المشهد الفلسطيني بين خطاب الرئيس في الأمم المتحدة واجتماعات المجلس المركزي تصعيد في الخطاب وغموض في الممارسة
تناقش هذه الورقة اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني في دورته الثلاثين، التي عُقدت في رام الله يومي 28 و 29 تشرين أول/ أكتوبر 2018، بما تضمنته من خطابات وقرارات، لا سيما كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وتقرأ الورقة الظروف التي عُقدت فيها هذه الاجتماعات، ودلالات القرارات التي خرجت بها، وإمكانية تنفيذها. كما تحاول ربط ذلك بالسياق الفلسطيني العام، الممتد منذ كلمة الرئيس محمود عباس أمام الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في 27 أيلول/ سبتمبر 2018، حيث تصاعد التوتر الفلسطيني الداخلي في تلك الفترة، واستمر إلى اليوم.
عرض عام
أنهى المجلس المركزي الفلسطيني اجتماعاته في دورته الثلاثين التي عُقدت في رام الله على مدار يومي 28 و 29 تشرين أول/ أكتوبر 2018، وذلك وسط مقاطعة واسعة من بعض فصائل منظمة التحرير نفسها، وهي الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية والمبادرة الوطنية الفلسطينية، إلى جانب مقاطعة حركتي حماس والجهاد الإسلامي. وقد بدا ذلك في موقف ممتد لما كان عليه الحال في اجتماعات المجلس الوطني في نيسان/ إبريل 2018، والمجلس المركزي في آب/ أغسطس 20181. كما جاءت هذه الاجتماعات في ظل استمرار الانقسام الفلسطيني، وامتداده باتجاه فصائل منظمة التحرير الفلسطينية نفسها، وفي ظل تحديات هائلة تواجه مجمل القضية الفلسطينية.
كما عُقدت دورة المجلس المركزي هذه، على وقع من الجدل والترقب. فقد بشّرت قيادة السلطة الفلسطينية بأنّ هذه الدورة، سوف تتخذ جملة قرارات هامة فيما يخص العلاقة مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية، و"إسرائيل"، وحماس. وإذا كان متوقعًا أن يعيد المجلس المركزي التأكيد على استمرار وقف الاتصالات بالولايات المتحدة الأمريكية؛ بسبب إجراءاتها الأخيرة بشأن القدس واللاجئين ومكتب منظمة التحرير، وأن يخوّل اللجنة التنفيذية وقيادة المنظمة تنفيذ قرارات اتخذها من قبل، كتعليق الاعتراف بـ "إسرائيل"، وقطع الشراكة الاقتصادية معها، ووقف التنسيق الأمني… فإنّ الترقب بشأن ما قيل عن احتمال تشديد العقوبات على قطاع غزّة، وحلّ المجلس التشريعي، كان أكثر تفاعلًا2.
وبالفعل، خرج المجلس بقرارات سابقة حول العلاقة بالولايات المتحدة و"إسرائيل"، وخوّل الرئيس واللجنة التنفيذية بمتابعة تنفيذ تلك القرارات. وأمّا في الشأن الداخلي، ورغم إشارة الرئيس في افتتاح الدورة إلى قرارات هامّة لا بدّ من اتخاذها وإنفاذها فيما يخصّ العلاقة بحركة حماس، فإنّ المجلس في قراراته النهائية لم يزد على تحميل حماس المسؤولية عن استمرار الانقسام، وعدم تنفيذ الاتفاقيات، رافضًا ما يقول إنها مشاريع مشبوهة تهدف إلى فصل قطاع غزّة عن الضفة الغربية في إطار "صفقة القرن"، ومؤكّدًا رفضه لأي تهدئة تخصّ قطاع غزّة خارج إطار منظمة التحرير، بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأي مشاريع إنسانية في قطاع غزّة، لا تنطلق من معالجة سياسية تنهي الانقسام، وتحقق المصالحة الوطنية3.
قرارات مكررة .. ومعطلة
كان أبرز ما أعلن عنه المجلس من قرارات، هو الإعلان عن انتهاء المرحلة الانتقالية، وبالتالي انتهاء التزامات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية تجاه الاتفاقيات المترتبة على تلك المرحلة، بما في ذلك تجميد الاعتراف بـ "إسرائيل"، ووقف التنسيق الأمني، وعدم الالتزام باتفاقية باريس الاقتصادية. بيد أن إحالة تنفيذ هذه القرارات إلى الرئيس واللجنة التنفيذية، جرّدها من بعدها الإجرائي التنفيذي، وهو ما يذكّر بسلسلة قرارات سابقة شبيهة، كان قد اتخذها ذات المجلس ولم تنفذ، الأمر الذي دعا الوكالات العالمية لوصف هذه القرارات بـ "غير الحاسمة".4
وقد جاءت هذه القرارات، إلى جانب قرارات أخرى، لتؤكّد على مضي منظمة التحرير في برنامجها ومسارها نفسه، إذ أعلن المجلس المركزي في جملة قرارته عن تمسكه بالدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام، وتمسكه بالمبادرة العربية كما أقرّت عام 2002 في بيروت5. أيّ أن قرارات المجلس المركزي لم تمثّل تحوّلًا جوهريًّا في سياسات قيادة منظمة التحرير.
يعني ذلك بالضرورة استحالة تنفيذ القرارات الأخرى، كوقف التنسيق الأمني، أو الخروج من اتفاقية باريس الاقتصادية، ما دامت السلطة لم تتخلص من الاحتلال. فمن الناحية الفعلية، لا يمكن للسلطة أن تدير الاقتصاد الفلسطيني خارج اتفاقية باريس، وهي لا تملك المعابر والموانئ، وتخضع للهيمنة الأمنية الإسرائيلية المباشرة.
كما أن وقف التنسيق الأمني سيؤدي بالضرورة إلى مواجهة مع الاحتلال، لما يعنيه من تخلّ عن الدور الذي يحافظ على وجود السلطة حتى الآن.
فهذه القرارات تتطلب تحولًا في الوجهة السياسية، وهو ما يبدو بعيدًا، فهذا التحوّل لا يتطلب التراجع عن الخط السياسي العام الذي تنتهجه منظمة التحرير فحسب، وإنما يتطلب أيضًا الاستناد إلى وحدة وطنية تبدو بعيدة، وذلك نظرًا إلى حالة الانقسام، والمساحة التي احتلها الهجوم على حركة حماس في خطابات الرئيس، ورئيس المجلس الوطني، وقرارات المجلس.6
ويمكن قول الأمر نفسه بشأن ما يدعو إليه المجلس المركزي من مقاومة شعبية، إذ دعا إلى "إنفاذ خطة العمل التي قدمتها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بخصوص المُقاومة الشعبية بشكل شمولي"7. وهو ما يُظهر الإحالات المستمرة في قرارات وخطابات مؤسسات منظمة التحرير، الأمر الذي يسم تلك القرارات بالغموض، وانعدام البرنامج المعلن للجماهير. فضلًا عن ذلك، فإن الدعوة إلى تفعيل المقاومة الشعبية، قد صدرت عدّة مرات عن المجلس نفسه، وغيره من مؤسسات منظمة التحرير. وبالرغم من تفرد حركة فتح بساحة الضفة الغربية، إلا أن هذه الدعوات لم تنعكس في مقاومة شعبية واسعة. كما أن تفعيل المقاومة الشعبية، يعني بالضرورة حتمية الاستناد إلى وحدة وطنية، إذ تتطلب المقاومة الشعبية إطلاق الجهود والطاقات كافة، وهو أمر لا يتوفر في ظلّ حالة الانقسام القائمة.
خطاب في ظل الانقسام والمشاحنات
تشكّل الأجواء الانقسامية، والمشحونة بالتوترات الداخلية، امتدادًا لذات الأجواء التي جاء فيها خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 أيلول/ سبتمبر 2018، إذ سبق ذلك الخطاب سجال حول الشرعيات، قالت فيه حركة حماس إن شرعية عبّاس لم تعد قائمة، وإن الشعب الفلسطيني وتضحياته، أكبر من أن يمثلها عباس في خطاب أمام الأمم المتحدة8.
وفي حين عقد أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الموجودون في الأردن، اجتماعًا برئاسة سليم الزعنون، أثناء خطاب الرئيس عباس في الأمم المتحدة؛ تأكيدًا على شرعية الرئيس عباس، وتمثيله للفلسطينيين9؛ فقد عقدت كتلة حركة حماس في المجلس التشريعي في قطاع غزّة، جلسة قالت فيها إنّ الولاية الدستورية للرئيس عبّاس لم تعد قائمة منذ عام 2009، وإنه لا يمثل الفلسطينيين، ولا يحظى بدعم لخطابه أمام الأمم المتحدة10. وردّت السلطة الفلسطينية على ذلك باعتقالات واسعة طالت حوالي 100 من كوادر حركة حماس وعناصرها في الضفة الغربية11. ثم تضمن خطاب الرئيس عبّاس في الأمم المتحدة هجومًا على حركة حماس، قال فيه إنّ السلطة الفلسطينية لن تتحمل أي مسؤولية تجاه قطاع غزّة، ما دامت حركة حماس تصرّ على رفض الاتفاقيات، على حدّ قوله12.
لم يكن هذا السجال سوى صورة مكثفة عن واحدة من المشكلات الجوهرية في الواقع الفلسطيني، وهي صراع الشرعيات والتمثيل، الذي لم يتراجع رغم التحديات الهائلة التي تواجه القضية الفلسطينية، وفي طليعتها ما يسمى بصفقة القرن، التي بدأت تظهر خطواتها الفعلية من قبل الولايات المتحدة و "إسرائيل"، الأمر الذي يعني تهديد القضية الفلسطينية بالتصفية، ويعكس الفشل المحتم لمشروع التسوية الذي تبنته قيادة منظمة التحرير، كما يعكس الأزمة الخاصة بحركة حماس، وبعموم الفلسطينيين في قطاع غزّة، مع التعاظم المستمر في الحصار، وشبح الحرب الذي يقف باستمرار على حدود القطاع، وارتقاء عشرات الشهداء منذ آذار/ مارس 201813.
اجتماعات المجلس المركزي: رفْض الفصائل الوازنة
بالرغم من أن حركة حماس لم تنشغل بدورة المجلس المركزي في آب/ أغسطس 201814، إلا أنّها أبدت اهتمامًا واضحًا هذه المرّة بدورة تشرين أول/ أكتوبر، وعلى نحو لافت، ربما بسبب ما أشيع عن قرارات محتملة قد تصدر عنها، تشدّد العقوبات على قطاع غزّة، وتحلّ المجلس التشريعي. فقد اعتبر ناطقون باسم حركة حماس المجلس المركزي مجلسًا انفصاليًّا فاقدًا للشرعية 15، ويفتقر إلى الإجماع الوطني وحضور الفصائل الوازنة، ويكرس التفرد والإقصاء، ويتنكر لمجمل الاتفاقات السابقة حول إعادة بناء منظمة التحرير، ولا يراعي الظروف والتحديات والمؤامرات الكبرى، ويبتعد في عن تضحيات الفلسطينيين، ونضالهم في مسيرات العودة والعمليات الفدائية في الضفة الغربية والقدس16. وفي السياق نفسه، كان لافتًا بيان رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني عزيز دويك، الذي كشف عن مخاوف من أن يتخذ المجلس المركزي قرارات بحلّ المجلس التشريعي، قائلًا: "إن أي قرارات تستهدف المجلس التشريعي باطلة"17.
وبينما قاطعت حركة الجهاد الإسلامي اجتماعات المجلس المركزي، فإنّ موقفها بدا تقليديًّا دون مزيد انشغال بها، علمًا أن خالد البطش، عضو المكتب السياسي للحركة، وفي سياق رؤية قدّمها باسم عدد من القوى الوطنية والإسلامية، قال إنّ اتخاذ أيّ قرارات من شأنها تكريس الانقسام، وتوتير الأجواء، ودفع الفلسطينيين في غزّة للقبول بأيّ حل سياسي، فإنّها سوف تمسّ بشرعية متخذيها18.
وبالنسبة لفصائل منظمة التحرير التي قاطعت اجتماعات المجلس المركزي، فقد وصفت الجبهة الشعبية انعقاد تلك الاجتماعات في ظلّ غياب القوى الرئيسة، بأنه "إمعان في الخطيئة الوطنية والسياسية"، وإمعان في التفرد، ومصادرة لإصلاح منظمة التحرير، وتغييب وسلب لدورها ووظيفتها. وحذّرت في الوقت نفسه من اتخاذ المجلس لقرارات تعمق الأزمة الداخلية، وتنقلها إلى الصراع على الشرعيات. كما حذّرت من اتخاذ أي قرارات تفرض عقوباتٍ جديدة على قطاع غزّة19.
كما عبّرت الجبهة الديمقراطية عن الموقف نفسه، وحذرت من نتائج سياسات التفرد، ومن تعميق الانقسام، ونوهت إلى عجز المؤسسة الفلسطينية عن مواجهة "صفقة العصر"، وتنفيذ القرارات التي سبق اتخاذها مرارًا في اجتماعات سابقة20.
وكان حسن خريشة، النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي، قد هاجم المجلس المركزي لعدم قدرته على تنفيذ أي من قراراته الصادرة عنه من قبل، إلا ما "يخدم رئيس السلطة"، قائلًا إن التهديد بحلّ المجلس التشريعي، هو مجرد مناكفاتٍ سياسية غير جدّية. ورأى خريشة أن فرض عقوبات جديدة على قطاع غزة، لن يكون ممكنًا، نظرًا إلى الحالة المأساوية التي يعانيها القطاع، والتي لن يكون بعدها ما هو أسوأ منها، على حد قوله21.
كما دعت قوى سياسية وشعبية، وتجمعات نقابية ومجتمعية في قطاع غزّة، إلى عقد مؤتمر شعبي في يوم انعقاد المجلس المركزي، وذلك لـ "مواجهة التفرد والإقصاء والعقوبات". وقالت تلك القوى إن اجتماع المجلس المركزي في ظلّ رفض غالبية القوى الرئيسة في الساحة الفلسطينية، يمثّل منعطفًا خطيرًا لتكريس الانقسام، وتعميق الانفصال السياسي والجغرافي22.
قراءة في الخطابات والقرارات
-
الهاجس الداخلي
ابتدأ الرئيس كلمته في اجتماعات المجلس المركزي بالحديث عن ضرورة تنفيذ القرارات السابقة حول العلاقة مع الاحتلال والولايات المتحدة وحركة "حماس"، منتقدًا القوى التي قاطعت اجتماعات المجلس، ورافضًا أي اجتماعات أخرى موازية. كما أن الرئيس، وفي كلمته هذه، خاطب غزّة كناية عن حركة حماس، التي اتهمها بقبول دولة في حدود مؤقتة، قائلًا: "إنهم يقفون مع أفكار الأعداء الذين يريدون تمزيقنا، ويريدون إقامة شبه دولة في غزة، وحكم ذاتي في الضفة الغربية". وفي سياق المواجهة مع الاحتلال، أكّد على رفضه المسّ برواتب الشهداء والأسرى، وتمسكه بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، ورفضه لـ "صفقة القرن"، وهاجم الولايات المتحدة على مواقفها الأخيرة بخصوص القدس واللاجئين. كل ذلك يعني أن المسألة الداخلية أخذت الحيز الأكبر في كلمة الرئيس، الذي بات يربط بين مواقف حركة حماس ومواقف أطراف معادية لها، كالإدارة الأمريكية.
-
بين الخطاب والقرارات
من الواضح أن هناك مسافة واسعة بين مواقف الرئيس المعلنة، وبين ما يجري العمل على تنفيذه من سياسات على الصعيدين الداخلي والخارجي. فعلى الصعيد الخارجي، حافظ الرئيس على ذات الخط منذ خطابه في الأمم المتحدة، والذي شدّد فيه على نفس المضامين، مع توسع في انتقاد كل من الممارسات الإسرائيلية، ومواقف الولايات المتحدة في ظلّ إدارة الرئيس ترمب. وفي الوقت نفسه، هناك شواهد واضحة على محاولة استئناف المفاوضات مع "اسرائيل" بوساطة عُمانية. وأيًا كان موقف الرئاسة من "العرض" الذي حملته الوساطة العُمانية، فإن البحث يجري عن إعادة إحياء عملية المفاوضات.
وعلى الصعيد الداخلي، ورغم التهديدات آنفة الذكر، فإن المجلس لم يتخذ أي قرارات لمضاعفة العقوبات على قطاع غزّة، أو لحل المجلس التشريعي، مما يُعطي انطباعًا بأن هناك دورًا بروتكوليًا لهذه الخطابات، لا علاقة حقيقية له بطبيعة الممارسة السياسية التي تتبعها السلطة، أو تنوي اتباعها في أي من الملفات. وبمعنى آخر، يبدو أن هذه الخطابات هي مرافعات لا تتحول إلى مواقف سياسية.
-
ما سر التهديدات؟
من الضروري الإشارة إلى أن المجلس المركزي لم يذهب بعيدًا، كما أشيع قبل انعقاده، في اتخاذ قرارات بشأن حل المجلس التشريعي، أو تشديد العقوبات على غزّة، الأمر الذي يثير التساؤلات حول أسباب تلك التهديدات قبل اجتماعات المجلس، فهل تغير الموقف لأسباب داخلية أثناء الاجتماعات؟ أم بسبب ضغوط دولية كما تقول بعض المصادر الإسرائيلية23، أم أنها لم تكن أكثر من مناورة سياسية؟ لقد ذكرت بعض المصادر الصحفية أن التهديدات بحلّ المجلس التشريعي، نجمت عن غضب الرئيس من مواقف حماس التي سبقت خطابه في الأمم المتحدة، وأعلنت فيها انتهاء شرعية الرئيس. وقد زعمت تلك المصادر أن كتلة حماس في المجلس التشريعي في غزّة، كانت قد أرسلت إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، رسالة قبل خطاب عباس في الأمم المتحدة، مفادها أنه لا يمثل الشعب الفلسطيني، وأن ولايته قد انتهت24. بيد أن مثل هذه التهديدات، لم تزل تظهر بين فترة وأخرى منذ الانقسام الفلسطيني، فضلًا عن أن العقوبات على غزّة يتم تطبيقها فعليًا.
خاتمة
يعاني المشهد الفلسطيني في الشهور الأخيرة، ومنذ فشل الجهود المصرية في تنفيذ اتفاقية المصالحة بين حركتي فتح وحماس، من توترات متجددة ومتصاعدة، تأخذ شكل الاتهامات المتبادلة بين الحركتين. فبينما تتهم فتح حماس بالسعي لتنفيذ حلّ خاصّ بقطاع غزّة على حساب القضية الوطنية، فإنّ حماس تتهم فتح بالمساهمة في التسبب بمعاناة قطاع غزّة، وإفشال كل الحلول المطروحة لرفع الحصار.
من الواضح وجود هوة بين الأجواء الوحدوية المتفائلة، التي سبقت خطاب الرئيس عباس في الأمم المتحدة في تشرين ثاني/ نوفمبر 2012، حينما دعمت حماس توجّه الرئيس إلى الأمم المتحدة وخطابه فيها25، وبين الأجواء المشحونة التي رافقت خطابه الأخير في الأمم المتحدة، كما يمكن ملاحظة الانقسام الحادّ الآخذ بالتعاظم منذ انعقاد المجلس الوطني في نيسان/ إبريل 2018.
وهذا يعني أن الحالة الوطنية الداخلية، تسير باتجاه مخالف لما هو مطلوب لمواجهة التحديات الخطيرة، التي تهدد القضية الفلسطينية بالتصفية، إذ لا يمكن إنفاذ أي من قرارات المجلس المركزي القاضية بإنهاء التزامات السلطة تجاه الاتفاقيات التي أوجدتها، دون إسناد ذلك إلى تحوّل حقيقي في التوجه السياسي، ودون وحدة وطنية تعزز صمود الشعب الفلسطيني في مقاومته للاحتلال26.
وأخيرًا، إن اجتماعات مؤسسات منظمة التحرير، والخطابات المصاحبة لها، تعمق من الانقسام الفلسطيني، والذي أخذ يمتد إلى بيت المنظمة نفسها، بدلًا من أن تشكّل تحوّلاً حقيقيًّا لمواجهة التحديات الراهنة، إذ لا تزيد قرارات تلك المؤسسات عن كونها تكرارًا إنشائيًا لما سبق وقيل من قبل. وهكذا، فإنّ قرارات المجلس المركزي الأخيرة، لم تحظَ باهتمامٍ لدى الإسرائيليين، مما يعكس شعورهم بعدم جديتها، فقد شكّكت قناة "كان 11" العبرية في إمكانية تنفيذ تلك القرارات، ذاهبة إلى أنها ليست أكثر من تعبير عن اليأس في أوساط قيادة السلطة27، كما أنها لم تحظَ بتغطية ملحوظة في الصحف الإسرائيلية28.
1 راجع تقرير: مركز رؤية للتنمية السياسية، المجلس المركزي وتجديد منظمة التحرير.. جدلية الانقسام والمواجهة، 12 أيلول/ سبتمبر 2018، https://goo.gl/kt27Dp
2 هل يتجه مركزي منظمة التحرير لفرض عقوبات جديدة على غزة؟، موقع الجزيرة نت، 28 تشرين أول/ أكتوبر 2018، https://goo.gl/N8bfFA
3 المجلس المركزي يقرر إنهاء التزامات منظمة التحرير والسلطة الوطنية كافة تجاه اتفاقاتها مع سلطة الاحتلال، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية/ وفا، 29 تشرين أول/ أكتوبر 2018، https://goo.gl/a19vqh
4 المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية يختتم اجتماعاته دون قرارات حاسمة، موقع وكالة رويترز للأنباء، 29 تشرين أول/ أكتوبر 2018، https://goo.gl/Sbqs2U
5 المجلس المركزي يقرر إنهاء التزامات منظمة التحرير والسلطة الوطنية كافة تجاه اتفاقاتها مع سلطة الاحتلال، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية/ وفا، مصدر سابق.
6 قال سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني: "نجدد المطالبة لحركة حماس بإنهاء انقسامها، والتوقف عن السماح للآخرين بالتدخل في الشأن الوطني الفلسطيني"، انظر:
الزعنون: لن نسلم بسياسة الأمر الواقع وسنمضي قدما في تكريس المكانة القانونية لدولة فلسطين، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية/ وفا، 28 تشرين أول/ أكتوبر 2018، https://goo.gl/WcfUC7
7 المجلس المركزي يقرر إنهاء التزامات منظمة التحرير والسلطة الوطنية كافة تجاه اتفاقاتها مع سلطة الاحتلال، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية/ وفا، مصدر سابق.
8 حماس: تضحيات شعبنا أكبر من أن يمثلها عباس، المركز الفلسطيني للإعلام، 25 أيلول/ سبتمبر 2018، https://goo.gl/5dHCEf
9 أعضاء المجلس الوطني المتواجدون في الأردن يؤكدون دعمهم ومساندتهم للرئيس في الأمم المتحدة، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية/ وفا، 27 أيلول/ سبتمبر 2018، https://goo.gl/4LM6Da
10 خلال جلسة اليوم لمناقشة شرعيته.. التشريعي: عباس لا يمثل الشعب الفلسطيني، المركز الفلسطيني للإعلام، 26 أيلول/ سبتمبر 2018، https://goo.gl/JLp9UV
11 السلطة تعلن حربها على "حماس".. اعتقال 100 كادر وأسير محرر، المركز الفلسطيني للإعلام، 27 أيلول/ سبتمبر 2018، https://goo.gl/zkeexb
12 الرئيس في الأمم المتحدة: القدس ليست للبيع وشعبنا غير زائد وحقوقه ليست للمساومة، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية/ وفا، 27 أيلول/ سبتمبر 2018، https://goo.gl/VboLra
13 تفيد إحصائيات وزارة الصحة في قطاع غزّة، أن عدد الشهداء الفلسطينيين في القطاع منذ مسيرات العودة وحتى 1 تشرين أول/ أكتوبر 2018، بلغ 203 شهداء، فضلاً عن أكثر من 21 ألف جريح، انظر:
203 شهداء في غزة برصاص الاحتلال منذ نهاية مارس، المركز الفلسطيني للإعلام، 1 تشرين أول/ أكتوبر 2018، https://goo.gl/BvyNKC
14 المجلس المركزي وتجديد منظمة التحرير.. جدلية الانقسام والمواجهة، مركز رؤية للتنمية السياسية، مصدر سابق
15 بيان صحفي تعقيبًا على انعقاد المجلس المركزي الانفصالي غدًا، موقع حركة حماس، 27 تشرين أول/ أكتوبر 2018، https://hamas.ps/ar/post/9818
16 المصدر السابق.
17 بيان صحفي صادر عن رئيس المجلس التشريعي، موقع حركة حماس، 28 تشرين أول/ أكتوبر 2018، https://hamas.ps/ar/post/9826
18 الفصائل تطرح رؤية وطنية لاستعادة الوحدة وانهاء الانقسام، موقع وكالة فلسطين اليوم، 28 تشرين أول/ أكتوبر 2018، https://goo.gl/2iwi5d
19 الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تعلن رفضها المشاركة في دورة المجلس المركزي المنعقد غدا، موقع الجبهة الشعبية، 27 تشرين أول/ أكتوبر 2018، https://goo.gl/YtNMAB
20 الديمقراطية: انعقاد المجلس المركزي في ظل مقاطعة واسعة للقوى السياسية دليل أزمة في م.ت.ف والحالة الوطنية، موقع مجلة الحرية، 29 تشرين أول/ أكتوبر 2018، https://goo.gl/8Kpp4y
21 خريشة: الرئيس لن يستطيع فرض عقوبات جديدة على القطاع، موقع وكالة فلسطين اليوم، 28 تشرين أول/ أكتوبر 2018، https://goo.gl/UP6K7q
22 وسط مقاطعة فصائلية: مؤتمر موازي في غزة.. المجلس المركزي يُعقد في رام الله وحل التشريعي معضلة الاجتماع، موقع وكالة فلسطين اليوم، 28 تشرين أول/ أكتوبر 2918، https://goo.gl/FmY16D
23 نشرة أخبار قناة كان 11 العبرية، 29 تشرين أول/ أكتوبر 2018، وقد أفادت القناة أنّ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اتصلت بالرئيس عباس ووعدته بالتدخل لدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأجل التقدم في مسار "المصالحة".
24 "المركزي" يعيد إنتاج دورتين سابقتين… ويخوّل عباس التنفيذ.. «حماس» تحوّل «الضغط الشعبي» على المصريين، صحيفة الأخبار اللبنانية، 30 تشرين أول/ أكتوبر 2018، https://goo.gl/6MTyZJ
25 فرح فلسطيني بالترقية الأممية وحماس ترحب، موقع الجزيرة نت، 3 تشرين ثاني/ نوفمبر 2012، https://goo.gl/tM6mHn
26 أحمد أبو ضلفة، تعليق الاعتراف بإسرائيل … بين التكتيك والتنفيذ، المركز الفلسطيني لأبحاث لسياسات والدراسات الاستراتيجية/ مسارات، 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2018.
27نشرة أخبار قناة كان 11 العبرية، 29 تشرين أول/ أكتوبر 2018، مصدر سابق.
28 أشارت لها صحيفة "إسرائيل اليوم" في خبر داخلي قصير جدًّا في الصفحة 25، وهو ما يعني أن "إسرائيل" لا تتعامل بجدية مع قرارات المجلس المركزي.