحتويه من تفاصيل. فالبيوت، حسب وجهة نظر الكاتبة، لم تبنَ بمنأى عن حالات العنف القائمة، ولا بمعزل عن الهوية التي يرى فيها الإسرائيلي نفسه. قد يبدو هذا المدخل لرؤية الصراع فريدا، إلا أنه مثير للاهتمام. ترى “كوتيف” أن البيت، لا يمكن النظر إليه كموقع فيزيائي فقط، بل هو تمثيل للنظام الاجتماعي، وما تحمله التفصيلات الهوياتية وانعكاساتها المحسوسة. ويدور كتاب “كوتيف” حول فهم الأدوات الثقافية والسياسية والنظرية، التي تمكّن الأفراد والأمم من بناء بيوت على حطام بيوت الآخرين؛ من أجل الإحساس بانتمائهم للمساحات التي طُرد منها سكانها، أو لتطوير مرافق لمواقع تحولت إلى مواقع للعنف.

 والانتماء بالنسبة للاحتلال الذي تعرّفه “كوتيف”، هو الانتماء الذي يأتي عبر الاستيطان لإنتاج منظومة من العلاقة بين الهوية المشتركة من جهة، وبين العنف المؤسساتي والبشري والدولاني (أي الموجهة من قبل الدولة) من جهة أخرى. تخلص الكاتبة إلى أن ما وراء المجتمع الإسرائيلي، هناك صيغ ذاتية استيطانية قائمة على التطهير العرقي، ويتمثل ذلك في طبيعة تصميم البيوت، التي لا تنفصل أبدا عن الانعكاسات العنفية. ووفقا للمعطيات القانونية في “إسرائيل”، تخلص الكاتبة إلى أن التدمير في حق الفلسطينيين، هو إجراء دستوري، بمعنى أن الإسرائيليين استثمروا، وبشكل مكثف، في التدمير بطرق مختلفة، إضافة إلى الاستمرار على تأكيده وتبنيه في الـوسط الإسرائيلي، بدلا من إنكاره!

من المثير للاهتمام ما تصرح به الكاتبة استنادا إلى نظرتها المعمقة لأشكال الاستيطان في دولة الاحتلال، إذ ترفض حصر تصنيف “المستوطن” في المستوطنين الإسرائيليين في مناطق الضفة الغربية، بل تشمل به الإسرائيليين كافة، كمسألة اجتماعية وفردية ذاتية متجذرة في المجتمع والثقافة.

تحدد الكتابة ثلاثة أنواع من البيوت التي تمثل صيغ الجغرافيات السكانية العنفية[2]. النوع الأول هو بيوت المستوطنين في الضفة الغربية، وهو أبرز الأشكال عنفية، كما أنه نموذج للمساحة التي تم طرد سكانها منها كأهالٍ أصليين في القرى، واستبدالهم بالمستوطنين، وفيها توجد المزارع العضوية الإسرائيلية[3]. النوع الثاني، هو البيوت الفلسطينية التي يسكنها اليهود الإسرائيليون. أما النوع الثالث، فهو البيت الذي يشيع في النظرية السياسية، وينطبق عليه مفهوم جون لوك للملكية. حيث يرى لوك أن حق الملكية لا ينفصل عن الحق في الحياة والحرية. الكاتبة استندت لنظرية لوك لتفسير العلاقة بين النظام الإمبريالي والاستيطان. فحسب قراءة الكاتبة لنظرية لوك فإن فهم الدافع التوسعي يضع حجر الأساس لتحليل الاستعمار الاستيطاني. علاوة على ذلك، فإن الأسرة أو البيت يمكن أن تتجسد كوحدة لصنع الممتلكات  وأداة من أدوات التوسع، ومن أدوات التوسع  أيضا الزراعة، كما هو الحال مع الزراعة العضوية في الضفة الغربية.

يتألف الكتاب من ثلاثة فصول رئيسة تشمل ستة أقسام قصيرة. يتبنى الكاتب طريقة التقديم لكل فصل قبل البدء به، تشمل تلك المقدمة القصيرة القضية الرئيسة التي يناقشها الفصل، مع طرح التساؤلات المتعلقة بها. وبالتأكيد، يناقش الكاتب الإطار النظري المستخدم كأرضية لمعالجة تساؤلات الكتاب المختلفة، وأبرزها سؤال العلاقة ما بين العنف والهوية.

يحمل الفصل الأول عنوان “البيوت”، ويُبنى على فكرة المصادرة، أي “التدمير”، لممتلكات الآخرين، مستعينا بالنظريات المختلفة التي تستطيع تفسير الظاهرة ضمن سياقات مختلفة، ومن ضمنها السياقات السياسية، كالاعتماد على نظرية لوك المرتبطة بالملكية الفردية.

في الفصل الثاني، وبعنوان “الآثار”، تركز الكاتبة على الهويات التي تتشكل عند شعور الفرد بالانتماء إلى ماضٍ مشبع بالعنف، مركزةً على الإسرائيليين اليهود الذين أقاموا بيوتهم على أنقاض البيوت الفلسطينية المهجرة، حيث تساهم الفقرة في تطوير نموذج “المرفقات الجرحية”[4] للعنف المنبثق عن الانتماء السياسي. يجادل الكاتب في هذا الفصل أن أولئك الذين يعيشون على خراب الآخرين، غالبا لا ينظرون لحياتهم، ويعيشونها كعنفيين. كما يقدم هذا الفصل خريطة ظواهر لنماذج العنف[5]؛ ليفصلها عن نماذج العنف الأخرى.

أما في الفصل الثالث بعنوان “الاستيطان”، فينتقل الكاتب من النظر إلى الاستيطان كقضية متجذرة في الذاتية الإسرائيلية، ومنعكسة على تفاصيل الوجود الإسرائيلي، إلى قضية الاستيطان في الضفة الغربية، حيث يستعرض قصة نوعين من البيوت، أو التجمعات السكانية الاستيطانية في الضفة الغربية، كلاهما يشمل آليات لإنتاج الغذاء. ومن خلال التركيز على مستوطنة نائية في الضفة الغربية، تدعى “غيفعات علام”، تقوم الكاتبة بتحليل عملية الصناعة البيتية في بيوت المستوطنة، حيث يمثل ذلك سببا للعنف والمصادرة كممارساتٍ مستمرة، فمن أجل تعزيز وحماية ما تنتجه البيوت في تلك المستوطنات، يتم اتباع سياسات استيطانية، كالاستيلاء على الأراضي. وتصنف الكاتبة هذه الإجراءات ضمن إطار العنف الذي تعمل على طرحه في كتابها. في هذا السياق، تعتبر مستوطنة “غيفعات علام”، المستوطنة الأولى لحراك استيطاني غالبا ما يطلق عليه اسم “شبيبة قمة التل”، وهو حراك يهدف إلى الاستيلاء على المزيد من الأراضي، من خلال بناء مواقع غير قانونية خارج المستوطنات القائمة. وتعتبر مستوطنة “غفعات علام”، على سبيل المثال، المزرعة العضوية[6] الأكبر في “إسرائيل”، والمزود الأكبر للبيض العضوي في أنحاء الدولة.

وتتبلور القصة الثانية حول قرية “يانون”، وهي قرية فلسطينية مهجرة بالكامل، نتيجة للتحرشات المستمرة والهجمات الشديدة، التي تعرض لها الفلسطينيون من قبل مستوطني مستوطنة “غفعات علام”.

يبدو أن الكاتبة، ومن خلال مناقشتها للوجود الاستيطاني لـ “غفعات علام”، كمثال على تجمع استيطاني متطرف، وما يتبع وجودها من معالم وممارسات للعنف، تريد التأكيد على أن هذا النوع من التجمعات الاستيطانية، بما فيها من بيوت، ما هو إلا أداة مستخدمة في سياق مخطط إثني، وهكذا تقوم “هاغر غوتيف” بالتدليل على أطروحتها حول النسق المتكامل للاستيطان، والمتجذر في الذاتية الإسرائيلية الصهيونية، أي أن التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، يرتبط بالمشروع الصهيوني، وبالإرادة السياسية الصهيونية.

[1]“هاغار كوتيف” هي أستاذ مساعد في النظرية السياسية والفكر السياسي المقارن في جامعة لندن، ومؤلفة للعديد من الأعمال، أبرزها كتاب “الحركة ونظام الحرية: الحوكمة الليبرالية للحراك الاجتماعي”.

[2] تنظر الكاتبة للعنف في سياق ما تسميه “أنظمة الجرح” التي سبقت نظام الملكية المفروض، والذي يرافقه مضامين امبريالية، واستعباد، وحتى طبقية، للدرجة التي لا يمكن فيها الفصل بينهما، أي النظام وأشكال الامبريالية.

[3] مثل مزارع الدواجن.

[4] “Model of Wounded Attachments” تقصد الكاتبة بالمرفقات الجرحية: الجروح والتخريب الذي رافق عملية تهجير البيوت الفلسطينية، والاستيلاء عليها من قبل اليهود الإسرائيليين.

[5] كالهدم وإعادة البناء للبيوت المهجرة، تعتبرها الكاتبة أشكالا من العنف تختلف عن العنف الموجه ضد البيوت الفلسطينية المسكونة.

[6] نمط من الزراعة النباتية والحيوانية لا يسمح به استخدام المركبات المصنعة مثل الأسمدة الكيميائية والهرمونات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى