المصالحة الفلسطينية بعيون إسرائيلية
الأجواء الاحتفالية الفلسطينية بانطلاق عجلة المصالحة الفلسطينية، أخذت حيزاً واسعاً من التغطية الإعلامية الإسرائيلية، وردود فعل سياسية متنوعة، وفي ظل الحديث الفلسطيني الذي لم يُنكر أن الفيتو الأمريكي- الإسرائيلي رُفع عن إتمام المصالحة، فإنه لا يُمكن إخفاء أن هناك عوائد سلبية وكذلك إيجابية على الجانب الإسرائيلي.
ردود الفعل الإسرائيلية على المصالحة الفلسطينية
بشروط إسرائيلية ثلاثة علق رئيس الوزراء الإسرائيلي وزعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو على المصالحة الفلسطينية، مطالباً الاعتراف بدولة "إسرائيل"، وتفكيك سلاح المقاومة في غزة، وقطع العلاقات مع إيران، إلى جانب إعلانه استمرار بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في مستوطنة معاليه أدوميم في القدس، ولم يتأخر زعيم البيت اليهودي نفتالي بنت برده هو الآخر، حيث طالب بقطع عوائد الضرائب عن السلطة الفلسطينية، عقاباً لها على حذوها باتجاه المصالحة مع حماس.وزير الجيش وزعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، افيجدور ليبرمان، أشار معلقاً على المصالحة، أن أي حراك في المنطقة ومحاولة للتسوية لا يُمكن أن يكون بمعزلٍ عن تسوية إقليمية شاملة، ربما أنشد ليبرمان ترنيماتها متناغماً مع طبول صفقة القرن الأمريكية التي لم تتضح معالمها بعد.
في ساحة المعارضة الإسرائيلية لم تعلُ الأصوات للتعليق على المصالحة الفلسطينية، ربما منعتهم الأعياد من ذلك، أو على الأرجح أن صوتهم الذي بات يخبو قد وصل إلى قناعة راسخة، أن الملف الفلسطيني والعزف على وتر السلام الشامل والتسوية، لم يعُد جاذباً للشريحة الأوسع إسرائيلياً، لذا لم يعلق على المصالحة الفلسطينية سوى زعيم القائمة العربية المشتركة، الذي اعتبر الاتفاق خير خطوة لتحقيق سلام عادل وشامل، وتبعه عوفر شيلح، عضو الكنيست عن حزب يوجد مستقبل الذي اعتبر الحكم على المصالحة مبكراً، متمنياً أن يُسهم ذلك في إضعاف المقاومة الفلسطينية.
الشاباك والمخابرات العسكرية الإسرائيلية، ووفق ما ورد في صحيفة المونيتور وعلى لسان الصحفي البارز بن كسبيت، اعتبرا أن هذه المصالحة لن تدوم، وأشار مسؤول سابق، أن طرفي الانقسام، وسكان كلا المنطقتين أي غزة والضفة، لا يوجد بينهما تضامن حقيقي ومحبة حقيقية، بل التنافر بينهما هو سيد الموقف، والأمر ليس وليد اللحظة وفق ذات المصدر.
المخاوف الإسرائيلية من المصالحة
تتعدد المخاوف الإسرائيلية من المصالحة الفلسطينية، فقد تغذت "إسرائيل" ولأكثر من عشر سنوات على الانقسام الفلسطيني، وجعلته شمّاعة للكثير من السلوكيات والسياسات التي انتهجتها، ولعلّ من أبرز المخاوف الإسرائيلية:
1- التهديد الأمني، ف"إسرائيل" ترى بهذه المصالحة إمكانية عودة النشاط التدريجي لحركة حماس في الضفة الغربية، الذي من الممكن أن يولد نشاطاً عسكرياً متجدداً، قد لا تكون هذه المخاوف آنية، ولكن على المستوى البعيد قد تُسهم المصالحة في حرية حركة أكبر لأبناء الحركة في الضفة، وتخفيف المتابعة الأمنية من قبل السلطة لهم، الأمر الذي قد يبعث الحياة للتنظيم من جديد.
من جانب آخر، يؤدي تحمل السلطة الفلسطينية لمسؤولياتها تجاه السكان في قطاع غزة إلى تخفيف العبء عن حركة حماس، التي قد تقوم بتمويل أكبر لجناحها العسكري وتفرغٍ حقيقي كامل للمقاومة فقط، الأمر الذي قد يقود إلى تنظيم على نهج حزب الله، ولكن هذه المرة في الجنوب وليس في الشمال.
2- سياسياً، قد ترى "إسرائيل" في هذه المصالحة فرصة قوّية للسلطة الفلسطينية للتوجه للجهات الدولية، وهي تمتلك قوّة أكبر من خلال سيطرتها على شقي الوطن، ودون وضع ذلك ضمن العراقيل الكثيرة التي تضعها الولايات المتحدة تحديداً، وقد تكون عاملاً لدفع الولايات المتحدة للضغط على "إسرائيل"، ضمن تسوية معيّنة.
3- سبب الانقسام للفلسطينيين ضعفاً دبلوماسياً ملموساً على المستويين الدولي والإقليمي، الأمر الذي أحسنت "إسرائيل" استغلاله لصالحها، فراكمت إثر ذلك إنجازات دبلوماسية متكررة، وسحبت البساط من تحت الفلسطينيين في العديد من الساحات خاصة في آسيا كالهند، وفي أفريقيا ومع الكثير من دولها.
كيف تنوي "إسرائيل" الاستفادة من المصالحة
إلى جانب ذلك، فإن "إسرائيل" تعي تماماً أن بإمكانها استغلال المصالحة الفلسطينية لصالحها في العديد من المحاور والقضايا:
1- من الناحية الأمنية قد تُشكل المصالحة عاملاً دافعاً لتأخير المواجهة مع غزة، فقد حذرت الكثير من التقارير الأمنية أن غزة على وشك الانهيار الذي سيوّلد الانفجار، وقد دعا رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية آيزنكوت، لمد غزة بالكهرباء أربعاً وعشرين ساعة، حرصاً على عدم انفجار القطاع في وجه الكيان.
وربما تُحاول "إسرائيل" رويداً رويداً من خلال السلطة الفلسطينية استعادة التنسيق الأمني في قطاع غزة، والتعامل مع "إسرائيل" في القضايا المدنية وغيرها، في ظل الخبرة المتبادلة بين الطرفين، وقد يكون ذلك مرحلياً صعب المنال في ظل السيطرة العملية على الأرض لأمن المقاومة.
2- تُدرك "إسرائيل" أن مساحة العمل المتاحة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية باتت ضيّقة، وفي ظل أنها معنية ببقائها، فنقل ثقلها إلى غزة مع الحفاظ على وجودها في الضفة لتكون شبه إدارة محلّية، قد يكون مرضياً للسلطة ودافعاً لاستمرارها، من جانب آخر، فقد تتولد فكرة تبادل أراض من خلال توسيع القطاع باتجاه سيناء، لاستيعاب العدد الأكبر من الفلسطينيين، مقابل استمرار سيطرة "إسرائيل" على التجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة، وربما يأتي ذلك في إطار صفقة القرن المعد لها، لتكون غزة مركز الدولة، وتكون مدن الضفة تابعاً لها.
3- قد تستغل "إسرائيل" هذه المصالحة لمزيد من الهجوم الدبلوماسي على الفلسطينيين، من خلال الاتهامات الجديدة القديمة للرئيس الفلسطيني بأنه يُفضل "الإرهاب" على السلام، الأمر الذي سيوّلد المزيد من الموجات الاستيطانية، التي قد يرافقها غض طرفٍ أمريكي عن السياسات الإسرائيلية.
4- قد تُنتج المصالحة الفلسطينية نوعاً من التقاء الفرقاء في منتصف الطريق، الأمر الذي قد ترى فيه "إسرائيل" تلييناً لمواقف حماس، وربما دافعاً لها للتعاطي مع الوجود الإسرائيلي والاتجاه نحو العمل الدبلوماسي والسياسي بشكل أكبر، أو حتى الموافقة على تسوية معينة، تجلب الهدوء ولو لفترة محدودة الزمن.
ففي ظل التفاؤل الكبير ما زالت الكثير من القضايا الجوهرية لم تناقش بشكل جدّي بعد، إلا أن الجانب الإسرائيلي الذي لا يفضل وجودها، بات يعمل للتعامل مع حقيقة تجسدها على أرض الواقع، محاولاً استغلال نقاط ضعفها لصالحه، والعمل على تقنين نقاط قوّتها.