ضم الأراضي الفلسطينية: المواقف المختلفة من منظور إسرائيلي
لتحميل الملف اضغط هنا
الكاتب : صلاح الدين العواودة
مقدمة
ترصد هذه الورقة دوافع ما أعلنه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، عن نيته فرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية، وذلك لدى أداء حكومته للقسم في السادس والعشرين من أيار/ مايو 2020، والبدائل المطروحة أمامه بهذا الشأن، من حيث مساحة الأراضي المنوي ضمها، وموقعها الجغرافي، وموقعها من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المسماة صفقة القرن. كما ترصد الورقة مجمل الآراء حول الضم في الساحة الإسرائيلية نفسها، ما بين المستوى السياسي بانقساماته، والأمني بمؤسساته، وحتى المؤسسات البحثية ومراكز الفكر. وتحاول الورقة أيضا الوقوف على مواقف الأطراف المختلفة، الدولية والعربية والفلسطينية، وهو ما يمكّن من فهم أوضح وأشمل لمشروع الضم، والتداعيات المترتبة عليه محليًا ودوليًا، كل ذلك من زاوية النظر الإسرائيلية.
جاء مشروع الضم من دوافع سياسية وأيديولوجية، قائمة على ادعاءات تاريخية من وجهة نظر نتنياهو، واليمين الصهيوني عمومًا، ولا سيما الصهيونية الدينية. أما استراتيجيًا، ووفقا للخبراء في المجال الأمني والاستراتيجي، أمثال الجنرال المتقاعد عاموس ييدلين، رئيس مركز دراسات الأمن القومي، والجنرال المتقاعد عاموس جلعاد، رئيس منتدى هرتسيليا، فإن الضم لن يقدم لـ “إسرائيل” شيئًا، بل سوف يتسبب بحدوث أضرار واضحة لها (ا. ديكل 2020).
ووفقا لما نشر في الإعلام العبري، وما تم نقاشه في المنتديات ومراكز الدراسات، فإن احتمالات الضم والبدائل المطروحة، هي كالتالي:
- الخيار الأول: إما ضم المساحة المبنية فقط من المستوطنات في الكتل الكبرى، والتي تبلغ أقل من 4% من الضفة، أو ضم كل المستوطنات مع الأراضي التابعة لها، والتي تبلغ مساحتها حوالي 10% من مساحة الضفة.
- الخيار الثاني: ضم الكتل الاستيطانية، وأغلبها تقع غرب الجدار، وتبلغ مساحتها أيضا حوالي 10% من مساحة الضفة، وهو خيار يحظى بإجماع واسع لدى الإسرائيليين.
- الخيار الثالث: ضم غور الأردن، والذي تشكل مساحته حوالي 17% من مساحة الضفة الغربية.
- الخيار الرابع: ضم جميع المناطق التي نصت عليها خطة ترامب، وهي نصف منطقة “ج” التي تشكل مساحتها 30% من الضفة الغربية، وهي تشمل غور الأردن (17%)، والمستوطنات الكبرى (10%)، والمستوطنات المعزولة (3%).
- الخيار الخامس: ضم كل المناطق المصنفة “ج”، والتي تبلغ مساحتها حوالي 60% من الضفة الغربية، وهي مناطق خاضعة للسيطرة الأمنية الكاملة للاحتلال (ديكل، موران-جلعاد و كورتس 2020).
ووفقا للعقيد احتياط داني تيرزا، هناك خيارات أخرى يتم نقاشها في أروقة الحكومة الإسرائيلية، مثل ضم غور الأردن وشمال البحر الميت، وهي منطقة تضم 30 مستوطنة، وتبلغ مساحتها حوالي 21.8% من مساحة الضفة، وفيها حوالي 3% من مستوطني الضفة، وبضعة آلاف من الفلسطينيين. (ا. ديكل 2020)
وهناك أيضا الخطة المسماة خارطة إييلت شكيد، والتي تشمل غور الأردن ومستوطنات معاليه أدوميم وغوش عتسيون وجفعات زئيف وعوفرا، وتبلغ مساحتها حوالي 24% من مساحة الضفة الغربية، وهي تشمل 70% من المستوطنين في الضفة الغربية. (ا. ديكل 2020)
وهناك أيضا ما يسمى خارطة ما بعد اللقاء مع ترامب، وتضم غور الأردن والمستوطنات المعزولة كلها، والتي تبلغ مساحتها حوالي 20% من مساحة الضفة، ولا تشمل الطرق والمناطق المحيطة بالمستوطنات، ولا تعترف بالكتل الاستيطانية، وإنما تضم كل مستوطنة على حدة، ولكن لا مستقبل لهذه الخارطة حسب العقيد تيرزا. (ا. ديكل 2020)
المواقف الإسرائيلية من الضم
بعيدًا عن ترجيح أي خيار، هناك تباينات في المواقف والتفسيرات الإسرائيلية حول مبدأ الضم، ودوافعه، حيث تتراوح بين التأييد والمعارضة والتحذير، وأحيانا داخل الحزب الواحد.
يقول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إن المطلوب هو تغيير قواعد اللعب، حيث كانت هذه القواعد من وجهة نظره، تتلخص في أن “إسرائيل” هي التي تتنازل، بينما اليوم اقتنع ترامب بأن مَن يجب عليه أن يتنازل هم الفلسطينيون.
في المقابل، حذرت المؤسسة الأمنية، وخاصة الجيش والمخابرات “الشاباك”، من خطورة الخطوة على الأوضاع في الضفة الغربية من ناحية، وعلى العلاقة مع الأردن من ناحية أخرى.
أما حزب “كحول لافان” (أزرق أبيض)، وهو أحد أحزاب الائتلاف الحكومي، فهو منقسم على نفسه. فبعض قيادات الحزب ترى أنهم لا يستطيعون منع الضم، وأن القرار بيد نتنياهو. بينما يعارض الضم قيادات أخرى من نفس الحزب، مثل الوزير إيتسيك شمولي والوزير ميخال بيتون. ونقل الصحفي زئيف كام عن بعض قيادات الحزب قولهم إن المعارضة للضم شيء، والقدرة على منعه شيء آخر. وكان الوزير أساف زمير من نفس الحزب، قد قال إنه ضد فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق من الضفة الغربية، لأنها تعرّض يهودية الدولة وديمقراطيتها للخطر، حسب رأيه، وتعهد بمعارضة مثل هذه القرارات (كام 2020).
وفي موقف مغاير للجميع، فإن مجلس المستوطنات وتيارات اليمين من الصهيونية الدينية، يرفضون خطة ترامب لأنها تشمل دولة فلسطينية، ويطالبون بالضم ولكن دون التنسيق مع الأمريكيين، ودون الالتزام بخطة ترامب.
وعلى صعيد مراكز الدراسات والأبحاث، يرى مركز دراسات الأمن القومي، وعلى لسان مديره العميد المتقاعد أودي ديكل، أن الضم هو حدث ذو دلالات استراتيجية، وأنه يغير قواعد اللعب والظروف المساعدة له، وأـن الفرصة التاريخية هي وجود إدارة أمريكية موالية وداعمة، في ظل ضعف الفلسطينيين وانقسامهم، وانشغال الأنظمة العربية بنزاعاتها الخاصة، وانشغال العالم بأزمة الكورونا والمشاكل الاقتصادية.
وفي ورشة على الهواء عقدها المركز بتاريخ 31/5/2020، تحدثت العقيد احتياط بنينا شربيت باروخ، عن أهداف الضم، وقالت إن هناك مصطلحات مختلفة، وهي الضم، وفرض السيادة، وفرض القانون الإسرائيلي. وقالت إن الضم وفرض السيادة لا يختلفان إلا في الشعور، فالضم يبدو كجريمة، وفرض السيادة يبدو كاستعادة حق، أما فرض القانون فيعني أن الأرض ليست لنا، وأننا على طريق الاستيلاء عليها، وفرض القانون لتمييزها عن المحيط الذي يخضع للحكم العسكري، فيخضع المستوطنون فيه للقانون الإسرائيلي، مع الفصل بين القوانين المتعلقة بالأشخاص، وهي أصلًا مطبقة، وبين ما يخضع للحكم العسكري، وهي القضايا الإدارية كالأراضي والبناء والبنى التحتية. كما أن فرض القانون يحول دون التنازل عن الأرض، ويصعب على أي حكومة لاحقا الانسحاب منها. ووفقا للقانون، فإن أي تنازل عنه يستلزم استفتاء شعبيًا، أو موافقة 80 عضو كنيست. إذن فهذه الخطوة، حسب بنينا شربيت باروخ، لا تغير في الواقع شيئًا جوهريًا، والهدف منها هو وضع عقبات أمام الحل. ومن ناحية العالم، فإن الضم غير قانوني، والإجراءات الإسرائيلية الأحادية غير معترف بها، مثل ما فعلت “إسرائيل” في شرقي القدس (ا. ديكل 2020).
وتحدثت الباحثة في المركز د. ميخال حتوئيل قادوشيتسكي، عن الجاليات اليهودية في العالم، وقالت إن هذه الجاليات لا تستطيع أن تعمل وفق أجندات حزبية، يمينية ويسارية، كما في “إسرائيل”، وهو ما قد يجعل بعضها يؤيد الضم، وبعضها يرفضه، وبعضها يرفضه بشدة. ولكن عموما ترفض هذه الجاليات فكرة الضم، وذلك، كما يبدو، ليسهل عليها مواجهة حركة المقاطعة BDS. (ا. ديكل 2020)
أما المعهد الإسرائيلي للديموقراطية، فقد قالت البروفيسور تامار هيرمان من باحثي المعهد، إن الجمهور الصهيوني غير مهتم بالضم. فوفقا لاستطلاع رأي أجراه المركز، فإن حوالي 30% من المستطلعة آراؤهم، ليس لهم موقف من الضم، وأن حوالي 70% من المؤيدين للضم هم من أحزاب اليمين، و 30% من أحزاب الوسط والمركز. (ا. ديكل 2020)
وعلى صعيد منتدى هرتسيليا، قال رئيس المنتدى عاموس جلعاد، إن الوضع الأمني اليوم لإسرائيل يعتبر في أفضل حالاته، وبشكل غير مسبوق، فالحدود آمنة حتى مع العراق وليس فقط مع الأردن، وتم نقل السفارة إلى شرقي القدس ولم يحصل شيء. ولكن الضم، كما يقول، يلغي مبرر وجود السلطة، ويفتح جبهات يرى أن “إسرائيل” في غنى عنها، وأنه عمليًا لن يخدم “إسرائيل” بشيء، ولا يوجد أي إيجابية فيه، بل إنه سيقضي على فكرة حل الدولتين، وعلى “إسرائيل” الديموقراطية اليهودية. وقال إن الرهان على فوز ترامب، هو مثل المقامرة في كازينو، حيث تلقي قطعة مقامرة ولا تعرف النتيجة. وأكد أن فكرة الضم هي فكرة سياسية حزبية خاصة لنتنياهو، تستغل التاريخ، لكن لا يوجد فيها أي منطق عقلاني. وحذر عاموس جلعاد من أن هناك من يتوهم أن الدول العربية ستوقع اتفاق سلام مع “إسرائيل” من وراء الفلسطينيين. (ا. ديكل 2020)
أما مركز بيغن/ سادات، فقد قال اللواء المتقاعد جرشون هكوهين، الباحث في المركز، إن “إسرائيل” على مفترق طرق، وإنه يجب تغيير الاتجاه، فهناك فرصة تاريخية لإسرائيل، لا سيما في ظل الإدارة الأمريكية غير المسبوقة. واستشهد بخطوات قام بها بوتين بالتوسع في عدد من المناطق، حيث فرض حقائق دون إذن أحد. ويدعو جرشون هكوهين لفرض وقائع جديدة، ورأيه أقرب لرأي نتنياهو، حيث اعترف أن “جوش دان”، وهي منطقة الساحل الذي مركزه تل أبيب، ليست من أرض “إسرائيل”، وإنما من الضفة الغربية، ولكن هناك حقل ألغام يجب المرور به لتحقيق مصالح “إسرائيل”. (ا. ديكل 2020)
ورد عليه عاموس ييدلين، بأنه يمكن لـ “إسرائيل” المخاطرة والمشي في حقول الألغام، إذا كان هذا بهدف تحقيق مصلحتها، ولكن خطوة الضم ستعرّض “إسرائيل” للخطر كدولة يهودية ديموقراطية، فهي ليست روسيا ولا بوتين، وستفقد التأييد الدولي، وحتى المبررات الأمنية التي ستسوقها، لن تكون مقنعة. وووافق ييدلين أن “غوش دان” ليست من أرض “إسرائيل”، لكن النقب من أرض “إسرائيل”، ثم تساءل: لماذا ترك نتنياهو النقب مهجورًا، وانشغل بالضفة الغربية؟ (ا. ديكل 2020)
وأضاف ييدلين أن “إسرائيل”، إذا فاز جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة في تشرين ثاني/ نوفمبر، قد تواجه قرارًا في مجلس الأمن، يعتبر أن الحدود بين “إسرائيل” وفلسطين هي حدود عام 1967. وأضاف أيضا أن نتنياهو مستعجل؛ لأنه يعتقد أن ترامب لن يبقى رئيسًا بعد الانتخابات المقبلة، وأن خطة ترامب هي خطة سلام بين الطرفين، وليست خطة ضم، وأن الضم سيضر بمكانة “إسرائيل” أمام إيران، المستمرة ببناء قوتها، وأن المخاطر على الأرض كبيرة ودون فائدة، وأنه لا دولة في العالم ستقبل بالضم باستثناء ترامب، وأن العالم اليوم منشغل بمواجهة كورونا والمشاكل الاقتصادية، لكن تنفيذ الضم سيضع القضية الفلسطينية على رأس الجدول العالمي، وأن الضم لا يحقق أي مصلحة أمنية، بل قد يؤدي إلى اانتفاضة فلسطينية، وتوتر مع الأردن، بينما الجيش الإسرائيلي بحاحة للاستعداد لمواجهة إيران، وليس الضفة الغربية. (ا. ديكل 2020)
وقال ييدلين: أخلاقيًا، يتوفر لـ “إسرائيل” تأييد ضد إيران، لكن لا يتوفر هذا التأييد ضد الفلسطينيين. وأكد أن الضم يتناقض مع الصهيونية، حتى لو لم يكن هناك أي أثر أمني يترتب عليه. فالضم، حسب رأيه، يتعارض مع هدف الصهيونية، وهو دولة يهودية ديموقراطية تمتلك مبررات وجودها. وعبّر ييدلين عن أمله في أن يتبنى الأمريكيون موقفا يقلص الضم إلى المستوطنات فقط، وهو ما اقترحه المركز سابقا، وطالب بتجنيد العالم وكسْب تأييده، بدلًا من الاصطدام معه. (ا. ديكل 2020)
الموقف الفلسطيني من منظور إسرائيلي
في ورقة من إعداد مركز دراسات الأمن القومي نشرها في 27 أيار/ مايو، تحدث الباحث في الشأن الفلسطيني يوحنان تسوريف، عن رد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على إعلان نتنياهو نيته تنفيذ الضم، فأعلن الرئيس عباس التحلل من كل الاتفاقيات بين منظمة التحرير الفلسطينية و”إسرائيل”، وأصدر أمرًا بوقف التنسيق الأمني، مُرفَقا بتعهد السلطة بمنع أي أعمال “عدائية”. وقال الباحث إن هدف الرئيس الفلسطيني، هو التخفيف من حدة الانتقادات الفلسطينية الداخلية له، بسبب عجزه أمام الخطوات الإسرائيلية الأحادية، إضافة إلى رغبته في استنفار المجتمع الدولي للتدخل، لا سيما الدول العربية والحزب الديموقراطي الأمريكي. ودعا الباحث حكومته إلى دراسة تداعيات الضم بشكلٍ معمّق، سواء الأمنية أو السياسية أو الاجتماعية، في ظل اعتبار كثير من الأطراف بأن الضم هو إغلاق للطريق تماما أمام أي تسوية مع الفلسطينيين، وبالتالي عدم الانفصال عنهم (تسوريف 2020).
وأضاف الباحث أن الرئيس عباس، ومن خلال إعلانه، يريد الحفاظ على دوره في الساحة الفلسطينية والدولية. فمن وجهة نظره، تريد “إسرائيل” تغيير قواعد اللعب، من خلال خطوات أحادية تضعف الفلسطينيين، وتؤثر على التسوية النهائية، والأهم هو أن الخطوات الإسرائيلية ستزيد قوة حماس، ومصداقية نهجها المقاوِم كبديل لنهجه. وأوضح الكاتب أن هدف السلطة من هذه الخطوات، هو الضغط على المجتمع الدولي لا على “إسرائيل”، وأن السلطة ليست معنية بقلب الطاولة، على الأقل حتى موعد الضم في الأول من تموز/ يوليو، وذلك للإبقاء على الأبواب مفتوحة أمام التدخلات الإقليمية والدولية. كما يُفهم ذلك أيضا، على حد قوله، من الصيغة المعتدلة للإعلان، وهي التحلل من الاتفاقيات وليس الخروج منها، ومن تحديد الأمر بالاتفاقيات مع “إسرائيل” والإدارة الأمريكية فقط، وليس أوروبا الموقعة على كثير من الاتفاقيات. فالسلطة تريد في النهاية أن تُبقي فرقا بينها وبين حماس، وهو الاتفاقيات الموقعة، لأن انتهاء الاتفاقيات تماما يعني فشل مشروع السلطة مقابل مشروع حماس، وضرورة الذهاب عندها إلى مصالحة وطنية فلسطينية (تسوريف 2020).
من ناحيته، قال الجنرال الإسرائيلي في الاحتياط ميخائيل ميليشتاين، والرئيس السابق للشعبة الفلسطينية بجهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)، والمستشار السابق للشؤون الفلسطينية بمكتب المنسق الإسرائيلي في وزارة الأمن، ورئيس منتدى الدراسات الفلسطينية بمركز موشيه دايان للدراسات الاستراتيجيّة في جامعة تل أبيب، في مقال كتبه في يديعوت أحرونوت في 28 أيار/ مايو 2020، إن السلطة الفلسطينية ليست مهتمةً بالوصول إلى مرحلة اللاعودة مع “إسرائيل”، وإن تهديداتها تعكِس ضائقةً استراتيجيّةً تعيشها. لكن ردّ الشارِع الفلسطينيّ على الضمّ، والذي قد يقود إلى انتفاضةٍ مسلّحة، هو الذي يقلق “إسرائيل”. وحذر الجنرال الإسرائيلي من أنّ تزامن أزمة كورونا مع مشروع الضمّ الإسرائيلي، يقدم وصفة جاهزة للتصعيد الأمني في الضفة الغربية، مما قد يشعل الشارع الفلسطيني. وأضاف أن الأوضاع السائدة اليوم في الضفة الغربيّة، تُعيد إلى الأذهان ما حدث في صيف 2014 في غزة، عندما اندلعت معركة شرسة بين “إسرائيل” والمقاومة بقيادة حركة حماس، دون أنْ يكون أيّ من الطرفين راغبًا فيها، أوْ مستعدًا لها. واستدرك ميليشتاين قائلًا إنّ وضع الضفة الغربية في عام 2020، يختلف عن وضع غزة في عام 2014، وأن أسباب الهدوء النسبي الذي شهدته الضفة الغربية في العقد الماضي، تختلف عما هو عليه الوضع الأمني في جبهة غزة. إلا أن التطورات في الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة، حسب قوله، وأبرزها وقف التنسيق الأمني مع “إسرائيل”، قد تؤدي إلى التدهور (اندراوس 2020).
وأضاف ميليشتاين أنّ السلطة الفلسطينيّة لا تزال حريصة على مصالحها ومكانتها الحكومية والاقتصادية، التي ستتضرر نتيجة لتصعيدٍ واسعِ النطاق، وأن التهديدات المتزايدة تعكس ضائقة استراتيجية تعيشها، وأن هدفها فقط هو تعزيز الضغط الدولي على “إسرائيل”، لمنع التغيير الأحادي للواقع القائم من خلال ضم أراضي الضفة الغربية. وأكّد أنّ التهديد الرئيس في الوضع الجديد، لا يتجسد في خطط السلطة، بل في الطريقة التي سيرد بها الشارع الفلسطيني، الأكثر حضورًا اليوم ممّا كان عليه في السابق، وهذا يعني أنّه أصبح تحديًا حقيقيًا، وأن السلطة ستجد صعوبة في إنفاذ وعدها لـ “إسرائيل” بأنّ وقف التنسيق الأمني لن يصاحبه موجة من التصعيد. وأوضح ميليشتاين أنّه بعد عقدٍ من الزمن امتنع فيه الجمهور الفلسطيني عن الانضمام لصراعات عنيفة، وركز أفراده على حياتهم الشخصية، إلا أن هذا السلوك قد يتأثر بسبب التغييرات الجذرية، وبسبب الانكماش الاقتصادي الشديد بعد أزمة كورونا، واتساع دائرة البطالة والفقر وانهيار الأعمال، مؤكدًا أنّ الاستقرار الاقتصادي شكّل عائقًا رئيسًا أمام الانتفاضة الثالثة (اندراوس 2020).
وأشار ميليشتاين إلى تهديد آخر يتمثل بخطأ تفسير “إسرائيل” موقف عباس بوقف التنسيق الأمني معها، على أنه ضوء أخضر لتعزيز العنف، وقال إن ما سيحدث هو احتكاك لفظي بين قوات الأمن الفلسطينية والإسرائيلية، وفي أسوأ الأحوال وأكثرها خطورة، قد يتشجع الفلسطينيون لشنّ هجمات مسلحة ضد “إسرائيل”، ولكن دون تخطيط أوْ إرادة القيادة الفلسطينية، مما قد يتسبب بمواجهة عنيفة. وحذر من تعطل قنوات الحوار والتنسيق، التي تشكل استقرارًا استراتيجيًا للضفة، لأن ذلك سيزيد من احتمال سوء التقدير، وتحويل نقاط الاحتكاك لتصعيد واسع النطاق. وطالما لم يتم تنفيذ إجراءات الضم العملية، حسب رؤية ميليشتاين، فقد تكون “إسرائيل” قادرة على الحفاظ على بعض الاستقرار في الضفّة الغربيّة. وأكد ميليشتاين على ضرورة استمرار الدعم المالي للسلطة، رغم الأزمة السياسية الحادة، ودعا إلى إعادة النظر في تأجيل العقوبات المترتبة على الأموال الممنوحة لعائلات الأسرى، وإلى العودة الفورية للعمال الفلسطينيين في “إسرائيل”، وتشجيع جمع التبرعات الخارجية للفلسطينيين، والحفاظ قدر الإمكان، وعبر جميع المستويات، على قنوات التنسيق مع السلطة، خاصةً الأمن والحوار على المستوى السياسي، ولو كان سرًا، كما قال (اندراوس 2020).
ورغم أنّ كل هذه المقترحات تعتبر إشاراتٍ علنية للجمهور الفلسطيني، بضرورة الحفاظ على روتين حياته بالضفة الغربية، والتنسيق بشكل وثيق مع الجهات الدولية والإقليمية، خاصة مصر والأردن ودول الخليج، بشأن القضية الفلسطينية، إلا أن الجنرال الإسرائيليّ خلص إلى القول إنّ تنفيذ هذه التوصيات ربما يمنح “إسرائيل” استقرارًا لعدة أشهر في الضفة الغربية، مع أنه، وبمرور الوقت، ستنخفض فعالية جهود ضبط النفس، وقد تفقد تأثيرها مقابل سيناريو الضم العملي للأراضي، مما يعني الانفجار والعنف (اندراوس 2020).
وحول تفسير عجز السلطة عن مواجهة الضم، قال ميليشتاين إن السلطة تعاني من أزمة غير مسبوقة، تشمل مخاطرة بالسلطة ككيان، وما يحتويه من إمكانيات سياسية ودبلوماسية، وهو الأمر الذي لا تستطيع السلطة التراجع عنه. وقال إنها لا تستطيع قلب الطاولة، وإن إعلان التحلل من الاتفاقيات لا يعني إلغاءها، وإن السلطة فقط تراهن على انتخاب بايدين، وإلى ذلك الحين لن يحدث تغيير جوهري في سلوكها. وتوقع ميليشتاين أنه بعد الانتخابات الأمريكية، ستكون هناك تغيرات كبيرة، لا سيما إذا أُعيد انتخاب ترامب، حيث من الممكن، من وجهة نظره، أن تحدث وحدة فلسطينية، وتغيير في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، لكنه استبعد في نفس الوقت، أن تقوى منظمة التحرير على حساب السلطة الفلسطينية، مؤكدًا على أن الضم من وجهة نظره، يخدم حركة حماس على حساب الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ا. ديكل 2020).
ومن ناحيته، زعم الكاتب الصحفي ألوف بن، في مقال له في صحيفة هآرتس في الرابع من حزيران/ يونيو، بأن الرئيس الفلسطيني نفسه يريد الضم، حيث قال إن الرئيس الفلسطيني بإمكانه أن يوقف مخطط الضم بمكالمة هاتفية واحدة، أو حتى رسالة بالبريد الإلكتروني، أو رسالة واتساب للبيت الأبيض، إلا أنه، أي الرئيس عباس، كما يدعي ألوف بن، يكتفي بالإدانة، والتهديد الفارغ بوقف التنسيق الأمني، بينما تستمر “إسرائيل” وأمريكا بالتقدم في ظل انشغال العالم بالكورونا، والصراع بين الصين والولايات المتحدة، فيجري اليوم ما جرى سابقا مع كل المشاريع التي رفضها الفلسطينيون، لا سيما في عهد عرفات. ويضيف الكاتب أن الرئيس الفلسطيني ربما يراهن على أن الضم سيضر بـ “إسرائيل”، أو على انهيار اتفاق السلام مع الأردن، أو أن العالم العربي سيتضامن مع الفلسطينيين، أو أن يأتي بايدين فيلغي وعود ترامب، أو أن يأتي غانتس بدلًا من نتنياهو (بن 2020).
وعلى جبهة غزة، قال الخبير في الشأن الفلسطيني كوبي ميخائيل، إن القلق الفلسطيني مبرر، وإن الأفق أمام الفلسطينيين مسدود، والخيارات محدودة. وبالنسبة لحركة حماس وخياراتها، قال إن الضم يشكل فرصة استراتيجية لحماس لإضعاف عباس، وإن حماس ستعارض الضم بصوت عالٍ، لكنها لن تعلن حربًا من قطاع غزة، فهي لن تهدد قاعدتها الاستراتيجية، لكنها في الوقت ذاته ستعاني من الحرج لدى محاولتها منع الفصائل الأخرى كالجهاد الإسلامي، من العمل، لذلك فاحتمال التدهور إلى مواجهة مع غزة، هو احتمال كبير، لكن ليس بمبادرة حماس. أما على صعيد الضفة الغربية، فيقول إن الضم سيزيد من الدافعية عند حماس، لا سيما عند القيادي صالح العاروري، للعمل في الضفة، ومحاولة تنفيذ عمليات مقاومة ضد الاحتلال. وعلى صعيد العلاقة بين فتح وحماس، وتأثير الضم عليها، قال إن الضم لن يؤدي إلى مصالحة فلسطينية، مثلما أن الكورونا لم تؤد إلى وحدة فلسطينية (ا. ديكل 2020).
الموقف الأردني من الضم من منظور إسرائيلي
زعمت صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية في افتتاحيتها بتاريخ 27/5/2020، أن دولًا عربية تدعم “إسرائيل” في ضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية لسيادتها. وحسب الصحيفه، فإن دولًا عربية سوف تعارض الضم في العلن، لكنها ستمنح الضوء الأخضر من تحت الطاولة. ونقلت الصحيفة عن مسؤول سعودي رفيع المستوى، أن بلاده لن تعرّض علاقاتها مع أمريكا للخطر، من أجل مئات الفلسطينيين. كما زعمت الصحيفة أن السعودية ومصر والأردن تدعم الضم، وإن لم تعلن ذلك بشكل علني. وأضافت الصحيفة أن مصدرًا أردنيًا كبيرًا قال إن الأردن يعارض الضم رسميًا، غير أن الملك سيتيح تمرير الضم بأقل الأضرار لبلاده، منوهًا بأن المصالح الأمنية الأردنية أهم من المصالح الفلسطينية. وأضافت الصحيفة نقلًا عن مصدر سعودي رفيع قوله إن على الفلسطينيين الإدراك بأن “إسرائيل” هي حقيقة واقعة، وإن السعودية لن تعرّض علاقاتها مع إدارة ترامب للخطر من أجلهم (سيريوتي 2020).
وقال عودد عيران السفير الإسرائيلي السابق في الأردن (1999-2000)، والباحث الكبير في مركز دراسات الأمن القومي ورئيسه بين 2008 و 2011، إن أكثر من نصف الشعب الأردني هم فلسطينيون، وإن كل ما يحدث في الضفة ينعكس هناك، لذا فإن وضع الأردن حساس جدًا، وهو يرفض الضم، سواء ضم مستوطنات، أو ضم الغور، وإن الأردن كان قد رفض الفكرة منذ بداية الحديث عن صفقة القرن، وأعلن أنه لا يقبل أي نوع من الضم. فالأردن لم يقبل الإغراءات المالية، وهي 4.4 مليار دولار مقابل الصفقة، والملك حَذِر بمعارضته، لكنه أعلن موقفه بقوله إن الضم سيؤدي إلى مواجهة. كما أن وزير الخارجية الأردني اتصل بكل نظرائه في العالم، وحتى بومبيو، لإقناعهم بمعارضة الضم (ا. ديكل 2020).
وكان الملك عبد الله ورئيس حكومته عمر الرزاز، قد أعلنا أن الضم قد يؤدي إلى مواجهة بين الأردن و “إسرائيل”، فيما أبلغ وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي نظيره الأمريكي مايك بومبيو يوم الخميس 28/5، رفض المملكة الأردنية للخطة الإسرائيلية، التي تقضي بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة. وأكد الصفدي خلال مباحثات هاتفية مع بومبيو، أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تقويض فرص السلام، داعيًا إلى إطلاق مفاوضات مباشرة وجادة لإنهاء النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين على أساس حل الدولتين، لتحقيق السلام العادل والشامل. وشدّد الصفدي على أن “السلام العادل والشامل، هو خيار استراتيجي عربي، سيظل الأردن يعمل على تحقيقه” (تسوريف 2020).
الموقف المصري من الضم كما تراه “إسرائيل”
في إطار ما زعمته صحيفة “إسرائيل هيوم” عن تأييد دول عربية للضم، نقلت عن مصدر أمني مصري قوله إن التصدي لإيران في الشرق الأوسط، يأتي قبل القضية الفلسطينية (سيريوتي 2020). ووفقا لورقة مركز دراسات الأمن القومي، فإن مصر أيضا متأهبة لاحتمال اندلاع مواجهة بين “إسرائيل” وفصائل المقاومة، لا سيما في قطاع غزة، على خلفية الضم، وذلك لتثبت للرئيس عباس أن طريق المقاومة هو الطريق السليم (تسوريف 2020).
وكشفت مصادر مصرية لموقع العربي الجديد بتاريخ 30/5/2020، عن زيارة سرّية قام بها رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين، قبل أيام من تاريخه، إلى القاهرة، التقى خلالها عددًا من المسؤولين المصريين، في مقدمتهم رئيس جهاز الاستخبارات العامة اللواء عباس كامل، بحضور وزير الخارجية سامح شكري. وحسب المصادر، فإن الهدف الأساسي من الزيارة، تمثل في بحث عدد من الإجراءات الخاصة بخطة الحكومة الإسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، وتداعيات تلك الخطوة، التي أعلنت العديد من الأطراف رفضها لها (العربي الجديد 2020).
وأوضحت المصادر أن رئيس الموساد بحث مع الجانب المصري رؤيته لردود الفعل المحتملة من الفصائل الفلسطينية بناء على تواصله معهم، وإمكانية خروج الأمور عن السيطرة، أو وقوع مواجهات واسعة. كما كشفت المصادر عن أن الهاجس الأكبر الذي يسيطر على الجانب الإسرائيلي، والذي أكد عليه خلال الاجتماع، هو عودة عمليات المقاومة، لا سيما الاستشهادية منها، إلى المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، والقدس المحتلة، والمدن الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي. ووفقا للمصادر، فإن اللقاء تناول أيضا عددًا من النقاط البارزة، والخاصة بخطة التهدئة مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، ومطالبات فصائل المقاومة هناك بتنفيذ عدد من الخطوات والمراحل التي تراجعت “إسرائيل” عن الالتزام بها ضمن اتفاق التهدئة الذي ترعاه مصر والأمم المتحدة. وتابعت المصادر أن التأخير الإسرائيلي سببه الأساسي هو رغبة الحكومة الإسرائيلية في الحصول على تنازلات من جانب المقاومة، بشأن أسرى الاحتلال المحتجزين لديها، كخطوة أولية، على عكس ما تتمسك به المقاومة ببدء سلطات الاحتلال بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، من كبار السن والنساء، كخطوة أولية، قبل شروعها في الإفراج عن معلومات بشأن الأسرى المحتجزين لديها. كما كشفت المصادر أن المباحثات بين الجانبين، تبعتها اتصالات مصرية أردنية بشأن عدد من النقاط التي تم التطرق إليها خلال الاجتماع مع الجانب الإسرائيلي (العربي الجديد 2020)
من ناحيته، قال الباحث في مركز دراسات الأمن القومي أوفير فينتر، إن مصر تريد الهدوء، وتضغط على الفلسطينيين لتقديم مقترح بديل من طرفهم لخطة ترامب، وإن المصريين يحرصون بشكلٍ كبير، على ألا تتأثر علاقتهم بالأمريكان، الضرورية لاستمرار الدعم المالي والسياسي، لا سيما بخصوص محاولات مصر لمواجهة سد النهضة الإثيوبي (ا. ديكل 2020).
الموقف الدولي من منظور إسرائيلي
قال دان شابيرو، السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة، إن الموضوع ليس على جدول أعمال الجمهور في أمريكا، بسبب أحداث أخرى، مثل الأحداث التي أعقبت مقتل جورج فلويد، وأزمة الكورونا، والمواجهة مع الصين، ومعركة الانتخابات، ومعارك ترامب الخاصة، لا سيما مع وسائل التواصل الاجتماعي. وأضاف أن هناك خلافًا في الإدارة الأمريكية نفسها، على ماهية الضم، وحجمه، وتوقيته، وربطه بباقي خطة ترامب. فهناك من يرى أن إدارة ترامب تريد أن يحصل الضم ليخدمه في الانتخابات في أوساط الإنجيليين، وهناك من يعتقد أن هؤلاء همهم القدس فقط، ولا يهمهم غيرها. وهناك من يرى أن ترامب قد يعطل الضم إذا قرر الفلسطينيون التفاوض، أو إذا كانت هناك ردة فعل للدول العربية، وهذا لم يحدث حتى اليوم. وقد يؤثر الاعتراض من حزب أزرق أبيض “كحول لافان”، لأن ترامب يريد تحقيق شيء مُجمَع عليه إسرائيليًا. من ناحية أخرى، يُجمع الحزب الديموقراطي على رفض الضم، ويهمه حل الدولتين، كما يرى جو بايدين نفسه أن الضم سيؤثر على العلاقات بين “إسرائيل” والولايات المتحدة (ا. ديكل 2020).
وفي منتصف أيار/ مايو 2020، كان وزير الخارجية الأمريكية بومبيو، قد زار “إسرائيل”، وقال إن القرار بشأن الضم: هل سيتم؟ وكيف؟ ومتى؟ هو بيد الحكومة الإسرائيلية. وإضافة إلى ذلك، حذرت السفارة الأمريكية في “إسرائيل” يوم الخميس 28 أيار/ مايو، المواطنين الأمريكيين الذين يودون السفر إلى الضفة الغربية، من احتمال وقوع أعمال عنف دون سابق إنذار، وذلك على خلفية إعلان “إسرائيل” نية الضم (كام 2020).
أما عن الموقف الأوروبي، فقالت السيدة عادي كنتور، الباحثة في الشؤون الأوروبية، إن الاتحاد الأوروبي مشغول بالكورونا، وإن الضم يتم ذكره قليلًا جدًا، ولا يوجد رأي موحد على آلية المواجهة، حتى لو تم رفض الضم نفسه. وبشكل عام، سيكتفي الاتحاد الأوروبي بالإدانة فقط، باستثناء بعض الدول مثل إيرلندا ولوكسمبورغ والسويد. أما بعض الدول مثل ألمانيا، فلن تفرض عقوباتٍ على “إسرائيل” بسبب الضم، ودول أخرى تفكر ببعض البدائل، مثل تجميد بعض الاتفاقيات الأكاديمية والاقتصادية مع “إسرائيل”. وإذا كان من الممكن فرض عقوباتٍ من قبل بعض الدول، إلا أن ذلك ليس متوقعًا على مستوى الاتحاد (ا. ديكل 2020).
الخلاصة
يمكن القول إن الظروف الحالية، الإسرائيلية والفلسطينية والإقليمية والدولية، هي ظروف غير مستقرة، ولا تعطي صورة مؤكدة بالنسبة للضم. فنتنياهو، ورغم قدرته على المناورة بين اليمين واليسار، إلا أنه تلاحقه محاكمات بشأن قضايا فساد، وائتلافه الحكومي مع حزب “أزرق أبيض” قد يتدهور في لحظة ما، ومعسكر اليمين الذي يستند إليه بدأ يتضعضع بسبب خطط الضم وصفقة القرن. وأزمة الكورونا في “إسرائيل” ما زالت تراوح مكانها، وسيناريوهات التصعيد في الشمال والجنوب ما زالت قائمة.
وعلى الصعيد الإقليمي، ما زالت دول الإقليم مضطربة، وما زال شكل الرد الفلسطيني، وخاصة الشعبي، غامضًا، وما زال الموقف الأردني خاصة، يقلق الإسرائيليين.
وعلى الصعيد العالمي، ما زالت حالة القلق من المستقبل الغامض قائمة، بسبب أزمة الكورونا من ناحية، وبسبب الركود الاقتصادي، والتنافس الحاد بين الصين والولايات المتحدة، وتبعات الاحتجاجات على مقتل جورج فلويد، والانتخابات الأمريكية القريبة، التي قد تؤدي إلى ذهاب ترامب الداعم لـ “إسرائيل” بقوة.
في ظل هذه البيئة الحَذِرة، فإنه ليس بالإمكان الجزم بأن الضم سيتم بالتأكيد في تموز/ يوليو القادم، أو سيتم تأجيله، وليس بالإمكان تحديد شكله ومكانه وحدوده. لكن الواضح من الخيارات المطروحة، والمواقف الإسرائيلية الداخلية، المؤيدة والمعارِضة والمحذِرة معًا، ومن القراءة الإسرائيلية للمواقف العربية والدولية والفلسطينينة، هو أن أي عامل مؤثر لم تحسب “إسرائيل” حسابه كما يجب، سيقلب الطاولة عليها، وسيجعل مشروع الضم مكلفا لها أكثر مما أرادت أن يحققه من فائدة. ونظرًا للحسابات الدقيقة التي طورتها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، في تعاملها مع الأحداث، لا سيما مع الفلسطينيين، فإن موضوع الضم في هذه الظروف، يبدو ليس الخيار الرابح ولا المفضل بالنسبة لنتنياهو. لذا، فسيناريو التأجيل، على الأقل، هو الأرجح.
المراجع
- العربي الجديد. رئيس الموساد زار مصر سراً لبحث خطة ضم الضفة. 30 5, 2020. https://www.alaraby.co.uk/politics/2020/5/29/%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D8%B2%D8%A7%D8%B1-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%B3%D8%B1%D8%A7-%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D8%AE%D8%B7%D8%A9-%D8%B6%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B6%D9%81%D8%.
- الوف بن. عباس يريد الضم (عباس روتسيه سيفوح). 4 6, 2020. https://www.haaretz.co.il/opinions/.premium-1.8893632?utm_source=App_Share&utm_medium=Android_Native&utm_campaign=Share.
- اودي 2 ديكل. مؤتمر موجه ببث مباشر: إلى أين سيؤدي الضم ؟(كينس مكفن بشيدور حي : لآن موبيل هسيفوح؟). 31 5, 2020. https://www.inss.org.il/he/.
- اودي ديكل. مؤتمر موجه ببث مباشر: إلى أين سيؤدي الضم ؟(كينس مكفن بشيدور حي : لآن موبيل هسيفوح؟). 31 5, 2020. https://www.inss.org.il/he/.
- اودي ديكل، لايا موران-جلعاد، و عنات كورتس. الضم برعاية الكورونا (سيفوح بحسوت كورونا). 26 4, 2020. https://www.inss.org.il/he/publication/the-coronavirus-and-the-annexation/.
- دانييل سيريوتي. “من تحت الرادار:الدول العربية موافقة على السيادة (متحت لردار:مدينوت عراب مسكيموت لريبونوت ).” اسرائيل هيوم، 2020: 2.
- زهير اندراوس. جنرالٌ إسرائيليٌّ: السلطة ليست مهتمةً بكسر الأدوات مع إسرائيل وتهديداتها تعكِس ضائقةً استراتيجيّةً ولكن ردّ الشارِع الفلسطينيّ على الضمّ قد يقود لانتفاضةٍ مسلّحةٍ. 29 5, 2020. https://www.raialyoum.com/index.php/%D8%AC%D9%86%D8%B1%D8%A7%D9%84%D9%8C-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A%D9%91%D9%8C-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A9-%D9%84%D9%8A%D8%B3%D8%AA-%D9%85%D9%87%D8%AA%D9%85%D8%A9%D9%8B/.
- زئيف كام. قادة في كحول لافان:”لا نستطيع منع الضم ” (بخيريم بكحول لفان:” لو نوخال لعتسور ات هسيفوح”. 31 5, 2020. https://www.kan.org.il/Item/?itemId=71879.
- يوحنان تسوريف. الفلسطينيون في ظل نوايا الضم الإسرائيلية في الضفة الغربية :محاولات ردع واستغاثات (هفلستينيم لنوكح كفنات هسيبوح هيسرئيلي بجداه همعربيت: نيسيونوت هرتعاه وكرئوت لسيوع). 27 5, 2020. https://www.inss.org.il/he/publication/the-palestinians-ant-the-annexation/.