جبل العُرمة بين اعتداءات المستوطنين ومقاومة الفلسطينيين
لتحميل الملف هنا
الكاتب : أحمد البيتاوي و فراس علي القواسمي
تعرض هذه الورقة قراءة في محاولات المستوطنين المتكررة، السيطرة على جبل العرمة في بلدة بيتا جنوب مدينة نابلس، والتي باءت بالفشل بسبب تصدي الفلسطينيين لهم. ورغم أن محاولات المستوطنين بلغت ذروتها في بداية عام 2020، إلا أن الأطماع الصهيونية في هذه المنطقة بدأت قبل ذلك، وتتابعت عبر فترات مختلفة، تستعرضها الورقة بوضوح. وفي هذا السياق أيضا، تستعرض الورقة مزاعم الاحتلال والمستوطنين من أجل السيطرة على هذا الجبل، ودوافعهم في ذلك، كما تستعرض العوامل الموضوعية والذاتية، التي ساعدت الفلسطينيين في صد المحاولات الاستيطانية. وأخيرًا توصي هذه الورقة ببعض المقترحات، التي تمكّن الفلسطينيين من الاستمرار في نجاح فعالياتهم للحفاظ على الجبل، والمنطقة المحيطة به، ومنع المستوطنين من السيطرة عليها. وقد اعتمدت هذه الورقة على المعلومات الأولية التي تم جمعها من المختصين والمتابعين للحراك عن كثب، وهم الدكتور محمد جاسر الباحث في التاريخ، والناشط الشبابي عودة حمايل، والباحث في الموروث الشعبي حمزة العقرباوي. بالإضافة إلى ذلك تم الاستعانة ببعض المعلومات والبيانات من التقارير المتوفرة على الشبكة العنكبوتية.
تعريف عام
يقع جبل العُرْمَة في بلدة بيتا جنوب شرق مدينة نابلس في شمال الضفة الغربية، وتحديدًا في شرقي البلدة، التي بلغ عدد سكانها في نهاية عام 2019، حوالي 12034 فلسطينيًا، حسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني[1]. يصل ارتفاع الجبل حوالي 840 مترًا عن سطح البحر، ويأتي في المرتبة الرابعة من حيث الارتفاع في محافظة نابلس، ويتوسط قرى بيتا، وعورتا، وعقربا، ويانون. وقد سمي الجبل بهذا الاسم، لأن القمة العليا منه مُعرّمة كما تُعَرّمُ الأشياءُ في الإناء للأعلى، أو كما يُعَرّمُ كومُ القش عند جمعه فوق بعضه. تبلغ مساحة الجبل والأراضي المحيطة به حوالي 80 دونمًا، بينما تبلغ مساحة قمة الجبل 9 دونمات، علما أن أراضي بلدة بيتا وجبل العُرمة، تقع ضمن المناطق المصنفة (ب) حسب اتفاق أوسلو[2].
بدأت الهبة الفلسطينية الأخيرة في حماية هذا الجبل، بعد نشر المستوطنين لفيديو في شهر أيلول/ سبتمبر 2019، يتحدث عن جبل العرمة، أشاروا فيه إلى احتمال وجود آثار لليهود، وإلى ضرورة السيطرة على الجبل، وانتزاعه من العرب. ومع بداية عام 2020، ازدادت محاولات المستوطنين في السيطرة على هذا الجبل، وتصدى الفلسطينيون لهذه المحاولات، وأفشلوها حتى هذه اللحظة.
موقع جبل العُرمة
المصدر: الخريطة التفاعلية لمؤسسة واشنطن[3] (مع بعض التوضيح من قبل الكاتب)
التسلسل الزمني لمحاولات المستوطنين السيطرة على جبل العرمة
بدأت محاولات السيطرة على جبل العُرمة عام 1988، ومع بدْء بناء المستوطنات حول بلدة بيتا، حيث اعتصم أهالي البلدة مدة أسبوعين على الجبل؛ لصد محاولة المستوطنين السيطرة على الجبل، وقد نجحوا في ذلك بعد مواجهات عنيفة، أدت إلى استشهاد ثلاثة شبان من البلدة، ومقتل ثلاثة مستوطنين، وقد سميت آنذاك “أحداث بيتا”، وقام حينها الاحتلال بنسف عشرات المنازل وتدميرها، وإبعاد العديد من شبان البلدة إلى خارج فلسطين. ثم في عام 2017، حاول الاحتلال السيطرة على جبل أبو صبيح، القريب من جبل العرمة، لكنه فشل كذلك؛ بسبب تصدي الفلسطينيين له[4].
نشر المستوطنون في شهر أيلول/ سبتمبر 2019، فيلمًا عن جبل العُرمة، أشاروا فيه إلى احتمال وجود آثار لليهود في الجبل، وإلى ضرورة السيطرة عليه، وانتزاعه من العرب. انتشر هذا الفيلم بين أهالي بيتا بعد ثلاثة أشهر، فاستشعروا خطورة مخططات المستوطنين. وفي منتصف شباط/ فبراير 2020، رفع أهالي بلدة بيتا علم فلسطين فوق سارية ترتفع 25 مترًا على قمة الجبل. ومنذ ذلك التاريخ، يحرص أهالي البلدة والقرى المجاورة، على التواجد اليومي في المكان بزخم معتدل، والتواجد الأسبوعي بزخم كبير، وذلك خوفًا من الاستيلاء عليه بالقوة من قبل المستوطنين.
وبسبب التواجد الدائم للمواطنين على قمة الجبل، بدأ مسلسل المواجهات مع جنود الاحتلال. ففي 27 شباط/ فبراير 2020، هاجمت قوات الاحتلال المرابطين على قمة الجبل، بالرصاص الحي وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع، مما أدى إلى إصابة حوالي 70 مواطنًا. وفي 8 آذار/ مارس، وقعت مواجهات عنيفة بين الشبان المعتصمين في جبل العرمة، والمستوطنين الذين حاولوا رفع العلم الإسرائيلي على قمة جبل صبيح. أما المواجهات الأعنف، فكانت في 11 آذار/ مارس، حيث استُشهد الفتى محمد عبد الكريم حمايل (15 عامًا)، وأصيب 112 مواطنًا، وفقا لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
اليوم، وبسبب انتشار فيروس كورونا، تراجع حجم التفاعل مع الفعاليات بشكل لافت، وذلك حَذَرًا من انتشار العدوى، ولأن عددًا من الشبان انضموا للجنة الطوارئ، التي شكلتها بلدية بيتا لمواجهة الفيروس. وفي المقابل أيضا، تراجعت فعاليات المستوطنين على الجبل بشكل واضح، وباتت تنقلاتهم محدودة جدًا.
إعتداء جنود الاحتلال على الفلسطينيين المشاركين في حماية جبل العُرمة
دوافع المستوطنين للسيطرة على جبل العُرمة
يمكن تقسييم دوافع المستوطنين للسيطرة على جبل العُرمة، إلى دوافع استراتيجية، ودوافع تاريخية ودينية.
أولًا: الدوافع الاستراتيجية
يتوسط جبل العُرمة، الذي يرتفع عن سطح البحر 840 مترًا، قرى بيتا، وعورتا، وعقربا، ويانون، ويشرف على الكثير من التلال المطلة على منطقة الأغوار والبحر الميت، فهو يطل على مدينة السلط الأردنية، وشاطئ البحر الميت شرقا، وكذلك على قرى جنوب محافظة نابلس وشرقها، وبالتالي فإن السيطرة على هذه الجبال، تعني السيطرة على مئات آلاف الدونمات الفلسطينية في المنطقة.
من أهم محددات البناء الاستيطاني المعروفة، اختيار المناطق المرتفعة، وهذا ما يفسر وجود عدة بؤر استيطانية تسيطر على رؤوس الجبال بالقرب من بلدة بيتا. لذلك أقام أحد قادة المستوطنين، وهو “أفري ران”، عدة بؤر استيطانية على رؤوس جبال القرى المحيطة بمدينة نابلس، وهي روجيب وعورتا ويانون وبيت فوريك وعقربا، وعمل على ربط مستوطنات المنطقة، وأشهرها مستوطنة إيتمار، مع بعضها البعض، من خلال شبكة طرق أقامها فوق أراضي الفلسطينيين، مستغلًا نفوذه السابق في الجيش والمخابرات “الشاباك”. يسعى الاحتلال للسيطرة على جبل العرمة، لخلْق تواصل آمن بين مستوطنات المنطقة، وربطها مع مستوطنات الأغوار، دون الحاجة للمرور من طرق قريبة من التجمعات الفلسطينية. كما أن السيطرة على جبل العُرمة، وإقامة بؤرة استيطانية عليه، يجعل التواصل الجغرافي والديموغرافي بين القرى الفلسطينية، أكثر صعوبة وتعقيدًا، وربما يحرمها من هذا التواصل.
ثانيًا: الدوافع التاريخية والدينية
يحاول المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، السيطرة على الأرض من خلال تزييف التاريخ. وفي هذا السياق، أصدرت جمعية صندوق استكشاف فلسطين[5]، التابعة للحركة الصهيونية، بداية القرن العشرين، عدة كتب، حاولت من خلالها إسقاط الرواية التوراتية على الجغرافيا والأماكن في فلسطين، ومنها جبل العُرمة. وبعد فشل الصهاينة في العثور على رواية توراتية مرتبطة بالجبل، اختلقوا رواياتٍ باطلة من نسج خيالهم للسيطرة عليه، كما فعلوا في مناطق أخرى في الضفة الغربية، كمسجد بلال بن رباح في بيت لحم، وقبر يوسف شرق نابلس. إذ يزعم المستوطنون، أن لجبل العرمة أهمّية في العصر التوارتي، وأنه شُيّد لحماية الحدود الشمالية لما يسمى “مملكة السامرة”، وأنه كان معبدًا لهم.
هنا لا بد من سرد لمحة تاريخية عن الجبل، والإشارة إلى بعض الآثار التاريخية فيه، والتي يحاول الاحتلال الادعاء بوجود صلة لليهود بها، ليتخذها مبررًا للسيطرة عليه. وفي المقابل، لا بد من تأكيد الرواية الفلسطينية، التي تفند الادعاءات الصهيونية.
ووفقا للدكتور محمد جاسر، الباحث في التاريخ، فإن جبل العُرمة يضم قلعة وآثارًا أخرى تعود للفترة الهلنستية، التي بدأت بعد وفاة الإسكندر المقدوني، وبداية إقامة الدولة الرومانية (323 ق.م حتى 27 ق.م). ويتوزع على أطراف الجبل 20 حفرة كبيرة محفورة في الصخر، تتراوح مساحة كل واحدة منها ما بين 400 إلى 500 متر مربع، استُخدمت كمخازن للمياه والأسلحة والأغذية، إضافة إلى وجود أسوار وبقايا خندق.
ويؤكد الباحث في التراث الشعبي حمزة العقرباوي، أن على الطرف الجنوبي للجبل، يتواجد البرج اليوناني المبني من الحجر، وهو يشرف على المنطقة، ويضم قنوات تنقل المياه بين الصهاريج الغربية والشرقية. وفي عام 2009، أجرى العقرباوي برفقة فريق متخصص، تصويرًا ومسحًا للمنطقة، اكتشف خلالها صهريجًا موصولًا بنفق إلى داخل الجبل، وسردابين، وثلاث مقابر حجرية، ودَرَجًا، وعدة مداخل في المنطقة الشمالية للجبل. ويذكر العقرباوي أن جبل العُرمة، “لم يكن في يوم من الأيام يتبع إلى السامرة، التي ينسبها اليهود إلى تاريخهم، وأنه حسب المؤرخين الذين كتبوا عن فلسطين في العهد الروماني، لم يُذكر الجبل كأحد المواقع التابعة للسامرة”.
صورة لأحد الصهاريج الأثرية
ويذكر الباحث حمزة العقرباوي أنه وفي إطار الاهتمام الفلسطيني بجبل العُرمة، وصلت بعثة فلسطينية في ستينيات القرن الماضي إلى الجبل، وبدأت بأعمال بحث أثرية. لكنها لم تُستكمل بسبب الاحتلال، وأعمال التنقيب العشوائية من قبل لصوص الآثار، فظل جزء كبير من تاريخ الجبل غامضًا ومجهولاً. وفي عام 1986، جاء فريق من جامعة النجاح، يترأسه أستاذ التاريخ والآثار محمود عطا الله، لإجراء دراسة لموقع جبل العرمة، لكن هذه الجهود لم تُستكمل أيضا؛ بسبب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وقلة الإمكانيات. وفي نفس السياق، قامت جمعية صندوق استكشاف فلسطين، التابعة للحركة الصهيونية، في الستينيات، وقبل النكسة، بإرسال بعثة إسرائيلية للتنقيب عن الآثار في بلدة بيتا، وجبل العُرمة تحديدًا، كما زارت بقايا كنيسة بيزنطية في بلدة عقربا المجاورة. وعليه يمكن القول إن الأطماع الإسرائيلية الحقيقية في هذه المنطقة، بدأت منذ تلك الفترة من القرن الماضي، لكنها لم تعثر على أي دليل يثبت الرواية الإسرائيلية المزعومة.
صورة لسور أثري يحيط بجبل العرمة
صورة جوية للجبل
عوامل نجاح الفلسطينيين في المحافظة على الجبل
يمكن القول إن هناك عوامل موضوعية وأخرى ذاتية، تساعد الفلسطينيين في المحافظة على الجبل، وتجعل المستوطنين، حتى هذه اللحظة، غير قادرين على السيطرة عليه.
العوامل الموضوعية
- موقع الجبل على الأراضي المصنفة (ب) حسب اتفاق أوسلو
بالرغم من استمرار الاحتلال في بناء المستوطنات والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، إلا أن معظم هذه الأراضي تقع ضمن المناطق المصنفة (ج)، أي التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية أمنيًا وإداريًا، وهي تشمل أكثر من 60% من أراضي الضفة الغربية، وأكثر من 42% من أراضي محافظة نابلس. وحتى مستوطنة إيتمار، والبؤر الاستيطانية التي بجانبها، والتي يسعى الاحتلال لإيجاد طريق يربطها مع الجبل، تقع جميعها ضمن المناطق المصنفة (ج).
أما منطقة جبل العُرمة، ولكونها منطقة (ب)، أي تخضع للسيطرة الفلسطينية إداريًا، والسيطرة الإسرائيلية أمنيًا، فهذا يعني أن هناك العديد من التحركات الذاتية، التي يمكن للفلسطينيين القيام بها، وأهمها سهولة الوصول للجبل، أكثر من المناطق المصنفة (ج). وتجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن 39% من أراضي محافظة نابلس، هي أراضٍ مضنفة (ب)، ويسكن فيها 43% من سكان المحافظة[6]. هذا يعني أن تهديد أي أرض من مناطق (ب)، يجعل حوالي نصف سكان المحافظة، يستشعرون خطر إمكانية ضم بعض أراضيهم للاحتلال. لذلك فإن وقوع الجبل في مناطق (ب)، يعزز صمود عدد كبير من الفلسطينيين، ومواجهتهم لمحاولات المستوطنين السيطرة على الجبل.
تقسيم الأراضي الفلسطينية حسب اتفاق أوسلو
المصدر: الخريطة التفاعلية لأوتشا (مع بعض التوضيح من قبل الكاتب)[7]
- عدم إصدار قرار إسرائيلي رسمي بضم الجبل
بالرغم من أن الاحتلال لا يفوت فرصة في السيطرة على أراضي الضفة الغربية، إلا أنه وبنفس الوقت، لا يستطيع أن يغفل عن الجانب القانوني في ذلك. فمثلًا، تختلف البؤر الاستيطانية عن المستوطنات، في أن البؤر الاستيطانية لم يتم الاعتراف الرسمي الإسرائيلي بها، في حين تم الاعتراف بالمستوطنات، وصدرت بشأنها قرارات من الجهات الرسمية الإسرائيلية. في هذا السياق، من المتوقع أن إجراءات السيطرة على أراضٍ تقع في مناطق (ب)، مثل جبل العُرمة، خاصة في ظل تصدي الفلسطينيين لها، تحتاج إلى استصدار قرارات رسمية، أكثر صعوبة بالمقارنة مع الأراضي الواقعة في مناطق (ج).
- عدم ارتباط موقع الجبل بمشروع استيطاني استراتيجي
من الواضح أن الاحتلال يصر على تنفيذ أي مخطط استيطاني، عندما يكون مرتبطًا بمشروع استيطاني كبير، مثل المناطق القريبة من القدس، والمناطق التي يمر منها الجدار الفاصل. فعلى سبيل المثال، تصنَف بلدة الزعيّم قرب القدس كأراضي (ب)، ولكن الاحتلال قام بمحاصرتها كونها تقع في الشق الشرقي للقدس، القريب من كتلة “معاليه أدوميم” الاستيطانية، والمحاذي للمشروع الاستيطاني E1، وكونها جزءًا من مشروع استراتيجي، وهو مشروع “القدس الكبرى”. وكذلك الحال في بلدات رافات ودير بلوط والزاوية في محافظة سلفيت، والمصنفة كأراضي (ب)، حيث حاصر الجدار الفاصل هذه البلدات من نواحيها الأربعة؛ لأنها قريبة من مجمع مستوطنات “أرئيل” الاستراتيجي. وهكذا يمكن الاستنتاج بأن مصادقة الاحتلال على أحد المشاريع الاستيطانية في مناطق (ب)، واعتباره جزءًا من استراتيجية كبرى، يعجل في تنفيذه، أما إذا لم يكن المشروع الاستيطاني مرتبطًا بمشروع استراتيجي، كجبل العُرمة، فإنه لا يساعد في تنفيذه بسرعة. فجبل العُرمة يقع في مناطق (ب)، ولم يُصدر الاحتلال قرارًا بمصادرته حتى اليوم، وهو أيضا لا يرتبط بمشروع استيطاني استراتيجي، وإنما تهدف السيطرة عليه، إلى إيجاد تواصل مع مستوطنة “إيتمار”، والبؤر الاستيطانية القريبة منها. في ظل هذا الواقع، فإن استمرار الفلسطينيين في التصدي لمحاولات المستوطنين، يشكل فرصة كبيرة لإمكانية إفشال المستوطنين في السيطرة على الجبل.
العوامل الذاتية
- المشاركة الفلسطينية الواسعة
مما ميز الهبة الفلسطينية في مواجهة اعتداءات المستوطنين على جبل العُرمة، المشاركة الفلسطينية بأطيافها الشعبية والحزبية والرسمية المتنوعة، حيث لم تقتصر المشاركة الشعبية على أهالي بيتا فقط، بل شارك في الاعتصامات المتتالية، مواطنون من أنحاء متفرقة من الضفة الغربية، وبالتحديد من القرى المجاورة، مثل عورتا وأودلا وأوصرين وعقربا وحوارة، إلى جانب عدد من المواطنين من مدينة نابلس.
وإلى جانب الفعاليات المستمرة، التي يقوم بها شبان أطلقوا على أنفسهم “حماة الجبل”، كان هناك تفاعل واضح أيضا على صفحات التواصل الاجتماعي من أبناء الضفة الغربية. إضافة إلى ذلك، يشير الباحث عودة حمايل بأن شخصيات رسمية من مؤسسات السلطة الوطنية شاركت في الفعاليات، ومؤسسات المجتمع المدني، منهم رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، الذي وعد بتقديم 10 آلاف شيكل لأي مواطن يرغب بالبناء في جبل العرمة. ووزيرة السياحة والآثار، التي وعدت بإقامة منتجع سياحي في المنطقة. إضافة إلى وزير الحكم المحلي، ومحافظ نابلس، وممثلين عن الوزارات والمؤسسات الفلسطينية الحكومية والخاصة. وقد نتج عن هذه المشاركة المتنوعة، تشكيل لجنة التنسيق الفصائلي، التي تضم كل القوى الوطنية والإسلامية، وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان.
لا شك أن توحد الفلسطينيين في صد المستوطنين، هو عامل مهم في ردع كل المحاولات الاستيطانية، وهو مؤشر يقرؤه المستوطنون جيدا في صعوبة السيطرة على الجبل بوسائل السيطرة العادية. هذا يعني، أنه وفي حال صدور قرار رسمي من الاحتلال بمصادرة هذا الجبل، واستمرار حماية جيش الاحتلال للمستوطنين، فإن ذلك سيزيد من المشاركة الفلسطينية في الدفاع عن الجبل، وصد محاولة سيطرة المستوطنين عليه.
- الإسناد الفلسطيني الرسمي
ساهمت مؤسسات السلطة الفلسطينية، ومنها وزارة الحكم المحلي، بدور مهم في تعزيز صمود المرابطين على جبل العُرمة، من خلال إسنادهم اللوجستي. فقد قامت بلدية بيتا بشق طرق ترابية توصل لأعلى قمة الجبل، وإضاءتها وتزويدها بالكهرباء، وتعمل حاليًا على مد شبكة مياه للمنطقة. وفي نهاية شهر شباط/ فبراير 2020، تم افتتاح مشروع حديقة جبل العرمة الأثرية، بحضور كل من محافظ نابلس ووزيرة السياحة والآثار، وذلك من أجل تعزيز صمود الفلسطينيين في تلك المنطقة، ومواجهة المشروع الاستيطاني. ومن أهم الخطوات التي قامت بها الحكومة الفلسطينية مؤخرًا، قيام سلطة الأراضي بمسح المنطقة، ومنْح أصحابها سنداتٍ رسمية تثبت ملكيتهم لها، بعد أن قدموا ما لديهم من إثباتات. وعلى صعيد الإعلام الرسمي، تابع تلفزيون فلسطين وبعض الفضائيات الدولية، الحدث بشكل مستمر على مدار ثلاثة أسابيع، ونقلت الأحداث أولًا بأول.
لا شك أن الدعم الفلسطيي الرسمي لأهالي المنطقة، يشكل أهمية كبيرة في إفشال مشروع المستوطنين للسيطرة على الجبل، فهو يعطي غطاءً رسميًا للمرابطين على الجبل، ويوصل رسائل للمستوطنين، بأن الهبة الشعبية لا تعبر عن روح جماهرية فقط، وإنما عن موقف رسمي أيضا.
- استمرارية الرباط والدفاع عن الجبل
منذ بداية الاحتجاجات في منتصف شهر شباط/ فبراير الماضي، انطلقت حملات تدعو الناس إلى الرباط بشكل مستمر على الجبل. وفي هذا الصدد، أقام الناشطون خيامًا، ووضعوا منزلًا متنقلا، ووفروا كل ما يلزم من أجل البقاء في المكان أطول فترة ممكنة، ليلًا ونهارًا، حتى تحوّل المكان إلى منطقة رباط دائم، يشارك فيه مئات المواطنين. كما أطلق المشرفون على الفعاليات، دعواتٍ لإقامة صلاة الجمعة على قمة الجبل، وكانت الفعالية تبدأ بتجمع السيارات والباصات أمام بلدية بيتا، ثم الانطلاق نحو الجبل. ورغم قيام سلطات الاحتلال بفرض حصار مشدد على بلدة بيتا، لمنع التجمع والاحتجاجات، إلا أن دعوات الاعتصام والاحتجاج، والتوجه نحو الجبل بشكل دائم، نجحت في صد محاولات المستوطنين للسيطرة على الجبل، واستمر الأمر كذلك حتى جاءت أزمة فيروس كورونا، التي فرضت العزل المنزلي في البلدات الفلسطينية، وأوقفت اقتحام المستوطنين للمنطقة.
ما المطلوب فلسطينيا؟
لا شك أن العوامل الموضوعية والذاتية الآنفة الذكر، لعبت دورًا مهمًا في نجاح الفلسطينيين حتى اللحظة، في إفشال نية المستوطنين السيطرة على الجبل. يُضاف إلى ذلك، أن الإرادة الفلسطينية في الدفاع عن الجبل، ساهمت في الحفاظ عليه. في هذا السياق، يجدر بالفلسطينيين تقوية عناصر القوة لديهم، ووتعزيزها. لذلك يمكن تقديم هذه المقترحات، التي قد تساعد في هذا الاتجاه.
- تعزيز المشاركة الواسعة والحملات الإعلامية، ودعوة جميع أطياف المجتمع للمشاركة في حماية الجبل. لعل الفصائل الفلسطينية تتحمل المسؤولية الأولى عن ذلك، كونها تمتلك أدواتِ تحريك الشارع. وتكمن أهمية مثل هذه الخطوة؛ لأنها تأتي في سياق الرد المجتمعي السلمي، الذي تتفق عليه الفصائل المختلفة، ولما لذلك من أثر عملي في توحيد أبناء الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال. كما تلعب المؤسسات الفلسطينية الرسمية دورًا مهمًا في تشجيع الناس على المشاركة، إذ يمكن لوزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي، تخصيص ساعاتٍ أو أيامًا، لمشاركة الطلاب في الأنشطة المُقامة على الجبل. كما أن للإعلام الفلسطيني دورًا مهمًا في حشد الناس للمشاركة، وفي تغطية الفعاليات المُقامة على الجبل، الأمر الذي سيترك آثاره الجيدة بين المواطنين، ويحرك الرأي العام ضد الاحتلال والمستوطنين.
- تعزيز الرواية الفلسطينية بشكل عام، وفيما يخص جبل العُرمة بشكل خاص، وذلك من خلال إجراء أبحاث ودراسات يشرف عليها مختصون في التاريخ والآثار، من الجامعات الفلسطينية المختلفة. يهدف هذا المقترح إلى تفنيد الروايات الإسرائيلية بشأن مواقع فلسطينية عديدة، منها جبل العُرمة، والتي تسعى إلى تزوير التاريخ وقلب الحقائق. يمكن أن تشكل نتائج مثل هذه الدراسات، أوراق قوة أمام المؤسسات الدولية، في حال ازدياد الهجوم الاستيطاني على الجبل. وإن كانت هذه الخطوة تبدو غير عملية في حماية الجبل، إلا أن تعزيز الرواية الفلسطينية، بناءً على الأبحاث والدراسات، يقوي الموقف الفلسطيني.
- تنوع الفعاليات المُقامة على الجبل، وتكثيفها، حيث يساهم ذلك في جذب شرائح مهمة ومتنوعة من الفلسطينيين، من أماكن مختلفة من الضفة الغربية. فعلى سبيل المثال، أنشطة الفنون المرتبطة بالتراث الفلسطيني، كالأهازيج والدبكة الشعبية، هي إحدى عوامل جذب الناس. ولعل مشاركة فنانين معروفين في ذلك، ونشر مشاركاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، يزيد في تكثيف الفعاليات، وزيادة مشاركة الجمهور.
بناءً على ما تقدم، يمكن القول إن احتمال نجاح الفلسطينيين في إفشال مخطط المستوطنين للسيطرة على الجبل، هو احتمال كبير جدا. ويساهم في ذلك، وبشكل واضح، المشاركة المجتمعية والفصائلية الواسعة، والدعم الرسمي المستمر، والوحدة الجماهرية على أسس متفق عليها فصائليًا، وفي مقدمتها المقاومة السلمية. وفي هذا السياق الذي تؤكده فعاليات جبل العُرمة، على الفصائل الفلسطينية المختلفة، أن لا تضيّع هذه الفرصة، وأن تترجم مواقفها النظرية إلى وحدة فعلية. وفي حال نجاح الفلسطينيين في حماية جبل العُرمة، فإنه يمكن أن يصبح هذا الملف، نموذجًا يحتذى به في النضال الفلسطيني، ويمكن تعميمه في مناطق مختلفة من أراضي الضفة الغربية، المهددة بالمصادرة.
[1] “عدد السكان المقدر في منتصف العام لمحافظة نابلس حسب التجمع 2017-2021″، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 29/3/2020، على الرابط الإلكتروني:
[2] ” جبل العرمة: خبطة النبي إبراهيم والذهب والشجاع الذي مات خوفاً”، موقع الترا فلسطين، 7/3/2020، على الرابط الإلكتروني:
[3] للاطلاع على الخريطة الأصلية، من خلال الرابط الإلكتروني: https://bit.ly/2R6mMaK
[4] ” لماذا يسعى الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على جبل العرمة؟”، موقع عربي21، 24/3/2020، على الرابط الإلكتروني: https://bit.ly/2xE45EC
[5] المزيد من المعلومات حول الصندوق من خلال الرابط التالي: https://www.pef.org.uk/profiles/sir-george-grove
[6] “واقع الاستيطان في محافظة نابلس”، مركز رؤية للتنمية السياسية، 10/7/2020، على الرابط الإلكتروني: https://bit.ly/2R5tm1f
[7] للاطلاع على الخريطة الأصلية، من خلال الرابط الإلكتروني: https://bit.ly/2UAxDfh