رأي الخبراء

حماس والنظام السوري.. ما بين ضرورة عودة العلاقة وانعكاساتها

نقلت العديد من وسائل الإعلام، في 20يونيو/حزيران2022، خبرًا لوكالة رويترز للأنباء منسوبًا لمصدرين في حركة “حماس”، لم تذكرهما، أن الأخيرة قررت استئناف علاقاتها مع سوريا بعد قطيعة امتدت لعقد على خلفية الثورة السورية.

في المقابل، لم تصدر الحركة أي موقف رسمي ينفي أو يثبت هذه الأخبار؛ لتترك المجال أمام العديد من التحليلات والقراءات حول إن كان هذا قرارًا قد اتخذ بالفعل، أم أنه مجرد محاولات للتعرف على أي تداعيات قد تترتب على هذه الخطوة. وكان بارزًا من بين هذه المواقف المعقبة على هذه الأخبار البيان الذي أصدره ثمانية من العلماء المسلمين يطالبون فيه الحركة بمراجعة هذه الخطوة، عقب التقائهم برئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية.

هذا ما دفع مركز رؤية للتنمية السياسية في إسطنبول، ومن خلال نخبة من الخبراء والمختصين، قراءة هذه الخطوة من جوانب متعددة، ومحاولة الإجابة عن عدد من التساؤلات، في مقدمتها؛ ما مدى تأييدهم لهذه الخطوة، وهل يمكن أن تشكل حالة من التناقض ما بين المبادئ ورؤية قيادة الحركة وقاعدتها الشعبية؟ وكيف يمكن للحركة أن تتجاوز التداعيات الممكنة؟ وما هي العوامل أو الدوافع لهذه الخطوة سواء من قبل حماس أو النظام السوري، ولماذا بهذا التوقيت؟ ومدى انعكاساتها إيجابًا أو سلبًا على تطور العلاقات الإقليمية لحماس في ظل الحديث عن مصالحات شاملة في المنطقة؟ وما هي خيارات حماس في ظل الحديث عن محاور إقليمية وتحالفات قد تكون إسرائيل جزءًا منها؟

يمكن تلخيص أبرز الملاحظات على آراء الخبراء بالتالي:

  • هناك تفاوت في المواقف الداعمة أو الرافضة لاتخاذ حماس قرارًا بعودة علاقاتها بالنظام السوري.
  • الرافضون للقرار يميلون أكثر للمبادئ المرتبطة بالحقوق والحريات التي تدافع عنها حماس كحركة تحرر وطني.
  • المؤيدون للقرار ينطلقون من المصالح السياسية في الظروف الراهنة، وطبيعة الاصطفافات، وتشكل المحاور وأهميتها لدعم المقاومة.
  • الغالبية ترى أن حماس حركة مؤسسات، والقرار الذي تصدره نابع من خلال مؤسساتها، وبالتالي حتى وإن كان هناك نسبة رفض ونقاش من قبل قاعدتها الشعبية، إلا أنه في نهاية المطاف ستبقى القاعدة الشعبية متفهمة للخيارات التي تذهب لها الحركة.
  • دوافع حماس لهذه الخطوة تتمثل في حماية البرنامج المقاوم في ظل تحالفات وتغيرات إقليمية وعربية، وبعد سنوات من محاولات الحركة البحث عمن يحتضنها، ونتيجة الانخراط بعملية التطبيع والانخراط الإسرائيلي في المنطقة، وعودة العلاقات القوية لها مع دول عدة.
  • دوافع النظام السوري، ومحاولة تغيير الصورة التي رسمت لها خلال الثورة، والمجازر التي تعرض لها الشعب السوري، وحركة حماس ببرنامجها المقاوم، تشكل بوابة لإعادة الثقة لهذا النظام على المستوى الشعبي الداخلي والعربي والإسلامي.
  • من الصعب حسم طبيعة التأثيرات الإيجابية أو السلبية من هذه الخطوة على القضية الفلسطينية؛ لأن ذلك مرتبط بمتغيرات كثيرة، لكن هناك من يرى أن الإيجابيات أكثر، سيما أن الساحة السورية قد تشكل مساحة للعمل السياسي والعسكري لحركة حماس أفضل من أي ساحة أخرى.
  • الخيارات أمام حركة حماس محدودة، نتاج المتغيرات المتسارعة في المنطقة العربية والعالم والإقليم، وهي بحاجة إلى تعزيز حضورها وتدعيم مكانتها.

وفيما يلي النص الكامل لمشاركة الخبراء:

د. أحمد رفيق عوض، مدير مركز الدراسات المستقبلية في جامعة القدس أبو ديس

أؤيد، بصفة شخصية، عودة هذه العلاقات؛ انطلاقًا من قاعدة حماية اللاجئين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم كافة، إذ إن سوريا تحتضن مخيمات اللاجئين، وبالتالي أي علاقة إيجابية معها ستنعكس إيجابًا عليهم. من جهة أخرى، فإن عودة العلاقات مهمة لتعميق وحماية البرنامج المقاوم لحركات التحرر الفلسطينية، في ظل حالة الاصطفاف الخطيرة التي تتشكل في المنطقة. إذ إن الاستقطاب العربي والإقليمي سيولد تيارًا تطبيعيًا مع الاحتلال، قد يتعمق وينتشر، ولا نعرف نتائجه الوخيمة على القضية الفلسطينية بعموميتها. وبالتالي، فإن المطلوب وجود تيار موازٍ لهذا التيار يعيقه، أو يمنعه، من تحقيق أهدافه.

أما فيما يتعلق بمسألة التناقض ما بين مبادئ حماس وهذه الخطوة، فلا أرى أن هناك تناقضًا؛ كون حماس حركة سياسية، قد تضطر إلى مغادرة ”مربع“ الأيديولوجيا بحثًا عن ”مربع“ المصلحة، كما هو حال جميع الحركات الثورية التحررية التي يتوجّب عليها المحافظة على نفسها وحضورها في مواقع تضمن مصالحها من منطلق براغماتي يعتمد على التحالفات. ولا شكّ أنّ حماس تضع في اعتبارها مصالحها السياسية في انضمامها لهذه التحالفات؛ وهذا ما قد يفسر مغادرتها سوريا من قبل وعودتها الآن.

بالنظر للقضية من جانب آخر، نرى أن النظام السوري نفسه نظام قومي، لكنه غادر مربع القومية في لحظة معينة، وتحالف مع دول لا تتقاطع مع مبادئه القومية بهدف حماية نفسه. فعلاقته بإيران وروسيا ليس لها بعدٌ قومي عربي، فمصالح النظام السياسية وسعيه للحفاظ على نفسه دفعه إلى هذه التحالفات. يمكن لحماس أن تطبق الأمر ذاته لتحقيق مصالح متبادلة من خلال تشكيل حلف يدعم حضور المشروع الممانع لحلف التطبيع ويقوّيه. وباعتقادي أن حضور حماس وحركات المقاومة ضمن خطوة تعزيز وتقوية هذا التحالف مهم؛ لأن الورقة الفلسطينية دائما رابحة في وجودها ضمن أي تشكل أو تكتل.

لا أرى أن حركة حماس ستخسر شعبيتها عند قاعدتها الشعبية أو الجماهيرية انطلاقًا من أمرين، الأول: أن هناك قاعدة عريضة لحركة حماس محمية ومتفهمة للضرورات التي تفرض عليها التعاطي مع بعض القضايا، انطلاقًا من حماية مشروع المقاومة، وكونها حركة تحرر تواجه دائما محاولات لإضعافها، وتسعى لحماية نفسها ومشروعها. الثاني: أن حركة حماس تستطيع حماية قاعدتها الشعبية من خلال احتفاظها ببرنامج المقاومة، وأي تراجع لهذه القاعدة الشعبية سيعود سريعًا ويتعزز في أي مواجهة مع الاحتلال؛ كونه العدو الأساس للقضية الفلسطينية والقضايا القومية والعربية.

سامر عنبتاوي، الكاتب والمحلل السياسي وعضو القيادة السياسية في المبادرة الوطنية.

باعتقادي أنّ ما يتردد من أخبار حول عودة العلاقات ما بين حماس وسوريا يعد أمرًا حيويًا للطرفين، فحركة حماس خرجت من دمشق ضمن اندفاعها باتجاه بعض القوى في المنطقة، وبعض الاصطفافات التي جرت في أعقاب الحرب الداخلية في سوريا، وهي ترى الآن أنه لا بد من العودة لتنسيق المواقف مع سوريا انطلاقًا من سببين؛ الأول: أن هناك تراجعًا للقوة التي اعتمدت عليها الحركة في المنطقة مثل تركيا وقطر، خاصة تركيا بعد عودة علاقاتها مع الاحتلال. وبالتالي موقف الحركة يتطلب منها إعادة التموضع باتجاه بعض المواقع التي تتقاطع معها، ومن ضمنها الموقف السوري؛ بهدف تفعيل مفهوم محور المقاومة والممانعة، وبالتالي العودة مطلوبة في هذا التوقيت، رغم وجود بعض الرفض من القاعدة الشعبية لحركة حماس أو بعض الأطراف من هنا أو هناك.

وأرى أن القاعدة الشعبية للحركة ستتأثر بعودة العلاقات، خاصّة أنه خلال السنوات الماضية كانت التعبئة الداخلية تجاه إدانة النظام السوري واتخاذ موقف منه، ولكن باعتقادي أن حركة حماس تستطيع إعادة التعبئة الداخلية باتجاه إعادة العلاقة مع النظام السوري من خلال المصلحة المتعلقة بالمقاومة،  وهي قادرة على ذلك، حتى لو احتاج الأمر بعض الوقت.

وفيما يتعلّق بتأثر علاقاتها مع بعض الدول العربية والإقليمية، فلا أرى أن هناك تأثيرًا كبيرًا في هذه الفترة، فلو اتخذت حماس هذه الخطوة قبل سنوات عدة فقد يكون حجم تأثيرها أكبر على علاقات الحركة بالدول الأخرى. حيث نرى أن هناك بداية تطبيع، وعودة للعلاقات بين بعض الدول العربية والإقليمية مع النظام السوري، وبالتالي خطوة حماس يمكن أن تكون ضمن مفهوم إعادة الاصطفافات الجديدة، وبالتالي الانسجام مع حراك بعض الدول باتجاه إعادة العلاقات فيما بينها. في المقابل بعض هذه الدول رفعت يدها عن حماس والمقاومة، مثل تركيا، وأعادت تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وبالتالي لن يكون هناك تأثير كبير للعلاقة ما بين حماس وتركيا نتيجة هذه الخطوة مثلًا. كما أنّ النظام السوري بدأ يعيد ترتيب قدرته الداخلية في السيطرة على بعض المناطق، ويمكن أن يشكل ذلك إعادة فتح للسفارات والقنصليات للعديد من الدول العربية والإقليمية؛ ما يعني أن العلاقة السياسية قد تعود من جديد بين النظام والدول الإقليمية والدولية.

أمّا العوامل التي دفعت حركة حماس لهذه الخطوة، فهي تتمثل في الحالة الإقليمية التي تتشكل الآن من خلال قوة محور المقاومة التي بدأت تعود من جهة، وتراجع بعض الدول المطبعة في المنطقة، وعدم احتضان بعض الدول لحركة حماس أو قيادتها المشتتين بين مجموعة دول، وبالتالي قد تجد حماس في هذه الفرصة إعادة استقرار قيادتها نوعًا ما؛ لأن تجربتها السابقة في سوريا كانت واضحة في دعم المقاومة واحتضانها، وبالتالي كوادرها السياسية والعسكرية كانت تعمل بالراحة الكاملة داخل سوريا.

أما خيارات حماس الآن فهي محدودة جدًا، فمثلًا، لا يمكنها أن تكون ضمن حلف الناتو العربي الجديد الذي بدأ يتشكل؛ فإسرائيل جزء منه. وكذلك الحال في أي خيارات أخرى. يبقى أمامها محور المقاومة الذي يشكل الفرصة الأفضل والأكبر والأكثر ضمانًا في الوقت الحالي. حتى جماعة الإخوان المسلمين في مصر؛ لا يوجد لها فرصة قريبة بالعودة إلى الساحة المصرية، وبالتالي الخيار الوحيد ربما الآن أمام حماس هو خيار محور المقاومة الذي تعتبر سوريا ضمنه.

أرى أنّ النظام السوري يتعامل بشأن ما يدور حول عودة حركة حماس بنوع من التأنّي، وعدم إصدار التصريحات. وأعتقد أن هناك وساطات بين الطرفين، خصوصًا من حزب الله. تدعم طهران باتجاه تعزيز هذا التقارب، وبالتالي فإنّ سوريا ستقبل ذلك ولن ترفضه؛ سعيًا في تعزيز محور المقاومة في المنطقة، وكذلك تعزيز دور سوريا ومكانتها ضمن هذا المحور، وهذا ربما الهدف الأساس الذي يسعى له النظام.

لمى خاطر، كاتبة سياسية، ومرشحة سابقة للمجلس التشريعي

لا أؤيد الخطوة، لعدم قناعتي بإمكانية ترتّب مصلحة ضرورية وكبيرة عليها، فحتى لو حيّدنا البعد الأخلاقي، فثمة شك بوجود مصلحة سياسية من العلاقة مع نظام متهالك سياسيًا واقتصاديًا، وساحته مستباحة أمنيًا في بلد مدمّر، تغيرت فيه معطيات كثيرة منذ اندلاع الثورة.

ربما تعزز حماس على مستواها الرسمي العلاقة مع النظام من متانة تموضعها داخل محور (إيران- سوريا-حزب الله)، كما ستوفّر لها ساحة وجود إضافية، بغض النظر عن مدى استفادتها من الوجود أو العودة لهذه الساحة، أما على صعيد قاعدة الحركة الشعبية فلن تمرّ الخطوة مرورًا سهلًا؛ لأن هناك حالة إنكار للخطوة على مستوى جزء غير قليل من القاعدة الشعبية للحركة، كون هذه القاعدة كانت من أكثر المكونات الفلسطينية تعاطفًا مع القضية السورية ومع مظلومية الشعب السوري، على مدى السنوات الفائتة، وذلك ًلانطلاقًا من مبادئها وأدبياتها التي تربت عليها، ومنها رفض الظلم، والانحياز لقضايا الأمة العادلة.

على مستوى علاقات الحركة الإقليمية، لا أظن الخطوة ستؤثر سلبًا أو إيجابًا على تطوير علاقات الحركة الإقليمية مع الأنظمة الرسمية المختلفة، كون معظم الأنظمة لم تعد تتعامل مع النظام السوري بقطيعة تامة، إضافة إلى أن علاقات حماس مع مختلف دول الإقليم محددة ومنضبطة وليست مفتوحة، بمعنى أنها ليست ملحقة بالسياسات الداخلية أو الخارجية لأي نظام في المنطقة.

أما ما يتعلق بالعوامل الدافعة لهذه الخطوة، من الواضح أن التوقيت محكوم بالظرف الآني وتطوراته، مثل بوادر تشكل محور ناتو شرق أوسطي، مركزه الكيان الصهيوني ودول التطبيع، إضافة إلى سعي الحركة للتوزع على عدة ساحات مهمة وقريبة من فلسطين جغرافيًا، ومحاولتها الإفادة من أي دعم قد يخدم مشروع مقاومة الاحتلال، ويناوئ مساعي التطبيع المتسارعة في المنطقة، وما يترتب عليها من مساعٍ للقضاء على مشروع المقاومة بكل امتداداته.

بخصوص الخيارات أمام حماس، يمكن القول إن المحاور الإقليمية المستهدفة لتصفية القضية الفلسطينية قد لا يفشلها أو يواجهها بالضرورة أن تكون حماس ضمن حلف واضح مقابل، أو أن تصطف بشكل حاسم ضمن محور لا تعدّ المقاومة أهم أولوياته، فلإيران مشروعها وللنظام السوري أولوياته، حتى وهما يرفعان شعار الممانعة، لذلك فإن التركيز على التقاطعات معهما، ومع مختلف الأنظمة والأطراف في الأمة، أجدى من التخندق في محاور معينة، خصوصًا أن هذا التخندق ستترتب عليه خسائر معنوية مقابلة، كخسارة حماس جزءًا من رصيدها الشعبي داخل الصف العربي والإسلامي، خصوصًا أن الشارع العربي والإسلامي يرى حماس أمله الوحيد، والمكون الإسلامي المشرق الذي يراهن عليه، ولا يراها بالمنظور ذاته الذي يرى به غيرها من الحركات والأنظمة، ولذلك فإنه ينتظر منها ما لا ينتظره من كل تلك الجهات. وهنا لا بد من السؤال حول ما إذا كانت المصلحة المرجوة من إعادة العلاقة مع النظام السوري تتفوق في وزنها وفائدتها على آثار خسارة جزء وازن من الشارع العربي والإسلامي، أي العمق الطبيعي لحماس، والمتقاطع معها في الهوية والغايات.

كما أنه من المعروف أن أهداف التحالفات المشكلة خدمة للمشروع الصهيوني يمكن إفشالها فقط بالفعل على الأرض وداخل فلسطين تحديدًا، أي الساحة التي تحضر فيها حماس بكثافة ومنها انطلقت، وليس بإنشاء كيانات ومسميات تحالفية يصعب الرهان على إمكانية صدور فعل عنها يجابه مخططات تصفية القضية.

 في حين أن النظام السوري سيستفيد من ناحية تلميع صورته، والتشكيك بالسردية المعروفة والمنطبعة في أذهان جمهور الأمة حول جرائمه الوحشية وخاصة بعد اندلاع الثورة، فالخطوة سيسوّقها النظام إعلاميًا بوصفها انتصارًا معنويًا له، وتأكيدًا على صوابية مساره، وتراجعًا من حماس التي سبق أن خرجت من سوريا قبل عشرة أعوام حين رفضت إعلان موقف منحاز للنظام ضد الشعب السوري.

أمّا تأثير هذه الخطوة على القضية الفلسطينية، باعتقادي أن هذا الأمر ستقرره التجربة، لكنني أعتقد أن العلاقة لن تؤثر إيجابًا على القضية الفلسطينية، لأن أولويات النظام الداخلية الآن لا تتيح له تقديم شيء نافع لأي جهة خارجية، فالنظام الذي استعان بإيران وروسيا وحزب الله لتثبيت أركان حكمه وقمع الثورة لن يقدم شيئًا ملموسًا للقضية الفلسطينية، والنظام الذي لا يستطيع حماية أرضه من الاستباحة الصهيونية لقواعد الحرس الثوري وحزب الله على أرضه لن يؤمّن ظهر حماس، ولن يحمي قواعدها ومقرّاتها ولا رموزها في حال التجأت إليه.

د. عبد المجيد سويلم، محاضر في جامعة القدس أبو ديس

باعتقادي أن الحديث عن عودة العلاقات جاء بعد وساطات كثيرة من قبل حزب الله اللبناني، وحتى اللحظة لا يوجد قبول مفتوح من سوريا بهذا الاتجاه، أو ربما هناك تحفظ ومطالب سورية، لأن النظ

ام السوري ينظر إلى حركة حماس أنها قامت بالتمرد عليه بعد أن وفّر لها الاحتضان التام والامتيازات على جميع الصعد. فسيكون له تحفظات كبيرة على عودة العلاقة، لكن في نفس الوقت لن يرفضها، وإنما ستكون ضمن مستوى معين من العلاقة غير المفتوحة كما كان في السابق.

في المقابل، أنا أقرأ خطوة حركة حماس باتجاه أوسع وأشمل؛ بمعنى أن محور الممانعة قائم منذ زمن بعيد، ومحور التطبيع كذلك، ولكن الذي يتغير الآن أن حماس أصبحت نظرتها أكبر في السيطرة على النظام السياسي الفلسطيني، وهذه الخطوة تأتي ضمن إطار محاولة إما تعزيز حضورها في الخارج وتشكيل كيان مواز أو بديل لمنظمة التحرير أو النظام السياسي الفلسطيني الحالي، أو محاولة السيطرة على منظمة التحرير من خلال هذا التحالف، وهذا باعتقادي أن سوريا لن تسمح به. ولهذا السبب لن تنعكس هذه العلاقة بالشكل الإيجابي على القضية الفلسطينية؛ لأن استراتيجية حماس الاحتماء بمحور المقاومة في معركتها للسيطرة على النظام السياسي.

أما ما يتعلق بتأثر القاعدة الشعبية والجماهيرية لحماس من هذه الخطوة فباعتقادي لن تتأثر كثيرًا، فحركة حماس والحركات الإسلامية تستطيع أن تتخطى هذا الشيء من خلال الفتوى الدينية، وبالتالي تتفهم قاعدتها الشعبية أو جمهورها هذه الخطوة وتبقى محافظة عليهما.

د. أيمن دراغمة، عضو المجلس التشريعي السابق

هناك مؤشرات قوية على جهود وساطة تبذل من قبل وسطاء لترميم العلاقات بين الطرفين، وبما أنه كما أعلن أن القرار بهذا الخصوص سيتم اتخاذه من قبل مؤسسات الحركة، فهذا يدلل على أن الأمر جدي وهام، وفي النتيجة أيا كان القرار فيجب احترامه كونه صادرًا عن مؤسسات الحركة.

أرى في هذا القرار انعكاسات استراتيجية وجيوسياسة محل اهتمام، ففي البعد الجيوسياسي لسوريا الموقع  الخاص في حلقات الصراع مع الاحتلال؛ كونها تشكل المساحة الكبرى للحدود الشمالية مع فلسطين المحتلة. ومن زاوية التضاريس فهضبة الجولان لها أهمية استراتيجية وعسكرية. وفي الشأن السياسي والاستراتيجي فإن دولة الاحتلال وبمساعدة أمريكا والغرب تسعى لتكوين تحالف عسكري واقتصادي مع عدد من الدول العربية، وثمن هذا التحالف سيكون على حساب الفلسطينيين، وعليه فإن غزة والمقاومة ليستا في معزل عن هذه التغيرات، واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب سيساهم في امتلاك أوراق القوة وتفويت الفرص على مخططات الأعداء، وبما أن الوضع في سوريا يميل لانحسار موجة الصراع الداخلي، فمن مصلحة المقاومة أن يكون لها تواجد فعال وقوي على قاعدة المصالح المشتركة مع النظام السوري ومع محور المقاومة.

أما كيف يمكن أن يؤثر مثل هذا القرار على العلاقة الداخلية للحركة مع قاعدتها الشعبية، فباعتقادي كون القرار يتم اتخاذه في الدوائر الرسمية للحركة فغالبًا ما يتم تفهم ذلك من قبل أبنائها بشكل عام، وربما يشهد ذلك نقاشًا وخلافًا في القاعدة الشعبية، وهذا أمر طبيعي في ظروف وحيثيات لها بعد مبدئي وديني وإنساني وقيمي. ولكن تفهم منطلقات ودوافع ذلك ستخفف من حجم ومساحة المعارضة، فالكل يعرف أن المقاومة الفلسطينية في ظروف غاية في الصعوبة.

فيما يخص انعكاسه على العلاقة مع الدول العربية والإقليمية، أعتقد أن كثيرًا من الأنظمة العربية حسمت موقفها وأعلنت ولاءها وانخراطها التام في التطبيع مع إسرائيل، ولذلك انعكاسات سياسية واقتصادية واستراتيجية، وبالنسبة لبقية الدول العربية فإن دعمها وتأييدها للقضية الفلسطينية قضية مبدئية، وأما بالنسبة للشعوب العربية والإسلامية فالقدس وفلسطين دين وعقيدة وإيمان. ومع ذلك من الطبيعي أن يكون لهذا القرار، الذي يأتي ضمن سياق التموضع المحوري الذي يجري الآن، انعكاسات على العلاقات مع الدول على قاعدة المصالح المشتركة وعلى قاعدة المحاور المتخاصمة.

وحول الدوافع والعوامل لهذه الخطوة، أرى أنها تأتي ردة فعل على سياسات التطبيع والتحالف الصهيو-عربي، كما أنها تأتي في سياقها الطبيعي بالانحياز الجبري مع محور المقاومة، خاصة في هذا الوقت الذي يتم فيه إعادة رسم خارطة المنطقة من قبل أمريكا والغرب.

في المقابل، الدوافع السورية تتمثل في أن القضية الفلسطينية محل احترام وتقدير لدى الشعوب العربية والإسلامية، وكل من يدعم فلسطين والمقاومة يرفع من رصيده القومي والإسلامي، والنظام السوري بحاجة لهذه الشهادة أمام الشعب السوري، وأمام الشعوب العربية والإسلامية، وربما يتطلع النظام للاستفادة من وجود المقاومة الفلسطينية في سوريا للمساهمة في التصدي للعدوان الإسرائيلي المتواصل على سوريا وشعبها.

 وفي سياق آخر فإن لحركة حماس رصيدًا كبيرًا من الاحترام والتقدير والثقة لدى الشعب السوري، ولربما يساهم ذلك في لعب دور الوسيط لمصالحة وطنية سورية.

وبالتالي، سيؤثر ذلك إيجابًا على القضية الفلسطينية من منظور استراتيجي وسياسي. خاصةً أن السلطة وفتح وفصائل م.ت.ف جميعها لم تقطع علاقاتها مع النظام السوري، وسيضع ذلك مسؤولية أكبر على حلفاء المقاومة في دعمها وتأييدها والوفاء بالتزاماتهم نحوها. وأخيرًا، فإن مثل هذا الموقف المتغير سيؤكد ويثبت استقلالية قرارات حركة حماس، ويثبت أنّ بوصلتها المصلحة الوطنية الفلسطينية.

د. محمود فطافطة، أستاذ الإعلام في الجامعة العربية الأمريكية

سعي حماس لإعادة هذه العلاقة يأتي في إطار حاجتها إلى تقوية وتعزيز تحالفاتها الإقليمية في مواجهة التحديات التي تواجهها بالمنطقة، إلى جانب تيقن الحركة بعدم وجود بديل يقدم لها الاحتضان السياسي والدعم المالي.

شخصيا لا أُؤيد عودة تلك العلاقة، خاصة وأن الحركة غير مضطرة لإعادة علاقتها مع نظام سياسي رأت فيه نظامًا دكتاتوريًا يقتل ويبيد شعبه. فالكثير يتساءلون: كيف لحماس أن تُقدم على ترميم علاقتها مع نظام ديكتاتوري، قاطعته سابقًا بسبب ديكتاتوريته، واليوم تغير موقفها بسبب التحالفات الإقليمية؟ ولهذا السبب باعتقادي أن لهذه الخطوة تداعيات سلبية رغم المكتسبات التي قد تجنيها الحركة مؤقتًا. ومن أهم هذه التداعيات تلك المتعلقة بحاضنتها الشعبية وعمقها العربي. كون كثير من الشعوب العربية، ومنها الشعب الفلسطيني، تعتبر أن النظام السوري مارس جرائم بحق الشعبين السوري والفلسطيني هناك، ومقاطعته خطوة أخلاقية بعيدًا عن السياسة. إن ترميم تلك العلاقة قد يتسبب بنوع من العزلة للحركة، لا سيما داخل صفوفها، وستخسر جزءًا من قاعدتها الشعبية المناهضة للنظام السوري. كما أن تلك الخطوة من شأنها أن تزيد من حدة الانقسام داخل الساحة الفلسطينية.

على صعيد العلاقات الإقليمية والعربية، باعتقادي أنّ القاعدة الأساسية لطبيعة تلك العلاقة تكمن في طبيعة علاقة أي دولة مع النظام السوري. ففي ظل انفتاح أو تعاطي هذه الدولة أو تلك مع النظام السوري، فإن علاقة تلك الدول ستكون إيجابية مع حركة حماس.

 أما دوافع هذه الخطوة وتوقيتها، فإن الأمر مرتبط بوجود ضغط إيراني على حركة حماس، نحو استعادة العلاقة مع النظام السوري، سيما وأن النظام الإيراني يقدم دعمًا ماليًا وعسكريًا للحركة. إن حماس، مع استعادة علاقاتها مع سوريا، تحسم خياراتها في الاصطفاف مع المحور الإيراني، في ظل تشكّل محاور وأحلاف أخرى في المنطقة. فالمحور الإيراني، الذي يضم سوريا وحزب الله وفصائل عراقية ويمنية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي، يأتي مقابل تحالفات باتت تتشكل في المنطقة وتضم إسرائيل، وإن زيارة بايدن الأخيرة إلى المنطقة، وإطلاقه لـ ”إعلان القدس“، ما هي إلا خطوة مهمة في هذا الشأن. كما أن حسم حماس خياراتها باتجاه تموضعها مع هذا المحور، يأتي في ظل عدم وجود بدائل كافية لمد الحركة بالمال والسلاح كحركة تحرر وطني. كذلك فإن التحالفات الإقليمية وحالة الاستقطابات الدولية في المنطقة، دفعت حركة حماس لإعادة حساباتها حول علاقتها مع النظام السوري.

أضف إلى ذلك أن الساحة السورية مهمة لحماس سياسيًا، ومن ناحية المقاومة فإن سوريا يوجد بها عدد كبير من الفلسطينيين، وبها مخيمات فلسطينية، أي أنها إلى جانب العلاقة مع سوريا كجبهة مقاومة للمحتل توجد بها قاعدة شعبية فلسطينية، حماس بحاجة لها وهي بحاجة لحماس.

في المقابل، النظام السوري يرغب في عودة احتضان فصائل المقاومة وفي مقدمتها حماس؛ ليظهر أنه داعم للمقاومة، في ظل عزلته العربية والعالمية باعتباره نظامًا دمويًا ودكتاتوريًا.

ومن الممكن قراءة هذه الخطوة من خلال القراءة الجديدة والناضجة للقيادة الجديدة للحركة في السعي لإعادة ترميم تلك العلاقة، سيما في ظل حالة من النضوج التي تقرؤها حماس في البيئة الواقعية محليًا وعربيًا ودوليًا. فالحركة قد رأت في استعادة تلك العلاقة استثمارًا للواقع السياسي والجغرافي الذي تحتله سوريا، لصالح القضية الفلسطينية. وفي ظل تضييق الخناق على حماس من قبل بعض الدول العربية، فإن سوريا أحد أفضل البدائل، التي يمكن لقيادة الحركة نقل ثقلها إليها.

إن عودة العلاقة مع النظام السوري سيكون مفيدًا لحماس، من حيث الدور السياسي الذي من الممكن أن تلعبه سوريا لدعم مواقف الحركة لدى الدول، خاصة في ظل حالة الانفتاح العربي على دمشق.

خيارات حماس ليست واسعة وكثيرة، لا سيما في ظل التضييق وتشديد الخناق على الأطراف التي تدعم الحركة ومنها إيران. لكن بالمقابل، إن دعم أو تعاطي كل من تركيا، وإن تراجع لاحقًا، مع حماس، عوضًا عن دعم كل من روسيا وقطر وسواهما للحركة، قد يفتح لها بعض المنافذ هنا وهناك. ولكن بقاء الانقسام الحاد داخليًا بين حماس وفتح، سيقلل من إمكانية هذه البدائل المتاحة.

 أما مصلحة النظام السوري، فقد تُساعد هذه المصالحة في تهدئة الأوضاع في سوريا، خاصة إذا تعلق الأمر بالمخيمات الفلسطينية. كما يساعد ذلك على الإسراع في انفتاح بعض الأطراف، دول وأحزاب وحركات، على النظام السوري. ويساعد النظام على ”تجميل“ صورته عربيًا، انطلاقًا من أنه أعاد علاقة مع حركة تحرر وطني ومقاومة.

ساهر غزاوي، باحث في معهد مدى الكرمل ومتخصص في الحركات الإسلامية، الداخل المحتل

عودة التواصل والعلاقة ما بين حماس والنظام السوري، تؤكد ما صرحت به حماس مرارًا أنها ليست طرفًا في أي صراعات داخلية تجري في الدول العربية، وتنأى حماس بنفسها أن تكون طرفًا لأن صراعها محصورٌ في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

أما عودة العلاقات بين الطرفين بحاجة إلى المزيد من الوقت، لا سيما وأن النظام السوري كان معارضًا بشدة لعودة العلاقات، وربما لن تعود العلاقات كما كانت قبل اندلاع الثورة السورية. كما سيكون لعودة العلاقات تداعيات سلبية على حاضنة حركة حماس الشعبية الفلسطينية والعربية والإسلامية؛ لصورة النظام السوري الدموية تجاه الشعبين السوري والفلسطيني، هذا عدا عن أن الفلسطينيين القاطنين في سوريا لم يسلموا من ممارسة النظام ومن جرائمه الدموية.

أما عن مدى انعكاس هذه الخطوة على علاقة حماس بالدول الأخرى، باعتقادي على مدى السنوات الماضية بذلت حركة حماس ما بوسعها لإقامة علاقات طيبة وعلاقات استراتيجية قوية مع الدول العربية والإسلامية، في الوقت الذي أعلنت فيه أنها تحافظ على عدم التدخل في شؤون الدول العربية والإسلامية عامة، غير أن خطوة إعادة العلاقات ستحسب على التحالفات الإقليمية وحالة الاستقطابات الدولية في المنطقة، خاصة وأن حماس لم تتردد في تأكيد أنها تقود المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي بالتنسيق مع قوى التحالفات الإقليمية (حزب الله وإيران). لذلك، فإنه من غير المستبعد أن تنعكس هذه الخطوة سلبًا على علاقات حركة حماس العربية والإقليمية (مصر وتركيا وقطر ومصر والخليج..) إلا إذا تحققت المصالحة الشاملة في المنطقة، وهذا أيضًا مستبعد في ظل تعاظم حالة الاستقطابات الدولية في المنطقة.

وتؤكد خطوة عودة العلاقات ما بين حماس والنظام السوري أن حماس حسمت خياراتها في الاصطفاف مع المحور الذي يتبنى خيار مقاومة ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

أما مصلحة النظام السوري ستكون باعتبار حماس حركة مقاومة لها التأييد الواسع الذي تحظى به بين الفلسطينيين، وفي العالم العربي والإسلامي، وهذا ما سيحسن إلى حد ما صورة النظام السوري الذي يصدر نفسه محليًا وعربيًا كداعم للفصائل المقاوِمة للاحتلال الإسرائيلي.

 

آراء الخبراء المنشورة بالموقع لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى