المشهد “الإسرائيلي”:فبراير/شباط 2024

ساهر غزاوي

 شهد شهر شباط 2024 جملة أحداث “إسرائيلية” في شتى المجالات على مختلف الأصعدة الأمنية والسياسية، في ظل استمرار وتصاعد الحرب “الإسرائيلية” على قطاع غزة، مع دخولها الشهر الخامس إثر عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها كتائب القسام في السابع من أُكتوبر 2023، مع استمرار جيش الاحتلال بارتكاب مجازره التي خلفت مئات الشهداء خلال الشهر، في وقت تخوض فيه المقاومة الفلسطينية معارك ضارية معه شمال القطاع وجنوبه، إلى جانب تصعيد تدريجي مع حزب الله اللبناني، في ظل مخاوف من اشتعال حرب واسعة النطاق في الجبهة الشمالية.

يَظهر المشهد “الإسرائيلي” من خلال تسلسل الأحداث، متصدعًا سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، بسبب تداعيات هذه الحرب التي بدأت تتسع رقعتها وتزيد من التآكل “الإسرائيلي” الداخلي، نتيجة تخبط الحكومة “الإسرائيلية” في إدارة الملفات المتعلقة بأمن وأمان المجتمع “الإسرائيلي”، وذلك في ظل إصرار رئيس الحكومة “الإسرائيلية” “بنيامين نتنياهو” على “تحقيق النصر عبر إنجازات تكتيكية” من دون سياسة استراتيجية بعيدة المدى مع غياب أي مخرج من هذه الأزمة في الوقت الراهن.

  • تحذيرات من الانفجار في رمضان:

تناولت النقاشات والتحليلات “الإسرائيلية” تداعيات الإجراءات المنتظرة من طرف الحكومة “الإسرائيلية” بحق المصلين في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، محذرين في الوقت نفسه من أن تُنفتح الجبهة التي يخشى الجميع اندلاعها، والتي باتت أكثر قابلية للانفجار وتوحيد كل الساحات الفلسطينية، خاصة وأنّ المسجد الأقصى “صاعق تفجير معروف”، ووفقًا للإعلام “الإسرائيلي” فإنّ الأردن قلقة جدًا من القيود التي تخطط “إسرائيل” لفرضها على المصلين المسلمين في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، كما أنّ التحذير الأردني ل”إسرائيل” وُضع أمام عدد كبير من الهيئات الدولية، لكونها صاحبة الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس، وأيضًا بموجب اتفاقية السلام بين الأردن و”إسرائيل”، وحذروا أيضًا من أنّ كل الأوضاع تتجه نحو السخونة، لا سيّما الضغط المتراكم في الضفة الغربية، إلى جانب الأزمة الاقتصادية الصعبة في ظل توقف العمال الفلسطينيين عن العمل في “إسرائيل”، بالإضافة إلى عدم تحصيل السلطة الفلسطينية لعائدات الضرائب الفلسطينية التي تحتجزها “إسرائيل”.

حظيت هذه التحذيرات باهتمام الإعلام “الإسرائيلي”، في أعقاب مطالبة وزير الأمن القومي “الإسرائيلي” “إيتمار بن غفير” بمنع الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية المحتلة من دخول “إسرائيل” بشكل عام بأي حال من الأحوال، وتشديده على ضرورة منعهم من دخول المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، خلافًا لموقف جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، الذي حذر رئيسه، “رونين بار” من خطر تصاعد الصراع بين “إسرائيل” وحركة حماس إلى حرب دينية إذا فُرضت قيود على الوصول إلى المسجد الأقصى للفلسطينيين في الداخل المحتل خلال شهر رمضان، وشدد “بار” على أنه يمكن أن تقوض الجهود الرامية إلى حصر الصراع بين “إسرائيل” وحماس، مما يهدد بتحويله إلى حرب بين اليهود والمسلمين، وحض “الشاباك” حكومة “نتنياهو” على اتخاذ قرار بشأن فرض قيود على الصلاة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، وقال إنّ ذلك يؤدي إلى اضطرابات يمكن تجنبها.

حظيت اقتراحات الوزير “بن غفير””بمباركة نتنياهو، فيما جاء موقف الشرطة “الإسرائيلية” داعمًا للسماح بدخول الفلسطينيين من سكان الضفة ممن تزيد أعمارهم عن 60 عامًا، وعن 45 عاما لفلسطيني الداخل المحتل، من ناحية أخرى، ادعى وزير الأمن “الإسرائيلي” “يوآف غالانت” أنّ الهدف الرئيس لحماس هو استغلال شهر رمضان، مع التركيز على المسجد الأقصى والقدس، وتحويله إلى مرحلة ثانية من خطتها التي بدأت في 7 أكتوبر، وهذا هو الهدف الرئيسي لحماس، الذي يتم (تعزيزه) من خلال إيران وحزب الله.

قرر “كابينيت الحرب” سحب الصلاحيات الأمنية من “بن غفير” حول المسائل المتعلقة بالمسجد الأقصى خلال شهر رمضان، واتخاذ القرارات المتعلقة بهذا الشأن، وذلك في أعقاب التحذيرات التي أطلقها كبار المسؤولين في جهاز الشرطة “الإسرائيلية” وبناء على توصيات الأجهزة الأمنية (الشاباك) من اتباع السياسة التي يدفع بها الوزير “بن غفير” في المسجد الأقصى، ووفقًا لتقارير “إسرائيلية”، فإنّ “كابينيت الحرب” قرر “عدم فرض قيود واسعة على دخول فلسطيني الداخل إلى المسجد الأقصى، بينما ستسمح الشرطة “الإسرائيلية” بداية رمضان دخول نحو 50-60 ألف مصلٍ إلى المسجد الأقصى، على أن يتم يُقَيَّم الوضع لاحقًا.

رؤية إسرائيل لاجتياح محافظة رفح “

تشير التقديرات “الإسرائيلية”، لا سيما الأجهزة الأمنية (الشاباك)، إلى أنّ فرص التصعيد في شهر رمضان كبيرة جدًا، والخطر الأمني ​​الحقيقي الذي سينعكس على المشهد “الإسرائيلي” يكمن في منع أو تقييد دخول المسلمين إلى المسجد الأقصى في شهر رمضان، وتربط هذه التقديرات رؤيتها لتوقعات التصعيد في شهر رمضان مع أحداث “هبّة الكرامة” في مايو/أيار 2021، التي اندلعت نصرة للقدس والمسجد الأقصى، والتي وصلت آثارها إلى العمق “الإسرائيلي” جراء انخراط الفلسطينيين في الداخل في مواجهات 2021، التي تعتبر المواجهة الأبرز لفلسطينيي الداخل مع الكيان “الإسرائيلي”، وتذهب التحذيرات الأمنية إلى أنّ المسجد الأقصى سيوحد المسلمين ضد “إسرائيل” على جانبي الخط الأخضر، وفي الشرق الأوسط بأكمله، وسيضر بالعلاقات الحاسمة خلال الحرب مع “الدول السنية المعتدلة” مثل مصر والأردن، والإمارات العربية المتحدة وقطر، التي كان لبعضهما دور كبير في المفاوضات من أجل تحرير المختطفين وتشكيل حكومة بديلة لحماس في اليوم التالي للحرب.

تصدّرت العملية العسكرية “الإسرائيلية” الواسعة “الموعودة” في محافظة رفح جنوبي قطاع غزة، العناوين الإخبارية والنقاشات السياسية في “إسرائيل”، وسط خلافات داخلية وتساؤل عن التنسيق مع مصر، خصوصًا بعدما صرّح رئيس الحكومة “الإسرائيلية” “بنيامين نتنياهو” في 9 شباط/فبراير الجاري، أنه أمر جيش الاحتلال بالتحضير لهجوم على هذه المحافظة، وتقديم خطة “لإجلاء المدنيين” منها، و”تدمير” حركة حماس وفق تعبيره، مقدّرًا أنه “من المستحيل بلوغ أهداف الحرب من دون تصفية حماس، وترك أربع كتائب لها في رفح”، وهو ما يتطلب “ترحيل المدنيين من مناطق المعارك”، ويقول “نتنياهو” الذي يسعى بهذه العملية لإرضاء اليمين المتطرف، عن رفح: إنها “المعقل الأخير” لحركة حماس، ولا يمكن إبقاؤه من دون التعامل معه، من ناحية أخرى، يؤكد قادة الجيش “الإسرائيلي” أنّ قرار العملية العسكرية بات محسومًا، وينتظر فقط تحديد الخطط العملياتية، على اعتقاد أنّ بإمكانهم إلحاق ضرر كبير بقدرات حماس خلال هذه الفترة، وتمهيد الطريق للمرحلة التالية من القتال تكون أقل حدة.

يربط “نتنياهو” تأخير العملية “الموعودة” في رفح في التوصل إلى صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس، ويدّعي أنه يريد التوصل إلى صفقة تبادل أسرى، وفي حال لم يحصل اتفاق، فستتم العملية على أيّ حال، “ويجب أن تتمّ، لأنّ النصر الكامل هو هدفنا، والنصر الكامل في متناول اليد، ليس بعد أشهر، بل بعد أسابيع، بمجرّد أن نبدأ العمليّة”. كما يقول

يظهر أنّ “إسرائيل” باتت تستعمل التلويح بعملية عسكرية في رفح كعامل ضغط على حماس، بهدف دفعها لقبول اتفاق تهدئة مؤقت، يتيح للجيش إعداد خطة تمهيدًا لتطبيقها لاحقًا، وكذلك ضمان تنسيقها مع مصر، وتحديدًا فيما يتعلّق بالمنطقة الحدودية (محور صلاح الدين / فيلادلفيا)، الذي كان وسيلة رئيسة لتعزيز نفوذ وقوة حماس العسكرية، كما ادعت “إسرائيل” في أكثر من مرة، لا سيّما وأنّ بعض المسؤولين المصريين يعدّون التعامل بشكل أحادي مع محور فيلادلفيا خطًا أحمرًا، ويشكل تهديدًا للأمن القومي المصري، مما قد يعرقل استمرار التعاون بين البلدين، ويمس باتفاقية “كامب ديفيد”، وفي ظل المخاوف المصرية بهذا الشأن، زار كلٌ من رئيس أركان الجيش “الإسرائيلي” ورئيس “الشاباك” مصر سرًا، وبحثا مع المسؤولين المصريين العملية العسكرية التي يعتزم جيش الاحتلال “الإسرائيلي” شنها على رفح، في حين تنخرط الأطراف الفاعلة في الأزمة القائمة بسبب الحرب على قطاع غزة بعد 7 أكتوبر في مفاوضات مستمرة مع “تل أبيب” من أجل التوصل إلى حل يمنع وقوع هذه العملية العسكرية، في ظل تزايد القلق حول مصير رفح التي يتكدّس بها نحو 1.5 مليون شخص، معظمهم نازحون، بسبب العملية البرية التي يُعِدّ لها جيش الاحتلال، والذي لا يتوقف مع ذلك عن قصف المدينة، مع استمرار المعارك أيضًا وسط وشمال القطاع.

في الإطار ذاته، قال الرئيس الأميركي “جو بايدن” إنّ “إسرائيل” وافقت على عدم القيام بأنشطة عسكرية في قطاع غزة خلال شهر رمضان المقبل، في حين كشفت مصادر إعلامية عن موافقة “إسرائيل” على بنود إطار أولي لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية.

  • تعمق الأزمة الداخلية “الإسرائيلية”:

تواصلت في شهر شباط الاحتجاجات “الإسرائيلية” ضد سياسة حكومة نتنياهو في العديد من المواقع والبلدات “الإسرائيلية”، والتي تقودها عائلات الأسرى “الإسرائيليين” في غزة، مطالبة بصفقة تبادل أسرى. ويدَّعي أهالي الأسرى أنّ أبناءهم تُركوا لمصيرهم، والآن تتم التضحية بهم تحت ادّعاء أنّ الحكومة اليمينية أهم منهم، وفي سبيل شعارات عديمة الجدوى من أجل البقاء السياسي لشخص واحد وحكومة واحدة عليلة، مثل “الانتصار المطلق وأهداف حزبية“،  كما تتعرض حكومة “نتنياهو” لانتقادات، خاصة بعد أنّ تسببت قوات الاحتلال في مقتل عدد من المحتجزين، حيث خرج العشرات من أهالي المحتجزين “الإسرائيليين” في غزة بمسيرة من غلاف غزة باتجاه القدس، تستمر لمدة 4 أيام، من أجل الضغط على حكومة “نتنياهو لإبرام صفقة فورية لتبادل الأسرى،

عادت الاحتجاجات في شهر كانون الثاني بعد أن توقفت بسبب الحرب، واستمرت في شهر شباط، حيث تظاهر الآلاف قبالة مقر وزارة الأمن في “تل أبيب”، ووصل المتظاهرون إلى قيسارية، حيث منزل رئيس الحكومة “نتنياهو”، وإلى القدس المحتلة، قبالة منزل الرئيس “الإسرائيلي” “يتسحاق هرتسوغ”، مطالبين بعودة الأسرى “الإسرائيليين” في غزة، وإجراء انتخابات فورية، ما أثار تساؤلات حول مصير الحكومة الحالية، خاصة أنّ ولاية رئيس الوزراء “بنيامين نتانياهو” تمتد إلى عام 2026، غير أنّ الاحتجاجات ضد “نتنياهو” وحكومته هذه المرة أخذت شكلًا آخرًا من التصعيد، بحيث وصل الأمر إلى أن يدعو رئيس حكومة الاحتلال الأسبق “إيهود باراك” إلى السعي للدفع بخلفه “نتنياهو” بكافة الطرق إلى الاستقالة من منصبه ومغادرة الحكومة، داعيًا إلى محاصرة الكنيست بعشرات الآلاف للإطاحة به، إضافة إلى مطالبة رئيس “الهستدروت” أرنون بار ديفيد “نتنياهو” بالاستقالة الفورية، وتوعده باحتجاجات عمالية، ويحمل هذا التصعيد دلالات عدة، أهمها المضي في تعميق الأزمة الداخلية “الإسرائيلية” وتصدعاتها السياسية والاجتماعية، التي من المتوقع أن تتسع نتيجة تخبط الحكومة في إدارة الملفات المدنية، منها ملف التعامل مع الجبهة الداخلية، ليشمل النقاش حول مسؤولية ونتائج الإخفاق الكبير في 7 أكتوبر، في حين لا يُبدي “نتنياهو” أيّة علامات تشير إلى نيّته التنحي عن منصبه أو الاعتراف بمسؤوليته عما حدث، ومنها أيضًا الملف الاقتصادي الذي يعاني من انكماش غير مسبوق، بات ينعكس أكثر على الجمهور العريض، وهذا يظهر في زيادة مديونية العائلات، فيما ستتضاعف ميزانية الجيش في العام المقبل 2025 وحتى العام 2027، عدا عن ميزانية الجيش في العام الجاري، التي ستسجل ذروة غير مسبوقة، ويعود هذا كله إلى تداعيات الحرب على غزة.

• تراجع الثقة في “تحقيق النصر” في الحرب على غزة:

بعد مرور 4 أشهر على الحرب، يعتقد 78% فقط من المجتمع “الإسرائيلي” أنّ الجيش “سينتصر” في الحرب، في تراجع واضح في هذا المعطى، إذ إنّ 92% من المجتمع “الإسرائيلي” كانوا يعتقدون أنّ الجيش سيُحقّق “النصر” في بداية الحرب في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر، وانخفضت إلى 83% في منتصف كانون الأول الماضي، ويُظهر آخر استطلاع الرأي العام “الإسرائيلي” الذي أجراه “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة “تل أبيب” في 4/2/2024، تراجع الثقة بالقدرة على “تحقيق النصر” في الحرب على غزة، ومن ناحية أخرى، أظهرت دراسة جديدة حدوث تراجع كبير في مؤشر المناعة القومية والمجتمعية والشخصية في “إسرائيل” منذ 7 أكتوبر الماضي، وتراجع ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة، حيث انعكس هذا الشعور في مواقف المجتمع “الإسرائيلي”، حسب ما بينت استطلاعات الرأي العام بعد أيام من بداية الحرب، مع ذلك، فإنّ الحرب “الإسرائيلية” على قطاع غزة، منذ يومها الأول، لا تزال تحظى بإجماع واسع النطاق داخل المجتمع “الإسرائيلي” بمختلف تياراته وتوجهاته وفئاته.

من جهة أخرى، تُظهر آخر استطلاعات للرأي “الإسرائيلي” ضعف الائتلاف الحكومي برئاسة “نتنياهو”، وتقدم الجنرال “بيني غانتس، حيث يظهر أنّ نسبة تأييد “غانتس” لرئاسة الحكومة تصل إلى حوالي 50٪، ما يشير إلى مدى تقبل الجمهور لفرضيته كزعيم محتمل، ومن بين ناخبي حزب “يش عتيد”، يرى نحو 88٪ أنّ “غانتس” أكثر ملاءمة من “بنيامين نتنياهو” لشغل المنصب، بينما يصل دعم “نتنياهو” كرئيس حكومة إلى 33٪ فقط، ويعتبر حوالي 22٪ من ناخبي “الليكود” “بيني غانتس” أكثر ملاءمة لرئاسة الحكومة، في المقابل، يبدي حوالي 17٪ من الناخبين عدم تفضيلهم لأيّ منهما لتولي منصب الرئاسة، حيث تعكس هذه الأرقام التوجهات السياسية في “إسرائيل” في ظل الانقسام السياسي بين الائتلاف والمعارضة، وتدلل على عودة النزعة العسكرية في الثقافة “الإسرائيلية” بعد فقدانهم للأمن والأمان في 7 أكتوبر، خاصة وأنّ “بيني غانتس” من ذوي نزعة عسكرية.

  • جدلية التجنيد الإلزامي:

لا يزال يتنامى الجدل في “إسرائيل” حول مشروع قانون التجنيد الجديد، والذي يهدف إلى تغييرات كبيرة في الجيش، في المقابل أثار هذا الجدل صدامًا مع الأحزاب الدينية، وخلافًا داخل الحكومة، وانقسامًا في الرأي العام “الإسرائيلي” إذ يعتزم الجيش “الإسرائيلي” بعد انتهاء الحرب على غزة، تمديد خدمة الجنود الإلزامية إلى ثلاث سنوات للذكور والإناث على حد سواء، وسيتم إضافة خمس سنوات إلى سنوات الإعفاء من خدمة الاحتياط، ليكون 45 عامًا بدلًا من 40 عامًا لغير الضباط، حيث قالت الأحزاب الدينية: إنها لن تدعم الحكومة إذا تقرر تجنيد أفرادها، وقدم الوزيران من حزب “المعسكر الوطني” “بيني غانتس وغادي آيزنكوت”، خطتهما لتجنيد الحريديين في الجيش “الإسرائيلي”، واشترطا دعمهما لجهود الحكومة لتمديد فترة الخدمة العسكرية، بقبول خطتهما التي تسعى إلى زيادة عدد “الإسرائيليين” الذين تم تجنيدهم تدريجيًا على مدار السنوات الـ 10المقبلة.

يعود هذا التغيير إلى ما حصل في الحرب “الإسرائيلية” على غزة، حيث جرى فيها تجنيد أكبر عدد من جنود الخدمة الاحتياطية في تاريخ “إسرائيل”، ووفق تفسيرات هذا القانون، فإنّ الحرب على غزة أحدثت نقصًا ملحوظًا في عدد الضباط والجنود المقاتلين من جيش الاحتياط، فبات الجيش يتضاءل في ظل عدم التجنيد، ويشكل خطرًا على “إسرائيل”، يأتي ذلك فيما يتعين على الحكومة سن قانون للتجنيد، في حين يطالب الحريديون الشركاء في حكومة “بنيامين نتنياهو” بإعفاء طلاب المعاهد التوراتية وخريجي المؤسسات التعليمية الدينية من التجنيد الإلزامي في الجيش، الأمر الذي ترفضه الأحزاب العلمانية، ومن بينها “المعسكر الوطني”، الذي انضم لحكومة الطوارئ في أعقاب اندلاع الحرب على غزة.

وفقًا لتفسيرات الداعمين لهذا القانون، فإنه “دون أعباء متساوية فالاستقرار الأمني لدولة “إسرائيل” في خطر، والحرب الطويلة في غزة تخبرنا عن الحاجة الماسة لتوسيع دوائر التجنيد لتشمل جميع أنحاء “إسرائيل”، من ناحية أخرى، شدد الوزير في “كابينيت” الحرب” “بيني غانتس” أنه على جميع “الإسرائيليين” الخضوع لقانون التجنيد “الإسرائيلي”، وخلافًا لتصريح “غانتس” الذي يقول فيه إنه سيعمل مع وزير الحرب “غالانت” ومع كافة الفصائل وجميع شرائح المجتمع “الإسرائيلي” من أجل تعزيز الخطوط العريضة للخدمة “الإسرائيلية” بموافقة واسعة وفي أسرع وقت ممكن، فإن “غالانت” أكد أنه لن يتقدم بقانون التجنيد دون موافقة جميع أعضاء الائتلاف الحكومي “الإسرائيلي”، ووفقًا لوسائل إعلام “إسرائيلية”، فإن أقوال “غالانت”، بمثابة “قنبلة سياسية“، وتشكل “التهديد السياسي الأكبر” أمام رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو”، واحتمال سقوط حكومته. بناء على ذلك، يمكن القول إنّ جدلية التجنيد الإلزامي أصبحت عنوان أزمة جديدة لمجتمعًا “إسرائيليًا” متعدد التصدعات، سياسيًا واجتماعيًا ودينيًا، وبالتالي ستكون أول انعكاساتها المتوقعة أن تتفكك حكومة الطوارئ بخروج حزب المعسكر الرسمي منها، وأن تجري انتخابات جديدة بعد حركة احتجاج متصاعدة ضدّ الحكومة الحالية برئاسة “نتنياهو”، وأن تفوز المعارضة في الانتخابات، وأن يتم تشكيل حكومة برئاسة “بني غانتس”، أمّا تداعيات هذه الأزمة المستقبلية فستزيد من الأزمات السياسية الداخلية والاقتصادية ومن التآكل “الإسرائيلي” الداخلي الذي سيعرض المشروع الصهيوني لاختبار وجودي في المنطقة.

  •  ضبابية اليوم التالي للحرب:

يكثر الحديث في الآونة الأخيرة، على المستوى السياسي والإعلامي “الإسرائيلي”، تداول مصطلح “اليوم التالي”، الذي يشير إلى تصوّر سياسي “إسرائيلي” لما يسمى ما بعد الحرب على غزة، وبالرغم من دخول الحرب شهرها الخامس، لم تتبلور حتى الآن الرؤية “الإسرائيلية” بشأن “اليوم التالي” لحرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، بل مازال التخبط سيد الموقف، من جهته قدم “نتنياهو” خلال اجتماع “الكابينيت” السياسي–الأمني، وثيقة مبادئ تتعلق بسياسة اليوم التالي للحرب على غزة، تتضمن احتفاظ “إسرائيل” بحرية العمل في كامل قطاع غزة دون حد زمني، كما تتضمن إقامة منطقة آمنية في القطاع متاخمة للبلدات “الإسرائيلية”، وتنص كذلك على إبقاء “إسرائيل” على الإغلاق الجنوبي على الحدود بين غزة ومصر، مع التركيز على محور صلاح الدين “محور فيلادلفيا”، الذي تعتبره مصدرًا رئيسًا لتعزيز نفوذ وقوة حماس العسكرية، وتشتمل الوثيقة أيضًا على بند إغلاق وكالة الأونروا، وأن تحل محلها وكالات إغاثة دولية أخرى.

يشكك خبراء ومحللون “إسرائيليون” في جدية ما طرحه “نتنياهو” لليوم التالي، ويرونه مخططًا ينطوي على ضبابية نابعة من انعدام الرغبة باتخاذ قرارات، ومحاولة للمناورة بين اضطرارات سياسية داخلية، فيما أنها لا تعدو كونها خطوطا عامة لسياسة تعبر عن الوضع المثالي الذي تريده “إسرائيل”، فيما تغيب عنها تفاصيل مطلوبة من أجل ترجمة فعلية أو مواجهة ثاقبة تأخذ بضرورات الواقع، كما أنّ المخطط غير قابل للتنفيذ، وهدفه إرضاء شركاء “نتنياهو” في الحكومة، وخاصة اليمين المتطرف، الذي يمثله الوزيران “بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير”، كما أنّ “نتنياهو” طرح مخططه في ظل ضغوط دولية ومنها الأميركية على وجه الخصوص، حيث تطرح إدارة “بايدن” خطة إقليمية واسعة تشمل مستقبل القطاع وإقامة دولة فلسطينية، الأمر الذي رفضه “نتنياهو”، ووصفه بأنه إملاءات خارجية على “إسرائيل”.  

  • تصعيد تدريجي على الجبهة الشمالية :    

تشير التقديرات “الإسرائيلية” إلى أنه لا يزال يحوم خطر اشتعال حرب واسعة النطاق في الجبهة الشمالية، في ظل الصعيد المستمر نتيجة تواصل القصف المتبادل بين الجيش “الإسرائيلي” وحزب الله، ولا يزال الطيران “الإسرائيلي” يشن الغارات على مواقع في الجنوب اللبناني، فيما يستهدف حزب الله تموضعات وتجمعات ومواقع للجيش “الإسرائيلي” في المنطقة الحدودية، في المقابل تصعد “إسرائيل” هجة التهديد والوعيد، وتلوح بحرب واسعة ومفتوحة على الجبهة اللبنانية. ويتّضح ذلك من تحذير وزير الأمن “الإسرائيلي” “يوآف غالانت”، الذي ركّز على جاهزية الجبهة الشمالية لاحتمال توسيع الحملة العسكرية، وعلى سير عملية إعادة السكان المنطقة الشمالية إلى منازلهم، بقوله: “يجب أن نكون مستعدّين لتدهور الوضع الأمنيّ ​​في الشمال مع حزب الله”.

على صعيد أخر، أعلن الجيش “الإسرائيلي” عن استكمال سلسلة من التدريبات المكثفة التي تهدف إلى تعزيز جاهزية قواته لـ”تنفيذ الخطط العملياتية في مواجهة “العدو الشمالي” من خلال الدفاع والهجوم”، في محاولة لتهيئة القوات لاستنساخ “الخبرة التي اكتسبتها” من المعارك مع فصائل المقاومة في قطاع غزة، في الجنوب اللبناني، خلال حرب شاملة محتملة مع حزب الله، ويتضح من تصريحات الوزير “غالانت” الأخيرة التي يؤكد فيها على حتمية اشتعال الجبهة الشمالية لتصل إلى حرب واسعة النطاق، إذ يقول: في حال التوصل إلى هدنة مؤقتة بموجب اتفاق محتمل على تبادل الأسرى بين “إسرائيل” وحركة حماس، فإنها لن تشمل المواجهات مع حزب الله في الجنوب اللبناني”، وتوعد بتصعيد هجمات جيش الاحتلال “الإسرائيلي” في لبنان ومواصلتها حتى الانسحاب الكامل لحزب الله، وعودة سكان البلدات الشمالية إلى منازلهم.

أظهر استطلاع رأي “إسرائيلي” أجرته صحيفة “معاريف” العبرية أنّ 80.4% يؤيدون استمرار مهاجمة حزب الله في لبنان، بادعاء إبعاده عن الحدود، حتى في حال توقيع اتفاق وقف إطلاق نار في قطاع غزة وإعلان حزب الله أنه سيوقف إطلاق النار، و19.6% يعتقدون أنّ استمرار مهاجمة حزب الله ستفسد تحقيق أهداف الحرب في غزة.

وفقًا للمعطيات المذكورة، يبقى سيناريو اشتعال حرب واسعة النطاق في الجبهة الشمالية قائمًا، والتي إن حدثت فإنها ستتحول إلى حرب إقليمية، وستسقط الصواريخ من سوريّة، والعراق واليمن، وحتى من إيران، كما أنّ هناك خطرًا من اندلاع المواجهات بالضفّة الغربيّة وستجِد “إسرائيل” نفسها في حربٍ لم تشهدها من ذي قبل، مع أهمية الإشارة إلى أنه منذ أكتوبر الماضي، تشهد المنطقة جهودًا دولية لمنع الحرب الشاملة بين “إسرائيل” وحزب الله، والتي يمكن أن تتحول إلى حرب إقليمية.

الخاتمة:

تكشف هذه التطورات أنّ ارتدادات الحرب عميقة على المشهد “الإسرائيلي”، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الداخلي، وحتى على الاستراتيجية العسكرية، فيما لم تتبلور حتى الآن الرؤية “الإسرائيلية” بشأن “اليوم التالي” للحرب على قطاع غزة، بل إنّ التخبط هو سيد الموقف، بسبب أنّ إمكانية تحقيق “إسرائيل” أهدافها المعلنة من هذه الحرب لا تزال صعبة وبعيدة المنال، ووفقًا للدلالات المذكورة، وبغض النظر عن نتائج الحرب بعد انتهائها، سيكون هناك انقسام عميق داخل المجتمع “الإسرائيلي” أكثر مما كان عليه قبل الحرب، يتمحور الانقسام على الأساس الديني والاقتصادي الطبقي والأيدلوجي.

للتنزيل التقرير

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى