المشهد الإسرائيلي أبريل/نيسان 2022
د. عدنان أبو عامر
لتحميل التقرير اضغط هنا
- مقدمة
شهد شهر أبريل المنصرم جملةً من التطورات السياسية والعسكرية والأمنية المتلاحقة، داخليًا وخارجيًا، تركت تأثيراتها المختلفة على الواقع السياسي “الإسرائيلي”، وأفسحت المجال لتسليط الضوء أكثر على الواقع الميداني في دولة الاحتلال، وعلاقاتها البينية الداخلية والخارجية؛ الإقليمية والدولية منها على حد سواء، مع العلم أن جملًة من هذه الأحداث قد لا تتوقف تبعاتها عند شهر أبريل الماضي، بل ستترك آثارها على شهر مايو، سواء ما تعلق منها بالتطورات الداخلية الخاصة بالتجاذبات السياسية والحزبية أو الخارجية الخاصة بحرب أوكرانيا والملف الإيراني وسواهما من الأحداث.
- أحداث الأقصى
شهدت دولة الاحتلال خلال شهر أبريل الذي تزامن مع شهر رمضان المبارك، وأعياد الفصح اليهودية، جملة أحداث أمنية وميدانية كانت كفيلة بقلب الطاولة، والدخول في مواجهة عسكرية حامية الوطيس، على غرار معركة سيف القدس 2021، لولا تدارك الأمر في اللحظات الأخيرة، سواء بفعل إصرار المرابطين على عدم مغادرة المسجد الأقصى، أو تهديد المقاومة بالرد على أي اقتحام أو ذبح القرابين أو تنظيم مسيرة الأعلام، ومن جهة ثالثة خشية حكومة الاحتلال من انفراط عقدها من خلال كبح جماح المستوطنين؛ الذين تبدى لها أنهم ينفذون أجندة خاصة بزعيم المعارضة نتنياهو، الذي يتربص بالحكومة.
لم يعد سراً أن أحداث الأقصى جعلت دولة الاحتلال تتصدر عناوين الأخبار المحلية والإقليمية والدولية، حتى أوشكت أن تشهد انقلابًا سياسيًا واسع النطاق، وذلك من خلال دخول المقاومة على خط هذه الأحداث، ونشوب مواجهة عسكرية جديدة مع غزة، وما كان سيتضمنه ذلك من تأثير فوري على الحلبة السياسية والحزبية “الإسرائيلية”، إلا أن الأمور استُدركت في اللحظات الأخيرة، دون أن يعني ذلك أن الأمور قد طُويت صفحتها بصورة نهائية، بل إن التقديرات تذهب باتجاه أننا عشية موجة جديدة من التوتر الأمني.
تشير إعادة النظر في الإجراءات الأمنية “الإسرائيلية” التي اتخذت في الأيام الأخيرة إلى حالة من التغذية الراجعة لأحداث رمضان 2021، فالجيش والشرطة أظهرا حذرًا لافتًا في عدم إفساح المجال أمام المستوطنين لتنفيذ أجنداتهم الدينية والحزبية، كما حدث في رمضان الماضي، رغم أن حجم الحشود الاستيطانية هذه المرة جاءت أضعاف العام الماضي، لكن ما استجد هذه المرة عاملان مهمان، الأول ظهور المقاومة بأنها جادة في تنفيذ تهديداتها؛ وصولًا لاندلاع حرب واسعة النطاق مع الاحتلال، وتكرار حرب غزة الماضية، والعامل الثاني هو خشية حكومة الاحتلال الهشة أصلًا، وربما سار هذان العاملان في اتجاهين متعاكسين، لكنهما في النهاية خدما هدفًا واحدًا هو التهدئة وعدم انفجار الموقف.
تمثل انقضاء شهر أبريل بهدوء نسبي في العلاقات الفلسطينية “الإسرائيلية”، لاسيما مناطق التوتر في المسجد الأقصى والضفة الغربية، قابل ذلك توتر داخل الساحة “الإسرائيلية”، خاصة عقب استقالة رئيس الائتلاف الحكومي “عيديت سيلمان”، والإعلان عن عضو آخر منشق في الائتلاف هو “عميحاي شيكلي”، وكلاهما من أعضاء حزب “يمينا”، حيث اتهما الحكومة القائمة بالتساهل أمام الفلسطينيين، فيما اندلعت مظاهرات واسعة للمعارضة اليمينية، التي اعتبرت أن الحكومة حرمت اليهود من حقهم المزعوم في أداء الطقوس الدينية والصلوات التلمودية.
- زيارة “بايدن”
شكل إعلان الرئيس الأمريكي “جو بايدن” عن نيته زيارة دولة الاحتلال قريبًا، فرصة لدى الأوساط السياسية والدبلوماسية لبحث خفايا هذا التوجه لديه، مع العلم أن الإعلان الأمريكي عن نية زيارة تل أبيب جاء بصورة غير معتادة، لأنه لم يحدَد موعد لها، رغم أن توقيت الزيارات الرئاسية ليس من قبيل الصدفة، ولكن يفترض أن تكون في منتصف الصيف، وتحديدا في أواسط يونيو؛ مع أن كل زيارة يقوم بها رئيس الولايات المتحدة “لإسرائيل” تتطلب سلسلة كاملة من الاستعدادات تستغرق وقتا وأسابيع، وأحيانا شهورا، وتشمل قائمة بالمواقع التي سيزورها، وما سيقوله في كل مكان؛ وفي أي المواقع سيرافقه رئيس الوزراء “الإسرائيلي”، وأيها لن يرافقه، بالإضافة إلى جداول وترتيبات أمنية، وصياغة الإعلان الموجز، وإطار المؤتمر الصحفي المشترك.
تعتمد زيارة “بايدن” “لإسرائيل” إلى حد كبير على قدرة رئيس الحكومة “نفتالي بينيت” على الحفاظ على ائتلافه الفضفاض، وفي حال استمر هذا التحالف في البقاء، فإن الزيارة ستمنح “بينيت” وحكومته دفعة كبيرة، وإذا لم ينجح، وذهبت “إسرائيل” إلى جولة أخرى من الانتخابات المبكرة، فلن تكون الزيارة، لأنها حينئذ ستُعتبر محاولة من “بايدن” للتدخل فيها.
أعلن زعيم المعارضة “بنيامين نتنياهو” عدة مرات أنه يعرف “بايدن” منذ 40 عامًا، وأنه صديق له، لكن ليس سراً أن الأخير يفضل أن تستمر سيطرة الائتلاف الحالي على الوضع السياسي في “إسرائيل”، ولا يريد أن يعود “نتنياهو” إلى السلطة؛ بسبب التجربة السيئة في علاقاتهما، على خلفية الاتفاق النووي مع إيران في 2015، حين انتقد بشدة الرئيس السابق “باراك أوباما”، وكان “بايدن” نائبه حينها، مما أثار خلافًا حاداً مع الحزب الديموقراطي ويهود الولايات المتحدة.
زار “بايدن” سابقًا دولة الاحتلال بصفته نائب رئيس، في مارس 2010 وفي مارس 2016، في الزيارة الأولى غضب بصورة شديدة لأنها تزامنت مع إعلان حكومة الاحتلال عن بناء 1600 شقة في القدس المحتلة، بينما ترى الولايات المتحدة شرقي القدس وما حولها منطقة محتلة قابلة للتفاوض، ورأى “بايدن” في الإعلان استفزازًا موجهًا إليه مباشرة.
إن زيارة “بايدن” إلى “تل أبيب” قد تهدف إلى التأثير على الرأي العام “الإسرائيلي”، وبالتالي تعتبر أداة للدبلوماسية العامة، وفي حال جرت الزيارة فسوف يرافقه مئات الصحفيين الذين يكتبون، معظمهم على الهواء مباشرة، عن كل خطوة يتخذها، وفي بعض الأحيان يقوم موظفو الرئيس بتسريب المعلومات بقصد نقل الرسائل للجمهور “الإسرائيلي”.
يدرك “الإسرائيليون” جيدًا أن زيارة “بايدن” القادمة لها مغزى سياسي داخلي، لا يقل أهمية عن الجوانب الخارجية والدولية؛ ففي نوفمبر القادم ستجرى الانتخابات النصفية لمجلسي الشيوخ والنواب في الولايات المتحدة، في الوقت الذي يعد فيه وضع “بايدن” والديمقراطيين ليس جيدًا، حيث تبلغ نسبة شعبيته 40٪ فقط، على غرار شعبية “ترامب” في ذلك الوقت، وهذه درجة غير كافية، مما قد يجعله بحاجة لدعم اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، من خلال زيارته إلى “تل أبيب”.
تتداول الأوساط “الإسرائيلية” نظرية مفادها أن فشلًا كبيرًا في انتخابات “الكونغرس” المقبلة قد يؤثر على الانتخابات الرئاسية 2024، وبالتالي فإن “بايدن” لديه اهتمام كبير بزيارة “إسرائيل” قبل شهرين من الانتخابات النصفية؛ لتعزيز دعم الديمقراطيين.
- اغتيال سياسي
شهدت الساحة السياسية والحزبية “الإسرائيلية” في الأسبوع الأخير من أبريل جملة تطورات هامة وخطيرة، تمثلت في إرسال رسالتي تهديد إلى عائلة رئيس الحكومة “نفتالي بينيت” بالاغتيال، وهي الحادثة الأولى من نوعها منذ اغتيال رئيس الحكومة الراحل “إسحق رابين” في 1995، وفي ظل حالة من الاستقطاب السياسي الحاد الذي أوصل الحلبة “الإسرائيلية” إلى مستوى من التحريض المتبادل بين مختلف مكونات الساحة الحزبية.
في الوقت ذاته، زعم عضو “الكنيست” اليمين المتطرف “إيتمار بن غفير” الذي تصدر التحريض على اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، وتنظيم مسيرة الأعلام في ساحاته، أن أحد فلسطينيي48 وجه له رسالة عبر الفيسبوك بالقتل، وكل عائلته، مع العلم أن “ابن غفير” ذاته، وجه اتهامات غير مسبوقة إلى رئيس جهاز الأمن العام – الشاباك، “رونين بار”، بالتقصير والخضوع أمام الفلسطينيين، لاسيما في أحداث الأقصى، الأمر الذي استنفر المؤسسة السياسية “الإسرائيلية” لمهاجمة “ابن غفير”، والدفاع عن “رونين بار”، سواء رئيس الحكومة “نفتالي بينيت” أو وزيري الحرب “بيني غانتس”، والخارجية “يائير لابيد”.
تشير كل هذه الأحداث إلى أن الساحة السياسية والحزبية “الإسرائيلية” قد تكون عشية تطور خطير، يتمثل في وقوع اغتيال سياسي جديد باتجاه رئيس الحكومة، الذي يعتبره اليمين المتطرف بأنه “خان” مبادئه الصهيونية؛ لصالح الوصول إلى منصبه هذا، وبكل ثمن؛ الأمر الذي يعيد إلى الأذهان الأجواء التي شهدها “الإسرائيليون” عشية اغتيال “رابين” عقب التوقيع على اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين، واتهامه بالتنازل أمامهم، وفي النهاية وصل الأمر باليميني المتطرف “يغآل عمير” إلى اغتيال “رابين” في ذروة مجده السياسي.
يواجه “بينيت” اليوم اتهامات مشابهة، مع فرق جوهري عن “رابين”، يتمثل في وجود زعيم معارضة قوي هو “نتنياهو”، الذي يسعى بكل ثقله إلى إسقاط الحكومة القائمة، ويرى أن “بينيت” قد حل محله في غفلة من الزمن، من خلال إيجاد تحالف متناقض تم تتويجه من خلال جلب القائمة العربية الموحدة، كي تشكل شبكة أمان برلمانية لها.
إن ما يزيد من خطورة التهديدات “الإسرائيلية” الداخلية بتنفيذ اغتيال جديد، أن حجم الاستقطاب قطع أشواطًا بعيدة، لاسيما في ضوء ارتفاع حدة الخطاب الصهيوني بشقيه الديني والقومي، سواء من قبل تيار الحاخامات المتطرفين، ممن يقودون أحزاب “شاس”، “ديغل هاتوراه”، “يهودات ها ىتوراه”، “أغودات يسرائيل”، الذين يدعمون خطاب العداء للفلسطينيين، ويزيدون حدة تحريضهم عليهم، أو تيار القوميين الذين يتزعمهم مجموعة السياسيين من أحزاب “الليكود، الصهيونية الدينية”، أمام التيار يمين الوسط الذي يقود الحكومة من أحزاب “يمينا، يوجد مستقبل، أمل جديد، يسرائيل بيتنا”.
- العلاقة مع الأردن
شهدت عمان دوناً عن باقي العواصم العربية، سلسلة زيارات ومباحثات مكثفة مع دولة الاحتلال خلال شهر أبريل، تركزت في بحث الأوضاع داخل المسجد الأقصى، والخشية المشتركة من تدهور الظروف فيها، مع تهديد المستوطنين بتكثيف اقتحاماتهم لساحاته.
زار “عومر بار-ليف” وزير الأمن الداخلي “الإسرائيلي” الأردن سراً، وبحث تعزيز دائرة الأوقاف في الأقصى، فيما اتصل رئيس الحكومة “نفتالي بينيت” بملك الأردن، وشكره على إدانته للهجمات الفلسطينية، وناقشا إيجاد تهدئة شاملة في الأقصى، كما التقى الأخير برئيس دولة الاحتلال “يتسحاق هرتسوغ”، وبحثا إقامة مخزون إقليمي لاحتياطي المواد الغذائية والقمح، بسبب حرب أوكرانيا، وكذلك اجتمع وزير الحرب “بيني غانتس” بملك الأردن؛ للحفاظ على الهدوء في القدس خلال رمضان، ثم استدعى الأردن السفير “الإسرائيلي” لديه احتجاجا على التصعيد في الأقصى.
شكلت هذه الزيارات “الإسرائيلية” إلى الأردن حرصًا لا تخطئه العين على المضي قدمًا في ترميم علاقاتهما بعد ما مرت به من تدهور واضح في حقبة رئيس الحكومة السابق “بنيامين نتنياهو”، التي امتدت اثني عشر عاما، ووصلت إلى ما يشبه القطيعة السياسية مع الملك، رغم استمرار التنسيق الأمني على أشده بينهما، في حين وضعت الحكومة الحالية برئاسة “نفتالي بينيت” على جدول أعمالها، محاولة ترميم هذه العلاقة، وإصلاح العطب الذي لحق بها، من خلال سلسلة الاتصالات والزيارات والمباحثات التي تجري بين عمان و”تل أبيب” على نار ساخنة، لكن ما شهده شهر أبريل من زيارات مكثفة من “تل أبيب” باتجاه عمان جاء انطلاقا من التقدير “الإسرائيلي” بأن أي تدهور في الأوضاع الأمنية داخل المسجد الأقصى، سيلقي بظلاله السلبية على ظروف المملكة داخلياً، على اعتبار أن ما تعرف بـ”الوصاية الهاشمية” على مقدسات القدس والأقصى، إنما تعتبر واحدًا من المداميك الهامة لاستقرار العرش الملكي في الداخل، وبالتالي فإن أي عبث فيها يعني الإضرار بهذا الاستقرار، ميدانياً من خلال تكثيف عمليات الاقتحام من قبل المستوطنين للأقصى، بما يهدد دور الأوقاف الأردنية، أو سياسيًا عبر “مزاحمة” دول عربية أخرى مطبعة مع الاحتلال لأخذ حيز في الإشراف على تلك المقدسات، وتحديدًا الإمارات والسعودية..
بدا العامل الأمني ظاهرا بصورة لافتة في الاتصالات الأردنية “الإسرائيلية” الأخيرة خلال شهر أبريل، سواء من خلال اضطلاع وزيري الأمن الداخلي والحرب فيها، أو التنسيق الخفي بين أجهزة أمن الجانبين للحيلولة دون خروج الأمور عن السيطرة في الأقصى، وقد تمثل ذلك في منح الأوقاف الأردنية صلاحيات إضافية داخل الأقصى، بما لا يتعارض مع “السيادة الإسرائيلية” المزعومة، فضلًا عن تبادل المعلومات بينهما، وإضافة السلطة الفلسطينية إليهما؛ لإبعاد العناصر “المعادية” الناشطة داخل الأقصى، والكفيلة بتحويل المواجهات فيه إلى حالة من الديمومة والاستمرار.
- الخاتمة
من الواضح أن جملة الأحداث السياسية والأمنية “الإسرائيلية” خلال شهر أبريل طغى عليها الجانب الميداني، مما ترك تأثيراته المباشرة على الواقع السياسي والحزبي؛ بسبب تشابك التطورات وتعقيداتها، في ضوء أن السلوك “الإسرائيلي” الخارجي لابد وأن يترم نتائجه المباشرة وغير المباشرة على الحراك الداخلي فيها.
إن سيطرة عدد من الملفات الواردة أعلاه على المشهد “الإسرائيلي” خلال أبريل يحمل دلالات مهمة بأن الحدث الفلسطيني لا زال يحوز على الأهمية الغالبة على التطورات “الإسرائيلية”، وهو أمر لا يترك انطباعات إيجابية عند الاحتلال، لأنه تأمل وتوقع أن يُقفزعن القضية الفلسطينية في زحمة عمليات التطبيع الجارية، والحرب الأوكرانية الروسية، لكن تطورات الشهر الماضي، وتحديدًا في ساحات الأقصى، أثبتت خطأ التقديرات “الإسرائيلية”، بل أكدت أن القضية الفلسطينية هي مفتاح الاستقرار والتوتر في المنطقة، ولن يكون متاحًا للاحتلال تخطيها، والقفز عنها تحت أي ظرف.