تقرير حول انتخابات نقابة المهندسين/ مركز القدس للدورة الانتخابية 2024/2021

المهندس منذر مشاقي

تعد انتخابات نقابة المهندسين/ مركز القدس، حدثا مهما تتابعه الصحافة ووسائل الإعلام، ويتناوله الكتاب والمحللون بقراءة مؤشرات نتائجها ودلالاتها، بل تتابعه دوائر السياسة وصنع القرار، وتوليه اهتماما كبيرا، وتحاول أن تصنع منه مناسبة مهمة للتدليل على استنتاجات متعلقة بأوزان القوى السياسية، وامتداداتها الجماهيرية، وذلك من خلال توظيف نتائج تلك الانتخابات سياسيا، والتأكيد على حضور الفصيل في الساحة السياسية الفلسطينية.

والحقيقة أن انتخابات نقابة المهندسين مهمة، حتى دون هذا التوظيف السياسي لها؛ وذلك لأنها تعبر عن توجهات شريحة مهمة من الشرائح المؤثرة في المجتمع الفلسطيني، والمتمثلة بحوالي ثلاثين ألفا من المهندسين، المسجلين وغير المسجلين في نقابة المهندسين.

وقد كان من المقرر أن تجري انتخابات نقابة المهندسين مع بداية شهر نيسان/ إبريل 2021، أي قبيل الموعد الذي كان محددا لإجراء انتخابات المجلس التشريعي في الثاني والعشرين من شهر  أيار/ مايو  من هذا العام، غير أنه تم تأجيل انتخابات النقابة بمرسوم رئاسي، ولم يكن يومها يخفى على أحد  أن هدف التأجيل هو الحيلولة دون أن تؤثر نتائج انتخابات النقابة على انتخابات المجلس التشريعي، فتكون عاملا مؤثرا في تغيير المزاج الانتخابي على خلاف ما تريده السلطة.

وتجري انتخابات نقابة المهندسين في جميع محافظات الضفة الغربية بما فيها محافظة القدس، علما أن إجراء الانتخابات لمؤسسة نقابية وطنية في القدس ليس إجراء مستحدثا، بل هو تقليد متوارث عن أجيال المهندسين الأوائل، الذين اتخذوا من القدس مركزا مكافئا لمركز عمان في الأردن، ولا زالت نقابة المهندسين تحمل اسم مركز القدس حتى يومنا هذا، حيث إن نقابة المهندسين لا زالت قانونيا جزءا من نقابة المهندسين الأردنيين. أما سبب عدم الانفصال عن نقابة المهندسين الأردنيين، فهو عدم إقرار قانون نقابة المهندسين الفلسطينيين من قبل المجلس التشريعي الفلسطيني. أما المهندسون في قطاع غزة، فقد ظلوا يحتكمون حتى سنة 2014 للقانون المصري، الذي نص على وجود جمعية للمهندسين في قطاع غزة منفصلة تماما عن النقابة في الضفة الغربية، ثم تم إقرار قانون نقابة المهندسين/ مركز غزة سنة 2014، من قبل المجلس التشريعي في غزة فقط، وأصبحت تعرف بعدها بنقابة المهندسين الفلسطينيين/ مركز غزة، حيث تجري انتخاباتها بمعزل عن انتخابات نقابة المهندسين/ مركز القدس في الضفة الغربية. وذلك هو أحد تجليات الانقسام الجغرافي والسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

واقع النقابة

لا تخفى المحاولات الدؤوبة للسلطة التنفيذية من أجل السيطرة على النقابات المهنية، حيث تريد السلطة وأجهزتها دوام السيطرة على الرأي العام، الذي تشكل النقابات المهنيه أحد أهم أركانه، وذلك باستخدام كل الأدوات الممكنة لتكرار “الفوز” في انتخابات نقابة المهندسين في كل دورة لذات الكتلة التي تمثل الحزب الحاكم. ونتيجة لذلك فقد انعدمت داوعي التغيير والتطوير في الواقع الهندسي، إذ لم تعد الانتخابات فرصة لتقييم الأداء، وقد أثر ذلك على دور النقابة تجاه المهندسين.

وفي سياق آخر، أدى عدم قدرة نقابة المهندسين على ضبط التنافس المحموم بين الشركات الهندسية، إلى انخفاض حاد في دخل هذه الشركات، بحيث أصبح كثير منها عاجزا عن دفع رواتب مهندسيها لعدة شهور.

ابتعدت النقابة بشكل كبير عن القضايا السياسية وتطورات قضيته الوطنية، وذلك لكي لا تقع في تناقض مع موقف السلطة الفلسطينية من تلك الأحداث، وأصبحت مشاركتها مرتبطة بما يسمح به المستوى الرسمي الفلسطيني، أو بما لا يثير المستوى الرسمي، أو أوساطا معينة فيه. فلم يستطع مجلس النقابة مثلا اتخاذ قرار بإدانة الاعتداء والسحل والاعتقال لعدد من المهندسين من قبل الشرطة الفلسطينية، أثناء وقفة احتجاجية على اعتقال أحد النشطاء السياسيين. وكان من بين المعتقلين المهندسة ناديا حبش، والتي فازت في انتخابات النقاب الأخيرة بمنصب النقيب.

الانتخابات الأخيرة …  أرضية ومنطلقات

شكل التوصيف السابق المختصر أرضية للتحضير للانتخابات. فحركة فتح ترى في النقابة قلعة من قلاعها، وتخشى من ان تقرأ الخسارة في الانتخابات من قبل الشارع الفلسطيني على أنها مؤشرا لتراجع شعبيتها، ولذلك فقد تمت متابعتها بشكل مباشر من قيادة الحركة، وتم التعامل مع الشأن الهندسي من باب حزبي تنظيمي، مع أن الأمر نقابي خالص كما يراه المهندسون انفسهم على الاقل، ولا يمكن تحميله ما لا يستطيع من أعباء سياسية وحزبية، وهذا ما قد يؤثر بشكل سلبي على الواقع المهني لكل المهندسين.

ومن ذات الواقع، انطلقت الدعوات لتشكيل تحالف مهني عريض، سمي فيما بعد بـ”قائمة العزم“، وضمت القائمة شخصيات مهنية هندسية ساعية للتغيير، ومدركة بأن هذا التغيير لن يفسح له المجال الا بانهاء فترة احتكار حركة فتح لقيادة النقابة، ولذلك فقد كانت الشخصيات في مجملها من خارج حركة فتح ومن معارضيها ومن مناهضي سياسات السلطة بشكل عام، وقد سعى التحالف لضم شخصيات مهنية من تيارات سياسية ومهنية متنوعة بما فيهم مرشحون من حركة فتح. رشح تحالف قائمة العزم لمنصب النقيب المهندسة المعروفة ناديا حبش، وهي محاضرة في قسم الهندسة المعمارية في جامعة بيرزيت، وهي شخصية مسيحية يسارية نقابية نشطة. كما رشحت القائمة الدكتور رياض عبد الكريم لأمانة الصندوق، وهو شخصية أكاديمية مهنية معروفة، وهو محاضر في جامعة النجاح الوطنية، ومعروف بتوجهاته الإسلامية. كما ضمت القائمة شخصيات شبابية كالمهندس أحمد الرجوب مرشحا لمنصب نائب النقيب، وهو مستقل، كما تم ترشيح المهندس علاء سيف، وهو ناشط نقابي معروف وذو توجه إسلامي، مرشحا لأمانة سر النقابة. أما رؤساء الفروع، فهم في أغلبهم شخصيات نقابية شابة، ومن توجهات سياسية متعددة.

وقد كانت قائمة العزم والقوائم الفرعية المتحالفة معها مستندة الى القاعدة الانتخابية لكل من حركة حماس والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، والى أعداد كبيرة من المهندسين المستقلين الذين يطمحون للتغيير، بدون أن تتدخل أي من تلك التنظيمات في مجريات تشكيل القائمة بعكس قائمة المهندس الفلسطيني التي تشكلت برعاية قيادة حركة فتح ورعايتها المباشرة. وقد حرصت قائمة العزم على تأكيد استقلاليتها والنأي بنفسها عن التجاذبات السياسية كما أوردت ذلك في بيان خاص تم نشره على صفحة القائمة على الفيسبوك بتاريخ  27/8/2021جاء في أعقاب صدور بيات مشترك عن حماس والجبهة الشعبية يبارك فيه الفوز ويعلن ان قائمة العزم مشكلة من انصارهما.

القائمة المنافسة لقائمة “العزم” هي قائمة “المهندس الفلسطيني” معبرة عن حركة فتح والتي رأسها المهندس سامي حجاوي. وقد استخدمت فتح كل اوراقها وامكانياتها للضغط  على الناخبين ولحشدهم للتصويت، خاصة ورقة المهندسين الحكوميين والعسكريين الذين ينتمون في الغالب الى حركة فتح بحكم سياسات التوظيف لدى السلطة، كما واستنفرت حركة فتح كل مؤيديها للتصويت.

الانتخابات الأخيرة … نتائج مفاجئة رغم الثغرات

ثمة إشكالات جوهرية متعلقة بقانون الانتخابات لنقابة المهندسين، وآليات إجرائها، وهي ثغرات تجعل إمكانيات المتابعة من قبل قوائم المرشحين للقاعدة الانتخابية أمرا معقدا، فأصحاب حق الاقتراع هم المهندسون المسجلون والمسددون لاشتراكاتهم المالية السنوية للنقابة، وحسب سجلات نقابة المهندسين، بلغ عدد المسددين لاشتراكاتهم السنوية بالتزامن مع كتابة هذا التقرير، 12489 مهندسا، بينما بلغ عدد غير المسددين لاشتراكاتهم المالية 9063 مهندسا.

المهندسون العاملون والموظفون في الحكومة والأجهزة العسكرية هي من أهم الأوراق في الانتخابات، ويزداد تأثيرهم خاصة في ظل عزوف قطاعات كبيرة من المهندسين عن المشاركة في الانتخابات، بينما يضطر المهندسون في القطاع العام والعسكري للمشاركة للحفاظ على وظائفهم ومراكزهم، مع أن المهندسين العاملين في القطاع العام لديهم مطالبهم من علاوات مالية وعلاوات متعلقة بمخاطر المهنة، وهو ما يمكن في الأصل أن يجعلهم معنيين بالتغيير في النقابة لتحصيل حقوقهم. وهو ما يمكن اعتبار المهندسين في القطاع الحكومي والعسكري كوتة شبه مغلقة لصالح قائمة “المهندس الفلسطيني” القريبة من حركة فتح.

وهناك ثغرة أخرى، وهي أن القاعدة الانتخابية غير ثابتة حتى آخر لحظة من الوقت المتاح للتصويت والانتخاب، بمعنى أن قائمة المهندسين ممن يحق لهم التصويت، قابلة للزيادة بآلاف الأسماء في ذات يوم الاقتراع، بناء على تسديد اشتراكهم وقدرة جهة سياسية معينة على فعل ذلك، لترجيح القاعدة التصويتية لصالحها.وهذا ما يجعل الانتخابات تحمل كثيرا من المفاجآت، وهذا ما حدث فعلا حيث بلغ عدد المسددين لاشتراكاتهم في يوم الانتخابات حوالي الف مهندس.

أما الإشكالية الكبيرة، فهي انتخاب رئيس لفرع النقابة في كل محافظة من المحافظات، يكون ممثلا لها في مجلس النقابة، وله حق التصويت حتى على الأمور التي لا تخص المحافظة التي يمثلها. وكمثال على هذه الإشكالية، محافظة أريحا لها مقعد في مجلس النقابة يمثل سبعين مهندسا فقط هم أصحاب حق الاقتراع في المحافظة، بينما محافظة نابلس يمثلها في مجلس النقابة مقعد واحد أيضا، ولكن يمثل أكثر من ألفين وثلاثمائة مهندس. فقياس النتائج بعدد رؤساء الفروع الذين تم انتخابهم من هذه القائمة أو تلك، هو إجراء غير دقيق.  وممكن أخذ مؤشرات أدق في نتائج الانتخابات من خلال نتائج انتخابات هيئة المكتب، وهي دائرة القيادة الأولى لنقابة المهندسين، وتتألف من أربعة أعضاء، هم النقيب ونائبه، وأمين سر النقابة، وأمين صندوقها، وهؤلاء يتم انتخابهم من قبل جميع المهندسين في الضفة الغربية، بجميع محافظاتها بما في ذلك القدس.

حسب ما أعلنته النقابة على موقعها على الفيسبوك للدورة الانتخابية 2021/2024، التي جرت بتاريخ 27/8/2021، كانت نتائج الانتخابات كما يلي:

  • فازت مرشحة قائمة العزم المهندسة ناديا حبش بمنصب النقيب، وهو المنصب الأهم في النقابة، بفارق بلغ 741 صوتا عن المرشح المنافس الدكتور المهندس سامي حجاوي، من قائمة المهندس الفلسطيني التابعة لحركة فتح، على مستوى جميع المحافظات.
  • فاز مرشح قائمة العزم الدكتور المهندس رياض عبد الكريم بمنصب أمين الصندوق، بفارق 714 صوتا عن المرشح المنافس المهندس سائد ادعيس، من قائمة المهندس الفلسطيني التابعة لحركة فتح، على مستوى جميع المحافظات.
  • فاز المهندس منذر البرغوثي منصب نائب النقيب من قائمة المهندس الفلسطيني التابعة لحركة فتح وهو من حزب الشعب الفلسطيني، على مستوى جميع المحافظات. وذلك بفارق 399 صوت عن أحمد الرجوب مرشح قائمة “العزم”.
  • فاز المهندس عز الدين أبو غربية بمنصب أمين السر من قائمة المهندس الفلسطيني، متفوقا على منافسه المهندس علاء زهير من قائمة العزم بفارق 118 صوت على مستوى جميع المحافظات.
  • فازت قائمة التآلف المهنية في نابلس، وهي قائمة متحالفة مع قائمة العزم، بحصد جميع المقاعد، بما في ذلك مقعد رئيس الفرع، وهو المهندس يزن جبر.
  • فازت قائمة جنين الهندسية، وهي قائمة متحالفة مع قائمة العزم أيضا، بحصد جميع المقاعد، بما في ذلك منصب رئيس الفرع، وهو المهندس حسام أبو الرب.
  • فازت قائمة الوحدة والتجديد في محافظة القدس، وهي قائمة مدعومة من قائمة العزم أيضا، بجميع مقاعد الفرع برئاسة المهندس علاء عباس.
  • فازت الكتل المتحالفة مع قائمة العزم بمقاعد متفرقة في مجالس المحافظات في كل من الخليل وطولكرم، حيث كانت النتائح متقاربة في الخليل، بينما أخفقت القوائم المتحالفة مع قائمة العزم في كل من رام الله وسلفيت وأريحا وطوباس وقلقيلية.
  • بلغ مجموع المقاعد التي حصل عليها مرشحو قائمة العزم والقوائم المتحالفة معها، 54 مقعدا من أصل 159 هي مجموع مقاعد المؤتمر العام للنقابة، حيث إن الفائزين الآخرين كان معظمهم من قائمة المهندس الفلسطيني التابعة لحركة فتح.

خلاصة

ما ميّز انتخابات نقابة المهندسين الأخيرة، هو أنها شكلت انقلابا على الاعتقاد السائد بأن نقابة المهندسين هي قلعة لحركة فتح، تقوم هيئاتها القيادية بترتيب شؤون النقابة وكأنه شأن داخلي. كما أن هذه الانتخابات أكدت على أهمية اختيار المرشحين بعناية، وأن ترشيح الحزب أو الفصيل لشخص معين، لا يكفي لضمان انتخابه للمنصب، بل يجب أن يكون المرشح صاحب حضور وتأثير وتميز، وينطبق هذا على جميع الفصائل والتوجهات السياسية، وليس على فصيل سياسي بعينه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى