المشهد “الإسرائيلي”: يناير/كانون ثاني 2024

 أ. عصمت منصور

تنزيل التقرير

شهد شهر يناير عام  2024 استمرار وتصاعد الحرب “الإسرائيلية” على قطاع غزة، مع دخولها الشهر الرابع إثر عملية طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب القسام في السابع من أُكتوبر 2023، حيث توسعت الحرب مع دخول قوات الاحتلال بريًا، وسيطرة الجيش على بعض المناطق المأهولة من أحياء وبلدات شمالي قطاع غزة، مع استمرار المقاومة فيها، وقد تركز القتال في مناطق وسط القطاع وجنوبه، وتحديدًا في مدينة خانيونس ومحيطها ،والتي أعلن الاحتلال عن اكتمال عملية تطويقها وتشديد الحصار حولها، في ظل غطاء جوي وأحزمة نارية، وعمليات قصف واسعة ومكثفة نفذها سلاح الجو “الإسرائيلي” منذ السابع من أُكتوبر، والتي أدت إلى تدمير عشرات آلاف المباني والأبراج والمرافق العامة والمؤسسات الحكومية، وتدمير البنية التحية بشكل شبه كامل.

تعرضت مدن الداخل “الإسرائيلي” بما فيها “تل أبيب” ومدن المركز إلى إطلاق عشرات الصواريخ، والتي كان أبرزها فجر الأول من يناير، إلى جانب استمرار قصف مستوطنات الغلاف، وإن كان بوتيرة أقل من السابق، وذلك رغم سيطرة قوات الاحتلال على بعض المناطق، حيث تصاعدت عمليات التصدي لقوات الاحتلال الغازية، وإيقاع خسائر مادية وبشرية كبيرة في صفوفها، ولم يقتصر القصف الصاروخي على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وحدها، بل امتد ليشمل المقاومة الفلسطينية واللبنانية في الجنوب اللبناني، حيث استهدفت مستوطنات ومعسكرات في شمال فلسطين المحتلة، ما أدى إلى تصعيد “إسرائيلي” واستهداف قرى وبلدات في الجنوب اللبناني، ومواقع تابعة لحزب الله، وتنفيذ عمليات اغتيالات ضد قادة ميدانيين للحزب، بالإضافة إلى اغتيالات في العاصمة السورية دمشق، طالت نشطاء ينتمون إلى الحرس الثوري الإيراني، وفق المصادر “الإسرائيلية”، كما أطلقت “جماعة أنصار الله” اليمنية  مُسيّرات وصواريخ باتجاه المدن المحتلة، بالإضافة إلى استمرار التوتر في البحر الأحمر بسبب اعتراض  قوات أنصار الله اليمنية “الحوثيين” للسفن المتجهة إلى الموانىء “الإسرائيلية”، واستهداف قوات أمريكية وبريطانية ومن دول أخرى مواقع داخل اليمن بغارات جوية وقصف من قواعد وحاملات طائرات أمريكية في المنطقة، كما شهد شهر يناير عقد محكمة العدل الدولية جلسة للنظر في الدعوى التي تقدمت بها دولة جنوب إفريقيا ضد “إسرائيل” بتهمة الإبادة الجماعية في غزة.

  • الحرب على غزة في أروقة محكمة العدل الدولية:

دفعت حرب الإبادة التي تشنها “إسرائيل” على قطاع غزة، دولة جنوب إفريقيا إلى تقدم دعوى قضائية في 29 سبتمبر ضد “إسرائيل” بتهمة الإبادة الجماعية، وقد عقدت محكمة العدل الدولية جلستين منفصلتين في (10-11 كانون الثاني \يناير) من أجل الاستماع إلى مرافعات كل من جنوب إفريقيا و”إسرائيل”، وهو ما حوّل مرافعة جنوب إفريقيا إلى حدث عالمي، تابعه العالم واستمع فيه إلى مرافعة محكمة تفصل تصريحات وممارسات الاحتلال التي تعزز فرضية ارتكاب جريمة الإبادة ضد أهالي قطاع غزة.

أصدرت محكمة العدل الدولية في 26 كانون الثاني\يناير قرارها بقبول الدعوى محل النزاع (تهمة ارتكاب جريمة الإبادة)، غير أنه لم يتضمن طلبًا بوقف إطلاق النار، ولكنه طالب باتخاذ سلسلة خطوات لحماية المدنيين والمؤسسات المدنية والطبية، وتدفق المساعدات…الخ، وتقديم تقرير خلال شهر حول تنفيذ إجراءات تتعلق بحماية المدنيين من خطر الإبادة، وهو ما اعتبِر “إسرائيليآ” إدانة ضمنية، خاصة بعد تثبيت المحكمة للدعوى وقبولها للنظر فيها.

من جهتها اعتبرت “إسرائيل” أن مجرد مثولها أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة هو “تنكيل بها، وتجاهل لما حدث في السابع من أكتوبر، وتجاهل لتاريخ اليهود وما تعرضوا له من إبادة ومحرقة”، حيث عبّر عن ذلك الرئيس “الإسرائيلي” “يتسحاق هرتسوج”، كما سخر رئيس وزراء الاحتلال “بنيامين نتنياهو” من قرار المحكمة واعتبره “استفزازيا”، وتماهى مع قادة أحزاب اليمين الذين هاجموا المحكمة، وعبّر عن “عدم نية إسرائيل وقف الحرب على غزة حتى تحقيق الأهداف التي وضعتها لها”.

يتجاوز ثأثير القرار الجوانب التنفيذية، حيث اعتبرت “إسرائيل” أنه جاء “بأقل الأضرار” عليها، اذ إن مثولها أمام المحكمة بتهمة الإبادة هو كسر لسرديتها، ورفض لمسوغات عدوانها، وانتصار دعائي وسياسي مهم للفلسطينيين، ذلك أنه حوّل الخطاب العالمي من عملية دفاع عن النفس إلى حرب إبادة، خاصة أنه جاء بأغلبية مطلقة وشبه إجماع في بعض فقراته (باستثناء قاضيي أوغندا وإسرائيل) والدعم الدولي الجارف له (باستثناء الولايات المتحدة)، وهو ما يضع “إسرائيل” وجيشها تحت المجهر، ويراقبها من منظور القانون الدولي وليس “الإسرائيلي”.

أقدمت “إسرائيل” في رد فعل على قرار المحكمة على نشر ادعاءات ضد عاملين أفراد في منظمة الغوث الدولية “الأونروا” تتهمهم فيها ب(الاشتراك في أحداث السابع من أكتوبر)، وهو ما دفع عدد من الدول إلى وقف تمويلها “بشكل مؤقت للأونروا”، دون التحقق من هذه الاتهامات، أو وجود إدانات قضائية، الأمر الذي بات يهدد حياة ملايين اللاجئين ممن يستفيدون من خدماتها في أكثر من منطقة، وليس في غزة فقط.

الضغط الداخلي على الحكومة يصل إلى “الكابينيت”:

شكّلت مناسبة مرور مائة يوم على أحداث السابع من أكثوبر (عملية طوفان الأقصى) ذروة الاحتجاجات التي تقودها عائلات الأسرى “الإسرائيليين” في غزة ضد سياسة الحكومة، وعجزها عن استعادتهم أو الذهاب إلى صفقة تضمن تحريرهم أحياء، حيث شارك في الاعتصام الذي استمر 24 ساعة في “تل ابيب” في الرابع عشر من يناير قرابة 300 إلف محتج، من بينهم الوزير وعضو “الكابينيت” المصغّر “بيني جانتس”، وأُلقيت كلمات لرئيس الدولة “حاييم هرتسوج”، ورئيس المعارضة “يائير لبيد”، وعشرات الفنانيين والمؤثرين وقادة أجهزة الأمن السابقين.

قررت العائلات تصعيد احتجاجاتها في الأيام التالية للمظاهرة الضحمة، والتوجه إلى القدس للاعتصام أمام منزل “نتنياهو”، وإغلاق طرق في القدس و”تل ابيب”، كما اعترضت لمدة أربعة أيام وصول شاحنات المساعدات إلى غزة عبر معبر “كرم ابو سالم”، وهو ما دفع جيش الاحتلال إلى اعتبار منطقة المعبر منطقة عسكرية مغلقة لضمان مرور قوافل المساعدات ومنع العائلات من الوصول إليه.

تصريحات الوزير وعضو “الكابينيت” المصغر “جادي ايزنكوت” لبرنامج التحقيقات الشهير الذي تبثه القناة 12 (عوفداه)، والتي عبّر فيها عن قناعته أن “الصفقة هي الخيار الأمثل لتحرير الأسرى” وأن القيادة مطالبة “أن تتوقف عن الكذب على الجمهور”، إلى جانب مشاركة “بيني جانتس” في المظاهرات المطالبة بعقد صفقة لتحرير الأسرى ال136 المتبقين في قبضة المقاومة في غزة منذ السابع من أكتوبر، مثلت التعبير الأبرز لحجم الخلافات داخل “الكابينيت”.

لم تقتصر الخلافات على الأحزاب الأخرى، بل امتدت إلى حزب “الليكود” (بين وزير الأمن يؤاف جالنت ونتنياهو)، ووصلت إلى مرحلة التهديد (بتدخل وحدات من الجيش)، وهو ما يدلل على الطبيعة الشعبوية والشخصية التي يدير “نتنياهو” بها حربه على غزة.

يشير تصاعد هذه الخلافات وتمددها في الشارع، ورفع شعارات تدعو إلى إسقاط الحكومة، واقتراح رئيس المعارضة “لبيد” حجب الثقة عن الحكومة، إلى أنّ الجبهة الداخلية غير مستقرة، وأنّ الثقة في “نتنياهو” وطريقة إدارته للحرب بلغت أدنى مستوياتها، حتى بات هناك حراك يطالب بانتخابات مبكرة واستقالة “نتنياهو”، لكن حتى وإن  نجحت الحكومة في الصمود خلال فترة الحرب، واستطاع “نتنياهو” أن يحافظ على ائتلافه، فإنّ تقديرات الخبراء تشير إلى أنها سوف تنهار وتسقط فور إعلان وقف إطلاق النار في غزة، وأن مصيرها أصبح مرتبطاً باستمرار الحرب، حيث يتضح من مشهد الحراك الداخلي “الإسرائيلي” أن “نتنياهو” يسعى إلى تحقيق توازن في المشهد حتى لا يبدو ضعيفًا ومحاصرًا، فطبق تكتيك حراك شارع مقابل شارع، بمعنى أنه ردّ على الحراك الذي يعطي استعادة الأسرى أولوية، بحراك يطالب باستمرار الحرب.

استمرار تراجع اليمين في الاستطلاعات، وخططه لليوم التالي للحرب:

شارك في “مؤتمر  النصر” الذي عقد في 28 من الشهر الحالي أحد عشر وزيراً يمينياً، وخمسة عشر عضو كنيست، إلى جانب عشرات الجمعيات والمؤسسات الاستيطانية وآلاف النشطاء، بهدف تعزيز التوجه بالعودة إلى الإستيطان في غزة وشمال الضفة، تخلل المؤتمر الحاشد الذي عُقِد في القدس كلمات دعت إلى ترحيل الفلسطينيين والسيطرة على الأرض، واعتبر أنّ مفهومه للنصر يتجسد  في ” الاستيلاء والسيطرة على الأرض”، و عودة الاستيطان إلى كل بقعة يحتلها جيش الاحتلال، كونه “الضمانة لأمن اسرائيل”.

على الرغم من طروحات اليمين المتطرفة،الّا أنها  لم تسعفه في إستعادة شعبيته في استطلاعات الرأي العام التي لا زالت تتنبأ له ولزعيمه “بنيامين نتنياهو” بخسارة كبيرة في الانتخابات المقبلة، حيث أشار آخر استطلاع للرأي العام “الإسرائيلي” أُجري في الأسبوع الأخير من شهر كانون الثاني\يناير، ونشرته صحيفتا (يديعود أحرونوت ومعاريف) إلى استمرار التراجع في شعبية وتأييد أحزاب اليمين: (اضمحلال حزب الصهيونية الدينية برئاسة “بتسلئيل سموتريتش” وعدم تجاوزه نسبة الحسم)، وتقلص قوة “بن غفير” مقابل حفاظ حزب الدولة (بيني جانتس) على تفوقه، وبقاء حزب “الليكود” دون العشرين مقعدًا (32 مقعدا اليوم)، وهو ما يشير إلى عدم قدرة تكتل أحزاب اليمين على العودة إلى الحكم  في حال أُجريت الانتخابات في هذه الأثناء (40 مقعدًا فقط مقابل 64 في حوزتها الآن).

كما بيَّن استطلاع أجرته صحيفة “معاريف” بلوغ رئيس حزب “معسكر الدولة ” “بيني جانتس” ذروة تقدمه على رئيس الحكومة “بينيامين نتنياهو”، حيث سيحصل على 40 مقعدًا مقابل 16 مقعداً لحزب “الليكود” الذي يرأسه “نتنياهو”، فيما سيحصل معسكر المعارضة الحالية على 71 مقعداً مقابل 44 مقعدًا لليمين. وأشارت الصحيفة إلى أنّ هذا الصعود الكبير سببه  مقتل 21 جنديًا في ضربة واحدة في غزة، والجمود في ملف المفاوضات من أجل التوصل إلى صفقة تبادل أسرى، وفتور الروح القتالية”، في ضوء عدم إحراز تقدم في تحقيق أهداف الحرب على غزة.

يتضح مما تشير إليه الاستطلاعات أنّ مصير حكم اليمين بات محسوماً، ليس بسبب إدارة “نتنياهو” للحرب، وتجاهله لمطالبات عائلات الأسرى فقط، بل بسبب علاقته السيئة مع الإدارة الأمريكية، وعدم قدرة ائتلافه اليميني المتطرف في المضي قدمًا في مشاريع كبيرة مستقبلية تعدها الولايات المتحدة للمنطقة في (اليوم التالي للحرب).

إنّ هذا التراجع المتواتر الذي يسير بمنحى هابط بثبات منذ أحداث السابع من أكتوبر، يجعل أطراف اليمين يتمسكون بالحكومة، ويسابقون الزمن لفرض وقائع على الأرض، واختلاق الذرائع من أجل استمرار القتال لأطول فترة ممكنة، وهو ما بدأت تدركه الولايات المتحدة والنخب السياسية والأمنية في “إسرائيل”.

التصعيد في الضفة وتحذيرات من فتح جبهة ثالثة:

شهدت الضفة الغربية وتحديدًا مخيمات اللاجئين في جنين وطولكرم وبلاطه والدهيشة، تصعيدًا مستمرًا وهجمات “إسرائيلية” متواصلة، رافقتها اقتحامات وعمليات تجريف واسعة للبنية التحتية، إلى جانب عمليات تجريف واعتقالات وتنكيل بالمدنيين، حيث كانت ذروة هذه الموجة المتواصلة من التصعيد في مخيم طولكرم، الذي اجتاحته قوات الاحتلال وفرضت عليه حصاراً خانقاً لمدة ثلاثة أيام، ارتقى خلالها سبعة شهداء  وعدد كبير من الجرحى والأسرى.

دفعت الاعتداءات المتواصلة من قبل قوات الاحتلال وحملات الاعتقالات اليومية ومداهمة المدن والمخيمات والتنكيل بالمواطنين على الحواجز التي تقطع طرق الضفة، جهاز الأمن العام “الإسرائيلي” “الشاباك” إلى إطلاق تحذيرات وصفت “بالآنية والاستراتيجية” من إمكانية تفجر الأوضاع في الضفة و”انضمام عناصر من الأمن الفلسطيني” لهذه المواجهات، كما حذّر وزير الأمن “الإسرائيلي” “يؤاف جالنت” هو الآخر من خطورة الأوضاع في الضفة، والخشية من تفجر موجة مواجهات وعمليات على نطاق واسع.

من جهة أخرى، أدى قرار وزير المالية “الإسرائيلي” “بتسليل سموتريتش” عدم تحويل الأموال الخاصة بقطاع غزة، من أموال الضرائب التي تجبيها “إسرائيل” إلى تفاقم الأزمة المعيشية في الضفة الغربية، وعدم تمكن السلطة الفلسطينية من الإيفاء بالتزامتها المالية تجاه موظفيها، حيث إنه بعد ضغط أمريكي متواصل، وتوصيات متكررة من منظومة الأمن “الإسرائيلية”، أقرّ “الكابينيت” الأمني والسياسي “الإسرائيلي” آلية جديدة (21-1-2024) اقترحتها الولايات المتحدة، تسمح بتحويل أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية، بعد اقتطاع النسبة المحولة إلى قطاع غزة وإيداعها لدى دولة ثالثة (النرويج) إلى أن تنتهي الحرب”وتتبين طبيعة الجهة التي ستشرف على إدارة القطاع”، وهو ما سمح بعودة الاتصالات بين الرئيس الأمريكي ورئيس الحكومة “الإسرائيلية”، وخفف من حدة التحذيرات التي تطلقها منظومة الأمن “الإسرائيلية”.

يشكك الكثيرون في قدرة هذا الإجراء (تحويل أموال المقاصة مجتزأة) على فكفكة الحالة المعقدة في الضفة، والتي تتأثر بعوامل متعلقة بسياسات الاحتلال اليومية العدوانية، وغياب الأفق السياسي، مضافاً إليها الأزمة المعيشية، كما أنه من غير المأمول أن تساعد في تقوية السلطة الفلسطينية ، التي عاد وزير الأمن “جالنت” وشدد على أنها “مصلحة استراتيجية لإسرائيل”.

من جهة أخرى أقدمت “اسرائيل” على اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشيخ صالح العاروري عبر استهداف مكتب كان يتواجد فيه في قلب العاصمة اللبنانية بيروت في 2 كانون الثاني يناير 2024، حيث نسبت وسائل إعلام “إسرائيلية” اغتيال العاروري إلى “إسرائيل” بسبب دوره البارزة في قيادة المقاومة، وخاصة في الضفة الغربية، بالإضافة إلى دوره المحوري مع مكونات محور المقاومة، وكونه اللاعب الرئيس في ساحة الضفة، وحلقة وصل رئيسة بين مكونات محور المقاومة وساحاتها المختلفة.

قد يساهم تأثير اغتيال العاروري في تأجيج حالة التصعيد في الضفة كونة ينتمي إليها، وكان المسؤول عنها في المكتب السياسي، وبسبب ثقله العاطفي والسياسي لدى سكانها. لكن لا يرجح أن يكون لهذا الاغتيال (على أهمية دور العاروري) أثر مباشر على حالة القتال وصمود جبهة المقاومة، أو على مواقف حركة حماس، وهذا ما تراه “إسرائيل”، ويرى الكثير من المحللين أنّ سياسة الاغتيالات حققت “نتائج محدودة تاريخيًا” في التأثير على سياسات حركة المقاومة وردعها، بل ذهب البعض إلى أنّ النتائج كانت عكسية في الكثير من الأحيان، وحل مكان الشخص الذي تم اغتياله أشخاص أكثر تشددًا منه (نصر الله عندما حل مكان الشهيد موسوي).

تصاعد التوتر مع الإدارة الأمريكية:

سادت قطيعة استمرت قرابة الشهر بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الحكومة “الإسرائيلية” “بنيامين نتنياهو”، بالتزامن مع استمرار الحرب على غزة واقترابها من دخول شهرها الخامس، بسبب “مماطلة الأخير في الانتقال إلى المرحلة الثالثة من القتال في غزة، وعدم تجاوبه مع الرغبة الأمريكية في بحث استحقاقات (اليوم التالي للحرب)، وعدم تحويل أموال الضرائب التي تجبيها “إسرائيل” لصالح السلطة الفلسطينية (أموال المقاصة)، حيث عكست هذه القطيعة التي انتهت في 24 من الشهر الماضي، حدة الخلافات والتناقض في التصريحات بين الإدارة الأمريكية وحكومة “نتنياهو”، والتي بلغت ذروتها في إعلان الرئيس الأمريكي أنه غير مستعد لـــ”دعم حرب تستمر عامًا كاملاً” على غزة، وسط جهود ووساطات وجولات تقودها الولايات المتحدة لتطويق الحرب وإجراء صفقة تبادل، وتقارير تحدثت عن بحث الإدارة الأمريكية “إبطاء إرسال السلاح لإسرائيل” من أجل الضغط عليها للتجاوب مع تصوراتها المتعلقة بالحرب على غزة ومستقبل الصراع.

ترى الولايات المتحدة في الحرب على غزة أنها فرصة لإعادة ترتيبب المنطقة، بما يخدم مصالحها ويخفف من حدة التوتر، خاصة إذا ما تم (إنهاء حكم حماس للقطاع وتجريدها من سلاحها)، وهو ما يمكن أن يفتح الباب لعودة السلطة (المتجددة)، ودمجها في مسار تطبيع إقليمي واسع، لكن العقبة الكبرى التي تواجه هذا المشروع هو ارتهان رئيس الحكومة “الإسرائيلية” “بنيامين نتنياهو” لحكومة يمينية متطرفة، وعدم قدرته على المضي قدمًا في خطوات موازية لهذا المسار (تجاه الفلسطينيين).

في المقابل يبدو أنّ الخلافات بين “بايدن” و”نتنياهو” تتجاوز تفاصيل الحرب، وما يدلل على ذلك التسريبات التي تحدثت عن “نقاش في البيت الأبيض لليوم التالي لنتنياهو” والرغبة الأمريكية في استبدال حكومته.

الخاتمة:

تكشف هذه التطورات “الإسرائيلية”: السياسية والعسكرية والأمنية، الداخلية والخارجية، أنّنا أمام مشهد مستمر من التصعيد قابل للأستمرار في الشهر القادم، ما لم يحدث اختراق حقيقي في موضوع تبادل الأسرى، أو تطورات أكبر متعلقة في التصعيد على الجبهة الشمالية (حزب الله).

إنّ الحرب على قطاع غزة تترك انعكاساتها العميقة والمباشرة على الساحة الداخلية “الإسرائيلية” وعلى الإقليم والساحة الدولية، دون أن نتجاهل الساحة الحزبية والداخلية والاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يجعلنا أمام مرحلة حاسمة وحساسة قد تشهد تطورات كبرى باتجاه التصعيد أو التهدئة، ولكل واحد من هذه الخيارات تداعياته الشاملة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى