رأي الخبراء: الأولويات والتحدّيات أمام الفلسطينيين بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
![](https://vision-pd.org/wp-content/uploads/2025/02/التحديات-بعد-وقف-إطلاق-النار-موقع.png)
في السادس عشر من كانون الثاني/يناير 2025، أُعلن في العاصمة القطرية الدوحة عن التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وسيتم تطبيق الاتفاق على ثلاث مراحل تُفضي في نهاية المطاف إلى وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي الشامل من قطاع غزة، ووفقًا للاتفاق فإنّ المرحلة الأولى ومدتها 42 يومًا قد بدأت في 19 يناير، ويتخللها عمليات تبادل للأسرى وفق آلية اُتفق عليها بين الأطراف. فيما تنطلق مباحثات المرحلة الثانية بعد 16 يومًا من عمر المرحلة الأولى، أي في أثنائها، وتُعتبر المرحلة الثانية من الاتفاق الأكثر صعوبة وهي المخصصة لمناقشة القضايا الجوهرية، التي تحدد ملامح نهاية الحرب واليوم التالي لها.
هذا الاتفاق الذي جاء بعد أكثر من 15 شهرًا من حرب الإبادة والتدمير على غزة، يُعتبر محطة مهمة يتحدد من خلاله الكثير من ملامح المشهد الفلسطيني في المستقبل، وتشكل قراءة المشهد الفلسطيني الداخلي، ركيزة أساسية لفهم آلية تعاطي الفلسطينيين مع هذه التطورات الكبيرة، وأولوياتهم في المرحلة المقبلة. من هذا المنطلق استطلع مركز رؤية للتنمية السياسية وموقع الجزيرة نت، آراء مجموعة من الخبراء والأكاديميين والسياسيين، في محاولة لاستقراء تقديراتهم للأولويات الفلسطينية في التعاطي مع الاتفاق وأبرز التحديات أمامهم.
وقد تم استعراض هذه الآراء من خلال المحاور والأسئلة التالية:
- ما هي الأولويات التي يجب التركيز عليها فلسطينيًا بعد بدء تطبيق الاتفاق؟
- ما هي أبرز ضمانات استدامة وقف حرب الإبادة؟
- كيف يمكن تجاوز الفجوة في المواقف حول مستقبل إدارة القطاع؟ وما المطلوب من حركتي فتح وحماس بالتحديد؟
- ما مدى واقعية تصريحات المسؤولين الدوليين في حديثهم بألّا يكون لحماس دور مستقبلي في غزة، وربط ذلك بملف إعادة الإعمار؟
- ما التحديات التي تواجهها السلطة الفلسطينية مع مضي اليمين المتطرف في “إسرائيل” قدمًا في مشروع ضم الضفة الغربية، وما خياراتها لمنع ذلك؟
يمكن تلخيص آراء الخبراء بما يلي:
- الأولوية العاجلة فلسطينيًا، تتمثل في تحويل وقف إطلاق النار إلى اتفاق دائم، وقطع الطريق على أية ذريعة إسرائيلية للتهرب من استحقاقاته، وصولًا إلى إغاثة غزة وترميم البنية التحتية ورفع الحصار وإعادة الإعمار. ويلي ذاك العملُ على صياغة رؤية إستراتيجية لبناء مرجعية سياسية إدارية لغزة بقيادة تتوافق على الحد الأدنى من الثوابت ودون إقصاء أو تفرد، بهدف ملء الفراغ، وعدم السماح لأية بدائل أمريكية أو إسرائيلية.
- لا ضمانات موثوقة لاستمرار تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، لكن هناك مصالح لجميع الأطراف بعدم العودة إلى حالة المواجهة، في مقدمتها مصلحة إدارة ترامب، ومصالح إقليمية ودولية، وكذلك مصلحة للمقاومة. ولا بد أن يدفع هذا الجميع للبحث عن حلول لأي من العقبات التي قد تطرأ خلال تنفيذ الاتفاق.
- ما يضمن صمود الاتفاق هو المحافظة على سلاح المقاومة، وتعزيز روح الإرادة والقدرة على الانتصار وكسر روح الهزيمة، وإيصال رسالة للاحتلال أن المقاومة قادرة على الصمود في حال رغب باستئناف الحرب.
- ضرورة صياغة خطة شاملة للاستفادة من تداعيات الطوفان على المستوى الدولي والإقليمي، وتنشيط الحركة القانونية والدبلوماسية للمطالبة بمسار إقامة الدولة الفلسطينية، والعمل مع المجتمع الدولي لتجريم الاحتلال وانتهاكاته.
- ضرورة تشكيل أكبر تجمع مؤسساتي متخصص بالإغاثة الإنسانية على المستوى الإسلامي والعالمي، لبدء مشروع إغاثة عاجلة ومستمرة لغزة.
- البناء المؤسسي والإداري في غزة الذي بنته حماس متكامل، وأثبت أنه قادر على الاستمرارية حتى في ظل هذه الحرب، بالتالي فإن أي بديل سيكون عملية تغير كامل وهذا لن يكون واقعيًا.
- عدم إغفال الضفة من الحسابات الفلسطينية في ظل تسارع مشاريع الاحتلال الإستراتيجية فيها.
- السلطة تواجه تحديات خطيرة بالضفة من خلال حديث المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين عن تغيير العقيدة الأمنية فيها، وبالتالي فإن العمل القادم يهدف إلى حصر السلطة داخل المدن وتحويلها إلى سلطة محلية خدماتية، وإشغالها في معركة البقاء بدلًا من معركة إقامة الدولة.
- السلطة الفلسطينية بالضفة لديها مشكلة حقيقية، إذ تطرح النضال الشعبي السلمي للاحتلال، ولكنها لا تمارسه على أرض الواقع، فالنضال الجماهيري في لحظة معينة قد يتحول إلى مواجهة مباشرة مع الاحتلال، والسلطة لا تريد ذلك. من هنا تبدو خيارات السلطة محدودة، ولم يعد لديها وقت لتنفيذ أي مخططات.
- عدم الوصول إلى تفاهم فلسطيني لإدارة غزة قد يعود بنتائج سلبية على السلطة نفسها، وقد تذهب القوى المهتمة للبحث عن بديل يمكنه أن يتفاهم مع حماس.
- فتح وحماس مطالبتان بالنزول عن الشجرة وتجاوز بعض المواقف السابقة، وكما أن المقاومة الفلسطينية بحاجة لمراجعة آليات وأدوات المقاومة، فإن السلطة الفلسطينية كذلك بحاجة إلى مراجعة آليات ومحددات المسار السياسي والتفاوضي.
- انتظار الرضى الإسرائيلي أو الأمريكي عند اختيار القيادة للمرحلة المقبلة يعني ضربًا لمشروع التحرر الفلسطيني، وتكريسًا للاحتلال، فكما أن شعوب العالم ترفض أن تفرض عليها قيادتها، فالشعب الفلسطيني أيضًا ليس قاصرًا أو جاهلًا حتى توضع الوصاية عليه، ويجب أن يغلق هذا الملف لأنه حق مطلق وسيادي للفلسطينيين ولا يحق لأي كان التدخل به.
![](https://vision-pd.org/wp-content/uploads/2025/02/resim-1.png)
د. مأمون أبو عامر، أكاديمي وباحث سياسي، غزة
الأولوية الفلسطينية في المقام الأول لدى حركة حماس تتركز على العمل لضمان الحفاظ على وقف إطلاق النار، وتحويله إلى وقف إطلاق نار دائم لإنهاء حالة الخوف والقلق وعدم القدرة على التفكير العملي للمستقبل. ضمانات استدامة الاتفاق تكمن عندما يدرك كل طرف أنه حقق مصلحته من الاتفاق، هذا الشعور يخدم مصلحة الأطراف على الأقل في المرحلة الحالية، ويتطلب قطع الطريق على أية محاولات للاحتلال لخرقه من خلال الالتزام بتطبيق الاتفاقيات، وعدم السماح بجر المقاومة لمرحلة تصعيد لا يريدها أحد، وهذا يتطلب العمل الجاد من خلال منظومة الرقابة لدى الوسطاء للحفاظ على استمرارية التنفيذ، وكذلك حكمة المقاومة لقطع الطريق أمام الانتقام من غزة، لذا فإن الإسراع بوضع خطة عمل لليوم التالي للحرب تبدو ملحة، وتحديدًا فيما يتعلق بمسألة الجهة التي ستدير القطاع. صحيح أن حماس عبّرت عن عدم رغبتها في أن تكون في مشهد الحكم، لكن المشكلة تكمن عند حركة فتح التي تسعى بشكل قطعي إلى تغييب حماس عن المشهد بشكل كامل، وهو ما لم تطلبه أمريكا نفسها، خصوصًا بعد أن أصبح هدف القضاء على حماس بشكل كامل غير ممكن التطبيق. بالتالي فإن إصرار السلطة الفلسطينية على موقفها يُبقي المشهد في حالة من التعقيد، ويحتاج الفلسطينيون إلى اتخاذ قرارات مهمة حول تنظيم العلاقات الداخلية في ظل وجود الحاجة الإقليمية والمحلية إلى صمود الاتفاق، وهذا يتطلب قبول حركة حماس في هذه المرحلة بعدم المشاركة في إدارة غزة المباشرة لكن دون أن تُقصى كحركة وحضور شعبي من الحياة السياسية والعامة بغزة.
في حال لم يكن هناك اتفاق فلسطيني داخلي لإدارة غزة، فإن الحالة الفلسطينية ستبقى معلقة بسبب قناعات السلطة الفلسطينية بأن إمساكها بورقة الشرعية الدولية سيؤهلها لفرض رؤيتها كليًا على المشهد واستبعاد حركة حماس، وهذا قد يعود بنتائج سلبية على السلطة نفسها، فالأطراف الفاعلة والمؤثرة في المشهد ستبحث عن بديل يمكنه أن يتفاهم مع حماس داخليًا، وهو ما سيصب في مصلحة نتانياهو القائلة بعدم قبوله “لا حماستان ولا فتحستان”.
في الضفة الغربية، تواجه السلطة تحدّيًا خطيرًا مع انتهاء الحرب على غزة، تبدو ملامحه في حديث المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين عن تغيير العقيدة الأمنية هناك، وبالتالي إمكانية حصر السلطة داخل المدن، وتحويلها إلى سلطة محلية خدماتية، وإشغالها في معركة البقاء بدلًا من الانشغال في معركة إقامة الدولة الفلسطينية.
صحيح أن الاحتلال لن يُقدم في المرحلة الحالية على إلغاء السلطة الفلسطينية، لكنه سيحوّل وجودها إلى شيء رمزي أشبه بديكور، وهو ما قد يدفع محمود عباس للاستقالة بعد أن يفقد قدرته على ممارسة أي شكل من أشكال السلطة.
![](https://vision-pd.org/wp-content/uploads/2025/02/Ibrahim-S-Rabaia.jpg)
د. إبراهيم ربايعة، أكاديمي وباحث سياسي، رام الله
هناك أولويتان للفلسطينيين؛ أولهما تحويل الهدنة إلى اتفاق دائم بما يشمل إعادة الإعمار لاحقًا، والثانية وهي الأكثر إلحاحًا تتمثل في ترميم الحالة السياسية الفلسطينية وبناء نظام سياسي متعافٍ، على أن يتم بحث هذا الترتيب بين كل الأطراف الفلسطينية دون الإقصاء أو التفرد لأي طرف في القطاع، ولا يمكن ممارسة السياسة كما كانت قبل السابع من أكتوبر، وبالتالي تظهر الحاجة لعقل سياسي يدرك أهمية هاتين الأولويتين.
استدامة وقف الحرب وضمانة ذلك مربوطة في الجهد الفلسطيني الذاتي لتقديم رؤية ناضجة، وتصور عن المستقبل بغض النظر عن اسمه، أكان لجنة إدارية أو منظمة التحرير أو حكومة توافق، لكن الأهم هو القول للعالم إن لدينا نحن الفلسطينينن تصوّرًا للمستقبل لا يمكن اختراقه أو تهميشه، عدا عن ذلك لا يوجد ضمانات أمام العراقيل الإسرائيلية المتوقعة، والأطروحات الأمريكية لمشروع سياسي.
على الفلسطينيين جميعًا، خصوصا فتح وحماس، النزول عن الشجرة وتجاوز مواقف المرحلة السابقة. نحن بحاجة لمراجعة آليات وأدوات المقاومة وكذلك الأمر آليات ومحددات المسار السياسي والتفاوضي، والمساحة بين المفاوض والمقاوم، ضمن شروط وضوابط، أولها؛ بناء ثقة سريعة بين الأطراف على قاعدة إنشاء نظام سياسي حقيقي وليس على قاعدة المحاصصة، فالمطلوب فعليًا التوافق السياسي على الرؤية الوطنية الجامعة للمرحلة القادمة على أقل تقدير لمرحلة انتقالية يمكن أن تكون مدتها 5 سنوات، يتفق فيها الطرفان حماس وفتح على المحددات وقواعد العمل فيها، بغير ذلك لا أحد سينجو من الإعصار الذي يواجه القضية الفلسطينية؛ فالضفة في قلب البركان والحرب يمكن أن تعود إلى غزة في أية لحظة، ووكالة الغوث مستهدفة، وهذا يشير إلى أن تجاوز هذه الأزمة يتطلب الذهاب إلى نقاش سياسي جماعي، وليس تقاسم السلطة أو السيطرة الجغرافية أو المحاصصة الأمنية، سواء بالضفة أو غزة.
بالنسبة لدور حماس المستقبلي، هذا باعتقادي خاضع لمسار الهدنة والمآلات التي ستصل إليها، وكذلك الأمر ملف إعادة الإعمار الذي سيشكل تحديًا لمن سيحكم، وسيستخدم هذا الملف سلاحًا وستكون له شروط، وهذا التحدي ليس فلسطينيًا فحسب، بل نراه في لبنان أيضًا، ويجري حوله نقاش كبير.
السلطة الفلسطينية لديها مسار سياسي دولي، لكنه بات غير مجدٍ في ظل وجود الرئيس ترامب والهجوم على المؤسسات الدولية، ويبدو أن الرهان على انتزاع الفلسطينيين الاعتراف من هذا المسار ومراكمة هذه المنجزات بات غير مؤثر على مسار الأحداث، خصوصًا في ظل العقوبات المتزايدة التي تُفرض على السلطة حتى وصلت لمرحلة لم تعد قادرة على التعامل معها، ونرى أثر احتجاز أموال المقاصة في إنهاك السلطة وجعل خزائنها خاوية. وبالتالي قد تم إضعاف السلطة إلى الحد الأدنى، وكذلك حال منظمة التحرير لأن الحالة الإسنادية لم تعد موجودة، وهذا يفرض تحديًا إضافيًا على الفلسطينيين ويدفعهم إلى الجلوس لوضع رؤية تخلق جسمًا يمثل الكل الفلسطيني ولا يمثل طرفًا واحدًا فقط، أمّا الرهان على المسار السياسي، وربط التطبيع السعودي بشرط إقامة الدولة الفلسطينية، فهو غير مضمون النهايات؛ لأنه لا يمكن التنبؤ بما قد تفضي إليه رؤية ترامب السياسية.
![](https://vision-pd.org/wp-content/uploads/2025/02/resim-3.png)
جــواد الحــمد، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط- الأردن
هناك مجموعة أولويات يجب العمل عليها؛ البعد الإغاثي العاجل بكل الطرق الممكنة، وإعادة تجميع وتوحيد الصفّ الوطني، وتفعيل لجنة الإسناد المجتمعي، وعمل الشرطة والأمن الداخلي في القطاع بتعاون الجميع لمواجهة أي انفلات أمني أو تعاون مع الاحتلال. وإعادة النظر في آليات تحقيق المصالحة الفلسطينية والوحدة رغم كل المعيقات، والتحول نحو الضغط الشعبي الجماهيري المباشر لإنجازها. وبناء شراكات مجتمعية وفصائلية. والتوافق الوطني على حماية الضفة من الضمّ ومن اعتداءات ميليشيات المستوطنين، وتوقّف أجهزة أمن السلطة عن ملاحقة المقاومين. والبدء بالإعداد لتشكيل حكومة وطنية عبر لقاءات ومؤتمرات حوار جادّ في أماكن تواجد الشعب الفلسطيني لتكون طريقًا للإعداد للانتخابات العامة.
أما بخصوص وقف إطلاق النار، فلا ضمانات موثوقة لاستمراره لزمن طويل، لكن الضمانة هي قوة الشعب الفلسطيني ووحدته، وقوة فصائل المقاومة التي انتصرت على إسرائيل، والتي يجب أن تبقى قادرة على المواجهة في حال أي عدوان أو تجاوز إسرائيلي كبير للاتفاق. إضافة إلى التعهد من قبل الإدارة الأمريكية والوسيطين القطري والمصري، وكذلك حاجة العالم إلى هذا الاتفاق.
حماس أصبحت أكثر انصهارًا ضمن نسيج الشعب الفلسطيني، وهي في غزة حامية له ومدافعة عن وجوده، وإن كان هناك شرط إسرائيلي أو أمريكي لإزاحة حماس عن المشهد السياسي والوطني الفلسطيني فالشعب الفلسطيني لن يقبل بذلك. وقد حافظت حماس على قوتها التي ظهرت مدنيًا وعسكريًا، بالتالي لا يمكن تجاوزها من أي ترتيبات مستقبلية. في المقابل فإنّها قبلت بتشكيل لجنة الإسناد المجتمعي، ولكن على مبدأ التوافق الوطني. كما أنها تطرح تشكيل حكومة تكنوقراط لإدارة الحالة الفلسطينية في الضفة وغزة، والإعداد لانتخابات عامة خلال فترة مناسبة. لذا يبدو الحديث عن تهميش حماس أو إقصائها أمرًا غير واقعي.
تواجه السلطة تحديات مستقبلية في الضفة، في مقدمتها عقلية الاحتلال، وسلوك ميليشيات المستوطنين، وحالة الغضب الشعبي الفلسطيني على أدائها في أثناء حرب الإبادة على غزة. ولكن التحدي الأكبر هو المحافظة على الوجود (أي وجود السلطة) بسبب الفشل الذريع في إدارة الشأن الفلسطيني، المدنيّ والأمنيّ والعلاقات الداخلية على حد سواء. وكيف يمكن لها الاستدارة نحو الشأن الوطني والوحدة الوطنية، وكذلك مدى الانخراط في مقاومة الاحتلال في ظل عمليات التطهير العرقي والإبادة والتدمير والضمّ التي تقوم به إسرائيل في الضفة.
![](https://vision-pd.org/wp-content/uploads/2025/02/resim-4.png)
د. إياد أبو زنيط، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الاستقلال-أريحا
الأولويات الفلسطينية يجب أن تتركز على الإغاثة السريعة لغزة، لتعزيز البقاء والصمود، والإسراع في الوحدة الوطنية، ومراجعة وتقييم ما حصل في السابع من أكتوبر وما بعده، واستخلاص العبر والنتائج، والاتفاق على برنامج مقاومة واضح المعالم يتّجه له الكل الفلسطيني.
فرغم أهمّية الضمانات الضمانات التي قدمها الوسطاء للاتفاق، إلّا أنّ إسرائيل اعتادت على خرق الاتفاقيات، ولنا تجارب سابقة في ذلك، وبالتالي لا يمكن القول إن هناك ما يضمن سلوك إسرائيل سوى برنامج وطني فلسطيني يقطع الطريق عليها من العودة مرة أخرى إلى الحرب.
تجاوز الفجوة في المواقف ما بين فتح وحماس يتطلب أن تكون المصلحة الوطنية العليا هي المعيار، وهذا يتطلب وعيًا متقدمًا من حركة حماس حول ضرورة عودة السلطة لتحكم غزة، ليس من باب التقاسم أو المحاصصة، بل باتفاق بين الحركتين على الآلية، وهذا انطلاقًا من أن السلطة جسم معترف به دوليًا، وداخل في اتفاقيات تضمن تدفق المال لإعادة الإعمار سريعًا، بالإضافة إلى أنّ مؤسسات ووزارات السلطة هي عمليًا من تعمل في القطاع، مثل وزارة الأشغال والصحة الفلسطينية والتعليم وغيرها.
هذا الخيار سيعيد اللُحمة الوطنية، وينهي الانقسام، ويجهض مشروع الاحتلال بفصل الضفة عن غزة، ويسحب كل مبرر أمامها، وأمام العالم. وهو ليس إقصاء لحركة حماس ولا استبدالاً لها بالمطلق، وإقصاء أي طرف أمر غير وارد في الحالة الفلسطينية، وإنما الأمر يتعلق بالمرجعيات الدولية، ويفترض أن تعي حركة حماس أهمية هذه النقطة، دون ذهابها إلى تقديم المبادرات كي تنال قبولاً أمريكيًا، فمثل هذا الأمر يعتبر خطيرًا من ناحية فتح شهية الولايات المتحدة لإبقاء الانقسام الفلسطيني قائمًا.
حماس اليوم بإمكانها الانضمام لمنظمة التحرير، وبذلك تقطع الطريق حتى على الولايات المتحدة وإسرائيل في مواصلة اتهامها بالإرهاب، وهو الأمر الذي أكدته المنظمة عندما رفضت فكرة وصم حركة حماس بالإرهاب بعد 7 أكتوبر.
التصريحات الأمريكية والإسرائيلية بعدم قبول مشاركة حماس في إدارة غزة جدية، لكنّها لا يُمكن أن تُقصي حماس داخليًا. ويفترض بحركة حماس أن تأخذها بجدية، لأن استمرار وجودها في الحكم يعقد الحالة المعيشية أمام الفلسطينيين، وقد يدفع عمليًا باتجاه هجرة خارجية، وتراجع في شعبية الحركة، وفي الحالتين ستكون حماس قد أحدثت خللًا يُمكن تلافيه إذا ما استطاعت التخلي عن فكرة الحكم بالتفاهم مع فتح والسلطة الفلسطينية.
على صعيد الضفة، فالتحديات كبيرة جدًّا ويتمثل أبرزها في حالة تراجع برنامج المواجهة ضد إسرائيل، خصوصًا وأن التجربة في غزة كانت نتائجها صعبة، بالإضافة إلى الوضع العربي والإقليمي والدولي الذي يشهد تغيرات كثيرة، تزيد من تحديات السلطة، فضلًا عن الحالة السياسية الداخلية.
أما الخيارات الفلسطينية، فيتمثل أبرزها في ضرورة الاقتناع الفصائلي والشعبي بضرورة بقاء الفلسطيني وصموده في أرضه، وعدم التوجه في هذه المرحلة إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل، لأن إسرائيل تعمل جاهدة للوصول إلى ذلك، وبالتالي المطلوب الإسراع في الوحدة الوطنية، وتعزيز المسار الدبلوماسي الدولي.
![](https://vision-pd.org/wp-content/uploads/2025/02/resim-5.png)
أ. فراس ياغي، كاتب ومحلل سياسي، القدس
يتوجب على الفلسطينيين التركيز على كيفية إحداث توافق داخلي على مستوى الضفة وغزة، وإن لم يكن ذلك متاح، فعلى الأقل التوافق في غزة، بهدف إغاثة الناس وإيوائهم، وإعادة الإعمار، والبدء بخطة شاملة للاستفادة من تداعيات الطوفان على المستوى الدولي والإقليمي، وتنشيط الحركة القانونية للمطالبة بمسار إقامة الدولة الفلسطينية. الأولوية الثانية هي في ساحة الضفة الغربية، بحيث تتركز الجهود عبر انتفاضة شعبية وطنية شاملة في وجه الاستيطان، بالتالي أن ينتقل المشهد المقاوم للضفة من خلال حالة توافق وطني فلسطيني لمواجهة كل المخططات التي ترمي إلى السيطرة عليها.
استدامة وقف الحرب مرتبطة بالضمانات التي حصلت عليها المقاومة من الوسطاء بمن فيهم أمريكا بهدف الوصول إلى المرحلة الثانية، لكن الضمانات الحقيقية تكمن في قدرة المقاومة على الصمود وتمسكها بورقة الأسرى الإسرائيليين، وكذلك في صمود شعبنا، إضافة لتحريك المجتمع الدولي في مواجهة محاولات الخرق الإسرائيلية.
أما شرط ألا تكون حماس في إدارة غزة، فهذا شرط إسرائيلي وأمريكي وأوروبي وكذلك رسمي عربي قبل إعمار القطاع، ولكن المعضلة الأكبر هو شرط السلطة الفلسطينية التي لا تريد أيضًا أن تكون حماس في الحكم، ورفضها أن تتوافق مع حركة حماس على إدارة غزة، هذه الفجوة تتطلب تدخلًا إقليميًا تركيًا مصريًا للتوافق على حكومة تكنوقراط فلسطينية. المطلوب من فتح أن تتنازل وتوافق على تطبيق ما تم التوافق عليه في اتفاق بكين، وعلى حماس أيضًا أن تسهّل تشكيل حكومة تكنوقراط تقود غزة والضفة، ولا تعترض في المرحلة الأولى على أي شيء، وأن تنتظر حتى نهاية المرحلة الانتقالية التي يمكن أن تفضي إلى انتخابات، بغير ذلك سيبقى فراغ قد يدفع أطرافًا دولية أو إقليمية لفرض البديل.
السلطة الفلسطينية بالضفة لديها مشكلة حقيقية، إذ تطرح النضال الشعبي السلمي للاحتلال، ولكنها لا تمارسه على أرض الواقع، فالنضال الجماهيري في لحظة معينة قد يتحول إلى مواجهة مباشرة مع الاحتلال، والسلطة لا تريد ذلك، فهي تتناقض مع نفسها، واليمين الإسرائيلي لا يقبل بأي طرف فلسطيني. السلطة تعتمد على مفهوم النضال الدبلوماسي الدولي والضغط الأمريكي، ولكن ذلك لم يحقق شيئًا، بل وفّر غطاء توسع للاستيطان، وبالتالي السلطة لم تعد مقنعة للشارع الفلسطيني، وغير قادرة على وقف مخططات الاحتلال، وهذا يتطلب منها ضرورة العمل لأجل التوافق الداخلي على مواجهة الحكومة اليمينية الإسرائيلية، وتبدو خيارات السلطة محدودة، ولم يعد لديها الوقت الكافي لتطبيق أي خطوات.
![](https://vision-pd.org/wp-content/uploads/2025/02/resim-6.png)
د. حسام الدجني، أستاذ العلوم السياسية، غزة
ترتيب الأولويات الفلسطينية يبدأ بتغليب المصالح الوطنية على المصالح الحزبية، فالمطلوب اتخاذ قرار عاجل وفوري بتطبيق مخرجات اتفاق بكين، لا سيما بند تشكيل حكومة تكنوقراط بتوافق وطني؛ لإغلاق الباب أمام فرض أية رؤية خارجية، وتجنّب مزيد من الانقسام الذي سيفشل مشروع الإعمار، وهو ما يساهم في زيادة معدلات الهجرة الطوعية أو تعزيز فرص الانفصال. الأولوية الثانية تتمثل في تقديم مشكلات غزة في القضايا كافة كأولوية قصوى، لأن هناك تناقضات داخلية وخارجية حول أولويات غزة قد ترقى لصراع يعطل المسار بشكل كامل. والأهم أيضًا في هذه المرحلة أن يكون هناك قدرة انضباطية عبر الالتزام ببنود الاتفاق، ومحاولة ضبط السلوك والخطاب، حتى لا تستغله إسرائيل مبررًا للتعطيل.
ضمانات استمرار الاتفاق تكمن بتفعيل المرجعيات الضامنة للاتفاق عند كل خرق وهي مصر وقطر والولايات المتحدة.
بتقديري، إنّ الحديث عن إمكانية إقصاء حماس عن إدارة القطاع أمر غير واقعي، فالبناء المؤسسي والإداري الموجود حاليًا في غزة متكامل الأركان، وأثبت قدرته على الاستمرارية حتى في ظل هذه الحرب، بالتالي، فأي بديل عنه سيكون عملية تغير كامل غير واقعي، وهو ما يدركه الجميع بمن فيهم الطرف الأمريكي، فحماس لم تعد عنوانًا فقط، بل هي نظام سياسي وإداري متكامل ينقصه فقط القبول والشرعية الدولية، بل إن فكرة إقصاء أي طرف أو فصيل فلسطيني أمر مستحيل، والبديل هو التشاور والاستماع للمواقف، ومحاولة بلورة حلول عقلانية مقبولة لإدارة الحياة في غزة.
![](https://vision-pd.org/wp-content/uploads/2025/02/Screenshot-2025-02-12-at-14-54-41-1292335806.JPG-JPEG-resmi-1024-×-576-piksel.png)
د. أيمن دراغمة، نائب سابق في المجلس التشريعي الفلسطيني، رام الله
الأولويات الفلسطينية تنقسم إلى أولويات عاجلة؛ تتمثل بالبعد الإغاثي الإنساني وصولًا إلى إعادة الإعمار، وهذا يتطلب سعيًا جادًّا لتذليل العقبات أمام إدارة شؤون القطاع عبر هيئة أو مرجعية تمثل الكل، ويعلن عنها تحت عنوان رسمي لإدارة شؤون القطاع لفتح آفاق التعاون والتواصل. هذا قد يشكل مدخلًا أيضا لمطالبة حركة فتح بتحمل المسؤولية الوطنية فيما يتعلق بتغيير سياسة السلطة للذهاب باتجاه تشكيل قيادة موحدة وحكومة توافق وطني، أو حكومة طوارئ استجابة لمتطلبات المرحلة.
الأولوية الثانية هي على الصعيد الإستراتيجي؛ بوضع الهدف السياسي المتمثل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة عنوانًا رئيسًا في كل الطروحات والرؤى السياسية، ونقل هذا الهدف بشكل فاعل على طاولة أي حراك دولي، ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في ظل استمرار رفض الاحتلال الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وقطع الطريق أمام أية أطروحات أخرى تهدف لتمرير مشاريع تنتقص من حق الشعب الفلسطيني.
كما يتوجب على الجميع دمج مؤسسات الشتات الفلسطيني في جميع المجالات؛ لدعم وإسناد أهالي غزة والضفة، فهذه المرحلة بحاجة لتفاعل ومساحة أكبر يقوم بها فلسطينيو الشتات.
أما ضمانة استمرار توقف الحرب، فتكمن في الذهاب إلى صفقة سياسية برعاية وضغط دولي، تفضي إلى قيام دولة فلسطينية وحصول الشعب الفلسطيني على الحدود الدنيا من مطالبه المتوافق عليها، وتبدو الظروف مناسبة ومؤاتية لذلك، ولكن تتطلب من الفلسطينيين ترتيب أوضاعهم، ونزع الذرائع التي تحول دون ذلك.
لا شك أن الخلاف بين موقفي السلطة الفلسطينية والمقاومة يشكل عائقًا وعقبة أمام إعادة الحياة لأهلنا في غزة، ويوفر الذريعة للذين لا يرغبون بتضميد جراح القطاع، وربما يكون تشكيل لجنة وطنية لإدارة شؤون القطاع تضم الجميع، حلًا عمليًا، وهذا أقل الواجب الذي يجب أن يتحمله الجميع لإيصال أدنى وأبسط متطلبات الحياة لأهلنا في غزة.
أما مطلب تهميش حماس وعدم القبول بها، فليس بالجديد، وكان شرطًا للرباعية الدولية وأمريكا لرفع الحصار عن غزة منذ عام2007، ولكن هذا الشرط يتناقض مع قبول هذه الأطراف بعملية تفاوض حول وقف الحرب وإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، ما يدلل على أن هناك تزحزحًا في هذه المواقف، خاصة بعد أن ثبت للعالم بأن الحاضنة الشعبية للمقاومة على حالها، ولنزع هذه الذريعة فإن ما طرح من تشكيل لجنة وطنية تضم الجميع يشكل مخرجًا لذلك.
بالنسبة لخيارات السلطة أمام اليمين المتطرف، فليس أمامها من سبيل سوى تغيير مسارها، والقبول بالشراكة الفلسطينية، وإلا ستجد نفسها في حالة عزلة وغربة عن الشارع الفلسطيني وهمومه وتطلعاته، مما يهدّد مستقبلها، بل ومستقبل حركة فتح أيضًا.
![](https://vision-pd.org/wp-content/uploads/2025/02/resim-8.png)
شادي الشرفا، باحث دكتوراه ومختص بالشأن الإسرائيلي، القدس المحتلة
الأولويات الأساسية الفلسطينية هي إعادة الإعمار والبدء بإعادة ترميم البنية التحتية، ابتداء من الشوارع وشبكات المياه والكهرباء، والقطاع التعليمي، باعتبارهما قضايا أساسية، إضافة لفرض النظام وقطع الطريق على اللصوص وقطّاع الطرق الذين كانوا جزءًا من أدوات الاحتلال ومنظومته الاستعمارية خلال الحرب، وصولًا إلى رفع الحصار كله. وهذا لن يتحقق دون أن يكون هناك مفهوم للوحدة الوطنية، وصياغة إستراتيجية واضحة لإنهاء الانقسام وترتيب البيت الفلسطيني الداخلي.
تصريحات نتنياهو واضحة في أنه يسعى لوضع العقبات أمام تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، والاتفاق الذي وقعه مع وزير ماليته سموتريش قد يكشف هذه النوايا، لذلك فالمطلوب هو رقابة دولية فعّالة، وعقوبات دولية يمكن أن تفرض على إسرائيل في حال عدم الإيفاء بالتزامها، وعلى الرغم من صعوبة ذلك، في ظل المنظومة الدولية التي تهيمن عليها أمريكا، لكان ممكنًا أن نلزم الاحتلال لو أنّ لدينا صوتًا فلسطينيًا موحدًا. ويبدو أن أهم ضمانة لاستمرار وقف إطلاق النار هي قوة المقاومة، وإعادة بناء قدراتها كقوة رادعة. فالفلسطينيون بحاجة إلى إرادة مشتركة لإدارة غزة تشارك بها الفعاليات والقوى الوطنية الفلسطينية كافة بغزة، وكل ذلك لا يقلل من المسؤولية التي تقع على المجتمع الدولي للقيام بدوره وتحمل مسؤولياته.
أما المطلوب من حركتي فتح وحماس، فباعتقادي أن حماس تسعى بشكل جدّي نحو المصالحة أكثر من حركة فتح، التي ما زالت تتمرس خلف المواقف الاقصائية، إذ رفضت السلطة المشاركة في لجنة الإسناد المجتمعي لإدارة غزة، وهذا يعني أنها من يعرقل ترتيب الأوراق الفلسطينية، وليست أولوية الشارع الفلسطيني بشكل عام أو غزة بشكل خاص الذهاب نحو انتخابات، لكن على الأقل لحين الوصول إلى تلك المرحلة يجب العودة إلى المسارات الفلسطينية الواضحة والهادفة إلى وقف جرائم الاحتلال، وهذه قضية جوهرية، ولهذا السبب يجب العودة إلى إطار القاهرة عام 2005 الذي حدد معايير الوحدة والشراكة الوطنية وترتيب البيت الفلسطيني، ليس فقط بالداخل، وإنما أيضًا بالخارج الذي على أساسه يمكن تفعيل منظمة التحرير.
بخصوص إقصاء حماس، فهذه قضية مستحيلة، وفكرة ألا يكون هناك دور لحماس في إدارة غزة، وشعار النصر المطلق الذي وضعه نتنياهو هو فقط من باب خلق الذرائع لاستمرارية الحرب، فحماس جزء من النسيج الوطني الفلسطيني، وإقصاؤها هو إقصاء قطاع واسع من الفلسطينيين، وفرض أية شروط على حماس يعمق الأزمة ولا يساعد في حلها. إذ يكمن الحل ليس بفرض الشروط وإنما التوافق الداخلي على برنامج سياسي فلسطيني، وهذا ما جرى التوافق عليه بالسابق، وما يجب الالتزام به. ولكن الإشكال ما زال قائمًا بعدم توفر النية الوحدوية، وبقاء فكرة الإقصاء تسيطر على عقلية السلطة وفتح.
أما مستقبل الضفة، فالوزير المتطرف في حكومة نتنياهو سموتريش يدير كل هذه الإجراءات بشكل سريع، ونحن أمام نموذج أبرتهايد عنصري، وهذه المسألة بحاجة إلى اتخاذ إجراءات لمواجهتها أمام محاولات نتنياهو للحصول على اعتراف واضح من إدارة ترامب بها، ونخشى أن تكون فعليًا هي هدية ترامب لنتنياهو، والحل يمكن في إنهاء الانقسام ووقف كل أشكال التنسيق الأمني مع الاحتلال، وما عدا ذلك فالخيارات محدودة أمام السلطة.
![](https://vision-pd.org/wp-content/uploads/2025/02/resim-9.png)
توفيق طعمه، كاتب ومحلل سياسي فلسطيني، لوس أنجلوس
الأولويات الفلسطينية تكمن في إنهاء الانقسام، وتشكيل حكومة انتقالية تشارك بها جميع الفصائل لإدارة غزة، أو الضغط على الرئيس الفلسطيني لإصدار مرسوم لتفعيل لجنة الإسناد المجتمعي التي وافقت عليها جميع الفصائل في القاهرة.
أما الضمان لاستمرارية اتفاق وقف إطلاق النار، فيتمثل في الضغط الأمريكي على نتنياهو، وبطبيعة الحال موقف الشارع الإسرائيلي الذي يشاهد عمليات الإفراج المتتالية عن أسراه.
أعتقد أن حماس أثبتت بعد هذه الحرب أنها تحظى بدعم شريحة واسعة من الشعب الفلسطيني لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها، ولا يحق للمجتمع الدولي أن يبتز أو أن يملي على الفلسطينيين شروطه. فحماس والفصائل الأخرى وافقوا على تشكيل لجنة الإسناد من أعضاء مستقلين وغير منتمين لفصيل معين، وبقيت موافقة فتح والسلطة، وأعتقد أن هذا مخرج مهم لقطع الطريق أمام المجتمع الدولي وتبريراته.
التحدي المفروض أمام السلطة في الضفة، كما صرح نتنياهو واليمين المتطرف هو أنه لا مستقبل للسلطة، وبذلك يظهر أن خيارها الوحيد هو تغيير منهجيتها والانخراط مع باقي الفصائل لمواجهة التحديات الخطيرة القادمة في ظل الحديث عن مشروع ضم الضفة.
![](https://vision-pd.org/wp-content/uploads/2025/02/Screenshot-2025-02-12-at-14-58-21-ياسر-أبو-هين-Googleda-Ara.png)
ياسر أبو هين، رئيس تحرير وكالة صفا، غزة
الأولويات الفلسطينية تنقسم إلى شقين؛ الأول يتمثل بضرورة وجود خطة عمل تشمل البدء بتخفيف ومعالجة بعض من آثار الحرب وإغاثة الناس، وترتيب آليات تعويض الناس، وبدء الإعمار الذي سيكون الملف الأكثر تعقيدًا قياسًا بالتجارب السابقة، فهذا الملف يحتاج لتشكيل حالة ضغط فلسطينية على المستوى الدولي والإقليمي لمباشرة العمل به. أما الشق الثاني فله علاقة بشكل النظام السياسي أو طريقة إدارة قطاع غزة والحالة السياسية الفلسطينية الداخلية، وهي الإشكالية التي تمتد منذ ما قبل الحرب، فليس هناك بارقة أمل بإعادة الوحدة وإنهاء الخلافات والانقسام والالتقاء على برنامج واحد يحقق للشارع الفلسطيني تطلعاته، ولكن الآن أصبحت الفرصة مواتية لالتقاطها بهدف حل الخلاف الداخلي، وإعادة لملمة المشروع الوطني، وتشكيل حالة فلسطينية في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية.
بخصوص الضمانات الموجودة باتفاق وقف إطلاق النار، باعتقادي هي كافيه لعدم العودة للحرب لعدة أسباب، أولها الضغط الأمريكي الواضح، وهو ما دفع بقبول إسرائيل للاتفاق، وثانيًا ليس هناك أي مبرر لإسرائيل في حال تم تمرير الصفقة بمراحلها للعودة من جديد للحرب، الأمر الثالث هو الوسطاء الذين لديهم من القدرة ما يكفي لحل أي تعقيدات قد تنشأ في المستقبل القريب في تفسير بنود هذا الاتفاق، وهذا سيشكل دافعًا للجميع للمحافظة على اتفاق وقف إطلاق النار.
مستقبل إدارة القطاع والفجوة بين الأطراف الفلسطينية، أحد عوامل إبطاء الوصول إلى وقف إطلاق النار قبل التوقيع عليه لاحقًا، فالسلطة كانت تراهن على أن استمرار الحرب قد يخلق فرصة للقضاء على حماس كمشروع مضاد لمشروعها، وهي في البداية تعاطت مع الطرح المصري بتشكيل لجنة إسناد، لكن عندما أدركت أن حماس ستكون جزءًا منها تراجعت عن ذلك. المطلوب من حركة حماس قدمته، وهو خروجها من مشهد إدارة غزة، وقدمت أسماء يمكن أن تكون توافقية من خارج الحركة، بالتالي المطلوب الآن هو خطوة من قبل السلطة بألا تضع العصي في دواليب هذا المقترح، باعتباره مقترحًا مناسبًا للجميع للخروج من هذه الأزمة.
في تجارب سابقة، لم تطلب حركة حماس أن يكون لها دور في إعادة الإعمار؛ حتى لا يتخذ ذلك ذريعة لعرقلة هذا الملف، فبعد حرب عام 2014 عندما وُضعت آلية لإعادة الإعمار، ورغم تحفظات الحركة عليها، إلا أنها وافقت عليها وقدمت كل التسهيلات المطلوبة للبدء بالإعمار، وهي مستعدة لذات الأمر. ومحاولة البعض وضع الشروط على حماس هي من باب الأماني أن تختفي حركة حماس من المشهد، وليست مرتبطة بمعارضة حماس لأي آلية يمكن التوافق عليها للإعمار.
أما خيارات السلطة أمام المشروع الإسرائيلي في الضفة، فللأسف أنها تخلت عن كل الخيارات، وبدأت تفقد الحاضنة الشعبية جرّاء الكثير من سوء التقدير في ممارساتها، وستكون أكثر من يدفع الثمن في ظل المشروع اليميني الإسرائيلي بالضفة، وما زالت السلطة تحاول أن تسترضي الأطراف الدولية على حساب الحقوق الفلسطينية وتكبيل يد المقاومة بالضفة.
![](https://vision-pd.org/wp-content/uploads/2025/02/resim-11.png)
د. محسن صالح، رئيس مركز الزيتونة للاستشارات والدراسات الإستراتيجية، بيروت
الأولويات الفلسطينية تبدأ بالترتيبات لليوم التالي بعد الحرب، من حيث الإدارة الحكومية وإدارة المعابر التي يجب أن تكون شأنًا فلسطينيًا داخليًا يقرره الفلسطينيون، ثم ضرورة إيجاد حد معقول من التوافق الوطني الفلسطيني على إدارة القطاع لملء الفراغ، وتشكيل الإطار القيادي والإداري الحكومي لغزة بشكل توافقي، يقوم على مبدأ القدرات والمهارات، وتلبية احتياجات أهالي القطاع، وكذلك ضبط الأمن وعدم المساس بسلاح المقاومة، فهو الوحيد القادر على حماية غزة، وأيضًا التوافق على برنامج مستعجل لمواجهة المخاطر الكبرى التي تتعرض لها الضفة الغربية ومن ضمنه تقوية السلطة في ظل محاولة تحويل الضفة إلى كانتونات، وضرورة الانفتاح على المجتمع العربي والدولي ومقاومة التطبيع مع الاحتلال، وتجريم الكيان الصهيوني أمام المجتمع الدولي من خلال المسار القانوني الدولي.
أما بخصوص ضمانات استمرار وقف الإبادة فهي تتمثل أولا في تعزيز التماسك الفلسطيني الداخلي، وخلق أجواء الوحدة الوطنية، وعدم فتح ثغرات للعدو وشركائه للنفاذ من خلالها، ثانيصا: المحافظة على سلاح المقاومة وتعزيز روح الإرادة والقدرة على الانتصار وكسر روح الهزيمة، وإيصال رسالة للعدو أن المقاومة قادرة على الصمود في حال رغب العدو باستئناف الحرب، ثالثًا: سرعة تفعيل الأجهزة الأمنية والخدمات الإنسانية والإدارية في غزة، وإيصال رسالة تؤكد قدرة الشعب الفلسطيني على إدارة مؤسساته بنفسه. رابعًا: التواصل الفعّال مع البيئات العربية والدولية لممارسة الضغوط على الاحتلال الإسرائيلي، وتجريمه عالميًا، وتكريس السردية الفلسطينية، بحيث يفكر الاحتلال مئة مرة قبل العودة إلى حرب الإبادة.
على صعيد ترتيب البيت الداخلي، فإن حركتي فتح وحماس مطالبتان بالارتقاء لمستوى التحديات من خلال ترتيبات على مستويين؛ الأول مستعجل بالتوافق على المشتركات والأسس والثوابت وهذا ممكن. أما المستوى الثاني فيتمثل في صياغة برنامج حقيقي لترتيب البيت الفلسطيني على أساس المصالح الفلسطينية والثوابت العليا والتمثيل الحقيقي والجاد والمتناسب بما يشمل الكل الفلسطيني بمن فيهم فلسطينيو الخارج.
أما الحديث حول إقصاء دور حماس في غزة فهي ادعاءات مرفوضة، فالشعب الفلسطيني حر في انتخاب واختيار من يمثله، وهذا شأن داخلي فلسطيني يقرره الفلسطينيون، ومن المضحك أن يختار المحتل قيادة يُفترض أنها تريد أن تحرر شعبها من هيمنته. انتظار الرضى الإسرائيلي أو الأمريكي عند اختيار القيادة للمرحلة المقبلة يعني ضربًا لمشروع التحرر الفلسطيني، وتكريسًا للاحتلال. كما أن حماس ليست فئة معزولة وصغيرة داخل المجتمع، بل إنها تملك قاعدة جماهيرية كبيرة توافقها على نهج المقاومة.
أما بخصوص أبرز ما يواجه السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية فيتمثل في خطر الضم. ترامب وفريقه لا يؤمنون بمسار التسوية السياسي، ويتحدثون أن الضفة هي وعد توراتي ديني لليهود، وهذا يجعلنا نتخوف من المخاطر الحقيقية التي تتهدد الضفة، وكذلك كيان السلطة نفسه في ظل الحديث عن تحويل الضفة إلى كنتونات معزولة، عبر إنهاء أوسلو وإفقاد السلطة مبررات وجودها والعمل على حلها. بناء على ذلك فالخيار الأساس للسلطة هو الاحتماء بالشعب والحاضنة الفلسطينية، وعليها الاستعجال في بدء حوار وطني لترتيب البيت الفلسطيني ومراعاة المصالح العليا للشعب، وباعتبار حركة فتح تمتلك مفاتيح منظمة التحرير فعليها فتح الباب أمام تمثيل الكل الفلسطيني من خلال الحوار الجاد والترتيبات التي يمكن من خلالها مواجهة التحديات الخطيرة التي تواجه القضية الفلسطينية.
![](https://vision-pd.org/wp-content/uploads/2025/02/resim-12.png)
وسام عفيفة، كاتب ومحلل سياسي، غزة
ما تعرض له قطاع غزة كان صعبًا وقاسيًا ضمن ثلاثية القتل والتجويع والدمار، بالتالي تأتي الأولويات الفلسطينية انطلاقًا من مسار الإغاثة الإنسانية، ومحاولة تحسين ظروف حياة السكان الإنسانية الذين تعرضوا لكل هذه المعاناة، والمطلوب تشكيل أكبر تجمع مؤسساتي متخصص بالإغاثة الإنسانية على المستوى الإسلامي والعالمي، لبدء مشروع إغاثة عاجلة ومستمرة لغزة. الأولوية الثانية هي ضمان حالة الاستقرار والشعور بالأمان، وهذا دور المؤسسات التي تعنى بهذا الشأن داخل القطاع، فإشعار المواطن بحالة الأمان وعدم فتح المجال أمام أي حالة فلتان أو تجاوز للقوانين أو الاستقواء على المواطنين يمكّن الحاضنة الشعبية من استعادة مكانتها بسرعة. ويجب إنهاء أي حالة فلتان حاول الاحتلال أن يخلقها ويستقوي بها على المواطنين خلال فترة الحرب، لأن ذلك أيضًا يفتح الطريق أمام المؤسسات الدولية كي تعمل على تفعيل برامجها الإغاثية. وقد تظهر لاحقًا أثناء تطبيق الاتفاق حاجات وأولويات ملحة يجب متابعتها أولًا بأول.
أما بخصوص ضمانات الحرب، فما زلنا في حالة ضبابية وعدم استقرار لما قد تؤول إليه المراحل الأخرى، ونحن في مرحلة اختبار أمام الوعود التي قُدمت مقابل محاولة التخريب والتهرب الإسرائيلي، ويبقى الدور الأمريكي دورًا محوريًا في توفير ضمانة وقف الحرب، وفرض حالة الضغط على نتنياهو. أما الضمانة الأخرى فتتمثل في قدرة المقاومة على الثبات وكيف يمكن أن تجتاز أي عقبات يحاول الاحتلال أن يحولها لصاعق تفجير، هذا بحد ذاته يتطلب البحث عن الخيارات والسرعة في إيجاد البدائل. الاتجاه الثالث هو تحريك المجتمع الإسرائيلي كي يبقى ضاغطًا على نتنياهو، وهذا باعتقادي أمر يحتاج إلى فهم طبيعة الرسائل التي يمكن أن توجّه إلى الداخل الإسرائيلي، لتعطيه مؤشرات على أن أي حالة انهيار للاتفاق سيكون تأثيرها عكسيًا عليه في نواحٍ متعددة.
إن قطاع غزة يتعرض لصراع إرادات ما بين ثلاثة أطراف، الاحتلال الإسرائيلي الذي حاول أن يخلق واقعًا جديدًا. الإرادة الثانية هي إرادة السلطة الفلسطينية التي أرادت أن تعود إلى حكم القطاع بشكل منفرد. والإرادة الثالثة إرادة حماس والمقاومة التي ترى أن اليوم التالي سيكون استثمارًا لنتائج معركة الصمود التي خاضتها. وقد أعلنت الحركة عن رغبتها في التخلي عن حكم قطاع غزة، ولديها قرار في نقل ملف الحكم والإدارة، لكنها مصرة أن يكون ذلك شأن فلسطيني بامتياز، وألا يكون مناقضًا أومناهضًا للمقاومة، وبالتالي ما زالت غزة بانتظار هذه المسارات، ومن يستطع أن يثبت نفسه على الأرض هو من يستطيع أن يعزز أيًا من هذه الإرادات.
فيما بتعلق بالدور المستقبلي لحماس، فهو ينطلق من مرونة إلى حد بعيد وهو ما قد يمنحها بيئة أكثر للمناورة، وتحررًا من عبء إدارة غزة لوحدها، ويعطيها قدرة على ترميم ما تسببت به الحرب على قدراتها العسكرية وغير العسكرية، ولكن هذا الأمر له محاذير، إذ يعتقد البعض أن إدارة غزة يجب أن تكون مرتبطة بضمان ملف الأمن من خلال مراقبة محاولات تقويض المقاومة، وهذا ما لن تسمح به حماس، فهي خاضت معركة بهذا الحجم على مدار 15 شهرًا ولن تقبل أن ترضخ لاتفاقيات أو شروط تمس برنامج المقاومة، والشرط على حماس بعدم البقاء في الحكم أمر أبدت فيه ما يكفي من المرونة، لكن دون أن يشكل ذلك خطرًا على مشروعها المقاوم.
أما السلطة الفلسطينية فهي في حالة ضعف، ولن تستطيع في ظل حكم اليمين الإسرائيلي المتطرف إعادة تعزيز نفسها بالضفة، وسيبقى دورها ثانويًا جزئيًا مرتبطًا بوظيفة أمنية، وأقصى ما ستحصل عليه في الضفة هو المقايضة ما بين دور وظيفي أمني مقابل دور إداري بسيط، تحافظ فيه السلطة على هياكلها بالحد الأدنى، ولن تكون قادرة على مواجهة المشاريع السياسية التي قد تطرحها إدارة ترمب. والسلطة الآن في أضعف حالاتها فهي غائبة في مشهد اليوم التالي للحرب، والاحتلال مصرّ على ألا يكون لها دور سياسي مستقبلي، فهي اليوم تقاتل عن وجودها وليس على توسيع مستقبلها ودورها السياسي.