انعكاس عملية القدس على السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين
في السادس والعشرين من أيلول الماضي، قتل ثلاثة جنود إسرائيليين وأصيب رابع في عملية إطلاق نار نفذها شاب فلسطيني قبل استشهاده على مدخل مستوطنة "هار ادار" المقامة على أراضي بلدة قطنة شمال غرب القدس المحتلة، وقد لاقت هذه العملية ردود فعل سياسية وأمنية وكذلك جماهيرية حادة، كونها جاءت بعد فترة من الهدوء النسبي.
منفذ العملية هو الشاب نمر الجمل، من قرية بيت سوريك، شمال غربي القدس، ويبلغ من العمر 37 عاماً، وهو متزوج وأب لأربعة أطفال، ويعمل بتصريح عمل داخل المستوطنة، ووفق التقارير العبرية، فإن الشاب تعمد أن يكون آخر من يدخل المستوطنة، ليقوم بإطلاق النار من خلال مسدس بحوزته، مردياً ثلاثة قتلى، وجريح رابع، قبل أن يستشهد بعد تلقيه ست رصاصات من جندي قريب من المكان.
ردود الفعل السياسية على العملية
مباشرة بعد العملية، تعالت ردود الفعل السياسية المختلفة، رئيس الوزراء الإسرائيلي وزعيم الليكود بنيامين نتنياهو، اعتبر أن التحريض الفلسطيني الرسمي، هو المحرك لمثل هذه العمليات، متمنياً على الرئيس الفلسطيني أبو مازن، عدم مباركة العملية، مضيفاً أن العملية تُمثل انعطافاً في نمط العمليات، أمّا وزير جيشه وزعيم حزب "إسرائيل بيتنا" افيجدور ليبرمان، فقد أشار إلى أن ما يحدث في "إسرائيل" من عمليات، هو ذاته الحاصل على الأرض الأوروبية من أعمال يقوم بها "الإرهاب الإسلامي" على حد وصفه.
وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان من الليكود، طالب بضرورة إعادة النظر في منح تصاريح العمل والدخول إلى "إسرائيل"، مطالباً وزارة الجيش بالتعامل مع شرطة الحدود، بنفس المعايير التي يتم فيها التعامل مع الجيش. حزب البيت اليهودي وعلى لسان ممثله في الكنيست بتسلال سموتريتس، أشار أن العملية هي خير استقبال لممثل الرئيس الأمريكي للسلام، مضيفاً أن الفلسطينيين يبحثون عن "الإرهاب" وليس السلام.
أحزاب اليسار والوسط المعارض، كان لها الموقف المتشدد نفسه، لكن دون اتهام السلطة الفلسطينية بالتحريض، حيث طالب الزعيم الجديد للمعسكر الصهيوني آبي جباي، بالضرب بيد من حديد لكل من يحاول المساس بأمن الدولة، وتنفيذ عمليات عدائية ضد السكان اليهود في الدولة، فيما أشار يائير لبيد زعيم حزب يوجد مستقبل، أن الشعب الإسرائيلي سيبقى قوّيّاً في مواجهة "الإرهاب والإجرام".
ردود الفعل الأمنية
الشاباك الإسرائيلي وبعد العملية مباشرة، نشر تقريراً باللغة العربية، مفاده أنّ منفذ العملية يٌعاني من مشاكل أسرية ونفسية، إلى جانب عدم وجود أي سوابق للرجل، وبأنّ إجراءات الفحص والتدقيق للشاباك ناجعة وفعّالة في القضاء على العمليات ووأدها في مهدها وقبل خروجها إلى حيز التنفيذ، مدللاً بتفكيكه العديد من الخلايا خلال الشهر الأخير، وتحديداً في مدينة القدس، كخلية سلوان التي أعلن الشاباك اعتقاله أفرادها الثمانية، خلال تخطيطهم للعمليات.
وكان رئيس الشابك نداب ارجمان، قد أعلن قبل أسبوعين من وقوع العملية تحذيره من احتمالية التصعيد خلال الأعياد اليهودية الحالية، إلا أن هذه التصريحات باتت طبيعية قُبيل أيٍّ من الأعياد اليهودية، بدليل أن منفذ العملية لم يكن ضمن دائرة من يُمكن أن ينفذوا مثل هكذا عملية، بالتالي فإن تقديرات الشاباك وإن كانت قد أصابت، فهي بالتأكيد أخطأت في طبيعة من سينفذ العملية، وفشلت في منعها.
انعكاسات العملية على السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين
بُعيد كل عملية، تنبري القيادات السياسية الإسرائيلية في سباق ومزاد علني، لرفع سقف العقوبات والمواجهة مع الفلسطينيين، فقد غيرت القوانين وفرضت قانوناً جديداً أسمته قانون "الإرهاب" وشددت وضيقت من خلاله الخناق على الفلسطينيين، إلى جانب تنفيذها إجراءات صارمة بحق منفذ العملية وعائلته وبلدته، فهي تعتقل أهل المنفذ، وتصادر ممتلكاتهم، وتهدم البيوت على رؤوس أصحابها، وتحاصر البلدات والطرق وتغلقها، وتعيث فيها فساداً كما كان الحال في قرية كوبر مؤخراً.
إلى جانب تجربتها الطويلة، بمنع وصول الضريبة إلى الخزينة الفلسطينية، واتهام قيادتها ب"الإرهاب"، وشنّ حملة دبلوماسية كبيرة على قيادتها وتحديداً رئيسها أبو مازن، مطالبةً إيّاه بإدانة "الإرهاب" وقطع مخصصات عائلات الشهداء والأسرى.
لذا فالواقع يقول بأن السياسة الإسرائيلية على الأرض لم تترك فسحة من العقاب بحق الفلسطينيين إلا مارسته وارتكبته، بهدف التقليل من العمليات، وهو أمرٌ تنفيه التقارير الإسرائيلية، كتقرير المحكمة العليا، وينفيه البروفيسور عميخي كوهين الباحث في قضايا الأمن والديمقراطية، في كتابه "هدم البيوت تكلفة دون فائدة"، ومؤكداً أن تلك الإجراءات تزيد من حجم العمليات.
أمام هذه المعطيات تبقى في جعبة "إسرائيل" بعض الإجراءات التي ستمنح "إسرائيل" فرصة إضافية لعقاب الفلسطينيين، وليس الحد من العمليات.
أولاً: تشريع قانون الإعدام، وهو ما يُطالب به وزير الجيش ليبرمان، ووعد بتقديمه للكنيست بعد انتهاء عطلته الحالية، وقدم المشروع مبدئياً لكتل الكنيست، الذي رغم رفضه سابقاً من غالبية الكتل والأعضاء في الكنيست، بات يلاقي أذناً صاغية خلال الأشهر الأخيرة، خاصة أنه مدعوم من غالبية ساحقة من الجمهور الإسرائيلي تصل إلى 70% (جرودكا، 2017).
المُتوقع أن يفشل هذا المقترح، وذلك ليس بسبب الرفض المبدئي للقانون في "إسرائيل" ولكن كونها تعتبر نفسها جزءاً من العالم الغربي الرافض لمثل هكذا عقاب، الأمر الذي سيدفعها لرفضه، دبلوماسياً وليس مبدئيا، فنتنياهو الذي يعارض القانون، يرى بأن الساحة الإسرائيلية، تعاني من نفس "الإرهاب" الذي يجتاح الساحة الأوروبية، بالتالي يجد نفسه ملتزماً بمعايير أوروبية قد لا تروق له، لكنها جوهرية في تجسير العلاقات مع الغرب.
إلى جانب ذلك، فإن التقارير الإسرائيلية، تُفيد بأن الفلسطيني يُفضل الموت على الاعتقال، وغالبية من نفذوا العمليات ووقعوا في الأسر، أفادوا بأنهم كانوا ينوون الشهادة، الأمر الذي يجعل من العقاب هدف قد سُعي إليه، وهذه قناعة تُدركها "إسرائيل" جيداً، لكن يأتي التصميم على تنفيذها من قبل البعض، لإشباع رغبة القتل والانتقام لديهم، وكدعاية داخلية.
ثانياً: سحب تصاريح العمل من الفلسطينيين، كما طالب بذلك بعض الوزراء، والتي يصل عددها إلى أكثر من 100 ألف تصريح عمل، وتأتي هذه التصاريح ليس في سياق المنحة للفلسطينيين، بل لحاجة السوق الإسرائيلي لليد العاملة، إلى جانب تطبيق مشروع اليمين الإسرائيلي على الأرض، من خلال ما يُعرف بالسلام الاقتصادي، وتحسين الأوضاع المعيشية للفلسطينيين لهذا الهدف.
ففكرة سحب التصاريح غير منطقية وغير قابلة للتطبيق، وقد تكون انعكاساتها سلبية على الأمن الإسرائيلي، حيث يرى الشاباك بأن تخفيف العقاب الجماعي نجع في مواجهة العمليات الفلسطينية، وسلبية كذلك على السوق الإسرائيلي، المحتاج لجودة اليد العاملة الفلسطينية، والذي يحتاج أيضاً إلى بقاء المقدرات داخل حدود فلسطين التاريخية، لأن ما يتلقاه الفلسطينيين من رواتب من خلال عمله، يعود جزء كبير منه للسوق الإسرائيلي، في ظل انتشار البضاعة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية وخاصة الحدودية منها. إلا أن ذلك قد يدفع الحكومة الإسرائيلية لتجميد مؤقت للتصاريح الممنوحة لأهل بلدة منفذ العملية وبعض القرى المجاورة، لتشريب الفلسطيني فكرة أن من يُنفذ العملية، يُسبب أضراراً معيشية ليس لذويه فحسب، بل أيضاً لدائرة أوسع من ذلك.
ختاماً: السياسة الإسرائيلية ستبقى هي ذاتها تجاه الفلسطينيين، ومقدرة الشاباك وأجهزة الأمن على مواجهة العمليات لن تصل إلى مرحلة القضاء عليها في ظل أنها باتت ذات طابع فردي، إلا أنّ "إسرائيل" ستستغلها عالمياً بالتأكيد لإخفاء جرائمها، خاصة المتعلقة بالتمدد الاستيطاني، الذي تعهّد نتنياهو قبل أيّام بعدم المساس به أو اقتلاع أي جزء منه.