بين الواقع والمأمول: تباين المواقف العربية والإسلامية من طوفان الأقصى

د. إياد أبو زنيط[1]

شكلت عملية طوفان الأقصى، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر لعام 2023، مفاجأة للعالم وللفلسطينيين أنفسهم بتوقيتها، ونوعيتها، وأذهلت الاحتلال الإسرائيلي، مُسببة له صدمة جسيمة، تمثلت في عجزٍ تامٍ عن ردٍ منظم، وتصرف منضبط، وجاعلة منه “وحشًا جريحًا وخطيرًا”، استعاد أنفاسه بدعم أمريكيٍّ وغربي واضح، واحتضان أبوي من الإدارة الأمريكية، ليباشر بعد ذلك هجومه القبلي والانتقامي ضد قطاع غزة بكامل بنيته الجغرافية والديمغرافية، في عدوانٍ غير مسبوق في التاريخ الحديث، ومعقود النية نحو إبادة جماعية وتطهير عرقي على مرأى العالم ومسمعه، لتُظهر إسرائيل حقيقتها المتعطشة للقتل والتعذيب والتشريد، وتُبيد مدناً وقرى، وتمسح وجودها الديمغرافي كاملاً، مستخدمة كل ما تملك من ترسانة عسكرية، وأسلحة محرمة دولياً، غير آبهةٍ بالقانون الدولي، ولا بالشعوب المعترضة على سلوكها وتصرفاتها.

أثار ما جرى ردودَ فعل عالمية وعربية وإسلامية على المستويين الرسمي والشعبي، وبدت الاختلافات واضحةً في كثيرٍ من المواقف وردود الأفعال، ولغة الخطاب، والسلوك الدبلوماسي، ومن هنا يناقش هذا التقرير أبرز ردود الفعل العربية والإسلامية تجاه طوفان الأقصى، متتبعاً التحولات التي طرأت على تلك المواقف.

أولاً: في المواقف الرسمية عربياً وإسلامياً

جاءت مواقف الدول العربية من العدوان على الشعب الفلسطيني رغم وحشيته، خجولةً، وغير موحدة، ودون التأثير المطلوب، على الرغم من امتلاكها كثيراً من الإمكانيات وأوراق الضغط. ويُمكن القول إن مواقف الدول العربية والإسلامية عموماً، اكتفت بالتأكيد على مجموعة من النقاط التي لم تؤثر إيجاباً في حماية الشعب الفلسطيني أو درء خطر الهجوم الوحشي على قطاع غزة، حيث تمحورت في التعبير عن القلق، والدعوة إلى ضبط النفس، ووقف أعمال العنف، وضرورة حماية المدنيين، ومناشدة المجتمع الدولي، دون وجود مواقف متقدمة أو خطابات مهددةٍ بقطع علاقاتٍ، أو طرد سفراء، أو إلغاء اتفاقيات، أو غيرها.

فالموقف الرسمي المصري، باعتبار مصر الدولة العربية الوحيدة التي تمتلك حدوداً برية مع قطاع غزة، والمنفذ الأهم لأي مساعداتٍ قد تدخل إلى القطاع المحاصر، اكتفى في البداية بالتحذير من تداعيات التصعيد، والحث على ضبط النفس، حسب ما أعلنت عنه وزارة الخارجية المصرية، وامتنعت مصر عن اتخاذ أي مبادرة لإدخال المساعدات دون تنسيق مع إسرائيل والولايات المتحدة، كما اتخذت قرارًا بإيقاف العمل في معبر رفح إلى أجل غير مسمى، وخاصة بعد أن قصفت إسرائيل الجانب الفلسطيني من المعبر، وأبلغت السلطات المصرية بأنها ستقصف قوافل المساعدات في حال قررت القاهرة إدخالها. وفيما بعد تطور الموقف المصري ووجهت دعوة إلى عقد اجتماعات تخص الوساطة والتوصل إلى صفقة لوقف الحرب وذلك ضمن بيان ثلاثي ضم إلى جانب مصر كل من الولايات المتحدة الأمريكية وقطر، ورغم أن مصر على لسان رئيسها أكدت أنّها ترفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم، لأن محاولات التهجير تعني القضاء على القضية الفلسطينية وتصفيتها، إلا أن حسابات مصالحها كانت حاضرة في موقفها إذ اعتبرت مصر أن ذلك لن يتم على حساب الأراضي المصرية.

 أما الموقف الأردني، فإن مفاجأة ما جرى في السابع من أكتوبر لم تخرجه في البداية عن سياق الموقف المصري، مكتفياً بما قامت به مصر، ومؤكداً على الموقف ذاته من رفض التهجير، والدعوة إلى ضبط النفس، وحماية المدنيين، وإجراء الاتصالات لمنع التصعيد في المنطقة، ولكن خصوصية التركيبة الديمغرافية في الأردن، وفي ظل وحشية الاحتلال في قطاع غزة والتضييق على الضفة الغربية، دفع الأردن إلى تطوير موقفه مما يجري، فقد صرح رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة بأن أي محاولات أو خلق ظروف لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة أو الضفة الغربية المحتلة، سيعتبره الأردن إعلان حرب. وهو تعبير غير مسبوق منذ عقود من العلاقة بين الطرفين. وأعلن وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي أن الأردن لن يوقع اتفاقية لتبادل الطاقة مقابل المياه مع تل أبيب في ظل الحرب على قطاع غزة. وعلى الصعيد الإغاثي، أبقى الأردن على مستشفى ميداني له في شمال القطاع، وأرسل مستشفى آخر إلى جنوبه ومستشفى ثالثاً إلى الضفة الغربية تحسّباً لتصعيد متوقع هناك. كما أرسل مساعدات إنسانية إلى غزة عبر معبر رفح ومن أراضيه مباشرة. وفي المقابل، لم تُعِد الحكومة النظر في أي من اتفاقاتها مع الاحتلال، رغم صدور قرار من مجلس النواب بهذا الشأن، واكتفت بإرجاء توقيع اتفاقية تبادل المياه والطاقة، من دون إلغائها أو إبداء نية لفعل لذلك.

 وبالنظر إلى المواقف الرسمية لدول مجلس التعاون الخليجي، فقد كانت السعودية على وشك تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بعد فترة طويلة من المحاولات الأمريكية إلا أن عملية حماس المفاجئة، قلبت موازين المعادلة وأربكت المشهد وجعلته أكثر تعقيداً. وعلى صعيد موقفها من العدوان فقد صرحت وزارة الخارجية السعودية في يوم 7 أكتوبر –أول أيام الحرب- قائلة: “تتابع المملكة عن كثب تطورات الأوضاع غير المسبوقة بين عدد من الفصائل الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي، مما نتج عنها ارتفاع مستوى العنف الدائر في عدد من الجبهات هناك”. كما دعت إلى “الوقف الفوري للتصعيد بين الجانبين، وحماية المدنيين وضبط النفس”، كما دعت المجتمع الدولي لتفعيل عملية سلمية ذات مصداقية تفضي إلى حل الدولتين، وأصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً أكدت فيه رفضها القاطع لدعوات التهجير القسري للشعب الفلسطيني من غزة، وجددت مطالبها للمجتمع الدولي بسرعة التحرك لوقف جميع أشكال التصعيد العسكري ضد المدنيين، ولعل ما اختلف في هذا البيان على مستوى لغة الخطاب، هو استخدامه عبارة “الأشقاء في غزة” حينما طالب برفع الحصار عنهم وإجلاء المصابين المدنيين، وتقرير تعليق المحادثات حول التطبيع المحتمل مع إسرائيل.

أمّا الموقف القطري فقد جاء مختلفاً منذ اليوم الأول للعدوان على غزة، وامتاز بأنه حمّل إسرائيل وحدها مسؤولية التصعيد الجاري، بسبب انتهاكاتها المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني، وآخرها الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى تحت حماية الشرطة الإسرائيلية، كما جاء في بيان الخارجية القطرية يوم 7 أكتوبر. وقد بادرت قطر إلى لعب دور الوساطة المعهود بالتواصل مع قيادات حركة حماس من أجل التفاوض على إطلاق الأسرى الذين تحتجزهم الحركة في غزة، وعقد صفقات للتهدئة ووقف العدوان وهو الموقف الذي ما زالت تلعبه قطر حتى الآن.

وفيما يتعلق بالموقف اللبناني، انخرط حزب الله في جبهة إسنادٍ دعماً لغزة منذ اليوم الأول للعدوان، وقد جاء موقف الدولة الرسمي منسجماً إلى حد كبير مع توجهات الحزب الذي رأى أن حل الأزمة واستعادة الهدوء في المنطقة يكمن في إيقاف العدوان على قطاع غزة، فبينما قالت الخارجية اللبنانية في بيان لها إن “التطورات في فلسطين هي نتيجة لاستمرار احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وإمعانها اليومي في الاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية”. أكد حزب الله أن مشاركته كجبهة إسناد تأخذ شكلاً متدحرجاً حسب التطورات، وهذا ما تم فعلاً؛ إذ اتسعت رقعة الصراع في الجبهة الشمالية في أشهر الحرب الأخيرة.

أمّا الموقف اليمني فقد جاء مميزاً من حيث التأكيد الرسمي على ضرورة التدخل المباشر وتحديدًاً من قبل جماعة أنصار الله الحوثيين، حيث شكل تدخلهم جبهة إسنادٍ واضحة لغزة، وهددت المصالح الأمريكية في منطقة باب المندب، وكانت مهاجمة السفن المتوجهة إلى الكيان علامة مميزة لأنصار الله، مما اضطر عديداً من الدول إلى تغيير مسار رحلاتها، أو تأجيلها إلى إسرائيل، ولفت هذا التدخل أنظار العالم إلى ضرورة العمل الجاد لوقف الحرب، وضربت المسيّرات اليمنية مناطق في الداخل الفلسطيني المحتل، وهي المرة الأولى التي تتدخل فيها أذرع مقاومة يمنية ضد الاحتلال الاسرائيلي.

وبخصوص الموقف الإيراني، فقد كان متقدماً من حيث التأكيد الدائم على حق مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وأكدت التزامها الدائم بدعم محور المقاومة، وفي الوقت الذي استهدفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في سوريا، ردت إيران بشكل مباشر، وقصفت دولة الاحتلال الاسرائيلي من أراضيها، ووصلت ذروة الأمور تعقيدها بعد اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية في طهران، حيث شددت إيران على احتفاظها بحق الرد، وعدم التنازل عن ذلك، وتمسكت إيران بموقفها الداعم المباشر لحركات المقاومة في فلسطين رغم الحشود العسكرية الأمريكية التي جاءت إلى المنطقة إرهاباً لمكوناتها ودفاعاً عن إسرائيل، فيما يُعتبر ثباتاً إيرانياً بموقفها  المساند للمقاومة ضد إسرائيل.

وفيما يخص الموقف التركي، فقد جاء متأخراً في اتخاذ إجراءات رسمية ضد إسرائيل، ولم تتجاوز الأمور التهديد دون أن ترقى إلى مستوى الممارسة الفعلية. فقد قامت الحكومة التركية بإيفاد وزير الخارجية، هاكان فيدان، إلى القاهرة وبيروت وقطر وعواصم عربية وإقليمية أخرى من أجل العمل على خفض التصعيد تمهيداً لوقف إطلاق النار. وقد أجرى عدة اتصالات بزعماء دول مختلفة وخاصة قادة أوروبا، لإقناعهم بضرورة التصويت في مجلس الأمن لصالح وقف إطلاق النار في غزة. كما أوقفت تركيا تعاملاتها التجارية مع إسرائيل في وقت لاحق، استجابة لضغوط شعبية داخلية كبيرة وفي ظل استمرار الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة.

وفيما يتعلق بالدول الأخرى، فيمكن القول إن هنالك دولاً عربية وإسلامية كانت مؤيدة وبكل صراحة للفلسطينيين، كالكويت واليمن والعراق والصومال وسلطنة عمان، وكان الموقف الكويتي من أكثرها وضوحاً، في وضعه لجملة من التوصيات التي يُمكن تفعيلها على الأرض لمواجهة ما تقوم به إسرائيل، إذا وافق مجلس الأمة الكويتي في جلسته بتاريخ 1 نوفمبر على 13 توصية لوقف الانتهاكات الصهيونية، كان أبرزها ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين في المحاكم الدولية، وتفعيل المقاطعة، ملاحقة أي محاولة للتطبيع مع إسرائيل، وإنشاء صندوق لإعمار غزة، ودعوة البرلمانات العربية والإسلامية لاتخاذ خطوات لكسر الحصار ووقف العدوان على غزة.

في المحصلة، ورغم تباين المواقف العربية والإسلامية من العدوان على غزة، يُمكن القول إن هنالك مميزات عامة رسمت حدود تلك المواقف، حيث لم تتجاوز حدود التنديد والشجب والإدانة ومناشدة المجتمع الدولي للتدخل والدعوة لعدم التصعيد والحفاظ على أرواح المدنيين من الطرفين.

وأخيرًا يُذكر موقف الأزهر الشريف ومفتي سلطنة عمان كنماذج لمؤسسات انحازت لموقف الأمة الأكبر من موقف الدول. وأعلنت دعمها للجهاد الفلسطيني وحق المقاومة، ودعت العالم العربي والإسلامي لدعم غزة والمقاومة، والتصدي للعدوان الإسرائيلي الغاشم الإرهابي.

ثانياً: في المواقف الشعبية

على المستوى الشعبي، فإن الشعوب العربية قد شهدت حالة من الغضب انعكست في احتجاجات ومظاهرات عارمة، على مستوى جميع الأقاليم والمدن العربية تقريباً، في موقف تجاوز في حدته مواقف الأنظمة الحاكمة. غير أن زخم الاحتجاجات والمظاهرات قد انحسر وتراجع في نهاية الأسبوع الثالث. ورغم ذلك، كشف استطلاع لقياس اتجاهات الرأي العربي بشأن العدوان الإسرائيلي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عبر الهاتف على عينة بلغت 8 آلاف شخص في الفترة بين 2023/12/12 وحتى 2024/1/5 عن التناقض الكبير بين المواقف الرسمية والشعبية في العالم العربي وفي اتجاهات كثيرة بشأن ما يجري في غزة. وشمل الاستطلاع جميع الدول العربية عدا الإمارات والبحرين وجيبوتي والصومال وسوريا، إضافة إلى قطاع غزة. وأظهر الاستطلاع أن الأغلبية الساحقة في الشارع العربي ترفض الاعتراف بإسرائيل بنسبة تصل إلى 89%، وبالتالي فهي لا توافق على التطبيع الذي تتوجه إليه بعض الأنظمة العربية. كما أن الشارع العربي يرى -بحسب الاستطلاع- أن سلبية الحكومات العربية واتفاقيات التطبيع من العوامل التي تشجع الاحتلال على استمرار عدوانه على قطاع غزة. وكشفت نتائج الاستطلاع عن ثقة الشارع العربي الكبيرة بالمقاومة الفلسطينية وبمصداقيتها وبطرحها ومواقفها.

ورغم ذلك، فإنّ الاحتجاجات الشعبية العربية على ما يجري من عدوان إسرائيلي في قطاع غزة، كانت مختلفة من قطر عربي إلى آخر من حيث تصاعد حدتها وحشودها، ومدى قدرتها على التأثير، فقد شكلت عواصم مثل عمّان وصنعاء وبغداد أماكن للاحتجاج اليومي والأسبوعي وتفاعلت مع حجم جريمة الإبادة في غزة، ولعل هناك مجموعة من المحددات أثرت على شكل التفاعل الشعبي فيها مثل وجود توجهات رسمية داعمة، كما في حالة صنعاء وبغداد وطهران، أو وجود تجمعاتٍ كبيرة للفلسطينيين مثل عمّان. في المقابل، غابت عواصم أخرى عن دائرة الفعل الشعبي وأهمها القاهرة، ولعلّ ذلك كان مرتبطاً بالواقع الداخلي الذي تعيشه مصر منذ إطاحة الجيش بالرئيس المنتخب محمد مرسي، وما تبع ذلك من حالة قمع داخلية، وتعدٍ من السلطات بشكل قاهر على كل أشكال الفعل الشعبي وحق التظاهر وحرية التعبير عن الرأي.

خاتمة

على الرغم من تباين المواقف العربية والإسلامية الرسمية، من العدوان على قطاع غزة، وامتياز بعضها عن غيرها، إلاّ أن الدول المؤثرة منها وخاصة دول الطوق التي كان يُمكنها استخدام أوراق ضغطٍ كثيرةٍ لإيقاف العدوان المستمر منذ قرابة 10 شهور على قطاع غزة، لم تُفلح أو لم ترغب في استخدامها، أو حتى التلويح بذلك، وبقيت غالبية الدولة العربية والإسلامية حبيسةً للإملاءات الأمريكية، وهو ما أضعف موقفها أمام إسرائيل وأمام شعوبها وأمام المنظومة العالمية برمتها. فقد كان بإمكان مصر استخدام أوراق قطع العلاقات مع إسرائيل أو إلغاء الاتفاقيات معها، لإجبار دولة الاحتلال على وقف استهداف الحدود المصرية، وكذلك الحال فيما يخص مجمل النظام الرسمي العربي والإسلامي، فقد غاب التأثير والقدرة على مخاطبة المجتمع الدولي وممارسة أية ضغوط يمكن أن تردع إسرائيل عن الاستمرار في جريمة الإبادة الجماعية التي تمارسها في غزة.

أما على الصعيد الشعبي، فقد تراجع زخم المسيرات، ولم تفلح شعوب المنطقة في الضغط على حكوماتها، من أجل تغيير سياساتها، في حين استطاعت الشعوب الغربية أن تسبقها، ولظروف موضوعيه، تتعلق بحجم الحريات وهامشها، وإدراك الإنسان في العالم الغربي لقيمته وقدرته على التأثير في قرار بلاده، وهو ما يفتقده المواطن في دول المنطقة. وصارت العواصم الأوربية أكثر حضوراً، وبات رفض مشهد القتل والتدمير في غزة مطلباً إنسانياً عالمياً، تفاعلت معه المكونات الشعبية في مختلف عواصم العالم.

 وفي حين أن سياسة المقاطعة عربياً وإسلامياً سجلت نجاحات، إلاّ أن تراجع الصوت الشعبي أتاح للحكومات والأنظمة العربية التقاط أنفاسها واعتبار ما تقوم به كافياً في سبيل وقف الحرب، بعكس الضغط الشعبي في دول أجنبية والذي دفع صانع القرار فيها إلى تغيير موقفها أو تجميله على الأقل، مثلما حصل في فرنسا وألمانيا وبريطانيا.

 يبدو واضحاً أن المواقف العربية والإسلامية الرسمية منها والشعبية لم ترقَ إلى الحد المطلوب، ورغم الهوة الموجودة  بين الرسمي والشعبي، إلا أن ذلك لم يصل إلى حالة يُمكن الاعتماد عليها في وقف العدوان على قطاع غزة، والفلسطينيين عموماً، ويبدو أن رهان إسرائيل على عامل الزمن ما زال قائماً، وهذا ما يتطلب من الشعوب العربية والإسلامية استفاقةً حقيقية، وزخماً أوسع في الاعتراض والاحتجاج، لتغيير مواقف الأنظمة وإيجاد حالةٍ من الضغط الحقيقي لوقف العدوان، ففي الوقت الذي استطاع فيه طلبة الجامعات الأمريكية والحراكات الشعبية في دول الغرب تشكيل احتجاجات منظمة وداعمة للفلسطينيين، وشكلوا حالة ضغط داخلي كبيرة على صانع القرار في دولهم، لم تستطع شعوب المنطقة من ممارسة الفعل نفسه، وعلى الرغم من تباين حجم الفعل الشعبي من دولة إلى أخرى، إلا أن المحصلة النهائية كانت دون المستوى المطلوب لدفع صاحب القرار لاستخدام أقصى ما يملك في سبيل وقف الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة.


[1] – باحث في مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، رام الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى