تقدير موقف: حوارات المصالحة الأخيرة.. احتمالات الانكفاء والتراجع نظرة في المخاطر والضمانات

ساري عرابي

ملخص

أدارت حركتا حماس وفتح سلسلة حوارات استمرت من تموز/ يوليو إلى تشرين الأول/ أكتوبر 2020، عكست نوايا للخروج من الانقسام إلى وحدة وطنية، تواجه التحديات غير المسبوقة، واتسمت بالجدّية، إلا أنّها تباطأت لاحقًا، واعتراها في الأثناء غموض ومخاوف من الرجوع إلى الاتهامات المتبادلة، مع الإصرار في الوقت نفسه من أطراف في الحركتين، على تثبيت الأجواء الإيجابية.

ولأن هذه السلسلة من الحوارات بدت واعدة، وعلى تخوم إنجاز اتفاق مصالحة، فقد تعدّدت الآراء حولها، وكثرت المواقف التي تحذر من احتمالات الفشل والتراجع، ومخاطره على المجتمع والقوى الوطنية، والقضية الفلسطينية برمّتها، وقد بات هذا الاستشراف أكثر ضرورية مع حالة التباطؤ الراهنة.

تقرأ هذه الورقة في احتمالات الانكفاء والتراجع، وتستشرف مخاطر ذلك في حال حصوله، وتبحث في الضمانات التي تحول دون ذلك، والممكن إلى حين إنضاج تفاهمات تحظى بمصداقية أعلى، وضمانات أكبر.

 

مقدمة: نظرة عامة

ظهر في تموز/ يوليو 2020، في مؤتمر صحفيّ مشترك للقياديين في الحركتين، صالح العاروري وجبريل الرجوب[i]، ما بدا نتيجة لحوارات واعدة بين حركتي حماس وفتح[ii]، أفضت إلى الاتفاق على منح المقاومة الشعبية في الضفّة الغربيّة، الأولويّة لمواجهة مشاريع الضمّ، التي فرضت التقارب على الحركتين، وتجميد الخلافات بينهما.[iii]

انتقلت الحوارات إلى مرحلة أخرى بعد أكثر من شهر، وذلك في اجتماع لما يُعرف بـ “القيادة الفلسطينية” في المقاطعة برام الله، بحضور ممثلين عن الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك عن حركتي حماس والجهاد الإسلامي[iv]، وهو ما انبثق عنه اجتماع آخر للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، في بيروت ورام الله، على نحو متزامن، برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وحضور الأمناء العامين للفصائل[v]، أو من ينوب عنهم.

أخذت هذه اللقاءات بعدًا أعمق في حوارات ثنائية، جمعت بين حركتي حماس وفتح في اسطنبول في أيلول/ سبتمبر[vi]، قالت الحركتان إنها مؤسسة على نتائج اجتماع الأمناء العامين. تلا تلك الاجتماعات بيان مشترك، يفيد بإنجاز تفاهمات بين الحركتين، تنتظر عرضها على مؤتمر الأمناء العامين في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر، برعاية الرئيس الفلسطيني محمود عباس، للإعلان عنها في إطار اتفاق وطنيّ شامل.[vii]

ظهر من التصريحات التي تلت حوارات اسطنبول، أنّ الانتخابات التشريعية ستكون المدخل لإنجاز المصالحة، وحلّ القضايا العالقة بين الحركتين، بيد أنّ شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مضى دون عقد اجتماع الأمناء العامين، مما عكس بطأً، أو إشكالًا بين الحركتين، أو في داخل كل منهما، الأمر الذي قد يعني أن تفاهمات اسطنبول لم تكن المدخل الحتميّ لإطلاق المصالحة، وحسم الخلاف الوطني نهائيًّا.

جاءت بعض التصريحات لتؤكد على وجود خلاف أو بطء، يؤخّر حركة المصالحة، عمّا بدا من تفاؤل كبير في أوّل الأمر، لا سيما على لسان روحي فتوح، أحد أعضاء وفد فتح لحوارات المصالحة، والذي شدّد على تمسك حركته بتفاهمات اسطنبول، بما تتضمنه من انتخابات تشريعية للسلطة الفلسطينية، على أساس ما أسماه التوالي والترابط، وفي ضوء رؤية حركته، التي ترى ضرورة البدء بالسلطة الفلسطينية باعتبارها ذراعًا لمنظمة التحرير الفلسطينية في الداخل، وإرجاء حلّ القضايا العالقة بين الحركتين إلى ما بعد الانتخابات التشريعية، متهمًا حماس بالتأخر في إعلان مكتبها السياسي موافقته على هذه التفاهمات، ومخاطبة الرئيس عباس بإصدار المراسيم اللازمة لإجراء الانتخابات، وفق ما جرى التفاهم عليه من توالٍ وترابط.[viii] أكّد عزام الأحمد، القيادي في فتح وعضو لجنتها المركزية، تصريحات روحي فتوح.[ix]

ورغم تصريحات فتوح والأحمد، إلا أن المكلفيْن بملف الحوار في الحركتين، الرجوب والعاروري، حاولا الإبقاء على الأجواء الإيجابية، والتمسك بالمسار، دون اتهامات متبادلة. فعلى خلاف تصريحات كل من فتوح والأحمد، قال الرجوب إنّ ما جرى الاتفاق عليه لم يخرج عليه أحد، كما أكد العاروري على استمرار الحوار الإيجابي والبناء مع حركة فتح.

وبناء على ما سبق يمكن الحديث عن سيناريوهين لتعطل المصالحة أو فشلها، الأول في انكفاء هذه الحوارات وعدم وصولها إلى نتيجة مقنعة، والثاني في عدم استكمال بقية استحقاقات المصالحة، في حال بلغت هذه الحوارات نتيجة مقنعة للطرفين، مع وجود ترابط بين السيناريوهين.

 

سيناريو الانكفاء

يمكن إجمال الأسباب التي قد تشير إلى احتمالات الانكفاء في المسار الجاري، في إطارين اثنين، الأول موضوعي يتعلق بالظروف السياسية العامّة المحيطة، والآخر مضموني يتعلق بنصوص التفاهمات، وخطوات المصالحة وإجراءاتها.

ففي الجانب الموضوعي، يخشى العديد من المراقبين من أنّ ذهاب فتح نحو هذه الحوارات، يأتي في سياق استراتيجية الانتظار، التي اعتمدتها منذ توقيع اتفاقية أوسلو، والتي تقوم على شراء الوقت، والرهان على التحولات السياسية لدى الاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية[x]، وبقدر ما قد تحتمله الخطوة من رسائل تهديد بالمصالحة مع حماس، ودمجها في النظام السياسي الفلسطيني بشقيه، منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، ردًّا على إنهاء معنى وجود السلطة بمشاريع الضمّ، وتجاوزها تمامًا بخطوات التطبيع، فإنّها قد تكون محض خطوة تهدف إلى تعبئة الوقت بانتظار الانتخابات الأمريكية[xi]. ولذلك، وفي كل الأحوال، لم يكن ينبغي التوقع بإمكان البدء بالانتخابات التشريعية قبل الانتخابات الأمريكية، ولا يُتصوّر أن تذهب السلطة الفلسطينية، إلى خطوة استراتيجية قبل وقت وجيز من الانتخابات الأمريكية. في الجانب الموضوعي نفسه، يأتي الحديث عن دول عربيّة تضغط على الرئيس عباس، للتراجع عن مسار المصالحة الحالي[xii].

لا ينفكّ جانب المضمون عن الجانب الموضوعي، إذ تتمسك قيادة فتح في تفسيرها لتفاهمات اسطنبول، بما في ذلك على لسان رئيس وفدها للحوار مع حماس اللواء جبريل الرجوب، بإجراء الانتخابات التشريعية أولًا، بالتوالي والترابط، مما يعني رفض تزامن انتخابات الوطني، أو الاتفاق على تشكيله مع الانتخابات التشريعية، بينما تعني بالترابط، جعل التشريعي جزءًا من انتخابات المجلس الوطني، كما وتتمسك بحلّ القضايا العالقة، بما في ذلك قضايا الحريات، والتمييز على أساس سياسي أو مناطقي، وما يندرج في هذا الإطار من ضمانات مطلوبة، بعد إجراء الانتخابات التشريعية، فقد اعتبر عزام الأحمد المطالبة بتهيئة الأجواء قبل الانتخابات، ودفع رواتب نواب حماس في المجلس التشريعي المنحلّ، استدراكًا على تفاهمات اسطنبول.[xiii]

البدء بالانتخابات التشريعية، لا بالاتفاق على برنامج وطنيّ يثبت تحوّلاً جدّيًّا في الاستجابة للتحدّيات الراهنة، وخروجًا حقيقيًّا من اتفاقية أوسلو، وعدم المسارعة في إطلاق مقاومة شعبيّة فاعلة ومؤثّرة، وبمرجعية وطنية جامعة ترجع إلى مجموع الفصائل المؤثّرة لا إلى قيادة السلطة، سوف يستدعي بالضرورة شكّ العديد من المراقبين[xiv]، كما سوف يثير مخاوف أوساط في حركة حماس، قد تعتقد أنّ فتح أخذت من حماس الغطاء الشرعي بإجراء انتخابات تشريعية، تجدد بها سلطتها في ظلّ المخاطر التي تواجهها والحديث عن استبدال القيادة، بينما لم تأخذ حماس شيئًا بإرجاء كل مطالبها لمراحل تالية[xv]، ومن ثم يظلّ قائمًا احتمال عدم تنفيذ بقية الاستحقاقات.[xvi]

يؤول الأمر في هذه الحالة إلى الإرادة، فإذا كانت حركة فتح تمتلك الإرادة الكافية لصدّ الضغوط التي تتعرّض لها، بما في ذلك الضغوط الأمريكية، للتراجع عن مسار المصالحة[xvii]، وإن كانت قد أجرت مراجعة جدّية لمسار التسوية، فلا ينبغي، والحال هذه، أن يكون لديها أيّ إشكال في توفير الضمانات الكافية، وحلّ عدد من القضايا العالقة، والبدء بإعادة تشكيل المجلس الوطني.

وبالنسبة لحركة فتح، حتى لو قررت إشراك حماس في منظمة التحرير، فإن ذلك يجب أن يكون مقابل ثمن، أحدهما، إحداث إزاحة في السيطرة على قطاع غزة لصالحها، وثانيها جلب حركة حماس لبرنامج سياسي يقر بحل الدولتين، ويتجنب الكفاح المسلح كآلية لتحقيق الأهداف.

 

سيناريو التراجع بعد إجراء الانتخابات

وفق الترتيب الذي تصرّ عليه حركة فتح لإنجاز استحقاقات المصالحة، التشريعي أولًا، وتعليق بقية الاستحقاقات، بما في ذلك إلغاء الإجراءات التمييزية بإنجاز تلك الانتخابات، فإنّ إمكانية التراجع تبقى محتملة. ولعدة أسباب، فإن حركة فتح قد لا تمضي بأكثر من إجراء الانتخابات التشريعية، والمناورة بتلك الورقة على أكثر من اتجاه، لا سيّما وأنّها تتحكم بساحة الضفّة الغربيّة، وأن عقيدة الأجهزة الأمنيّة، على الأقل منذ الانقسام، بُنيت على اعتبار حركة حماس هدفًا دائمًا، ومحورًا مركزيًّا لنشاطها. كما أن حركة فتح، وبحكم بنيتها وظروف تأسيسها، وخطّها العام في مسارها الطويل، وبالنحو الذي تكوّن فيها ما يمكن اعتباره “السلطة العميقة”، لا يمكنها الخروج الكامل من محورها الراهن، والذهاب إلى محور إقليميّ مناقض أو منافس.[xviii]

ومن جهة أخرى، فإنّ الاحتلال المسيطر الأساس على الضفّة الغربيّة، قد يمعن في إفشال التجربة، وذلك بعدم التعاطي مع حكومة منبثقة عن نظام سياسيّ تندمج فيه حماس، وباستهداف العناصر الحكومية والنيابية من حماس، ومحاصرة الحكومة اقتصاديًّا وسياسيًّا، الأمر الذي من شأنه أن يخلق أجواء تدفع للتراجع عن استكمال بقية الاستحقاقات، في استنساخ، وإن بصورة مختلفة نسبيًّا، لتجربة عام 2006، مما قد يدخل المجتمع الفلسطيني مجدّدًا في انقسام جديد، في ظرف أكثر سوءًا وحرجًا ممّا كان عليه الحال في عام 2006.

ولذا، فإن المصالحة هي خيار مواجهة حقيقي، يعاند المنظومتين الإقليمية والدولية، ويضع المجتمع الفلسطيني مجدّدًا في مواجهة الاحتلال. ولذلك، فإنّ الذهاب إليها بأدوات تقليدية مكررة، ومصاحبة للانقسام، ومنبثقة عن أزمة السلطة ومشروعيتها، وتمتدّ بشكل أو بآخر عن أوسلو الذي أوجدها، لا يمتلك الضمانات الحقيقية لإسنادها بصفتها حالة مواجهة، أو لاستمرارها حتى النهاية، وإنما الذي يسندها هو البرنامج الوطني القَبْلي[xix]، الذي يعكس جدّية التحوّلات والإدراك للمخاطر الراهنة، والتخلّي عن مسار التسوية، ومن جهة أخرى لا يبقي قضايا متفجّرة للأيام القادمة، ويمنح الجميع أسباب الطمأنينة الكافية للمضيّ في هذا المسار.

 

مخاطر الانكفاء والتراجع

من شأن الانكفاء عن المصالحة في الظرف الجاري، أن يرفع من مستوى الإحباط لدى المجتمع الفلسطيني، لاسيما بعد التصريحات المغرقة في التفاؤل التي أطلقتها قيادات من الطرفين، وسيزيد من تراجع الثقة أكثر بالقوى السياسية والفاعلين الأساسيين في الساحة الفلسطينية، وهو ما لا يتناسب إطلاقًا مع خطورة المرحلة، وضرورات استنهاض الجماهير الفلسطينية، كما أنّه من الممكن أن يعيد الخصومة الداخلية إلى صدارة الانشغالات الوطنيّة، بدلاً من مواجهة المخاطر الخارجية، التي تهدف إلى تصفية القضيّة الفلسطينية.

وأمّا التراجع عن تنفيذ بقية الاستحقاقات، في وقت لاحق بعد إجراء الانتخابات التشريعية، فهو مقدّمة لانقسام فلسطيني جديد، وضربة في الصميم لوحدة وطنية ضرورية لمواجهة مخاطر التصفية، وقد يكون في سياقاته المستجدة تلك، أخطر من انقسام عام 2007. من جهة أخرى، فإنّ مشروع الضمّ الذي لم يزل ماثلًا في الأفق على المستوى القانوني، وجاريًا بقوّة في الأرض على المستوى الميداني، يُفقد السلطة الفلسطينية مشروعية استمرارها السياسي، الأمر الذي يجعل من الوحدة الوطنية شرطًا ضروريًّا للتغيير في المسار السياسي. تزداد هذه الخطورة مع مشاريع التطبيع الجارية، التي لا تكشف ظهور الفلسطينيين فحسب، بل تضع حركة فتح في موقف بالغ الحرج، مما يفرض تحوّلًا ضروريًّا في البرنامج السياسي وأدواته النضاليّة، وهو ما لا يمكن أن يتمّ إلا بوحدة وطنية، والاستناد إلى الشرعية الشعبية الفلسطينية.

 

ضمانات منع الانكفاء والتراجع

بالرغم من الكثير من الانتقادات التي توجه لمسارات المصالحة، ومن منطلق وطني، يلاحظ الاختلاف البرامجي بين الفصيلين الأهمّ، طرفي الانقسام، حماس وفتح، ومن ثمّ يتخوف من الانجرار إلى مربع أوسلو مجددًا، ومن تقديم مصالح الفصائل الفلسطينية على المصالح الوطنيّة، التي لا يمكن استدراكها وتحقيقها إلا بالخروج من مسار أوسلو، والاستناد إلى شرعية مركبة من النضال والانتخابات[xx]. إلا أنّ الإجماع الوطني لدى جميع الشرائح والفاعلين، سياسيين ومثقفين، سيلتئم على مصالحة وطنية حقيقية وضرورية، ولا يمكن دونها مواجهة التحديات الراهنة، بيد أن الاختلاف يكمن في المدخل والإجراءات والنوايا.

ثمّة شريحة معتبرة ترى أن الانتخابات التشريعية، ليست المدخل الصحيح لإعادة ترتيب الموقف الفلسطيني لمواجهة التحديات، حتى لو كانت الانتخابات تعالج جانبًا من أزمة الانقسام البنيوي بين سلطتي الضفّة الغربية وقطاع غزّة، وذلك لأنّ هذا الجانب لا يمكن معالجته بانتخابات مجردة، ودون الاتفاق المسبق على برنامج وطنيّ محدّد ومفصّل، حول أطر المقاومة الشعبيّة المقترحة، والموقف من وظيفة السلطة، وارتباطاتها التفاوضية، فضلًا عن إطلاق الحريات الشعبيّة سلفًا. كما أنّ الأزمة الراهنة، تتجاوز الانقسام السلطوي، إلى خطر تصفويّ متعالٍ على جميع الفرقاء.[xxi]

بحسب ما يرى عدد من المراقبين، فإنّ شروط إزالة العقبات، تتمثل في عدد من الخطوات والضمانات، من قبيل:

  1. الانطلاق من رؤية واضحة متفق عليها داخل كلّ فصيل، بإجماع كافٍ، وحوارات داخلية معمقة، هو أول الشروط الذاتية المطلوبة، قبل إنجاز اتفاق وطني بين الفصيلين يُرجى منه التحوّل بالقضية الفلسطينية إلى مسار أفضل.[xxii]
  2. تهيئة الأجواء بتشكيل حكومة وطنية، متفق عليها، تتولّى مهمّة تهيئة الأجواء بإطلاق الحريات، ومعالجة مظاهر التمييز السياسي.[xxiii]
  3. التزامن الفعلي بين الانتخابات التشريعية وإعادة تشكيل المجلس الوطني، هو ضمانة ضرورية لعدم النكوص والتراجع لاحقًا عن استكمال بقية الاستحقاقات[xxiv]، ويمكن القول إنّ هذه أهمّ الضمانات وآكدها، ولا يمكن فهم إرجاء إعادة تشكيل المجلس الوطني إلى ما بعد انتخابات السلطة، طالما كانت النوايا قد استقرّت على إعادة البناء، وكانت الفترة المقترحة لإنجاز كلّ الاستحقاقات قصيرة.
  4. البرنامج الوطني الذي يحدّد كيفيات الخروج من أوسلو، ويعالج الارتباطات التفاوضية للسلطة، ويستشرف المخاطر التي سوف تعترض الفلسطينيين في حال أنجزت المصالحة، وتحولت إلى موقف مواجهة، ويضع الخطط ويرسم المسارات لذلك.. هو برنامج لا بدّ منه سلفًا، وإلا وجد الفلسطينيون أنفسهم أمام جملة من الضغوط والابتزاز ومساعي الإفشال. فمهما كان الحديث عن مرجعيات سياسية أخرى كوثيقة الوفاق الوطني، إلا أن أوسلو ما يزال المرجعية السياسية والقانونية للسلطة.[xxv]

إنّ هذه الاحترازات ضرورية لضمان مصالحة تتطور إلى وحدة وطنية، قادرة على إسناد الفلسطينيين لمواجهة مخاطر الشطب والتصفية، وحجم الضمانات المطلوب يأتي على قدر ما يقال عن حجم التحولات في مواقف قيادة فتح، وبقدر ما تستوجبه المرحلة التي تجاوزت بمخاطرها الانقسام السلطويّ، وهو ما يدفع بعض المراقبين والفاعلين للدعوة إلى بناء منظمة التحرير أولًا، ثم النظر تاليًّا في مستقبل السلطة.[xxvi]

 

خلاصة

بدت الحوارات الأخيرة بين فتح وحماس، واعدة، أولًا لحساسية الظرف وحرجه وخصوصيته، وثانيًا لأنّها بدأت أساسًا بالاستناد إلى الاتفاق على تطوير الميدان، وإطلاق مقاومة شعبيّة، وثالثًا للروح المختلفة التي أبداها الطرفان، وتمثلت في الاستعداد المبدئي لخوض الانتخابات التشريعية في قائمة مشتركة، والتجاوز عن جملة من الخلافات السياسيّة، والاتفاق على مرجعية منظمة التحرير، والصياغات المشتركة التي تراعي الحساسيات البرامجية للطرفين.

إلا أنّ هذه المحاولة الجادّة على أهميتها، والروحية الإيجابيّة والاستثنائيّة التي وسمتها، كانت تحتاج، بحسب العديد من المراقبين، إلى المزيد من الإنضاج، والضمانات، ودلائل التحوّل، لا سيما في موقف حركة فتح، وذلك لإنفاذها أولًا من منطلق صحيح يتسم بأكبر قدر من الثقة والأمان، ولضمان استكمالها لاحقًا، ودون ذلك فإنّ احتمالات الانكفاء أو التراجع تظلّ حاضرة. ومن أهم هذه الضمانات والشروط، الاتفاق الداخلي، الكامل والواعي والناضج، لدى كل فصيل، والتزامن بين الانتخابات التشريعية وإعادة تشكيل المجلس الوطني، وتهيئة الأجواء بإزالة الإجراءات التمييزية وإطلاق الحريات سلفًا، وإعداد برنامج وطنيّ يناسب خطورة المرحلة، ويستشرف تداعيات مصالحة قد توضع لاحقًا في موقع المواجهة.

ولكن، مع التباطؤ الحاصل في سيْر حوارات المصالحة الأخيرة، وما ظهر من تصريحات بعض قيادات فتح التي تحمّل حماس المسؤولية عن ذلك، وما يبدو من عدم توفر الاتفاق الكافي على بعض الخطوط العريضة المشار إليها، فإنّه لا ينبغي التراجع إلى نقطة الصفر، والعودة إلى الاتهامات المتبادلة، وإنما يفترض أن يدفع ذلك إلى الحفاظ على الأجواء الإيجابية، وإلى المزيد من إنضاج الحوارات، وإنفاذ عدد من التفاهمات الجزئية والميدانية، التي تمنح الفلسطينيين الثقة، وتعطي مؤشرات جيدة على نواي

[i]. الرجوب والعاروري: “فتح” و”حماس” ستواجهان معا مشاريع الضم، وكالة وفا، 2/7/2020، https://bit.ly/2J0Sghw

[ii]. رئيس الوزراء يرحب بالأجواء الإيجابية التي أشاعها لقاء “فتح و” حماس”، وكالة وفا، 2/7/2020، https://bit.ly/2HohkyC

[iii]. الرجوب والعاروري خلال مؤتمر صحفي مشترك: سنجمد الخلافات لمواجهة الضم موحدين، 3/7/2020، https://bit.ly/3dShSsd

[iv]. الرئيس خلال ترؤسه اجتماع القيادة: الشعب الفلسطيني يقف صفا واحدا ضد المؤامرة وضد كل من يريد أن يعتدي على قضيتنا، وكالة وفا، 18/8/2020، https://bit.ly/35oCWmk

[v]. برئاسة الرئيس: بدء اجتماع الأمناء العامين للفصائل، وكالة وفا، 3/9/2020، https://bit.ly/34n32XC

[vi]. الرئيس يؤكد لأردوغان التوجه لإجراء الانتخابات.. حوار بين حركتي فتح وحماس في اسطنبول، موقع صحيفة الأيام الفلسطينية، 22/9/2020، https://bit.ly/2HDIdhN

[vii]. في ختام محادثات بتركيا.. فتح وحماس تتفقان على رؤية ستعرض قريبا ضمن حوار فلسطيني وطني شامل، موقع الجزيرة نت، 24/9/2020، https://bit.ly/3ot7fRD

[viii]. فتوح: فتح وافقت بالإجماع على تفاهمات اسطنبول، موقع النجاح نيوز، 18/10/2020، https://bit.ly/3jwc7Bz

[ix]. تصريحات لعزام الأحمد تظهر تضاربًا بشأن المصالحة الفلسطينية، موقع صحيفة العربي لجديد، 20/10/2020، https://bit.ly/2HzNgQG

[x]. ساري عرابي، ضمّ الضفّة الغربيّة.. مآلات النكبة واستمرار القضيّة، مقع عربي21، 19/5/2020، https://bit.ly/2Tt8bHr

[xi]. نبهان خريشة، شراء الوقت في انتظار ما ستسفر عنه نتائج الانتخابات الأمريكية، موقع صحيفة الحدث، 4/10/2020، https://bit.ly/37O01li

[xii]. محور التطبيع يحارب «تفاهمات اسطنبول»: لا للمصالحة الفلسطينية!، موقع صحيفة الأخبار اللبنانية، 5/10/2020، https://bit.ly/37NVRtJ

[xiii]. تصريحات لعزام الأحمد تظهر تضاربًا بشأن المصالحة الفلسطينية، مصدر سابق.

[xiv]. صالح النعامي، انتخابات فلسطينية الآن: عباس غير مستعد لدفع الثمن، موقع صحيفة الرسالة، 12/10/2020، https://bit.ly/2TtcYbT

[xv]. قبل عقد الانتخابات….تباين في حركة حماس إزاء مسار المصالحة،

[xvi]. تسجيل صوتي قالت المصادر الإعلامية إنه مرسل من القيادي في حماس صالح العاروري لأحد كوادر الحركة يشرح له مبررات المضي في هذه التفاهمات وأهمية المرور بالانتخابات التشريعية.. يعكس الجدل في حركة حماس، حول خطوات هذا المسار والضمانات المطلوبة، انظر:

العاروري: الانتخابات ستكون ممرًا إجباريًا، موقع شبكة أجيال الإذاعية، 9/10/2020، https://bit.ly/3jz8FWX

[xvii]. تصريحات “الرجوب والعاروري” تؤكد على المسار الصحيح.. خاص “فتح”: الضغوط متوقعة لكنها لن تمر على شعبنا واللقاء الوطني قريبًا، موقع وكالة سند للأنباء، 16/10/2020، https://bit.ly/35FEnwS

[xviii]. أكرم عطا الله، مأزق المصالحة التي لم تنجح، 26/10/2020، https://bit.ly/2G7f4er

[xix]. صالح النعامي، انتخابات فلسطينية الآن: عباس غير مستعد لدفع الثمن، مصدر سابق.

[xx]. عبد الستار قاسم، الفصائل الفلسطينية لتزيين اتفاق أوسلو، موقع عربي21، 1/10/2020، https://bit.ly/2GaI0lL

[xxi]. ساري عرابي، هل المخرج في انتخابات تشريعية فلسطينية؟، موقع عربي21، 29/9/2020، https://bit.ly/35KCFdJ

[xxii]. هاني المصري، كيف يمكن إزالة العِصِيّ من دواليب قطار المصالحة؟، مركز مسارات، 20/10/2020، https://bit.ly/3oCWWKP

[xxiii]. المصدر السابق.

[xxiv]. المصدر السابق.

[xxv]. المصدر السابق.

[xxvi]. لمواجهة “صفقة القرن”.. خالد مشعل يطالب بتغيير وظيفة السلطة الفلسطينية، الجزيرة.نت، 2/7/2020، https://bit.ly/35ISNMN

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى