المشهد “الإسرائيلي”تموز/ يوليو 2024

ساهر غزاوي/ تنزيل التقرير

يُسلط هذا التقرير الضوء على المشهد الإسرائيلي في سياق الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة التي دخلت شهرها العاشر، حيث يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبدعم أمريكي مطلق واستهانة بالمجتمع الدولي، هجماته البرية والجوية والبحرية على مناطق متفرقة في قطاع غزة، وارتكاب المجازر بحق المدنيين. وخلفت الحرب الوحشية الإسرائيلية على القطاع أكثر من 130 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن عشرة آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة حقيقية. فيما تتفاقم أوضاع الفلسطينيين الصحية في قطاع غزة، في ظل انعدام مقومات الحياة، والغذاء والدواء، إلى جانب انعدام مواد التنظيف، مما ساعد على انتشار الأمراض بين الفلسطينيين لا سيّما الأطفال. وفي المقابل، لا يزال جيش الاحتلال يتكبد مزيدًا من الخسائر في صفوفه جراء المعارك في قطاع غزة، وعلى الحدود مع لبنان، ويواجه مشكلة كبيرة في إدارة الحرب، وفي ظل عدم تحقيقه الأهداف التي وضعها منذ بداية العدوان.

  • معضلة الحرب على غزة

على الرغم من حالة الإجماع الإسرائيلي الكامل حول ضرورة الحرب على قطاع غزة، إلّا أن هذا الأمر بات موضع شك بسبب الجدل المحتدم في الأشهر الأخيرة حول الحرب، وإدارتها، وكذلك في ظل الانقسام القائم في المجتمع الإسرائيلي حول مختلف القضايا السياسية والمدنية قبل الحرب، واحتدام الصراع بين المعسكرات المختلفة في “إسرائيل”، وما شهده الشارع من احتجاجات انتظمت حول قضايا معينة، هذا الأمر يجعل من الصعب للغاية خلق حالة إجماع حول القرارات الضرورية مع مرور الوقت واستمرار الحرب، خاصة في الوقت الذي لا تزال الحكومة الإسرائيلية تصرّ فيه على عدم تقديم أية رؤية سياسية لفترة ما بعد حرب، وتمارس فيه الإبادة والتدمير الشامل بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، مُغلبة اعتباراتها ومصالحها السياسية ـ الحزبية على أية اعتبارات ومصالح استراتيجية سياسية أخرى، إلى جانب استمرارها في تفضيل الحرب على أية صفقة لتحرير الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، أحياءً كانوا أم أمواتًا.

على ضوء هذه المعضلة، أجرى معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي محاكاة بحثت مخططًا لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وإقامة تطبيع بين السعودية و”إسرائيل”، وتشكيل تحالف أمني اقتصادي إقليمي. وفي المحاكاة، حماس، ما دامت قادرة على مواصلة القتال، ولم يتم تشكيل آلية بديلة للسيطرة على قطاع غزة، فإنها لا تزال تحتفظ بحق النقض، ويمكنها تعطيل الخطة، بل وحتى إحباطها. رفضت حماس المخطط على أساس أنها قد تتلقى عرضًا أفضل بسبب تعدد العوامل التي تسعى إلى إنهاء الحرب. ستفعل حماس كل شيء لتظل ذات صلة وتشارك في آلية السيطرة في القطاع، حتى لو لم تكن على رأسها، وستحافظ على بقايا قوتها العسكرية وفرقها الإرهابية، على حد تعبيرهم. كما كشفت المحاكاة أنه على عكس توقعات “إسرائيل”، فإن السابع من أكتوبر الماضي رفع بالفعل من قيمة السلطة الفلسطينية كمنصة رئيسة لإقامة الدولة الفلسطينية، والتقدم في التطبيع الإقليمي مع “تل أبيب”.

على صعيد المفاوضات الرامية إلى وقف الحرب على غزة وتبادل الأسرى، وعلى وقع استمرار المظاهرات في “إسرائيل” المطالبة بصفقة تبادل، تتهم أصوات إسرائيلية رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأنه يسعى من خلال شروطه التي أضافها على مقترح تبادل الأسرى المطروح حاليًا، إلى تأخير التوصل إلى اتفاق في غزة. وترى أنه رغم مرونة حماس، إلا أن صفقة لإعادة المختطفين ما زالت بعيدة. إذ يحاول نتنياهو عمدًا إدخال المفاوضات في أزمة، لأنه يعتقد أنه قادر على تحسين موقفه، وقد ألمح إلى هذا في المحادثات الأخيرة، وهذا يعني مخاطرة غير محسوبة بحياة الرهائن. ومن بين الشروط الجديدة التي طرحتها “إسرائيل”، إنشاء آلية أمنية خاصة لمنع مسلحي حماس من العودة إلى شمال قطاع غزة. وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت، يتهم نتنياهو بإضاعة فرصة التوصل إلى اتفاق، وذلك عبر الشروط الجديدة التي يطالب بإدراجها في اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة. في حين يشدد آخرون على إطلاق سراح الأسرى عبر التفاوض لوقف الحرب؛ من أجل إعادة بناء الجيش المنهك الذي بات يفتقر إلى الدبابات وقطع الغيار والذخيرة، وإعادة بناء اقتصاد “إسرائيل”، وعلاقاتها الدولية، وتعزيز صلابة المجتمع لكي تعود “إسرائيل” إلى الطريق الصحيح.

  • تعقيدات الجبهة الشمالية

لا يزال الوضع الحربي المعقد على الجبهة الشمالية بين “إسرائيل” وحزب الله اللبناني يتصدر المشهد الإسرائيلي. فقد ألحق استمرار الغارات الجوية والقصف المدفعي الإسرائيلي على جنوب لبنان أضرارًا كبيرة، مثلما ألحق استمرار قصف حزب الله بالصواريخ والمقذوفات والطائرات المسيرة أضرارًا في شمال “إسرائيل”، كما أن الجيش الإسرائيلي يستعد لهجوم شديد ضد لبنان، وأن قيادة المنطقة الشمالية في الجيش بدأت استعدادات لشن حرب واسعة ضد لبنان، بذريعة كارثة مجدل شمس التي قتل فيها 12 طفلًا بقذيفة صاروخية أطلقت من لبنان في 27/7/2024. هذا الوضع، إلى جانب خلو البلدات الإسرائيلية القريبة من الحدود اللبنانية من السكان، يزيد الإحباط في الحكومة والجيش الإسرائيلي.

في ضوء هذه التطورات المستجدّة على الجبهة الشمالية، تُطرح سيناريوهات عدة للمواجهة في ظل تصاعد خطر اندلاع حرب واسعة بين “إسرائيل” وحزب الله، وكذلك في ظل الوضع القائم في منطقة الحدود مع لبنان، وفي مقدمته موضوع إخلاء عشرات آلاف الإسرائيليين من منازلهم في تلك المنطقة إلى أجل غير مسمى. ومن بين هذه السيناريوهات:

أولًا: فتح حرب واسعة تلبي تطلعات بعض وزراء الحكومة وقسم من الجمهور الإسرائيلي، لا سيّما وأن هناك من يعتقد أنه حان الوقت لضرب لبنان ضربة موجعة، ويتعين على “إسرائيل” أن تبادر بنفسها إلى خوض هذه الحرب لتغيير هذا الوضع القائم.  وستُنفّذ وفق هذا السيناريو ضربة ساحقة يدخل فيها الجيش الإسرائيلي إلى عمق لبنان، في مشهد شبيه بعام 1982، وتهدف إلى إبعاد حزب الله عن الحدود.

ثانيًا: مواصلة صيغة القتال الحالية، من خلال الاستهداف الجوي لعناصر حزب الله ومخازن الذخيرة التابعة له حتى تنتهي الحرب في غزة، وعندها يضع حزب الله السلاح بمبادرته.

ثالثًا: الخروج الآن من اللعبة بحكمة وبتخطيط متشدد، والإعلان عن النصر على اعتبار أن حزب الله سيواصل الهجوم، لأنه ملتزم تجاه حماس، لكن هجماته ستنخفض قوتها.

تشير أغلب التحليلات والقراءات الإسرائيلية إلى أن هناك شبه إجماع على أن الجيش الإسرائيلي غير جاهز لخوض حرب واسعة في الجبهة الشمالية. ولكن في حال اضطرار الجيش إلى خوض حرب كهذه، فسيكون الثمن الذي سيدفعه حزب الله باهظًا، ولكن من المهم توضيح أن الجيش الإسرائيلي غير قادر في الوقت الحالي على إحراز أي إنجاز مهم مقابل حزب الله، ولا على تغيير الواقع في الشمال على نحو دراماتيكي. وفي أحسن الحالات، ستنتهي الحرب في الشمال باتفاق سيء يتم التوصل إليه بثمن موجع للغاية. وفي أسوأ الحالات، لن تنتهي الحرب، وسوف تجد “إسرائيل” نفسها في حمأة حرب استنزاف مستمرة، من شأنها أن تتسبب بشل الحياة في معظم أنحاء البلاد، دون القدرة على الحسم. كما يؤكد ذلك المحلل العسكري لقناة التلفزة الإسرائيلية 13 ألون بن دافيد.

  • هجوم الحوثيين على تل أبيب: مرحلة جديدة في الحرب

تناولت التقارير الإسرائيلية باهتمام بالغ، الهجوم الذي نفّذته جماعة أنصار الله “الحوثي” في اليمن بطائرة مسيّرة على “تل أبيب” في 19/7/2024، والتي أسفرت عن مقتل شخص وإصابة آخرين، وذلك في إشارة إلى تجدد الفشل الإسرائيلي الذي كشفت عنه عملية “طوفان الأقصى”. واعتبرت بعض التقارير  الهجوم بمثابة السابع من أكتوبر استنادًا إلى التحقيقات الإسرائيلية، التي تشير إلى أن المسيّرة دخلت إلى وسط “تل أبيب” من جهة البحر، وهي جهة غير متوقعة بالنسبة للدفاعات الجوية الإسرائيلية، خاصّة وأن الحوثيين كانوا يركزون هجماتهم على منطقة إيلات جنوبي البلاد. وهناك من يرى أن نجاح الحوثيين بإطلاق مسيّرة مفخخة تقطع مسافة أكثر من 2000 كم، وتصل حتى وسط الكيان الإسرائيلي، هو فشل مدوٍّ لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي، على اعتبار أن الحوثيين استخدموا مسارات الطيران المدنية بدقة، وأطلقوا طائراتهم المسيرّة المهاجِمة عبر هذه المسارات، كمحاولة للتمويه.  وقد سارعت وسائل إعلام إسرائيلية إلى تحريض الغرب على محاربة الحوثيين في اليمن، والدعوة لتشكيل تحالف دولي يستهدفهم، على اعتبار أن الحوثيين يشكلون تهديدًا كبيرًا ليس فقط للكيان الإسرائيلي، وإنما أيضًا لاستقرار الشرق الأوسط، وحتى للاقتصاد العالمي، وهو تهديد يزداد سوءًا مع مرور الوقت، على حد قولهم.  

على ضوء الهجوم الإسرائيلي في اليوم التالي على أهداف في ميناء مدينة الحديدة اليمنية، تناول خبراء عسكريون إسرائيليون رسائل هذا الهجوم، بالتأكيد على أن “تل أبيب” أظهرت قدرة على الهجوم عن بعُد، والعمل لمسافات طويلة بشكل مفاجئ، متفاخرين بأن “اليد الطويلة” لـ “إسرائيل” يمكن أن تصل إلى كل مكان في الشرق الأوسط، وردع أعداء “إسرائيل”. إضافة إلى أن “تل أبيب” سعت خلال هجومها على اليمن، لإيصال رسائل للجمهور الإسرائيلي، وللولايات المتحدة والغرب أيضًا، وكذلك لتوجيه رسالة شديدة اللهجة لـ “المحور الإيراني” في المنطقة، في محاولة لردعه عن تنفيذ هجمات ضد “إسرائيل”. وإلى إيران نفسها، حيث إن المسافة التي قطعتها الطائرات الحربية الإسرائيلية لتنفيذ الهجمات في اليمن، أبعد من تلك التي قد تحتاج قطعها إذا ما قررت تنقيذ ضربات في إيران. في المقابل، هناك من يرى وجوب عدم المبالغة في الرضى عن النفس من هذا الهجوم، ولا الاستنتاج بأن “إسرائيل” ترمم بذلك قدرة ردعها، على اعتبار أن “أعداء إسرائيل” لا يرتدعون من هذه العمليات، وأنهم سيقومون بترميم أنفسهم بسرعة، ويستخلصون الدروس، ويحسنون قدراتهم الدفاعية وردهم.

قد يطرح هذا الاستعراض أسئلة حول مواجهة تهديدات كهذه بحجم آخر، وفي حرب شاملة مقابل حزب الله، وربما مقابل جبهات أخرى. وقد يعكس هذا الاستعراض مرحلة جديدة في الحرب بين “إسرائيل” و”أعدائها” في المنطقة منذ 7 أكتوبر، والآخذة بالتحول إلى حرب إقليمية ومتعددة الجبهات. وقد تبادر الولايات المتحدة لأخذ زمام المبادرة في مواصلة حملة جوية نشطة ضد الحوثيين بدلًا من دولة الاحتلال ذاتها، لبعدها عن اليمن، في حال ردّ الحوثيون على الهجوم الإسرائيلي.

  • أزمات متلاحقة للجيش الإسرائيلي

مع دخول الحرب على الفلسطينيين في غزة شهرها العاشر، يستمر تراجع ثقة الجمهور الإسرائيلي في الجيش والحكومة والشرطة. ويشير استطلاع إسرائيلي إلى استمرار تراجع ثقة الجمهور في “إسرائيل”، بمؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية، وذلك مقارنة باستطلاع أجري منذ شن الحرب على غزة في 7 أكتوبر الماضي. تراجعت الثقة بالجيش الإسرائيلي إلى 71%، أي أقل بـ 6% قياسًا باستطلاع الشهر الماضي، وبـ 11% قياسًا باستطلاع أجري في تشرين الأول/ أكتوبر. فيما قال 11.5% إنهم متأكدون جدًا من تحقيق أهداف الحرب على غزة. واعتبر 62% أن “إسرائيل” ستنتصر على حزب الله في حرب شاملة ضد لبنان. يتساوق هذا الاستطلاع مع اعترافات إسرائيلية بأن الجيش فشل في السيطرة على أنفاق غزة، رغم كل هذا الوقت من عمر الحرب، بحيث وصفت الأنفاق التي حفرتها  المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، بأنها “شبكة عنكبوت” يجهلها الجيش الإسرائيلي، الذي لم يتمكن من السيطرة عليها حتى الآن. ويتساوق كذلك مع أصوات جنرالات إسرائيلية تؤكد علنًا أن جيشهم لا يعترف بعدم تحقيقه الهدف الرئيس من حربه على قطاع غزة، وهو القضاء على حركة حماس، بل تواصل قيادة الجيش العليا خداع الجمهور عبر إيهامهم بأن المزيد من الضغط سيحقق أهدافهم. يتزامن هذا كله مع ازدياد انتشار الأمراض النفسية بين جنود الاحتلال الذين شاركوا في الحرب على غزة، إذ تكشف  صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن ارتفاع عدد الجنود الإسرائيليين الذين طلبوا المساعدة النفسية، إلى 6 أضعاف منذ 7 أكتوبر 2023. فيما سرّح الجيش الإسرائيلي 255 جنديًا من الخدمة، منهم 90 بسبب الضغوط النفسية، بعد الكشف عليهم في المراكز النفسية التابعة للجيش. ويتلقى حاليًا أكثر من 1000 جندي احتياط رعاية الصحة العقلية، وحوالي 2000 جندي بشكل تراكمي خلال الأشهر القليلة الماضية. وبحسب “هآرتس”، فإنه قبل الحرب، وتحديدًا بين تشرين الأول/أكتوبر 2022 وحزيران/يونيو 2023، كان يتوجب على خطوط النجدة الاتصال بالشرطة 35 مرة بسبب الخوف من انتحار الجنود. وبعد مرور عام، قفز الرقم إلى 86، أي بزيادة 145%. تشير هذه المعطيات إلى أنه مع إطالة أمد الحرب، تزيد الصعوبات أمام علاج الجنود، خاصة جنود الاحتياط الذين يعانون من صعوبة إعادة التكيف مع الحياة المدنية العائلية، ما يجعلهم يدخلون في حالات اكتئاب حادة مجددًا.

ومؤخرًا، جاءت حادثة اقتحام أنصار اليمين الإسرائيلي مقر المحكمة العسكرية في قاعدة بيت ليد مساء 29/7/2024، وذلك إثر اقتحام العشرات برفقة أعضاء كنيست عن أحزاب الائتلاف الحكومي، قاعدة سديه تيمان في صحراء النقب، إثر توقيف 9 جنود في قوات الاحتياط الإسرائيليين لضلوعهم باعتداء جنسي جماعي على أسير فلسطيني من غزة، لتزيد من حالة تأزم الجيش الإسرائيلي، إذ بدا أن أجهزة الأمن الإسرائيلية فقدت السيطرة على الموقف. وهذا مؤشر على ضعف الكيان الإسرائيلي وفقدانه السيطرة على إدارة الانقسامات الداخلية التي تضرب المجتمع الإسرائيلي، وتنخر مؤسسات الدولة وجميع القطاعات في “إسرائيل”.

يُبين الاستطلاع الإسرائيلي الذي أجريّ مؤخرًا، أن أحزاب الائتلاف الحكومي ستحصل على 53 مقعدًا، وأحزاب المعارضة على 57 مقعدًا، و 10 مقاعد للقائمتين العربيتين. تعني هذه النتائج أن أحزاب المعارضة لن تتمكن من تشكيل حكومة بدون انضمام أحد أحزاب الائتلاف إليها. بينما يشير الاستطلاع إلى ارتفاع شعبية نتنياهو إثر زيارته لواشنطن وخطابه في الكونغرس. فحسب الاستطلاع، 48% يعتبرون أن زيارة نتنياهو لواشنطن هدفها دفع مصالح إسرائيل، و 38% يرون أن هدفها دفع مصالح نتنياهو السياسية. وفي حال جرت انتخابات للكنيست الآن، سيحصل الليكود على 23 مقعدًا، أي أكثر بمقعدين عن الاستطلاع السابق، ويتساوى مع عدد المقاعد التي تحصل عليها كتلة “المعسكر الوطني” برئاسة بيني غانتس. في سياق متصل، يعتقد 63% أن ترامب كرئيس للولايات المتحدة سيكون أفضل لـ “إسرائيل”، و 17% يرون أن هاريس أفضل. وحسب الاستطلاع، قال 48% من المستطلعين، و 87% من ناخبي أحزاب الائتلاف، إن زيارة نتنياهو لواشنطن هدفها دفع مصالح إسرائيل، بينما رأى 38% من المستطلَعين، و 55% من ناخبي أحزاب المعارضة، أن هدف الزيارة دفع مصالح نتنياهو السياسية.

يتزامن ذلك مع اختتام الكنيست الإسرائيلي في 28 تموز/ يوليو دورته الصيفية، وبالتالي اختتم عامًا برلمانيًا، هو الثاني لحكومة بنيامين نتنياهو الحالية، عامًا بدأ مع اندلاع الحرب المتواصلة على الشعب الفلسطيني، وشهد إقامة حكومة طوارئ، وفضّها بعد 8 أشهر. وشهد عواصف وأزمات داخل الائتلاف الحاكم، على خلفية شد الحبال لكسب مراكز قوة. وتستمر العطلة الصيفية حتى الأسبوع الأخير من شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، وتعود الهيئة العامة للكنيست للعمل يوم 28 من ذلك الشهر. وبحسب نظام عمل الكنيست، فخلال عطلة الكنيست لا يجوز طرح قضايا خلافية في جلسات استثنائية، وإنما فقط قوانين توافقية، ويضمن هذا مثلًا حظر المبادرة لاقتراحات حجب الثقة عن الحكومة. ومن أهم ما سيكون على أجندة الدورة الشتوية التي ستستمر 6 أشهر تقريبًا، إقرار الميزانية العامة للعام 2025، وبموجب التقارير الواردة فإن الخطوط العريضة لهذه الموازنة يجب أن تكون معروضة على الحكومة لإقرار خطوطها العامة، كي تعرض عليها لاحقًا الخطة التفصيلية لمشروع الموازنة، قبل عرضه على الكنيست مع بدء الدورة الشتوية، كي يتم إنجاز الإقرار النهائي لها حتى اليوم الأخير من العام الجاري. والملف الساخن الثاني الذي سيكون مطروحًا على أجندة الدورة الشتوية، هو إنجاز القانون المتعلق بفرض الخدمة العسكرية على الشبان المتدينين الحريديم، في أعقاب قرار المحكمة العليا الإسرائيلية القاضي بوقف الإعفاء الشامل، وقطع الميزانيات للمعاهد الدينية التابعة للحريديم، عن الطلاب الذين يسري عليهم قانون التجنيد. بيد أن هناك خلافًا داخل الائتلاف بشأن صيغة هذا القانون، إذ إن كتلتي الحريديم تصران على الإعفاء الشامل، لكن هذا بات غير ممكن، وسيكون عليهما القبول بصيغة متساهلة من الطرفين، وليس واضحًا إذا ما كانت صيغة كهذه ستصمد لاحقًا أمام المحكمة العليا. وبطبيعة الحال، فإن الدورة الشتوية ستواصل تشريع عدد من القوانين العنصرية والاستبدادية، وتلك الداعمة للاحتلال، والتي دخلت مسار التشريع، أو تلك التي أدرجت على جدول أعمال الكنيست، ولكنها لم تدخل مسار التشريع بعد.

  • نظرة تشاؤمية للاقتصاد الإسرائيلي

تشير المعطيات الصادرة عن دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، إلى ارتفاع معدل التضخم في “إسرائيل”، ليقترب من الحد الأقصى الذي حدده محافظ بنك “إسرائيل” المركزي. إذ سجل مؤشر الأسعار للمستهلك في “إسرائيل” ارتفاعًا بنسبة 0.1% في شهر حزيران/ يونيو الماضي، وارتفع التضخم من 2.8% إلى 2.9%، وبات قريبًا جدًا من الحد الأعلى الذي حدده بنك إسرائيل وهو 3%. وعلى ضوء هذه المعطيات، عبّر محافظ بنك “إسرائيل” المركزي، أمير يارون، عن نظرة تشاؤمية حيال مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي، استنادًا إلى سلسلة معطيات، منها أداء الحكومة في إدارة الموازنة، وشكل إعداد موازنة العام المقبل، وأعلن عن إبقاء الفائدة البنكية على حالها، وهي تُعد عالية بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي، ملمحًا إلى أنها قد تبقى عند مستواها الحالي فترة طويلة. 

ويشير تقرير أعده المستشار الاقتصادي لرئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، إلى أن الكلفة المالية العسكرية وحدها للحرب الدائرة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بلغت حتى نهاية حزيران/ يونيو الماضي، أكثر بقليل من 111 مليار شيكل، وهو ما يعادل تقريبا 30 مليار دولار. وبحسب التقرير نفسه، فإن هذا يشكّل 85% من إجمالي الكلفة العسكرية المتوقعة، التي قد تصل إلى 130 مليار شيكل، لكن صحيفة “ذي ماركر” شككت بهذا التقدير للكلفة الإجمالية، في ضوء استمرار الحرب، كما أن تشغيل قوات الاحتياط فاق التقديرات من حيث حجمها ومدة تشغيلها، إذ إن الصرف على جيش الاحتياط فاق 30 مليار شيكل، أي أكثر بقليل من 8 مليارات دولار.

وبموجب تقرير المستشار نفسه، فإن الصرف على الذخيرة ومعدات إطلاقها، وصل حتى نهاية حزيران/ يونيو إلى 24 مليار شيكل، من بينها أكثر من 16 مليار شيكل على معدات إطلاق الذخيرة، جوًا وبحرًا وبرًا. مع التنويه إلى أن الحديث هنا عن نفقات الجيش المباشرة على الحرب، وهذا لا يشمل ما تصرفه الحكومة على الجانب المدني، والتعويضات لعائلات القتلى وتعويضات المصابين وعلاجهم، من عسكريين ومدنيين. كما أن هذا لا يشمل احتياجات الجيش المستقبلية، بناء على الاستنتاجات من هجمات السابع من أكتوبر 2023، وأيضًا من مجريات سير الحرب، وإعادة وزيادة المخزون العسكري.

يؤكد  تقرير اقتصادي “إسرائيلي”، أن الشركات “الإسرائيلية” ستواجه تداعيات الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ أشهر، حتى نهاية العام على الأقل، حيث إنه من المتوقع أن تشهد دولة الاحتلال إغلاق ما يصل إلى 60 ألف شركة في عام 2024. ويأتي هذا التوقع القاتم، في الوقت الذي أغلقت فيه 46 ألف شركة أبوابها بعد تسعة أشهر من الحرب على غزة، حيث تضرر العديد منها بسبب بيئة أسعار الفائدة المرتفعة، وتكاليف التمويل الأكثر تكلفة، ونقص القوى العاملة، والانخفاض الحاد في حجم الأعمال والعمليات، وانقطاع الإمدادات والخدمات اللوجستية، وعدم كفاية المساعدات الحكومية.

يتضح من هذه المعطيات أن استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة وتصعيدها في الجبهة الشمالية، يؤثر بشدة على الاقتصاد الإسرائيلي، ويزيد من الكلفة العسكرية، لا سيّما وأن تقديرات سابقة تحدثت عن كلفة إجمالية للحرب في الجنوب والشمال تصل إلى 230 مليار شيكل، وأن تسديد هذه الكلفة سيحتاج إلى سنوات. إلا أن كل هذه التقديرات كان في صلبها أن الحرب سوف تتوقف قبل هذا الوقت الذي نعيشه، وكلما طال وقت الحرب فإن الكلفة سوف ترتفع بالتأكيد.  كذلك يشار إلى أن الـ 230 مليار شيكل تعادل تقريبًا 12% من حجم الناتج الإسرائيلي العام، وهذه تُعدّ نسبة كبيرة جدًا، كما أن هذا المبلغ يعادل حوالي 45% من حجم ميزانية سنوية عامة لإسرائيل في العامين الأخيرين. علاوة على أن الخوف من التصعيد في الشمال مع لبنان يساهم في خفض قيمة الشيكل الإسرائيلي مقابل الدولار الأمريكي، كما ترى صحيفة “ذي ماركر” الاقتصادية الإسرائيلية.

  • تأثيرات قرار  محكمة العدل الدولية على السياسة الإسرائيلية

عَكَس الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية الذي طالب “إسرائيل” بإنهاء احتلالها غير الشرعي للأراضي الفلسطينية، التخوفات الإسرائيلية من تداعيات سياسية محتملة. وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية قد يشجع قضاة المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، على إصدار مذكرات اعتقال دولية بحق رئيس الحكومة ووزير الحرب. فقد أصدرت محكمة العدل الدولية (ICJ) في لاهاي بهولندا، يوم الجمعة 19 تموز/ يوليو، نص “الرأي الاستشاري” الذي توصلت إليه بشأن النتائج والإسقاطات القانونية المترتبة على السياسات والممارسات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة، بما فيها شرقي القدس المحتلة. وخلصت المحكمة الدولية، في رأيها الاستشاري الذي امتد على 80 صفحة، إلى النقاط المركزية التالية

  1. الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية وشرقي القدس تشكل انتهاكًا للقانون الدولي، وتشكل ضمًا فعليًا.
  2. وجود “إسرائيل” المستمر في المناطق الفلسطينية المحتلة غير قانوني.
  3. على “إسرائيل” إنهاء وجودها في المناطق المحتلة بأقصى السرعة الممكنة.
  4. على “إسرائيل” التوقف الفوري عن توسيع المستوطنات وإخلاء جميع المستوطنين من الأرض المحتلة.
  5. على “إسرائيل” تعويض السكان الطبيعيين والقانونيين في المناطق الفلسطينية عن الأضرار التي لحقت بهم.
  6. على دول العالم والمنظمات الدولية واجب عدم الاعتراف بالوجود الإسرائيلي في المناطق المحتلة كوجود قانوني، وعدم مساعدتها في الإبقاء عليه.
  7. على الأمم المتحدة النظر في الإجراءات اللازمة لإنهاء الوجود الإسرائيلي في المناطق على وجه السرعة.

ترجح  تقديرات إسرائيلية أن القرارات الأخيرة من محكمة لاهاي ستؤدي إلى عزلة “إسرائيل” في العالم، كما لم تشهدها سوى دول قليلة من قبل. ونقلت صحيفة “هآرتس” عن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى ومطلعين على الإجراءات في لاهاي”، قولهم إن “رأي محكمة العدل ليس له علاقة مباشرة بعملية إصدار مذكرات الاعتقال، حيث إن الوضع القانوني للرأي الذي قدمته المحكمة ليس ملزمًا بل استشاريًا. غير أنه من المؤكد سيكون لهذا الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية، تأثير واضح على إجراءين قضائيين يُنظَر فيهما ضد “إسرائيل”، في الهيئتين القضائيتين الدوليتين العُليَيْن في محكمة العدل الدولية: دعوى جمهورية جنوب أفريقيا ضد “إسرائيل” بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وفي المحكمة الجنائية الدولية: طلب المدعي العام في هذه المحكمة كريم خان، من قضاتها الثلاثة إصدار أوامر اعتقال دولية بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير حربه يوآف غالانت، وهما الإجراءان اللذان من المنتظر أن تصدر فيهما قرارات نهائية خلال الفترة القريبة القادمة.

الخاتمة:

تكشف هذه التطورات حالة الارتباك التي تعيشها “إسرائيل”  نتيجة لاستمرار تورطها في حرب الإبادة التي تشنها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. كما تكشف أن الجيش الإسرائيلي في حالة ضعف، وعدم قدرة على إدارة أكثر من حدث في نفس الوقت، خاصة أن الجيش لن يتمكن في الوضع الحالي من تحقيق النصر على المقاومة الفلسطينية في غزة. كما أن الكراهية المتقدة داخل “إسرائيل” تمزق الدولة من الداخل، وتتعمق كلما استمرت الحرب. وبالرغم من أن الحرب على غزة حظيت في الأشهر الأولى بإجماع إسرائيلي، إلا أنها أدّت لاحقًا إلى تعميق الانقسامات والسؤال حول هوية الدولة (العلاقة بين الدين والدولة)، والصراع حول الأفق السياسي، ما يعني أن تذهب الانقسامات بين الإسرائيليين باتجاه الحسم، لأنه لم يعد بالإمكان التعايش فيما بين هذه الانقسامات؛ بسبب عدم قدرة الدولة على إدارتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى