المشهد الفلسطيني

المشهد الإعلامي للقوائم المترشحة.. بين تنوع الأدوات وهاجس التأجيل

لقراءة وتحميل الملف اضغط هنا

أ. سمر حمدان، باحثة في قضايا الإعلام والعلاقات العامة

أ. سليمان بشارات، باحث في مؤسسة يبوس للدراسات

 

تمهيد:

وفقا للقوانين الضابطة للمسار الانتخابي الذي أعلنته لجنة الانتخابات المركزية، المستندة إلى قرار بقانون رقم (1) لسنة 2007 بشأن الانتخابات العامة وتعديلاته، فإنه يحظر على جميع القوائم المترشحة للانتخابات، المباشَرة بأي أعمال دعائية أو ترويجية، لنفسها أو لبرامجها، قبل 30 نيسان/ إبريل 2021.

كان من الممكن تطبيق نص القانون بواقعية كبيرة في ظل الإعلام التقليدي، إلا أنه، ومع سطوع نجم الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، فإن البيئة الرقمية أصبحت أكثر ديناميكية وقدرة على الولوج إلى كثير من التطورات، سواء رغب القائمون على صناعة المضمون بتقديمها، أم لم يرغبوا بذلك.

لقد حرصت كل قائمة من القوائم التي ترشحت للانتخابات، والتي يبلغ عددها 36 قائمة، على توثيق لحظات خوضها هذه التجربة منذ اليوم الأول للتسجيل، متخذة من مواقع التواصل الاجتماعي بوابة استعراضية لها، عبر قوالب إعلامية يمكن تبويبها على النحو التالي:

– عقد مؤتمر صحفي وبثه مباشرة عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.

– إصدار بيانات أو تصريحات بالإعلان عن تسجيل القائمة، ونشر شعارها وأبرز مرشحيها.

– نشر صور ممثلي القائمة خلال تسجيلها لدى لجنة الانتخابات.

– توفير تطبيق باسم القائمة وشعارها، وتنفيذه على الصورة في الحسابات الشخصية بمواقع التواصل لأعضاء القائمة.

فيما شرعت بعض القوائم الانتخابية في ترتيب أدواتها الاتصالية، وإنشاء صفحات لها على منصات التواصل الاجتماعي، قبل بدء الدعاية الانتخابية التي كان من المفترض أن تنطلق في 1 مايو الجاري، قبل أن يصدر قرار تأجيل الانتخابات.

تحاول هذه المقالة رسم ملامح المشهد الإعلامي للقوائم المترشحة للانتخابات، من خلال محورين رئيسين؛ هما القدرة على استخدام الأدوات والوسائل الإعلامية التقليدية والحديثة، والمضامين الإعلامية التي برزت للقوائم المترشحة عقب قرار تأجيل الانتخابات.

القوائم الرئيسة.. والمنصات التقليدية

بشكل عام، تأثر المشهد الإعلامي الفلسطيني بالأجواء الانتخابية عقب فتح باب الترشح وتسجيل القوائم، إذ بات حضور التغطيات والمتابعات واضحا، خصوصا القوائم الرئيسة، والتي كان من المتوقع أن تكون لاعبا رئيسا في العملية الانتخابية، وفي مقدمتها قائمة حركة فتح، وقائمة “القدس موعدنا” التابعة لحركة حماس.

فتح الاهتمام الإعلامي المجال أمام القوائم الرئيسة، للبروز إعلاميا في اللحظة الأولى التي صاحبت التسجيل لدى اللجنة، كما انخرطت بذلك، وبشكل مباشر، وسائل الإعلام التي تمثل القوائم نفسها. فوسائل الإعلام التابعة لحركة فتح، وفي مقدمتها تلفزيون فلسطين وفضائية العودة، مارست تغطية مباشرة قبل التسجيل وبعده، وهو ما أثار انتقادات النشطاء الإعلاميين.

لقد شهد اجتماع القائمة الانتخابية لحركة فتح في رام الله يوم 5 نيسان/ إبريل الماضي، وجود شبهات بمخالفات قانونية، أبرزها الاشتباه باستخدام مقدرات هيئة الإذاعة والتلفزيون، إضافة إلى مخالفة واضحة لقانون الانتخابات، وذلك بنشر فيديوهات اعتبرتها الجهات الرسمية دعاية انتخابية، وأعقبها تحذير من لجنة الانتخابات بهذا الخصوص.

وهو ما دفع الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة/ أمان، إلى مخاطبة الإعلام الرسمي، والمموّل من الخزينة العامة، ومطالبته بالالتزام بمعايير النزاهة والحيادية وتكافؤ الفرص، في التغطية الإعلامية إبان مرحلة الدعاية الانتخابية.

على الجهة المقابلة، فإن امتلاك حركة حماس العديد من الوسائل والمنصات الإعلامية، منحها حضورًا قويا خلال فترة الترشح، وظهر ذلك من خلال التغطيات المباشرة والمكثفة عبر فضائية الأقصى وصحيفة فلسطين، وغيرها من المنصات الإعلامية.

أما القوائم المستقلة، فقد باتت حظوظها أقل مساحة، وهو ما دفع عددًا منها لاتخاذ منصات إعلامية لعقد مؤتمر تسجيل قائمتها، كما فعلت قائمة “وطن” التي يرأسها د. حسن خريشة، الذي فضل عقد مؤتمر صحفي داخل وكالة وتلفزيون وطن للأنباء.

ومنذ تشكيل القوائم، لوحظ بصورة يومية، أن بعض المرشحين يحرصون على الظهور في الإعلام الرسمي، وآخرين في الإعلام الحزبي، فيما تعاقدت بعض القوائم المستقلة مع الإعلام الخاص، لتنفيذ حملات انتخابية، وهو ما منح مرشحيها فرصا أكبر للظهور على وسائل الإعلام الخاصة، والإدلاء بتصريحات حول مشاركتهم بالانتخابات.

كما بدأت بعض المؤسسات الإعلامية ببث برامج تستضيف من خلالها مرشحين ومرشحات للحديث عن الانتخابات، وإمكانية إتمامها في ظل الظروف التي يفرضها الاحتلال بمنع إقامة الانتخابات في القدس المحتلة، فمثلا قامت مؤسسة Jmedia الإعلامية، بتخصيص برنامج “فلسطين تنتخب” لمناقشة الانتخابات من زوايا مختلفة.

واستضافت الإذاعات الفلسطينية المحلية ممثلين عن قوائم انتخابية، مثل برنامج “حوار الأسبوع”، الذي يقدم عبر أثير إذاعة 24 إف إم، حيث تمثل هذه البرامج فرصة لبروز المرشحين وتعريف الناخب الفلسطيني بهم، فيما اعتبره بعض المتابعين من خلال التعليقات، أنه دعاية انتخابية مخالفة للقانون، كونها لم تنطلق بعد.

الإعلام الجديد.. الفضاء الأوسع

بعيدًا عن وسائل الإعلام التقليدية “الإذاعة والتلفزيون والصحف”، أتاح الإعلام الجديد، وبالتحديد منصات التواصل الاجتماعي، المساحة الأوسع للقوائم المترشحة، فقد اتخذت غالبية المواقع أشكالا متعددة للاستفادة من هذه المنصات. وما تم رصده في هذا الإطار يقع ضمن التقسيمة التالية:

  • إنشاء صفحات بأسماء القوائم نفسها، إذ عمدت بعض القوائم، لا سيما المستقلة، إلى إنشاء صفحات خاصة بها، والترويج لها بين متابعي مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف تحقيق أعلى نسبة وصول ومتابعة، تمهيدا للبدء بالدعاية الانتخابية. فمثلا: قامت قائمة “الوفاء والبناء” بإنشاء حسابات لها على مواقع فيسبوك، وأنستجرام، وواتس أب، وتويتر، تحت شعار #نتشارك_الحياة. وأنشأت قائمة “فلسطين للجميع” حسابات لها على مختلف المواقع، كما فعلت ذات الشيء قائمة حراك “طفح الكيل”، وقائمة “كفاءة”، وغيرها.
  • إنشاء صفحات خاصة بالمرشحين، تجنبا لخرق قانون منع الدعاية الانتخابية قبل الموعد المحدد. وبهدف تقديم المرشحين، لجأت بعض القوائم لإعداد صفحات خاصة بكل مرشح فيها، ليستخدمها بشكل مواز لصفحته الشخصية، التي كان يتواصل بها مع الجمهور قبل ترشحه، فمثلا أنشأت قائمة “القدس موعدنا” صفحة خاصة بكل مرشح من مرشحيها، وبدأت الترويج لها.
  • إنشاء مجموعات التواصل على الواتساب، إذ إن تطبيق التراسل الفوري “واتساب”، يمنح إمكانية إقامة مجموعات للتواصل، لذا شكلت بعض القوائم الانتخابية، مثل قائمتي فتح وحماس، مجموعات خاصة بها، لتبث من خلالها تصريحاتها الإعلامية، وتتواصل مع المتابعين والجمهور، ومع الصحفيين ووسائل الإعلام المختلفة.

قرار التأجيل.. هاجس ومضامين

بالرغم من أن الإجراءات التي شرعت بها لجنة الانتخابات، كانت تسير وفق ما هو مخطط لها، إلا أن الخوف من عدم استكمال المسيرة الانتخابية، شكل هاجسًا في غالبية الوقت من تأجيل الانتخابات أو إلغائها، وقد بات هذا الأمر واضحا وجليا في المضامين والخطاب الإعلامي للقوائم المترشحة، والتي كانت تربط تصريحاتها بإمكانية عقد الانتخابات فعليا قبل أن يتم اتخاذ قرار التأجيل.

لقد صدرت العديد من التصريحات التي تعبر عن مخاوف القوائم من عدم استكمال المسيرة الديمقراطية، وتؤكد رفضها تأجيل أو إلغاء الانتخابات بحجة توفير بيئة انتخابية أكثر حرية. فمثلا قال الحراك الفلسطيني الموحد: “نرفض مجرّد الحديث عن تأجيل الانتخابات بذريعة عدم موافقة الاحتلال على إجرائها في القدس؛ لأن هذه الذريعة هي كلمة حق يراد بها باطل”.

وقائمة “نبض الشعب” قالت: شعار لا انتخابات دون القدس شعار استباقي اتخذته جهة تدرك بأن الأجواء الانتخابية لن تكون لصالحها“. أما قائمة “القدس موعدنا”، فدعت إلى “التمسك بإجراء الانتخابات في موعدها“. في حين استنكرت قائمة “وطن” للمستقلين، “محاولات ترويج فكرة تأجيل الانتخابات التشريعية“، وقالت قائمة “طفح الكيل”: “إذا أعلنتم إلغاء الانتخابات فسنعتصم في كل الميادين لانتزاع حقنا”[1]. أما قائمة “صوت الناس”، فقد حذرت من عواقب إلغاء أو تأجيل الانتخابات، وقالت إنها “ستدعو للتظاهر رفضا لذلك”. وقالت قائمة “الفجر الجديد” “إن الانتخابات حق وطني وقانوني ودستوري لا يمكن التلاعب به، وسنعتصم بالمجلس التشريعي في حال تأجيل الانتخابات”. أما قائمة “الحرية والكرامة”، فقالت إن “تأجيل الانتخابات هو جريمة ترتكب بحق الشعب الفلسطيني من قبل أبو مازن، الذي يريد أن يقامر بحرية الشعب ومستقبله، ويريد استخدام القدس بعد فشله في توحيد حركة فتح”.

شكل خطاب الرئيس عباس في ختام الاجتماع الذي عقد في مقر الرئاسة برام الله ليلة 30 نسيان/إبريل، تحديا أمام العملية الانتخابية وأمام القوائم المترشحة، إذ وضع نهاية لترتيبات عمل عليها الجميع لعقد الانتخابات في 22 مايو الجاري كما كان محددا لها.

فحركة فتح، الداعمة للقرار، حاولت تجنيد خطابها الإعلامي لتأييد الرئيس محمود عباس في قراره، سواء من خلال التبرير له، أو حشد أكبر عدد ممكن من المواقف المؤيدة من خلال البيانات والتصريحات الإعلامية، وكذلك ببعض الوقفات في الميادين لمدن عدة بالضفة.

فيما عبرت حركة حماس، في بيان أصدرته عن “أسفها لقرار التأجيل”، وقالت إنه “لا يجوز رهن الحالة الوطنية كلها والإجماع الشعبي والوطني لأجندة فصيل بعينه”.

كما عبرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والقوائم الأخرى المترشحة للانتخابات التشريعية عن رفضها لهذه القرار.

في الختام

 يمكن القول إن المشهد الإعلامي الفلسطيني بعموميته انسجم منذ إصدار مرسوم عقد الانتخابات بأمل كبير لتنفيذها؛ كونها مفتاحا لإعادة مفهوم الشراكة السياسية والوحدة الوطنية، وهذا الأمر سطر من خلال البحث عن التوافقات في الخطاب ومضمونه، وأصبحت المساحات الإيجابية تطغى على السلبية فيه، وساهم وجود وسائل الإعلام الحديث ومواقع التواصل الاجتماعي في تعزيز حضور المواطنين والجمهور كجزء صانع للمضمون، إضافة إلى الفاعلين السياسيين، والقوائم المستقلة المترشحة للانتخابات، وعودة مفهوم الحريات ومساحاتها بشكل أكبر.

إلا أن قرار تأجيل الانتخابات، كان بمثابة حالة ارتدادية مباشرة على كل ما سبق من إيجابية وأمل، وهذا ما أعاد المضامين السلبية وفقدان الثقة مرة أخرى واتساعها ما بين الجمهور والمستويات السياسية الرسمية، وهو ما سينعكس بطبيعته على الخطاب الإعلامي للفترة المقبلة.

[1] – شبكة قدس الإخبارية، عبر تطبيق نبض.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى