عدنان البرش

وُلد عدنان أحمد عطية البرش في بلدة “جباليا البلد” شمال قطاع غزة في السابع عشر من أيلول/ سبتمبر عام 1974، وهو متزوج وله خمسة ذكور وبنت. درس المرحلة الأساسية في مدرستي الرفاعي للبنين، وحليمة السعدية، ودرس المرحلة الثانوية في مدرسة حليمة السعدية، وحصل منها على الثانوية العامة في الفرع العلمي عام 1992، ونال درجة البكالوريوس في الطب العام من جامعة يانش في رومانيا عام 1999، وعاد إلى قطاع غزة، وواصل التقدم في تخصص جراحة العظام والمفاصل، وحصل على البورد العربي في الجراحة العامة – دمشق عام 2006، والبورد الأردني في جراحة العظام والمفاصل عام 2008، والبورد الفلسطيني في جراحة العظام والمفاصل عام 2010، والزمالة البريطانية في جراحة الكسور المعقدة من كينجز كوليدج لندن King’s College London عام 2013، ونال درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة الأزهر غزة عام 2017.
شغل عدة مواقع مهمة في مجال الطب، فكان رئيس قسم جراحة العظام في مستشفى الشفاء الطبي منذ عام 2010، ورئيس لجنة العظام في المجلس الطبي الفلسطيني، ورئيس الدائرة الطبية في الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، كما كان محكمًا وخبيرًا طبيًا معتمدًا في وزارة العدل الفلسطينية، ومدربًا معتمدًا في جمعية الجراحين الأمريكية (ATLAS)، وبرز باعتباره أحد أهم جراحي العظام في قطاع غزة.
ساهم في تطوير قسم العظام في مستشفى الشفاء، ونجح في تقليص عمليات بتر أطراف المصابين خلال الحروب، كما ساهم في إدخال جهاز منظار لمستشفى الشفاء، وأجرى به عمليات معقّدة لترميم الرباط الصليبي، وأشرف على تدريب الكوادر الطبية الشابة، وكان مرجعًا مهنيًا للعديد من الأطباء في القطاع.
كان يعالج الفقراء مجانًا، ويوفر الدواء للأطفال والمحتاجين من ماله الخاص، ويُعامل مرضاه كما لو كانوا من أهله، ورفض أي مظاهر للفساد المهني، وكان دقيقًا في تقاريره الطبية، وعادلًا في تحويلاته الطبية، وقد تركز حلمه الأخير في تأسيس مستشفى فلسطيني متخصص بالعظام والأطراف الصناعية، يخدم به أبناء شعبه ويوفر عليهم عناء التحويلات والسفر للخارج.
عُرف عنه أنَّه كان من أوائل من يتواجدون في المستشفى عند إعلان أي تصعيد يقوم به الاحتلال ضد قطاع غزة، وبرز دوره بشكل كبير منذ بداية حرب الإبادة الجماعية التي شنَّها الاحتلال على قطاع غزة في تشرين أول/ أكتوبر عام 2023، فكان من أوائل الأطباء الذين التحقوا بالمستشفيات، حيث أدار قسم العظام في مجمع الشفاء الطبي، ووضع خطة طوارئ شاملة لتوزيع المهام الطبية في ظل الحرب.
عانى البرش من الاحتلال، خصوصًا أثناء الحرب، حيث حاصرت قوات الاحتلال مستشفى الشفاء في منتصف تشرين أول/ نوفمبر عام 2023، واقتحمته، ودمّرت مبانيه ومعداته، وأجبرت الطواقم الطبية والمرضى والنازحين على الخروج نحو جنوب القطاع، فاتجهت أغلب الطواقم الطبية جنوبًا، لكنَّه قرر البقاء في شمال قطاع غزة، ورفضت عائلته المغادرة بدونه.
انتقل للعمل في المستشفى الأندونيسي، حيث أصيب بجراح نتيجة قصف الاحتلال للمستشفى أثناء قيامه بإجراء عملية جراحية لأحد المرضى، وجرى علاجه وسط الظلام بسبب قطع الاحتلال للكهرباء، وقد أجبر الاحتلال كل من في المستشفى على إخلائها، ثمَّ انتقل إلى مستشفى كمال عدوان، ثم اضطر لاحقاً للانتقال إلى مستشفى العودة في منطقة تل الزعتر، حيث اعتقله جيش الاحتلال في الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر عام 2023، وتم اقتياده إلى مركز تحقيق “كيشون” (الجلمة) شمال فلسطين، حيث تعرّض لتعذيب نفسي وجسدي شديدين، ونقل بعدها إلى سجن “سيدي تيمان” سيء السمعة، وبقي يتعرض لأصناف متعددة من العذاب المتواصل في الليل والنهار، ثم نُقل إلى سجن “عوفر” قرب مدينة بيتونيا في التاسع عشر من نيسان/ إبريل عام 2024، وكان مقيد اليدين إلى الخلف والرجلين بأصفاد حديدية، وأُجبر على السير مسافة تُقدّر بـ350 متراً من بوابة السجن إلى باب قسم 23، وخلال المسير انهال عليه جنود الاحتلال بالضرب المبرح، إلى أن وصل مدخل القسم، حيث سأله أحد سجاني الاحتلال عن هويته، فأجاب: “أنا الدكتور”، فقاموا بإطلاق كلب بوليسي عليه، أعقبه ضرب عنيف متكرر، وطلب منه السجان أن يركع لفك الأصفاد الحديدية عن قدميه تمهيدًا لصعوده إلى الزنزانة في الطابق الثاني، فجلس على ركبتيه، وفي هذه اللحظة، اقترب منه أحد السجانين، ورفع سلسلة القدمين إلى الأعلى بقوة، ما أدى إلى سقوط رأسه على الأرض بعنف، وبدأ يفقد الوعي، وركله سجان آخر من الخلف طالبًا منه الوقوف، لكنه لم يكن قادر على الحراك، واستُدعي اثنان من الأسرى لحمله، وصعدوا به إلى الزنزانة، حيث تُرك أرضًا وبمجرد إغلاق الباب، سقط مغشيًا عليه، ولم يتحرك بعدها، وقد طالب الأسرى بإحضار طبيب، لكن الاحتلال لم يستجب إلا بعد نحو 20 دقيقة، وعندما وصل الممرض(سجَّان) إلى الزنزانة، كان البرش قد ارتقى شهيدًا، ورغم مطالبات مؤسسات محلية ودولية ومحامين وحقوقيين للاحتلال بضرورة تسليم جثمانه لأهله، إلا أنَّه رفض ذلك.
لقد سطَّر البرش في حياته سيرة طبيب وإنسان، وظلّ يؤدي واجبه المهني والوطني حتى اللحظة الأخيرة من حياته، ليُخلَّد في ذاكرة شعبه كأحد أبرز أطباء غزة الذين وهبوا حياتهم للناس والمهنة.