تباينات التيارات الصهيونية السياسية والثقافية
إنعام حامد/ تنزيل الورقة
تطرح هذه الورقة التباينات بين توجه ثيودور هرتسل للحركة الصهيونية من جهة [1]، مقابل توجه أحاد هعام من جهة أخرى[2]، مع تبيان أهداف كل منهما. وذلك من خلال عرض وجهات نظرهما فيما يتعلق بحل المسألة اليهودية في أوروبا، وماهية يهود المنفى.
إذ يرى هرتسل بأنّ المُعضلة هي معضلة اليهود، ولا يمكن حلها إلا من خلال إقامة وطن قومي بتأييد الدول الكبرى، مما جعله ينظر إليها باعتبارها مسألة قومية بالدرجة الأولى. بعبارة أخرى، يقوم نهج هرتسل على أن حل المسألة اليهودية تعني حل ضائقة اليهود عبر إقامة وطن قومي لهم، بينما يستند أحاد هعام في نهجه على أن حل مشاكل اليهودية يكون دينيًا وثقافيًا وليس حل مشكلة اليهود كأفراد وجماعة، وذلك من خلال إقامة مركز قومي روحي في فلسطين.
الخلاف الآخر بين الصهيونيتين السياسية والثقافية يتركز حول محورية “أرض إسرائيل”. ففي فكر الصهيونية الثقافية كان تصور “أرض إسرائيل” بأنّها مركزٌ روحيٌ، فكريٌ وثقافيٌ؛ يعود إلى عدم قدرة أرض إسرائيل على استيعاب كل اليهود المنفيين، وليس بمقدورها حلّ الأبعاد الوجودية أو الاقتصادية للمسألة اليهودية، وبالتالي فإن المركز الروحاني يعوض من لا يقدر على العيش في فلسطين، ما يعزز المشاعر الجمعية القومية. بينما في فكر الصهيونية السياسية يرى هرتسل أن المسألة قومية بالدرجة الأولى، وأن فكرة أرض إسرائيل لن تتم إلا بمساعدة الدول الأوروبية، عبر قطعها وعدًا بأحقية اليهود بإقامة دولة لهم، ومن ثم أصحاب رؤوس الأموال المتنفذين كالبارون هريش على سبيل المثال. من منطلق أن العالم يحتاج إلى الدولة اليهودية.
المُقايضة السياسية والدبلوماسية لدى هرتسل
ثيودور بنيامين زئيف هرتسل (1860-1904) مواليد مدينة بودابست الهنغارية، انتقل مع عائلته إلى فينا وبعد أنّ أنهى دراسته الثانوية، التحق بالجامعة هناك وتخرج منها بدرجة الدكتوراه في الحقوق. وفي سنة 1895 دخل هرتسل ساحة الاهتمام بالعمل الصهيوني. فكانت اللاسامية أساس صهيونيته. وبدأ يُنادي بضرورة إقامة دولة يهودية[3]. في كتابه دولة اليهود، يُشير هرتسل إلى رغبته في إيجاد حل عصري للمسألة اليهودية. فيرى هرتسل أن المسألة اليهودية قائمة في كل مكان يتواجد فيه اليهود، وأسباب هذا الاضطهاد عديدة ولكن يجب ألا يتم الخلط بين اللاسامية العصرية وبين كره اليهود لأسباب دينية. ففي الدول اللاسامية جاء كره اليهود نتيجة لتحرير اليهود. فلا يعتبر هرتسل المسألة اليهودية قضية اجتماعية أو دينية[4]، وإنما هي مسألة قومية ولكي يتم حلها ينبغي جعلها قضية سياسية عالمية، تُناقش في مجلس يُمثل الشعوب المُتمدنة. من هنا فإن منطلق هرتسل لحل المسألة اليهودية، يتعلق في مشكلة اليهود في أوروبا في ظل معاداة السامية، بمعنى أنّها ليست مشكلة اليهودية وإنما مشكلة اليهود، وظهرت بسبب معاداة السامية القائمة على أُسس قومية.
يُصرح هرتسل في كتابه دولة اليهود، تحت عنوان إننا شعب-شعب واحد. بأنّ اليهود كانوا دائمًا يحاولون الاندماج في جميع المجتمعات التي عاشوا بها، مع المحافظة على عقيدة الآباء، ولكن ذلك لم يُسمح لهم به. فهو يرى أنّ اليهود حاولوا بأنّ يكونوا مُخلصين، حتى حاولوا رفع شأن البلاد التي يقطنون فيها، ولكن ذلك كان عبثًا. فيعتبر أنّ اليهود ما زالوا يُعامَلون كغرباء حتى في البلاد التي عاشوا فيها قرونًا طويلة. كما يرى أنّه لا يوجد أي أمة على وجه الأرض قد تحملت الاضطهاد مثلما تحملّ[5]اليهود[6].
وعند الحديث عن المسألة اليهودية، يرى هرتسل بأنّه لا يمكن لأي شخص نكران ضائقة اليهود. فحيثما يعيشون بأعداد كبيرة تجدهم مُضطهدين وإن تفاوتت درجات الاضطهاد من مكان إلى آخر. حتى تبينت مساواتهم أمام القانون، والتي تمنحها لهم التشريعات، حبرًا على ورق. فتراهم محرومين من تولّي المناصب المتوسطة والعليا في الجيش، وكذلك المؤسسات، وهناك محاولات لحرمانهم من مزاولة الأعمال التجارية أيضًا[7]. وأنّ مهاجمة اليهود تزداد يومًا بعد يوم في المحافل والصحافة والشوارع. وعلى الرغم من ذلك لا يسعى هرتسل وفقًا لما يكتُبه إلى إثارة مشاعر الشفقة على اليهود، وكسب العواطف، لأن ذلك ليس في صالح اليهود. وإنما يُفكر في طرح حلٍّ للمسألة اليهودية، بعد أن رأى الشعار القائم في العالم هو “اطردوا اليهود”[8].
وفي هذا السياق، يطرح هرتسل سؤالًا، هل على اليهود الخروج؟ وإلى أين سيتم الخروج؟ وهل من الممكن البقاء في البلدان التي هُم فيها؟ ومن هُنا يرى هرتسل أنّه لا إمكانية لبقاء اليهود في أماكنهم، إذ إن جميع المجتمعات التي يعيش فيها اليهود معادية للسامية إما صراحة أو خفية. وقد فشلت جميع المحاولات المُصطنعة لإصلاح حال اليهود إما لأنها طُبِّقت على نطاق ضيق، كمحاولات الاستعمار، أو لأنها تقوم على أُسس خاطئة، كفكرة تحويل اليهود إلى مزارعين في الأوطان التي يعيشون فيها[9]. فالرؤية عند هرتسل تتمحور حول منح اليهود السيادة على قطعة أرض ما في العالم، تكون كافية لاحتياجات اليهود القومية. لذا يرى هرتسل في الحكومات السيادية، التي تعاني من معاداة السامية أنها مهتمة كثيرًا بمساعدة اليهود على تأسيس سيادتهم السياسية. ويتطرق إلى النقاش الذي كان دائرًا حينها بين دوائر صهيونية مختلفة، حول الاستيطان في الأرجنتين أو فلسطين[10].
اهتمّ هرتسل بأن يكون عمال اليهود والفقراء، هُم أول من يُهاجر إلى الدولة اليهودية الجديدة، وهُم مَن سيضعون الأسس الضرورية لإنشائها وإقامة مُجتمع جديد. كما طالب هرتسل بوضع دستور للدولة اليهودية، مُقترحًا أن تكون دولة أرستقراطية، فهو مُعارضٌ للديمقراطية. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ هرتسل لم يكن مَن عالج المسألة اليهودية في عصره، بل سبقه عدة أشخاص أبرزهم: كاليشر[11] وهس[12]. ولهذا لا يحتوي كتاب دولة اليهود على أي جديد، فقد علق أحاد هعام عليه، بأنّه كُتيب يمنح القارئين انطباعًا في كونه ترجمة لتعاليم بينسكر من لغة الأنبياء القدامى إلى لغة الصحافة المعاصرة. بينما مثابرة هرتسل وإصراره على تنفيذ خططه جعلته في نهاية الأمر يتفوق على أولئك المفكرين ويستلم زعامة الحركة الصهيونية[13].
وقد حصلت عدة خلافات بين هرتسل ومُعارضيه[14]، بعد المؤتمر الصهيوني الأول، تتعلق بآلية العمل الصهيوني، إذ تتمحور رؤية هرتسل حول ضرورة سعي الحركة الصهيونية للحصول على ضمانات سياسية، واعتراف علني من قبل مجموعة من الدول الكبرى. بسيادة المنظمة الصهيونية على منطقة ما، وحقها في إقامة دولة لليهود فيها. ثُمّ تبدأ عملية نقل اليهود من بلدانهم وتوطينهم في تلك الدولة. وعُرف هذا الخط باسم “الصهيونية السياسية”، أي أنّ هرتسل مُمثل الصهيونية الدبلوماسية، أو السياسية[15]. أما المعارضون فقد كانوا يُطالبون بتشجيع الاستيطان العملي في فلسطين مهما كانت الظروف، ثمّ السعي للحصول على ضمانات دولية لإقامة دولة يهودية في البلد، وعرف هذا باسم “الصهيونية العملية”. فقد أشار هرتسل بوضوح، إلى عدم إمكانية تتبع الطرق السرية وغير المباشرة. فالصهيونية لن تتحقق أهدافها إلا بالبحث العلني مع الدوائر السياسية المعنية، فالصهيونيون العمليون يريدون حل مشاكل أعداد صغيرة من اليهود، بينما تسعى الصهيونية السياسية إلى حل المسألة اليهودية بأسرها[16]. بالتالي عارض هرتسل رؤية حركة أحباء صهيون والتي تدّعي أنّ اليهود أنفسهم قادرون على إقامة دولة كغيرها من الدول، بينما بقي هرتسل على رأيه الذي يُنادي ضرورة مساعدة الدول الأوروبية لليهود مع منحهم وعدًا بأحقيتهم في إقامة دولتهم، بذريعة أنّ العالم بحاجة إلى الدولة اليهودية[17].
وجّه كثيرون إلى هرتسل أكثر من انتقاد، وذلك لاستناده في دعوته لإقامة دولة يهودية على اللاسامية كأساس للصهيونية. بالإضافة إلى عدم اكتراثه بالتراث والثقافة اليهودية. وطريقته السياسية في العمل الصهيوني، والتي رفض بموجبها البدء بأي نشاط استيطاني في فلسطين قبل الحصول على ضمانات دولية. لقد كانت نقطة الاحتكاك الأولى بين الفئات الصهيونية المختلفة داخل المنظمة وخارجها، هو الموقف من الثقافة اليهودية فقد كان الصهاينة الروس منقسمين إلى أربعة تيارات رئيسة: هواة صهيون العمليين، الصهيونيين السياسيين من أتباع هرتسل، الروحانيين من أتباع أحاد هعام، وأخيرًا المتدينين.
لقد اعتبر هرتسل أن اللاسامية هي أساس الصهيونية، فنظرية هرتسل بالعمل الصهيوني السياسي تؤكد على ضرورة الاهتمام بالحصول على اعتراف سياسي دولي لإقامة دولة يهودية في فلسطين، وتعارض بالتالي إقامة المستوطنات اليهودية هناك. فالصهيونية السياسية تُعارض وتهاجم النظرية الصهيونية الروحانية التي أطلقها أحاد هعام رغم أنّها حظيت بتأييد ما، لأن فكرة أحاد هعام حتى وإن نجحت في إقامة “مركز روحاني” يهودي في فلسطين، لن تحل مشاكل اليهود في المهاجر.
أما فيما يتعلق بالعرب في فلسطين وجوارها فقد تجاهل هرتسل وجودهم، وحتى أنّه لم يذكر كلمة العرب في دولة إسرائيل أو يومياته ولو مرة واحدة. وفي مناسبتين فقط أعلن هرتسل ما يمكن تسميته بموقفه من العرب. الأولى عندما زاره اليعزر بن- يهودا وعرض عليه فكر إصدار صحيفة صهيونية بالعربية[18]، والثانية عن طريق صاحب الطربوش الأحمر، “رشيد بك[19]“، الذي ورث عن والده الكثير من الخصال، أبرزها دعمه للهجرة اليهودية إلى فلسطين لمصالح شخصية واقتصادية. فإنّ رشيد بك يُمثل فكرة المواطنة التي يتخيلها هرتسل في هذه البلاد، والتي سوف تُساهم في انتشال المكان من “القفار” والأراضي البور، وستزدهر البلاد وتزهر. لكن الأمر المهم هُنا اختزال صورة رشيد بك كصورة وحيدة للعربي المرغوب فيه من قبل هرتسل ومن قبل العقلية اليهودية الصهيونية. أي تماهي شخصية رشيد بك المُستعمِر[20]. ففكرة الأرض البور فكرة مهمة ومركزية في كل الخطاب الصهيوني تجاه المكان.
الصهيونية الثقافية الروحانية لدى أحاد هعام
آشر غينسبورغ- المعروف باسم أحاد هعام (1856-1927)، أحد أبرز الفلاسفة الصهاينة، مؤسس تيار الصهيونية الثقافية[21]، ومن أوائل المُساهمين في تشكيل هوية يهودية قومية علمانية. ولد في بلدة سكفيرا الأوكرانية، وقد كان كغالبية مفكري أحباء صهيون تلقى في صغره ثقافة تلمودية تقليدية، والتي تهتم بدراسة الشريعة اليهودية. زوّجه والده وهو في عمر السابعة عشرة لفتاة من عائلة مُتدينة وبالرغم من زواجه المبكر إلا أنّه عمل على تثقيف نفسه فدرس الفكر اليهودي في العصور الوسطى، واندمج مع آداب الهسكلاه[22]، وأدب التنوير الأوروبي والعلوم الحديثة[23]. في سنة 1986 انتقل إلى مدينة أوديسا على البحر الأسود، وانضم هناك إلى حركة أحباء صهيون. ثم بدأ الكتابة في مجلة “هاميليتس” وفي أوائل سنة 1889 نشرت المجلة أولى مقالاته.
يعتقد أحاد هعام أنّ “أرض إسرائيل” هي مهد اليهود واليهودية، وأنّها المكان الوحيد الذي يُمكن أنّ تُحرر اليهودي من سطوة الأغيار[24]. بعد انضمامه إلى الحركة باتَ أبرز مُنظّريها والناطقين بلسانها، رغم نقده لنهجها، حيث قام بنشر انتقاده لسياسة الحركة في مقالته الأولى، بعنوان “ليس هذا هو السبيل”، أكد فيها على أهمية العمل المُتأني في فلسطين[25]. وطالب أحاد هعام بأنّ ينصبّ العمل في إحياء ثقافة الشعب اليهودي وتجديدها عن طريق النخبة اليهودية المُثقفة وليس عبر النشاط الاستيطاني. واتّهم أحاد هعام زعماء حركة أحباء صهيون أنهم وبسبب رغبتهم في القيام بأعمال كبيرة قبل أوانها، وتسرعهم، قد فشلوا[26].
فيما يخُص مركزية أرض إسرائيل، بالنسبة للصهيونية الثقافية، يعتقد أحاد هعام بأنّها لا يجب أن تحل الأبعاد الوجودية والاقتصادية للمسألة اليهودية، وألا تكون ملجأً ماديًا لليهود، ويُمكن تحويلها لتكون مركزًا روحانيًا وفكريًا للشعب اليهودي[27]. وبعد أنّ يتم تحويلها إلى هذا المركز تصبح مع مرور الوقت مصدرًا لِبث الإشعاع الروحاني والفكري، وتكون مشعل هدى للأغيار، ومنارة أخلاقية عالمية، وليست مجرد ملجأ ليهود الشتات[28]. من هُنا نستطيع فهم وتفسير، سبب معارضته للصهيونية السياسية المتمثلة في طروحات هرتسل، والتي تستند بالدرجة الأولى إلى العمل الدبلوماسي والمُقايضة[29].
إذ وضّح أحاد هعام ذلك في مقالته “بالمجمل”، والتي يؤكد فيها أنّ هدف النهضة القومية اليهودية يتمثّل في إقامة مركز “لروح شعب إسرائيل”، يسعى خلاله إلى تشكيل رابط روحاني جديد بين جميع أبناء الشعب المُبعثرين، ويَصُبّ روحانيته عليهم. ليدفعهم جميعًا من أجل تحقيق حياة قومية جديدة، وليس الهدف إنشاء حيز آمن لشعب إسرائيل[30].
يهدف أحاد هعام إلى تشكيل مركز دائم لروح شعب إسرائيل، تتحقق من خلاله النهضة القومية اليهودية[31]. وقد استخدم أحاد هعام تعبير “مركاز روحاني”، ويكون مصدرًا ينبثق منه التطور الفكري والثقافي، ودولة تعبر عن اليهود. أما الأرجح كما يراها د. نبيه بشير بأنّ المقصود فيها “الصهيونية الثقافية”، والتي نادى بها أحاد هعام. والتي عن طريقها يتم بث روح الشعب اليهودي عن طريق إثارة مشاعره القومية. ومن هُنا يُمكن فهم نقد أحاد هعام لرواية هرتسل “أرض قديمة جديدة” لافتقارها الروح اليهودية، واقتصارها على الأبعاد المادية للحداثة[32].
وقد عرّف أحاد هعام اليهودية بأنّها دين قومي وثقافة[33]، وهو أبرز مَن ساهم في تشكيل الهوية العلمانية اليهودية القومية. وبالرغم من علمانيته إلا أنّه كان يهتم بصورة كبيرة في مختلف علوم الشريعة اليهودية، كما أنّه اعتبر التراث الديني تراثًا قوميًا.
فما الذي يقلق أحاد هعام؟ الجواب هو: المحنة اليهودية، وليست محنة اليهود، حيث لاحظ انحطاط اليهودية مقارنةً بالثقافة الأوروبية الحديثة، إذ يعتبر أحاد هعام، أنّ ذلك الانحطاط خلّف أثرًا كبيرًا على ثقة وثقافة الشخص اليهودي، فكان للأزمة أثرٌ في تقويض الوعي القومي، وكذلك إضعاف الوحدة اليهودية. فقد رأى أحاد هعام أنّ شفاء وعلاج اليهودي لن يتم إلا بعد معالجة وإصلاح اليهودية، كيف يتم ذلك؟ عبر مدّها بالمشاعر القومية وتحديثها عن طريق التخلي عن الأبعاد الدينية لليهودية. بالتالي فإنّ أرض إسرائيل، بالنسبة له ليست مركزًا لتجميع اليهود بل هي مركزٌ لنهضة اليهودية، بعد القيام بإعادة تشكيل التراث اليهودي، على أساس قومي، بعدما يتم الانسجام بينها وبين الحداثة، ذلك الانسجام لدى أحاد هعام سيعمل على نهضة اليهود، في كل أماكن تواجدهم، وسيعود هؤلاء اليهود ويؤثّرون هم بدورهم على هذا المركز إيجابيًا.
وقد عملت أفكار أحاد هعام على إثارة الخلافات، والتي استمرت إلى ما بعد ظهور هرتسل والمؤتمر الصهيوني، ومن خلال طرحه تم تأسيس التيار الروحاني-الثقافي، كطرح بديل لتوجه أحباء صهيون. حتى بات تيارًا مركزيًا داخل الصهيونية. فقام بتشكيل جميعة سرية داخل حركة أحباء صهيون، والتي عُرفت باسم “بني موشيه”. وبدأ كناقد لمشاريع أحباء صهيون، وبهذه الطريقة أصبح زعيم جمعية “بني موشيه”[34]. وقد استقبله أهالي “المستوطنة القديمة” بتعاطف، في ضوء تقييمهم الإيجابي لانتقاده لعمل الصهاينة في إسرائيل، حيث انتقد أحباء صهيون لأنها تراجعت عن الاهتمام بالفكر والثقافة، وجعلت جُل تركيزها يكمُن في مسألة الاستعمار المُباشر لفلسطين[35]. إذ يهدف البرنامج التربوي لـ “بني موشيه” أنّ تكون أرض إسرائيل جوهر المركز الروحي للأمة اليهودية، وأن يكونوا حراسًا لروح الأمة[36].
ويظهر انتقاد هعام لنظام الاستيطان الذي تُنادي به الحركة الصهيونية، في مقالته “حقيقة من أرض إسرائيل”، والتي كتبها عقب زيارته الأولى لفلسطين، وصف فيها مشاهد الجوع والفقر، وانتشار البطالة بين المستوطنين. كما أشار إلى النظرة الدونية التي يتطلع بها المستوطنون إلى السكان المحليين. ومن خلال مقالته، أكّد أحاد هعام وجود شعب عربي في فلسطين مُنذ زمن. وهو في ذلك عارض عدد كبير من الكتابات التي روّجت لفلسطين بأنّها خالية وصحراء. فقد رأى بأنّ أراضيها خصبة ومُعظمها صالح للزراعة، ويعتني بها سكانها. أظهر ذلك، في نقده لرواية هرتسل، والتي يستخدم فيها كلمة (שוממה- شوما)[37]، أي أنّها أرض بيداء، مقفرة جرداء، والأرض الخصبة فيها شحيحة. وفي هذا السياق لم يعجب أحاد هعام وصف هرتسل بين ثنايا روايته الطوبائية فلسطين بأنها بلدٌ “بيداء خالية. فيأتي نقد أحاد هعام لهرتسل حيث اعتبره “يفتقد الروح اليهودية”، ولم يقتصر النقد على افتقاده للمركبات العبرية والروحانية اليهودية، بل تعدى ذلك إلى تصريحات تشير بمركزية الذات، وكره للغرباء[38].
وقد تساءل أحاد هعام:”كيف يمكن للجماهير اليهودية الغفيرة الاستيطان والعثور على مصادر رزق لهم في بلد صغير و”بيداء خالية” لا يوجد فيه أي شيء تقريبًا، وموارده الاقتصادية لا تزال مكنوزة، ولا يمكن اكتشافها إلّا عبر بذل عمل شاق؟”[39]. وفي رحلة أحاد هعام إلى فلسطين عام 1911، رأى أن العرب ليسوا مُجرد أشياء سلبية يستغلها الآخرون، ولكن ممثلين لديهم رغباتهم وأهدافهم الخاصة، فهو يعتبر بأن الاعتقاد السائد حول العرب بأنّهم جميعهم متوحشون في الصحراء، مثل الحمير، التي لا ترى ولا تفهم ما يجري حولها، اعتقاد خاطئ، فقد اعترف بالبُعد الجماعي للهوية العربية. ولم يكن عداؤهم للتدخل الأجنبي مجرد مسألة احتكاكات محلية أو معزولة، بل كان من المُحتمل أنّ يكون جزءًا من نمط عام للمقاومة التي ستواجهها الصهيونية يومًا ما[40]. إذ يقول في هذا السياق: “إذا حان الوقت الذي تتطور فيه حياة شعبنا في أرض إسرائيل إلى نقطة التعدي على السكان الأصليين، فلن يتنازلوا بسهولة عن مكانهم”. كما أنّه لم يزعم أبدًا أن أرض إسرائيل كانت “أرضًا مهجورة”[41]. وبذلك يُعتبر أحاد هعام علامة فارقة في الحركة الصهيونية.
صاغ أحاد هعام مفهوم المركز الروحي، للمهاجرين المؤهلين كبديل للصهيونية السياسية عند هرتسل، وكان كتابه “الحقيقة من أرض إسرائيل”، معلمًا هامًا في تطور مكانة أحاد هعام المُتزامن كأبرز مؤدلجي الصهيونية وأهم مُنتقديها الداخليين[42]. وأكثر فقراته اقتباسًا هي تلك التي تتناول القضية العربية. والذي يحمل في طياته بصيصًا من الاعتراف بأن العلاقات مع السكان العرب ستكون واحدة من أقسى اختبارات الصهيونية. في حين أن أولئك الذين تعاملوا مع المشكلة بعد أحاد هعام، كانوا يميلون إلى تصغيرها. إلا أنه كان مُدركًا بأنّ القضية العربية لن تحل ببساطة من خلال نجاح الصهيونية نفسها، ولكنها تتطلب استراتيجية طويلة الأمد تعترف بتضارب المصالح[43]. حيث تكمُن أهمية ما كتبه في “الحقيقة من أرض إسرائيل”، تفنيدها الادعاء الصهيوني عن فلسطين، في كونها أرضًا جرداء[44]. وفي نقضه العملي هذا، شكلّ لاحقًا رافدًا مُهمًا لليسار الصهيوني، الذي حاول أنّ يضفي على فكره الصهيوني بُعدًا إنسانيًا[45].
ولم يترك أحاد هعام شكًا في أنّ ما يعنيه هو حل مشاكل اليهودية، دينًا ورسالة وثقافة وليس حل مشكلة اليهود كأفراد. فيُعلن أنّ هدف الصهيونية ينبغي أن يكون إقامة “مركز قومي روحي في فلسطين”، يعمل على ضمان استمرار اليهودية وتطورها. ساعيًا إلى تجميع القوى المبعثرة وتركيزها في أعمال الثقافة القومية[46].
زار أحاد هعام فلسطين مرّتين (في السنتين 1891 و1893)، عارض أحاد هعام صهيونية هرتسل السياسية، وقاطع المؤتمرات الصهيونية بعد حضوره المؤتمر الأول، لذلك لم يتول مناصب قيادية داخل المنظمة الصهيونية. رغم قربه من حايم وايزمان وعمله إلى جانبه من أجل استصدار وعد بلفور خلال مكوثه في لندن. فقد انتقل في سنة 1907 إلى لندن، في إطار عمله في شركة “شاي فيسوتسكي”، وهاجر لاحقًا في سنة 1922 إلى فلسطين، وأقام في القدس وما لبث أن انتقل واستقر في تل أبيب حتى يوم وفاته في سنة 1927[47].
ولكن طالما أن أحاد هعام هو بالأساس مفكر صهيوني ويؤمن بالهجرة إلى فلسطين لإقامة كيان قومي يهودي، أيا كانت صبغته. فهل يُمكن أن تكون فعلًا الصهيونية إنسانية وروحانية. وأنّ تدمج بين قيم العدالة والوئام وبين الهيمنة والاستعمار؟ وهل يُمكن التنصُل من المُمارسات الهمجية للمُستعمرين الأوائل. فالفعل الاستيطاني الصهيوني بمجرد تعريفه كمشروع قومي يسعى للقيام في بلاد مسكونة، لا يُمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال مفاهيم القوة والسيطرة على المكان وإقصاء السكان الأصليين والتمدد في الحيز وتغيير معالمه وإحلال المشاهد التي يريدها على المكان، وهو ما وجد ترجمته العملية في تطهير البلاد من سكانها، وفي تشتيتهم ورفض عودتهم.
[1] ثيودور هرتسل، مؤسس المنظمة الصهيونية العالمية، ولد هرتسل في مدينة بودابست بهنغاريا، ودرس في مدارس يهودية هناك ومن ثم انتقل إلى الكلية الإنجيلية وعمره 15 سنة، وأنهى دراساته فيها سنة 1878. وفي ذات السنة توفيت شقيقته الوحيدة فقررت العائلة النزوح إلى فينا والتحق بجامعتها وتخرج منها سنة 1884، بدرجة دكتوراة في الحقوق لكنه سرعان ما ترك العمل في المحاكم، وعمل محررًا للزاوية الأدبية في صحيفة “نويا فريا براسا” النمساوية، ومن ثم أُرسل إلى باريس ليعمل مراسلًا للصحيفة هناك ثم عاد لفينا بعد أربع سنوات وعين رئيسًا لتحرير القسم الأدبي في الصحيفة وبقي في عمله هذا حتى وفاته.
[2] أحاد هعام (1856-1927)، أحد أبرز الفلاسفة الصهاينة، مؤسس تيار الصهيونية الثقافية، ومن أوائل المُساهمين في تشكيل هوية يهودية قومية علمانية. ولد في بلدة سكفيرا الأوكرانية، وقد كان كغالبية مفكري هواة صهيون تلقى في صغره ثقافة تلمودية تقليدية، والتي تهتم بدراسة الشريعة اليهودية. زوّجه والده وهو في عمر السابعة عشرة لفتاة من عائلة متدينة وبالرغم من زواجه المبكر إلا أنّه عمل على تثقيف نفسه فدرس الفكر اليهودي في العصور الوسطى، واندمج مع آداب الهسكلاه، وأدب التنوير الأوروبي والعلوم الحديثة. في سنة 1986 انتقل إلى مدينة أوديسا على البحر الأسود، وانضم هناك إلى حركة أحباء صهيون. ثم بدأ الكتابة في مجلة “هاميليتس” وفي أوائل سنة 1889 نشرت المجلة أولى مقالاته.
[3] صبري جريس. “تاريخ الصهيونية (1862-1948)”، ج1، (بيروت: منظمة التحرير الفلسطينية- مركز الأبحاث، 2015).ص143.
[4] على الرغم من كونها تلبس هذين الطابعين من حين لآخر.
[5] نبيه بشير،”دولة اليهود محاولة لإيجاد حلّ حديث للمسألة اليهودية (1896)”، نصوص غير منشورة.
[6] يرى هرتسل أنّ الاندماج في المجتمعات لن يتحقق من خلال اعتماد أزياء الملابس والعادات والتقاليد ولغة المخاطبة فقط، وإنما من خلال تقمّص وحدة المشاعر وطرق الإدراك والاندماج بهذا المعنى لا يتحقّق أبدًا إلَّا عن طريق الزواج المختلط بين اليهود وغيرهم، ولكن حينها يجب أن تشعر الأغلبية بهذه الحاجة، ولا يكفي إصدار مرسوم تشريعي بهذا الشأن. نبيه بشير،”هرتسل“، نصوص غير منشورة.
[7] مثل عبارة: “لا تشتري من اليهود”.
[8] نبيه بشير.”هرتسل”، نصوص غير منشورة.
[9] المرجع السابق.
[10] صبري جريس، مرجع سبق ذكره. ص148. فإنّ جمعية اليهود ستأخذ ما يُمنح لها، إضافة إلى ما يُفضّله الرأي العام. فالأرجنتين بلاد خصبة، وذات مساحة شاسعة، وكثافتها السكانية قليلة. وسيحصُل فيها تغييرات إيجابية في حال هجرة اليهود لها، مع الإشارة إلى وجوب تنويه الحكومة بشأن الاختلاف الجوهري بين تلك الهجرات التي سببت استياء الحكومة منها سابقًا وبين الهجرة الجديدة. أما فلسطين، فهي وطن اليهود التاريخي الذي لا يُمكن نسيانه. وفي حال قام السلطان عبد الحميد بمنح فلسطين إلى اليهود، فسيتولى اليهود حل مُعضلة تركيا المالية. أما بخصوص الأماكن المسيحية المقدّسة في فلسطين، فيمكن العثور على شكل معين من أشكال الولاية القضائية الدولية. وسيكون لليهود شرف حراسة تلك الأماكن المقدّسة. فالوجود في فلسطين كقوة سيادية يراها هرتسل ستمنح اليهود رمزًا عظيمًا لحل المسألة اليهودية بعد قرون طويلة من الاضطهاد. حيث ستتكفّل هيئتان بالجانب التطبيقي وهما: 1- جمعية اليهود 2- الشركة اليهودية، ولكل واحدة مهامها الخاصة بها. وما تقره جمعية اليهود علميًا وسياسيًا تنفذه الشركة اليهودية عمليًا.
[11] تسفي هيرش كاليشر(1795-1874)، هو حاخام يهودي مواليد بولندا، عني في دراسة مفهوم الخلاص الإلهي والخلاص الذاتي. وتناول في كتاباته عذابات اليهود في بلاد أوروبا الشرقية وتشرّدهم، واعتبر ذلك امتحانًا لشدة إيمانهم. وطريقًا نحو الخلاص الطبيعي عن طريق الهجرة نحو فلسطين للإقامة الدائمة. نبيه بشير.” تسڤي هيرش كاليشر”، نصوص غير منشورة.
[12] موسى هيس (1812-1875)، مفكر اجتماعي ألماني يهودي، مواليد بون الألمانية، كان في بداياته اشتراكيًا ثم أدرك أهمية حل مسألة اليهود وتوطينهم في فلسطين. نبيه بشير.” موسى هيس، روما وأورشليم (1862) – مقتطفات”، نصوص غير منشورة.
[13] صبري جريس. مرجع سبق ذكره، ص150+151. وبعد مُناكفات بين هرتسل وعدد من زعامات العالم، أدرك هرتسل استحالة نجاح عمله فقرر أنّه لا بد من إقامة جمعية اليهود التي طرحها في كتابة دول اليهود وتكون في ذلك على شكل مؤتمر صهيوني. ونجح هرتسل في حشد عددٍ لا بأس به حوله، فقد قرر هواة صهيون الانضمام له. وفي المؤتمر الصهيوني الأول 1897، أكد هرتسل بأنّ الهدف من المؤتمر هو وضع حجر الأساس للبيت الذي يسكنه الشعب اليهودي مستقبلًا، فقد أعلن بأن الصهيونية هي عودة إلى اليهودية قبل العودة إلى بلاد اليهود. صبري جريس، مرجع سبق ذكره، ص154.
[14] وقد تم تعيينه رئيسًا للمنظمة.
[15] يُنظر حول الموضوع. نبيه بشير،”الصهيونية المركبة”، نصوص غير منشورة.
[16] صبري جريس، مرجع سبق ذكره. ص159+160.
[17]نبيه بشير،”هرتسل”، مرجع سبق ذكره. نصوص غير منشورة.
[18] صبري جريس.مرجع سبق ذكره.ص191.
[19] رشيد بك هو رجل عربي يمتلك مساحات شاسعة من الأراضي، وقد كان داعمًا للهجرات اليهودية إلى فلسطين، وذلك لاستفادته المادية من تلك الهجرات، وقد حاول هرتسل أن يختزل شخصية العربي في شخصية مثل رشيد بك.
[20] فالصهيونية وكما تخيلها هرتسل ستعمل على تحسين أوضاع رشيد بك وكذلك سينتفع منها السكان المحليون، وكأن رشيد يقف بدور الممثل عن السكان، فهو إقطاعي وصاحب آلاف الدونمات من الأراضي، فسيحصل بينهم تجارة، وبتلك المُقايضة سيستفيد سكان البلاد ولن يكون هناك أي مُعارضة منهم.
[21] “الصهيونية الثقافية”، والتي نادت بضرورة إنشاء مركز ثقافي يهودي فقط في فلسطين.نبيه بشير.”حايم وايزمان”، نصوص غير منشورة.
[22] أي التنوير اليهودي.
[23] نبيه بشير، “الصهيونية الثقافية”، نصوص غير منشورة.
[24] المرجع السابق.
[25] المرجع السابق.
[26] صبري جريس، ص127.
[27] نبيه بشير، الصهيونية الثقافية. مرجع سبق ذكره.
[28] المرجع السابق.
[29] يُنظر حول توجه هرتسل الدبلوماسي إلى. نبيه بشير. “دافيد غوردون (1863)”، نصوص غير منشورة.
*دافيد غوردون(1831-1886)، مواليد فيلنيوس”عاصمة ليتوانيا الحالية”، أديب وشاعر وصحفي، محرّر مجلة “همغيد” ويعتبر من روّاد حركة “أحباء صهيون” والفكر القومي بعد أن كان أحد أهم شعراء حركة التنوير اليهودية الداعية إلى الاندماج.
[30] نبيه بشير، “الصهيونية الثقافية”، نصوص غير منشورة.
[31] المرجع السابق.
[32] نبيه بشير، ” آشر غينسبورغ (أحاد هعام)”، نصوص غير منشورة.
[33] نبيه بشير، “الصهيونية الثقافية”، نصوص غير منشورة.
[34] שלמון, יוסף. “תהליכי קיטוב ביישוב היהודי בארץ במחצית הראשונה של שנות ה-90: אחד-העם ו’בני-משה’—פינס וחוגו.” Cathedra: For the History of Eretz Israel and Its Yishuv/קתדרה: לתולדות ארץ ישראל ויישובה חוברת 12 (1979): 13.
[35] وبينما كان يبرر تشخيص أحاد هعام بأن أزمة حركة أحباء صهيون تكمن في نقص التدريب الروحي لجماهير الإسرائيليين من أجل النهضة الوطنية، فقد رفض المحتوى الروحي الذي أراد أحاد هعام غرسه في جماهير الشعب الإسرائيلي. وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من الشكوك والمخاوف التي كانت لدى موهلبر تجاه جمعية “بني موشيه”، إلا أنه لم ينكر ذلك علنًا. على العكس من ذلك – فقد دعمها وشعبها في جهودهم لشغل مناصب بارزة في عمليات “لجنة الأوديسة” بل وحمايتها من انتهاكاتها. שלמון, יוסף. “תהליכי קיטוב ביישוב היהודי בארץ במחצית הראשונה של שנות ה-90: אחד-העם ו’בני-משה’—פינס וחוגו.” Cathedra: For the History of Eretz Israel and Its Yishuv/קתדרה: לתולדות ארץ ישראל ויישובה חוברת 12 (1979): 19.
[36] المرجع االسابق. ص21.
[37] حيث يُفسر د.نبيه ذلك بأنّ هذه الكلمة يستخدمها عادة الكتاب اليهود لوصف فلسطين كصحراء، أو بيداء خالية، وكمرادف للكلمة العبرية مدبار المرادف لكلمة بادية العربية، وذلك بخلاف العبرية التوراتية التي تميّز بينهما (شومماه وشمماه) بمعنى بيداء قاحلة وخالية، وبين مدبار بمعنى البادية التي تضم سكانًا ونشاطًا ما. שומם: مُقفر. مهجور. خاوٍ(ي). مجدب. وحيد. فريد. مُنعزل. دافيد سيغف. قاموس عبري-عربي (“تل أبيب والقدس”:دار شوكن للنشر،2008)، ص1078.
[38] وهو ما يُناقض الصورة الوردية التي حاول أتباعه رسمها له، كرائد للفكر الصهيوني العالمي والتنويري. هنيدة غانم. “من الأرشيف الصهيوني، مقتطفات من مقالة”الحقيقة من أرض إسرائيل” لأحاد هعام. قضايا إسرائيلية،ص115.
[39] نبيه بشير، “الصهيونية الثقافية”، نصوص غير منشورة.
[40] حيث يُعتبر أحاد هعام من أوائل مَن قدّم تحليلًا جادًّا للمسألة العربية.
[41] Dowty, Alan, Ahad Ha’am, and Asher Ginzberg. “Much Ado about Little: Ahad Ha’am’s” Truth from Eretz Yisrael,” Zionism, and the Arabs.” Israel Studies 5, no. 2 (2000): 157.
[42] المرجع السابق. ص154.
[43] المرجع السابق، ص156.
[44] وقال فيها “إن ما يفعله إخواننا في مهجرهم، لقد كانوا عبيدًا في أرض إسرائيل العكس تماماً وفجأة وجدوا أنفسهم يتمتعون بحرية غير محدودة، حرية تامة يستطيعون الحصول عليها فقط في دولة كتركيا. إن هذا التغير”العبد ينصب ًالمفاجئ يولد في نفوسهم نزعات يطلق عليها دائما”، وها هم يعاملون العرب بعداء ووحشية ويقتحمون حدودهم بدون عدل. ويضربونهم بشدة بدون سبب كاف ويتباهون بعملهم هذا، ولا يوجد من يواجه ذلك ويمنعهم من هذه الميول المهينة والخطيرة”. هنيدة غانم.”من الأرشيف الصهيوني، مقتطفات من مقالة”الحقيقة من أرض إسرائيل” لأحاد هعام. قضايا إسرائيلية،ص116.
[45] مُصرًا على عدم وجود تناقض بين الأخلاق وبين الصهيونية.
[46] جريس 129.
[47] نبيه بشير، “الصهيونية الثقافية”، نصوص غير منشورة.