دورة المجلس المركزي الفلسطيني وتحديات المرحلة
لتحميل الملف اضغط هنا
أيمن دراغمة
يعتبر المجلس المركزي الفلسطيني من أحد أهم مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وهو بمثابة برلمان المنظمة الفعلي، نيابة عن المجلس الوطني كونه هيئة منبثقة عنه وتقوم بدوره، وبسبب تعذر انعقاد الوطني بسهولة، لكثرة عدد أعضائه وتوزعهم وصعوبة اجتماعهم بيسر. وقد تم اتخاذ القرار بإنشاء المركزي في الدورة الحادية عشرة للمجلس الوطني، والتي عقدت في القاهرة عام 1973، من أجل مساعدة اللجنة التنفيذية في تنفيذ قرارات المجلس الوطني وتوصياته في الفترة الواقعة بين دورتي انعقاده. ويتم تنظيم عمل المجلس المركزي من حيث العضوية والمهام والجلسات وغيره، من خلال اللائحة الداخلية للمجلس.
عقد المجلس منذ تشكيله 30 دورة، كان آخرها في رام الله بتاريخ 28-29\1\2018 تحت شعار (الخان الأحمر والدفاع عن الثوابت الفلسطينية)، والتي قاطعتها عدة فصائل فلسطينية مثل حماس، والجهاد، والشعبية، والديمقراطية، والمبادرة الوطنية.
اتخذ المجلس منذ تأسيسه قرارات هامة ووازنة في الشأن الفلسطيني، منها إعلان دولة فلسطين واختيار ياسر عرفات رئيسا لها، وقرار إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، وفي دورته الأخيرة اتخذ قرارا بوقف العمل بالاتفاقيات مع الاحتلال ووقف التنسيق الأمني، ورفض صفقة القرن، وبضرورة إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة.
إشكاليات بنيوية وقيادية
مما يؤخذ على المجلس المركزي أن دورات الانعقاد غير منضبطة وفقا للائحة الداخلية، والتي تنص على أن المجلس يعقد جلساته مرة كل ثلاثة أشهر، بدعوة من رئيسه الذي هو رئيس المجلس الوطني، لكن المجلس عقد منذ تأسيسه 30 جلسة فقط، أي خلال 47 عاما، وبنسبة لا تتجاوز16% من عدد الجلسات المفترضة وفقا للنظام الداخلي للمجلس.
زيادة على ذلك فإن قرارات المجلس، ورغم أهميتها، لا تنفذ جميعها، ولا تتابع، ولا يتم محاسبة اللجنة التنفيذية ومساءلتها عنها في بداية الدورة، وفقا للمقتضى التنظيمي، مع أنه عادة ما يتم تقديم تقرير من قبل أمين سر اللجنة التنفيذية، لكنه أشبه ما يكون بالبيان السياسي، كذلك يستثني المجلس حركتي حماس والجهاد.
تغليب التوافق شعار الدورة
دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس لعقد جلسة للمجلس المركزي الفلسطيني، وذلك خلال ترؤسة اجتماع الأمناء العامين للفصائل، والذي عقد يوم 3\9\2020 عبر نظام الفيديو كونفرنس بين رام الله وبيروت، والذي جاء كأحد مخرجات عملية التقارب بين حركتي فتح وحماس، وتلبية من الرئيس لمطلب اجتماع القيادة الفلسطينية.
وتأتي هذه الدعوة في سياق سلسلة الإجراءات والاجتماعات التي اتخذتها السلطة والفصائل كثمرة لعملية التقارب الفصائلي وخاصة بين حركتي حماس وفتح، لمواجهة صفقة القرن، وما تبعها من تطبيع للعلاقات بين دولة الاحتلال والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، وفتح المجال الجوي السعودي أمام طيران الاحتلال. ويعقد هذا الاجتماع في مرحلة وصفها الرئيس الفلسطيني بأنها شديدة الخطورة، وتواجه فيها القضية الفلسطينية مؤامرات ومخاطر شتى.
الرئيس الفلسطيني من طرفه، يريد من المجلس المركزي، ليس فقط المصادقة على القرارات التي تم اتخاذها في اجتماع القيادة ولقاء الأمناء العامين للفصائل، بل وكما يبدو بأن هناك خشية حقيقية لدى أبو مازن فيما يتعلق بموقعه كرئيس للسلطة والمنظمة، وخوفه الحقيقي من مشاريع لتغيير الوضع الحالي فيما يتعلق بالنظام الرسمي الفلسطيني، ولذا فتعزيز الشرعية، والتأكيد على موقعه في أعلى الهرم ربما يكون الهدف الأول بالنسبة له ولفتح بالتحديد.
في المقابل، الفصائل الفلسطينية بما فيها حماس والجهاد، على الأرجح، لن يكون لديها تحفظات لعقد هذا الاجتماع وفقا للسياق الحالي للتقارب، ولا يتوقع أن يكون هناك شروطٌ أو معارضة للمشاركة، خاصة وأن ذلك يأتي ضمن سياسة الاصطفاف الوطني في مواجهة مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية. كما أن حماس بالتحديد تريد التأكيد على التزامها بالمصلحة الوطنية المشتركة، وأملا في دفع عجلة إصلاح الوضع الفلسطيني الداخلي للأمام.
ومن الجدير بالذكر، أنه طيلة السنوات الماضية كانت مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بما فيها المجلس المركزي محل خلاف بين الفصائل، بسبب عدم التزام السلطة بالوفاء بمخرجات اتفاق القاهرة 2005، والتي كان منها التوافق على إصلاح مؤسسات المنظمة لتصبح بيتا للكل الفلسطيني، حيث إن ما تم في هذا الإطار اقتصر على إجراء الانتخابات الرئاسية عام 2005، والتشريعية عام 2006 فقط، ولم يتم تنفيذ بقية البنود المتعلقة بتشكيل مجلس وطني جديد ومجلس مركزي، ولجنة تنفيذية من خلال ما تم التوافق حوله.
لكن ربما وبسبب الوضع الحالي الصعب في جميع جوانبه لدى الجميع، سيتم إيثار تأجيل الحديث في كل ما هو محل خلاف، والالتقاء حول ما هو متفق عليه. كما أن حاجة الأطراف لبعضها، ستدفعها للتوافق والإعداد لتوفير الظروف المناسبة لنجاح عقده، لأسباب داخلية وخارجية، ولذا فالمتوقع أن لا يكون موضوع انعقاد المجلس محل خلاف معلن، ويتوقع أن يتم تذليل كل العقبات لتسهيل انعقاده وبمشاركة الجميع.
مسؤولية وطنية غير مسبوقة
بناء على كل ما سبق و لتغير مسار العلاقات الفلسطينية الداخلية من ناحية، نحو مزيد من التقارب والتنسيق في مواجهة المخططات الإقليمية والدولية والمحلية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، فهناك حاجة لدى جميع الأطراف لإنجاح عقد جلسة المجلس المركزي المقبلة، أملا في أن تساهم في توفير منصة وطنية مشتركة لمناقشة ملفات الشأن الفلسطيني المختلفة، والخروج بقرارات وخطة عمل وخارطة طريق تنقذ الحالة الفلسطينية، وتعيد الملف الفلسطيني إلى سلم الأولويات الدولية والمحلية والإقليمية.
كما يبدو، فإن الواقع الجديد جمّد تلقائيا كثيرا من ملفات الخلاف، فبالنسبة للرئيس والسلطة وحركة فتح لم يعد هناك مجالٌ للدفاع عن أوسلو، ولا عن برنامج المفاوضات، في ظل السياسة الامريكية الحالية وحالة الهرولة العربية للتطبيع، ووهن المواقف الأوروبية والدولية، فكل هذا لم يترك أي بصيص أمل أمام برنامج المفاوضات، وأوصل أوسلو لنقطة ميتة. كذلك فبالنسبة لحماس والجهاد فمسالة الوحدة والشراكة باتت مسألة حيوية ومفصلية.
والجميع بات يدرك بأن هناك محورا أمريكيا عربيا إسرائيليا بدأ يتشكل، لمواجهة تركيا وإيران ونفوذهما في المنطقة، كما يشاع، لكن الهدف الحقيقي لهذا التحالف هو تمكين دولة الاحتلال من فرض هيمنتها وسيطرتها على العالم العربي، وقادة هذا التحالف يريدون القفز عن الحقوق الفلسطينية لصالح دولة الاحتلال، ويعتبرون القضية الفلسطينية سطحية مقابل أهداف تحالفهم، وعليه فإسرائيل ومصالحها المشتركة أهم عندهم من أي اعتبارات قومية أو غيرها. ولذا فعلى الفلسطينيين أن يعرقلوا ويمنعوا رسم الخارطة الإقليمية الجديدة وفق رؤية إدارة ترامب، من خلال رؤيا استراتيجية تقوم على قواسم مشتركة مع أطراف إقليمية ودولية .
هذا الاجتماع كفيل باتخاذ كل ما يلزم من قرارات لمواجهة ذلك، والإجابة على الأسئلة المفتوحة، من خلال تلمس نقاط الضعف الموجودة في جدار الأزمة، وتركيز أوراق القوة الوطنية المدخرة وتحويلها إلى نقاط استراتيجية لقلب السحر على الساحر. وبالرغم مما قامت به بعض الأنظمة بخروجها عن إرادة شعوبها فإن هذه الشعوب ما زالت تمثل العمق العربي، ولن تتخلى عن مسؤولياتها، لكن لا بد من جهد خاص لتجميع قوى الأمة وتوجيهها واستثمارها. كما أن مخزون الدعم للقضية الفلسطينية إسلاميا ودوليا يجب تفعيله من خلال غرفة عمليات متخصصة في إدارة الأزمة.
لا شك بأن هذه الدورة تعتبر محطة هامة، يمكن من خلالها تغيير مسار الصراع مع العدو، إن تم الاعداد لعقدها بإرادة حرة وبنفس نضالي. فيجب أن تتوقف سياسة البيان من أجل البيان، فالمطلوب بيان من أجل أن نستنهض القوى الكامنة، ونعيد الثقة المفقودة بين الشعب وقياداته السياسية، ونعلي العام على الخاص، ونعيد لقضيتنا مركزيتها وبعدها العربي والدولي لقطع الطريق على سياسات الاحتلال.
أجندات هامة و مرحلة مفصلية
تنعقد هذه الدورة للمجلس المركزي في ظروف غاية في الصعوبة، فعلى الرغم من حالة التقارب بين حركتي فتح وحماس، والاتفاق على العمل المشترك لمواجهة المخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية، والذي ترجم بعقد اجتماع للقيادة الفلسطينية بحضور حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وبقية الفصائل، إلا أن الانقسام المستعصي يفرض نفسه كبند رئيسي على أجندة الاجتماع، وإحراز التقدم في معالجته هو بمثابة المقياس اأول لنجاح الدورة.
يضاف إلى ذلك، البند الثاني، وهو ما يتهدد القضية الفلسطينية من أخطار ليست مسبوقة، والتي تتمثل في مواجهة صفقة القرن وتداعياتها. هذان التحديان الرئيسيان سيلقيان بمزيد من المسؤولية التاريخية على كاهل هذه الدورة، خاصة إذا ما انعقدت بمشاركة جميع الفصائل، فلا مناص من قرارات مصيرية وتاريخية تتناسب وحجم الأخطار ومتطلبات المرحلة. فلا بد لهذا الاجتماع أن يخرج بخارطة طريق توافقية تمس جميع القضايا الداخلية والخارجية، وأن يتخذ قرارات مفصلية فيما يتعلق بإعادة بناء البيت الفلسطيني وإصلاحه، من خلال تحديد موعد الانتخابات العامة والشاملة وإعادة التأكيد على القواسم المشتركة للبرنامج الوطني، والاتفاق على برنامج مواجهة صفقة القرن وتداعياتها، وسبل وقف هرولة الأنظمة العربية لتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، وكيفية إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية في بعدها الوطني والعربي والإسلامي والدولي.
– لا تعبر المقالات المنشورة بالضرورة عن رأي مركز رؤية.