ملفات وقضاياشؤون إسرائيلية

المشهد “الإسرائيلي”: أبريل/ نيسان 2024

ساهر غزاوي1

لتنزيل التقرير

شهد شهر نيسان 2024 جملة أحداث “إسرائيلية” في شتى المجالات على مختلف الأصعدة الأمنية والسياسية، إذ تدخل الحرب “الإسرائيلية” على قطاع غزة الشهر السابع إثر عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها كتائب القسام في السابع من أُكتوبر 2023، وسط تنامي التحذيرات “الإسرائيلية” من تداعيات الحرب التي بدأت تُلقي بظلالها على المشهد “الإسرائيلي” على الصعيد الداخلي والخارجي، فلأول مرة تتعرضت “إسرائيل” لهجوم إيراني مباشر، إلى جانب مواصلة المقاومة في اليمن إطلاق مسيرات وصواريخ باتجاه “إسرائيل”، ومواصلة المقاومة الفلسطينية واللبنانية في الجنوب اللبناني إشعال الجبهة الشمالية، فيما لا يزال الجيش “الإسرائيلي” يتكبد خسائر مادية وبشرية كبيرة في صفوفه على جبهة غزة، ووفق أحدث معطيات الجيش “الإسرائيلي”، فقد قُتل من عناصره 606 عسكريين منذ بداية الحرب، بينهم 261 سقطوا منذ بداية الهجوم البري على القطاع، وارتفعت حصيلة إصابات الجيش وفق المصدر ذاته إلى 3 آلاف و310 عسكريين منذ بداية الحرب، بينها 513 إصابة حرجة.

  • رؤى “إسرائيلية” مضطربة تجاه حرب غزة:

يتصاعد الخلاف داخل الحكومة “الإسرائيلية” حول الأولويات في هذه المرحلة من الحرب، إذ يرى الجنرالات السابقون متمثلين بـ”المعسكر الوطني” أنّ اتفاق تبادل الأسرى يمثل أولوية قصوى، فقد طرح رئيس المعارضة “الإسرائيلي” “يائير لابيد” رؤيته للتعامل مع الحرب المستمرة على قطاع غزة، مشددًا على وجود ثماني قضايا كان سينفذها بصورة مختلفة لإنقاذ ما وصفها بـ”حالة الاضطراب” التي تعيشها الحكومة برئاسة “بنيامين نتنياهو”، وذكر “لابيد” في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” العبرية، أنّ “عقد صفقة لتحرير الأسرى هو المهمة الأكثر إلحاحًا، ولكن هناك أمور كثيرة يجب القيام بها، من بينها طرح خطة لليوم التالي في قطاع غزة، وتحديد موعد لعودة من أخلو منازلهم إلى مستوطناتهم في الشمال، وتشكيل حكومة مختلفة، وأوضح أنّ الحكومة الحالية توجد في حالة اضطراب، وليس لها سياسة يمكن لأي أحد فهمها، ولا تملك رؤية خاصة، ودعا “لابيد” إلى التوصل لاتفاق مع مصر على محور فيلادلفيا ومعبر رفح، من أجل أن تتمكن “إسرائيل” في المستقبل من العمل في هذا المعبر، كما دعا للبدء في النقاش حول “اليوم التالي” في قطاع غزة مع السعودية ودولة الإمارات والولايات المتحدة، ومع السلطة الفلسطينية أيضًا، والتي لن تكون جزءًا من ترتيبات الأمن في غزة، بل فقط جزءًا من الجهاز المدني لإدارة القطاع، على حد قوله.

في المقابل، يصر أنصار اليمين واليمين المتطرف على التوغل في رفح، رغم التحذيرات الدولية من الهجوم على المدينة التي تضيق بالنازحين الذين لجؤوا إليها هربًا من القصف “الإسرائيلي” في أماكن أخرى، ويلوح وزيرا المالية “بتسلئيل سموتريتش” والأمن القومي “إيتمار بن غفير” بإسقاط الحكومة إذا ما جرى إبرام صفقة تبادل أسرى تؤدي إلى إرجاء العملية العسكرية في رفح، ويرون أنّ شروطها تشكّل استسلاما لحركة حماس، علمًا بأنّ انسحاب حزبي “الصهيونية الدينية” و”عوتسما يهوديت” سيؤدي إلى تفكيك الائتلاف وحل الحكومة.

نُقل عن مسؤول “إسرائيلي” أنّ الجيش سيواصل استعداداته لعملية اجتياح رفح، حتى لو تم الاتفاق على صفقة للأسرى، وأكد المسؤول أنّ “الاستعدادات متواصلة لاجتياح رفح، وأنّ أيّ اتفاق إذا تم التوصل إليه، فإنّ “إسرائيل” لن تتخلى عن أهداف الحرب التي تتلخص في سعيها إلى القضاء على حركة حماس وإطلاق سراح الأسرى “الإسرائيليين” وضمان عدم تكرار ما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي في الأراضي المحتلة، ويظهر من تصريح “نتنياهو” الأخير، الذي يصرّ على مواصلة حربه في غزة رغم الضغوط داخليًا وخارجيًا، أن فرص التوصل لاتفاق تبادل الأسرى ضئيلة للغاية، ويشدد على أنّ الجيش “الإسرائيلي” سيشنّ هجومًا بريًا على رفح “مع أو بدون” هدنة مع حركة حماس في قطاع غزة.

موازاة لذلك، بدأت تتبلور في أوساط عدد كبير من المحللين والمراسلين الصحافيين “الإسرائيليين” السياسيين والعسكريين فئة تحمل شعار: يجب قول الحقيقة إلى الجمهور العريض، وتنطوي كلمة الحقيقة على مدلولات ومعان كثيرة، خاصة بعد مرور أكثر من نصف عام على الحرب. حيث تركز هذه الفئة على تفنيد الأكاذيب التي تروّجها الدعاية “الإسرائيلية” الرسمية، لا سيما التي يبثها الجيش، وترى أيضًا أنّ هناك فشلًا “إسرائيليًا” مطبقًا في تحقيق أهدافها المعلنة، فالأسرى والرهائن “الإسرائيليون” بأغلبيتهم لم يعودوا، ولم تُهزم حركة حماس، ولم يتم العثور على حل يُبعد عناصر حزب الله عن الحدود الشمالية، ولا يزال عشرات الآلاف من “الإسرائيليين” من سكان الشمال والجنوب نازحون في بلدهم.

• موجة استقالات واسعة في الجيش “الإسرائيلي”:

أثارت استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية التابعة لجيش الاحتلال المعروفة اختصارًا بالعبرية باسم “أمان”، اللواء “أهارون هاليفا” من منصبه، على خلفية الفشل في كشف هجوم “طوفان الأقصى” أصداءً واسعة في الشارع “الإسرائيلي”، وتُعد هذه أول استقالة رسمية لقائد رفيع في جيش الاحتلال، حيث أكّد “هاليفا” في رسالته تحمله المسؤولية عن الحرب التي اندلعت منذ “يوم الهجوم” في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وأعلن على أثرها قائد المنطقة الوسطى في الجيش “الإسرائيلي” اللواء “يهودا فوكس” اعتزامه الاستقالة من منصبه في آب/ أغسطس المقبل، لتكون استقالته المرتقبة هي الثانية من نوعها خلال ساعات لقائد كبير في الجيش “الإسرائيلي”.

رأت وسائل إعلام “إسرائيلية” أنّ استقالة “أهارون هاليفا” ليست كافية، ودعت إلى الاستبدال الفوري للقيادة السياسية والأمنية والعسكرية “الإسرائيلية”، في خطوة واحدة على الطريق نحو مراجعة الذات الوطنية المطلوبة على حد قولهم. كما توقعت وسائل إعلام “إسرائيلية” أن تجر استقالة “هاليفا” سلسلة من الاستقالات في قيادة الجيش “الإسرائيلي”، وذلك خلال الأسابيع المقبلة، أو بعد صدور التحقيقات الداخلية في الجيش، المتوقعة خلال الصيف المقبل، ومن بين القيادات المتوقع أن تقدم استقالتها رئيس الأركان “هرتسي هاليفي” ونائبه “أمير برعام”، إلى جانب قائد فرقة غزة “أفي روزينفلد”، وقائد المنطقة الجنوبية “يارون فينكلمان”.

في سياق التعيينات في الجيش “الإسرائيلي”، فإن استقالة “هاليفا”، من شأنها التسبب في صراعات ومأزق في الجيش، خاصّة وأنّ استقالته جاءت بعد أن تحمل مسؤولية شخصية عن إخفاق 7 أكتوبر، ويتعين على رئيس أركان الجيش “هليفي” أن يعين خلفًا له، لكن “هليفي” نفسه هو أحد المسؤولين عن إخفاق 7 أكتوبر، بالإضافة إلى أنّ هناك من يرى أنّ تعيين قائد مؤقت لـ”أمان” سيكون غير سليم، لأنّ “جميع المرشحين المحتملين من رؤساء “أمان” السابقين موبوؤون بالتوجهات نفسها التي أدّت لإخفاق 7 أكتوبر”، بيد أنّ الادعاء المركزي ضد استقالات الضباط المذكورين هو أنه يتعين على رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو” ووزير الأمن “يوآف غالانت” أن يدفعا الثمن، واستقالة الضباط ستمنعانهما من تحمل المسؤولية، بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت”.

أظهر استطلاع نشرته صحيفة “معاريف” أنّ أغلبية مؤلفة من 63% من “الإسرائيليين” يعتقدون أنه بعد استقالة “أهارون هاليفا” من منصبه بسبب إخفاق 7 أكتوبر، حان الوقت كي تستقيل بقية قيادة الجيش “الإسرائيلي”، وأن تتحمل المسؤولية عن الإخفاق الأمني، وذلك على وقع تواصل المطالبات بمحاسبة المسؤولين العسكريين والسياسيين عن الفشل في الكشف عن هجوم “طوفان الأقصى”، وعلى وقع إبلاغ  30 ضابطًا وجنديًا “إسرائيليًا” من قوات الاحتياط قادتهم رفضهم الانصياع لأوامر الاستعداد لعملية في رفح لأنهم لا يستطيعون القتال أكثر.

يشير ما تقدم إلى ارتفاع مستوى الاستنزاف في قوة الاحتياط “الإسرائيلية” بعد أشهر من القتال في غزة، ويشير كذلك إلى أنه لا تزال عملية “طوفان الأقصى” وارتداداتها العميقة على المشهد “الإسرائيلي” تتسبب في النزيف على الجبهة الداخلية كما هو حال الجبهات الأخرى، وهو ما يكشف حجم التصدع في الجيش “الإسرائيلي” وتراجع ثقة “الإسرائيليين” بالنصر “الموعود” في الحرب، لا سيّما وأنّ استطلاع رأي نشرته صحيفة “معاريف” مؤخرًا يؤكد أنّ غالبية ساحقة من “الإسرائيليين” غير راضين عن نتائج الحرب في قطاع غزة، بينما نسبة الراضين لا تتجاوز 29 بالمئة فقط.

  • تفاعلات “إسرائيلية” حول ملف الأسرى والمحتجزين:  

شهد الأسبوع الأخير من شهر نيسان تطورًا كبيرًا في الاحتجاجات “الإسرائيلية” المطالبة بإجراء انتخابات جديدة وإسقاط حكومة “نتنياهو”، والمطالبة بإجراء صفقة تبادل فورية من أجل الإفراج عن الأسرى المحتجزين في غزة، فبعد نشر كتائب القسام مشاهد لأسيرين لديها مساء السبت (27/4/2024)، باعتباره أول علامة تدل على حياتهما،  شهدت الأوساط “الإسرائيلية” ما يمكن اعتباره صدمة واسعة، وجدت طريقها عبر وسائل الإعلام المختلفة، على اعتبار أنّ ما ورد جزء من الرعب النفسي الذي تمارسه حماس على “إسرائيل”.

دعت عائلات الأسرى والمحتجزين “الإسرائيليين” في غزة الحكومة “الإسرائيلية” إلى إنهاء الحرب ودفع الثمن مقابل إعادة المختطفين، فيما تجددت الاحتجاجات في “تل أبيب” ومواقع وبلدات “إسرائيلية” أخرى ضد حكومة “نتنياهو”، وخاطبت عائلات الأسرى الحكومة “الإسرائيلية” خلال احتجاجها مقابل مقر وزارة الأمن في “تل أبيب”، بالقول “نصف عام وأنتم تقولون لنا إنّ الضغط العسكري سيؤدي إلى إطلاق سراح المختطفين، وهذا المفهوم فشل”، مضيفة “إذا كانت الطريق الوحيدة للتوصل إلى صفقة تبادل أسرى هي إنهاء الحرب، وافقوا على دفع الثمن وإنهاء الحرب من أجل إعادة المختطفين”، وتابعت “على دولة “إسرائيل” أن تختار إما المختطفين أو الحرب، الدخول إلى رفح سيؤدي إلى مقتل المزيد من المختطفين أو إلى موتهم بنيران الحرب، والدخول إلى رفح هو التخلي مرة أخرى عن مصير المختطفين، وعلى إسرائيل الالتزام بأن تختار عودة المختطفين”.

في سياق ذلك، توجهت عائلات الأسرى “الإسرائيليين” لقائد حماس في غزة يحيى السنوار وطالبته بالموافقة على الصفقة، وطالبت مجلس الحرب بالموافقة على أيّة صفقة، حيث إنّ “الوقت قد حان للأفعال ونتمنى على الحكومة أن تتخذ قرارات أخلاقية، حيث إنه في عهد هذه الحكومة حصل إخفاق غير مسبوق، ولهذا فعلى عاتقها إعادة المخطوفين”، وعلى ضوء هذه الضغوطات قال رئيس المعارضة، “يائير لابيد”: “إن كنا أمام خياري وقف الحرب أم صفقة التبادل، فعلينا أن نختار وقف الحرب”. في المقابل قال الوزير في “كابينيت الحرب” “الإسرائيلي” “بيني غانتس” إنه في حال منعت الحكومة “الإسرائيلية” إبرام صفقة جديدة لإعادة المحتجزين “الإسرائيليين”، فلا يحق لها البقاء في الحكم.

ترى التحليلات “الإسرائيلية” أنه في ملف الأسرى والمحتجزين لم يختلف السلوك “الإسرائيلي” في التعاطي مع هذه القضية كثيرًا عن بداية الحرب، لكن العديد من التفاعلات “الإسرائيلية” الداخلية زادت من إلحاح هذا الملف الذي تحول حراكه في الشارع إلى ملف ضاغط على الحكومة في اتخاذ القرارات، لا سيّما قرار المضي قدمًا في الحرب وتنفيذ عملية عسكرية في رفح،  كما أنّ هذه العملية قد تحمل مخاطر حقيقية على حياة هؤلاء، بالتالي، قد يؤدي مقتلهم جميعهم أو بعضهم إلى عواقب وانفجارات داخلية في المستقبل القريب والبعيد، خاصة أنه بات من الواضح أنّ حسابات بعض المسؤولين ومن بينهم “نتنياهو” حالت دون التوصل لصفقة لاستعادتهم حتى الآن.

  • المشهد الانتخابي “الإسرائيلي” في ظل الحرب:

اختتم “الكنيست الإسرائيلي” في الأسبوع الأول من شهر نيسان، دورته الشتوية في ظل الحرب المستمرّة على قطاع غزة، وحالة وأنظمة الطوارئ الثانية، التي تعلنها “إسرائيل” خلال 76 عامًا. انعكست هذه الأجواء على الأجواء البرلمانية، وأدت إلى انعدام صوت المعارضة من الكتل الصهيونية، في كل ما يتعلق بالحرب وقوانين الطوارئ، التي منها ما هو غير مسبوق، وعلى الرغم من أنّ “بنيامين نتنياهو” يتمتع بائتلاف متماسك لا يهدد استمرارية حكومته، فإنه سعى من خلال توسيع الائتلاف في فترة الحرب إلى بث رسالة سياسية للعالم والشارع “الإسرائيلي”، وعلى الرغم من ما نشاهده من جدل سياسي صاخب حول قانون تجنيد شبان “الحريديم”، خاصة في الآونة الأخيرة، فإن الائتلاف الأساس الذي يرتكز على 64 نائبًا ما زال متماسكًا، إذ إنّ تلاقي المصالح فيه يمنع تفككه. رغم ذلك، أظهر استطلاع للرأي أنّ “المعسكر الوطني” بزعامة “بيني غانتس” يحافظ على شعبيته التي تزايدت في أعقاب انضمامه إلى حكومة الطوارئ “الإسرائيلية” في ظل الحرب على غزة، ويتصدر انتخابات تُجرى اليوم، على حساب “الليكود” برئاسة “بنيامين نتنياهو”، وأهم ما يلفت الانتباه في هذا الاستطلاع هو أنّ أكثر من ثلثي “الإسرائيليين” (68% بالتحديد) لا يصدقون وعود رئيس حكومة بلادهم “بنيامين نتنياهو” بأنّ “إسرائيل” على بُعد خطوة واحدة فقط من “الانتصار” على حركة حماس في غزة، كما أنّ ثلثا “الإسرائيليين” (63%) تقريبًا يؤيدون إجراء انتخابات مبكرة، 33% يريدون إجراء انتخابات مبكرة فورًا، في حين يعتقد 33% من العينة أنه يجب إجراء الانتخابات نهاية عام 2024، أما الثلث الأخير المتبقي فيعتقد أنّ الانتخابات يجب أن تجرى في موعدها المحدد، وهو تشرين الأول/ أكتوبر 2026، أي بعد عامين ونصف العام من الآن تقريبًا.

• تفاقم متزايد للأزمة الاقتصادية:

تدل المؤشرات الاقتصادية في “إسرائيل” على تفاقم التضخم المالي واستفحال عجز الموازنة، وقد دلّ مؤشر التضخم المالي في شهر آذار الماضي المعلن عنه في نيسان، أنّ التضخم عاد إلى وتيرة الارتفاع، وقد يتجاوز توقعات التضخم الرسمية، وكذا بالنسبة للعجز في الموازنة العامة، الذي بلغ حتى نهاية العام نسبة 6.2% من حجم الناتج العام، وهو بات قريبًا جدًا من الحد الأقصى الذي تتوقعه ميزانية العام الجاري، وقالت وزارة المالية “الإسرائيلية” إنّ الدَين العام “الإسرائيلي” زاد بنسبة 8.7% عن العام الماضي، ووصل إلى 1.13 تريليون شيكل، مدعومًا جزئيًا بارتفاع التضخم وأسعار الفائدة، ولم تتغير نسبة خدمة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي عند 2.4%، وعند خفض التصنيف الائتماني لـ “إسرائيل” إلى A2، أشارت وكالة “موديز” إلى المخاطر السياسية والمالية المادية بسبب الحرب على غزة.

كشفت المالية “الإسرائيلية” أنّ الحرب على غزة ضاعفت ديون “إسرائيل” في عام 2023، وسط تسجيل انخفاض في البورصة “الإسرائيلية” وتراجع لقيمة الشيكل مقابل الدولار، يأتي ذلك فيما ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 0.6%، على الرغم من تقارير تتحدث عن انتعاش حالي في الاستهلاك العام، وتراجع البطالة إلى نسبة أقل مما كانت عليه عشية شن الحرب على قطاع غزة، وكانت الهيئة العامة لل”كنيست” قد منحت قبل شهر موافقتها النهائية على الموازنة المعدلة لعام 2024، التي أضافت عشرات المليارات من الشواكل لتمويل الحرب المستمرة منذ أكثر من نصف سنة على غزة، مع إنفاق إضافي على الدفاع وتعويضات للأسر والشركات المتضررة من الحرب، وأفاد تقرير أنّ 30.7% من “الإسرائيليين” وضعهم الاقتصادي تدهور مقارنة بالعام الماضي، وبين التقرير أنّ دخل 14.9% من الأسرة تضرر بشكل كبير منذ اندلاع الحرب، وخصوصًا سكان الجنوب والشمال الذين تم إجلاؤهم من منازلهم في الحرب.

يتضح من ذلك أنّ المشاكل الاقتصادية في تفاقم متزايد، حتى أنها وصلت إلى صحن الأكل، كما كشف تقرير أنّ ثلث “الإسرائيليين” وعائلاتهم سيضطرون لخفض نفقاتهم على الطعام في الفصح العبري، فيما يحذر خبراء الاقتصاد ومؤسسات وجهات دولية من أنّ التصعيد العسكري، خاصة أمام لبنان وإيران، قد يؤدي إلى تعميق الأزمة، وأمام كل هذا قرر بنك “إسرائيل” إبقاء الفائدة البنكية عند مستواها المرتفع نسبيًا، كما أنّ التخوفات “الإسرائيلية” من قرار تركيا حظر صادرات إلى “إسرائيل”، التي تُعد ضربة لقطاع البناء وتعزز احتمال انضمام دول أخرى إلى العقوبات، ليست بعيدة عن تفاقم المشاكل الاقتصادية وتداعيتها على المشهد “الإسرائيلي”.

  • آثار الحرب على الأحوال الصحية والنفسية:

كشف استطلاع حديث للرأي أنّ معظم “الإسرائيليين” يرون أنّ صحتهم الجسدية والعقلية باتت أسوأ مما كانت عليه قبل السابع من تشرين الأول /أكتوبر الماضي. وأظهرت نتائج الاستطلاع أنّ معظم “الإسرائيليين” ينظرون إلى صحتهم الجسدية والعقلية على أنها أسوأ الآن مما كانت عليه قبل الحرب، حيث إنّ 61 بالمئة من الجمهور “الإسرائيلي” اعتبروا أنّ صحتهم العامة جيدة جدًا أو ممتازة، فيما يشير الاستطلاع الجديد إلى أنّ النسبة انخفضت إلى 46 بالمئة، ويقيس الاستطلاع الحالة الصحية التي أبلغ عنها المستوطنون بعد 6 أشهر من الحرب ويقارنها بالبيانات التي تم جمعها في وقت سابق من عام 2023، وفي الاستطلاع الخاص بالأشخاص الذين تم إجلاؤهم من الجنوب والشمال، يتضح أنّ الوضع أكثر صعوبة في هذا المجال أيضًا، إذ شهد 43.2% من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم تدهورا في حالتهم الصحية مقارنة بالفترة التي سبقت الحرب، وأفاد 66.5% عن تدهور حالتهم النفسية، وعلى صعيد مواز كشفت مداولات لجنة رقابة الدولة البرلمانية أنّ نحو 50 شخصًا من الذين شهدوا هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر خلال مشاركتهم في “مهرجان نوفا” الموسيقي قرب “رعيم” أقدموا على الانتحار بسبب التداعيات على صحتهم النفسية، مع الإشارة إلى إمكانية ارتفاعه خلال هذه الفترة، حيث إنّ هناك العديد من الأشخاص الذين أُدخلو قسرًا إلى المشافي، في ظل أوضاعهم الصحية الصعبة، وتوضح هذه المعطيات أنّ الحالة النفسية لل”إسرائيليين” منذ السابع من أكتوبر تسوء يومًا بعد يوم نتيجة لتداعيات الحرب المستمرة منذ سبعة أشهر.

  • الهجوم الإيراني على “إسرائيل”:

تناولت التحليلات “الإسرائيلية” تداعيات أحداث ليلة الثالث عشر والرابع عشر من نيسان 2024، التي قامت فيها إيران لأول مرة بشنّ هجوم مباشر من أراضيها ضد “إسرائيل”، اشتمل على نحو 120 صاروخًا باليستيًّا، و36 صاروخ كروز مجنح، و170 طائرة مسيّرة، ردًّا على استهداف طائرات “إسرائيلية في 1 نيسان/ أبريل 2024 القنصلية الإيرانية في دمشق، ما أدى إلى مقتل سبعة ضباط من الحرس الثوري الإيراني، بمن فيهم مسؤول فيلق القدس في سورية ولبنان محمد رضا زاهدي.

تشكل داخل المؤسستين السياسية والعسكرية الإسرائيلية حول الرد “الإسرائيلي” واعتباراته إجماع على ضرورة الرد على الهجوم الإيراني، بالرغم من معارضة الولايات المتحدة، التي وفرت درعًا جويًّا اعترض معظم الصواريخ والطائرات الإيرانية التي استهدفت “إسرائيل”، ونفذت “إسرائيل” فجر 19 نيسان/ أبريل 2024 هجومًا محدودًا أصاب رادارًا إيرانيًّا بالقرب من مدينة أصفهان، من دون أن تتبناه رسميًّا.

يرى محللون “إسرائيليون” أنّ هجوم إيران حطّم سياسة الردع “الإسرائيلي” في المنطقة، وتسبب في أضرار كبيرة في منظومة الدفاع، على اعتبار أنّ الإيرانيين فقدوا إحساسهم بالخوف، ومن الآن فصاعدًا، إيران ضد “إسرائيل” في العلن، في حين هاجم زعيم المعارضة “لابيد” تصرفات حكومة “نتنياهو”، مؤكدًا أنها أصبحت تشكل تهديدًا وجوديا للكيان “الإسرائيلي”، قائلا: “لقد حطموا الردع “الإسرائيلي” وأعداؤنا ينظرون إلى هذه الحكومة ويشمون رائحة الضعف” في إشارة إلى مقولة شهيرة لرئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو”.

على جانب آخر، كشفت وسائل إعلام عبرية عن طلب السعودية والإمارات من الولايات المتحدة تعزيز دوريهما في التحالف الإقليمي ضد إيران في حال أرادت واشنطن زيادة دعمهما في المنطقة،  وذكرت أنّ الدولتين الخليجيتين بعثتا برسالة إلى إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” مفادها أنّ تعزيز التحالف الدفاعي الإقليمي ضد إيران مشروط بتقديم ضمانات لأمنهم من قبل الولايات المتحدة “تماما كما أعطيتم إسرائيل”، فيما أشارت وسائل إعلام عبرية أخرى إلى أنه عقب الهجوم الإيراني على “إسرائيل” تجدد الأمل بالتطبيع مع السعودية، حيث أن الولايات المتحدة تعتقد بشدة بإمكانية التوصل إلى اتفاق تطبيع العلاقات بين الاحتلال “الإسرائيلي” والسعودية، وذلك في ظل تواصل العدوان على قطاع غزة.

جاء الهجوم الإيراني المعلن مسبقًا والمحسوب في فترة تعيش فيها “إسرائيل” حالة ارتباك استراتيجي نتيجةً لاستمرار تورطها في حرب الإبادة التي تشنها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من دون أن تحقق أهدافها المعلنة، ويبدو أنّ الرد “الإسرائيلي” المحدود، وعدم تبني “إسرائيل” رسميًّا له، قد أنهى “الجولة” الحالية من الضربات المباشرة المتبادلة بين “إسرائيل” وإيران، وتفضّل حكومة نتنياهو في هذه المرحلة فرض مزيد من العزلة والعقوبات على إيران، وإعادة بناء تحالف دولي ضدها، وزيادة التنسيق مع الولايات المتحدة لمواجهة المشروع النووي الإيراني، والإسراع في بناء القوة العسكرية “الإسرائيلية” التي تعزز الخيار العسكري ضد المشروع النووي الإيراني في حال الحاجة إليه.

  • مخاوف “إسرائيلية” من مذكرات اعتقال دولية:

تزداد المخاوف “الإسرائيلية” من سيناريو إصدار مذكرات قضائية بحق القيادتين السياسية والعسكرية “الإسرائيليتين” من قِبل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وتدرس الحكومة “الإسرائيلية” بقلق احتمال إصدار مذكرات اعتقال دولية ضد رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو” ووزير الأمن “يوآف غالانت” ورئيس هيئة أركان الجيش “هرتسي هليفي”، وتعمل “إسرائيل” بالتنسيق مع الولايات المتحدة لتجنب مثل هذا السيناريو، في حين أجرى “نتنياهو” اتصالات مكثفة خاصة مع واشنطن لمنع صدور مذكرة اعتقال بحقه من الجنائية الدولية، ويحاول “نتنياهو” بشكل غير مباشر الضغط على الرئيس الأميركي جو بايدن للتحرك بهذا الخصوص، على اعتبار أنّ هناك اعتقادا بأن صدور مذكرة الاعتقال مسألة وقت.

من المرجح أن يتم إصدار مذكرات الاعتقال على خلفية الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، بالإضافة إلى تصريحات دول مختلفة بشأن انتهاك “إسرائيل” للقانون الدولي فيما يتعلق بأوضاع السكان المدنيين في غزة، وانتهاكات اتفاقية جنيف الرابعة، وفي الوقت الذي أعلن فيه محققون من الجنائية الدولية بالحصول على شهادات من غزة حول جرائم حرب ارتكبها الاحتلال، أفاد تقرير “إسرائيلي” بأن سيناتورات ونواب في مجلسي الكونغرس الأميركي، يخططون لاتخاذ خطوات ضد المحكمة لمنعها من إصدار مذكرات اعتقال ضد مسؤولين “إسرائيليين”، وعلى ضوء ذلك، أصدر وزير الخارجية “الإسرائيلي” “يسرائيل كاتس” تعليماته إلى السفارات “الإسرائيلية” في جميع أنحاء العالم بزيادة الأمن حول المؤسسات اليهودية، والاستعداد لتفشي العنف، نظرًا لإمكانية إصدار  محكمة لاهاي أوامر اعتقال ضد كبار المسؤولين “الإسرائيليين”.

يتضح وفقًا لتقارير “إسرائيلية” أنّ هناك علاقة مباشرة بين مفاوضات التبادل والتهديد بمذكرات اعتقال دولية ضد قادة “إسرائيل”، ووفقا لتحليلات “إسرائيلية” فإن الليونة “الإسرائيلية” الكبيرة ليست معزولة عن التهديد المرعب ضد المسؤولين، وعلى رأسهم “نتنياهو” بشأن إمكانية إصدار المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي “كريم خان” مذكرات اعتقال دولية ضدهم، وهذه خطوة غير مسبوقة ولها دلالات إستراتيجية وشخصية كبيرة جدا، وتضيف أنه حتى لو لم يكن الأمران مرتبطان ببعضهما مباشرة، فلا شك أنّ مذكرات الاعتقال هي محفز قوي جدًا، بكل ما يتعلق ب”بنيامين نتنياهو” خصوصًا، على ليونة “إسرائيلية” حيال موضوع المخطوفين، وكذلك حيال الاستعداد “الإسرائيلي” لبحث إمكانية وقف القتال لأمد طويل، وهذه صياغات باتت “إسرائيل” مستعدة لبحثها الآن، بحسب التحليلات “الإسرائيلية”.  

  • احتجاجات أكاديمية دولية ضد الجرائم الإسرائيلية:

شهد شهر نيسان ازديادًا كبيرًا في الاحتجاجات الدولية المناهضة لجرائم الاحتلال “الإسرائيلي”، والمطالبة بوقف حرب الإبادة في قطاع غزة، والتي بدأت تأخذ طابعًا أكثر تأثيرًا وتنظيمًا وتحديدًا في صفوف الطلبة والأكاديميين في الجامعات الأميركية والأوروبية، ومرشحة لمزيد من التصعيد على الرغم من كل عمليات القمع التي يتعرضون لها، وهو الأمر الذي ولّد ردة فعل “إسرائيلية” رسمية غاضبة وقلقة دعت إلى قمع هذه الحراكات واتهمتها بـ “معاداة السامية“.

تتواصل في حرم العديد من الجامعات الأوروبية والأميركية، ومن بينها أرقى الجامعات في العالم، مظاهرات واحتجاجات ضد “إسرائيل” بسبب الحرب على غزة والجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين. وتصاعدت التوترات في جامعة “كولومبيا” في نيويورك بين المتظاهرين الداعمين للقضية الفلسطينية وإدارة الجامعة، وتعتبر جامعة “كولومبيا” في نيويورك نقطة انطلاق شرارة التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، قبل انتشارها على نطاق واسع في جامعات الولايات المتحدة.

في سياق ذلك، سلطت صحيفة “هآرتس” الضوء على أنّ “إسرائيل” تواجه مقاطعة أكاديمية عالمية غير مسبوقة بسبب الحرب على غزة، وعلى طرد علمائها من المجموعات البحثية العالمية، وإنهاء التعاون معهم، ورفض مقالاتهم وأبحاثهم، وكذلك إلغاء مشاركتهم بالمحاضرات والمؤتمرات الأكاديمية بالجامعات حول العالم، واعتمد تقرير “هآرتس” على إفادة 60 باحثًا “إسرائيليًا” تحدثوا عن تعرضهم للمقاطعة والطرد من المجموعات البحثية العالمية منذ اندلاع الحرب على غزة.

تزداد المخاوف “الإسرائيلية” من احتجاجات الطلبة في جامعات العالم، إلى حد وصفها مثل كرة ثلج متدحرجة قد تؤدي إلى مقاطعة أكاديمية عالمية شاملة لـ “إسرائيل”، ويبدو أنّ الأكاديمية “الإسرائيلية” قد تدخل وضعًا جديدًا فيما يتعلق بالمشاركة بمؤتمرات أو جمع تمويل للبحث أو نشر مقالات التي تعتمد بشكل كامل على العلاقات الدولية، وتلخص صحيفة “هآرتس” هذه المقاطعة بالقول: “هذا ليس الوقت المناسب لدعوة محاضرين من “إسرائيل”.. نواجه مقاطعة غير مسبوقة”، ويشير تزايد الاحتجاجات الدولية المناهضة للاحتلال “الإسرائيلي” إلى أنّ هناك تآكلًا غير مسبوق في شرعية “إسرائيل” وحربها الإبادية على غزة.

الخاتمة:

تعيش “إسرائيل” حالة ارتباك استراتيجي نتيجة لاستمرار تورطها في حرب الإبادة التي تشنها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، في ظل تزايد أجواء الإحباط في “إسرائيل” جراء تعثر الجيش في تحقيق “الأهداف الاستراتيجية الكبرى”، خاصة وأنّ المواجهة العسكرية مع حزب الله اللبناني مستمرة منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ولا تبدو في الأفق إمكانية لوقف هذه المواجهة إلّا إذا أوقفت “إسرائيل” حربها على قطاع غزة، وعلى المستوى “الإسرائيلي” الداخلي، فإنّ التباينات في أولويات الحرب بين أقطاب الحكومة والمجتمع آخذة في التوسع والتعمق، وهو ما يُلقي بظلاله على زيادة حدة التصدعات والانقسامات الداخلية، وعلى المزاج العام في “إسرائيل”، وعلى الثقة بالمؤسستين الأمنية والعسكرية وقدرتها على تحقيق “الانتصار”، وهو ما يزيد من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والنفسية المترتبة على المشهد “الإسرائيلي”. 

[1] باحث في القضايا السياسية  من الناصرة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى