المستهدف قلب القضية
لا تنفصل إجراءات الاحتلال هذه الأيام ضد المسجد الاقصى وضد الأسرى الفلسطينيين عن المعركة الانتخابية، لكن من جهة أخرى فإن اليمين الصهيوني الحاكم ماض في سياسته القمعية ضد الفلسطينيين بمعزل عن الانتخابات. ومن الأمثلة على ذلك:
● التضييق على الأسرى الفلسطينيين داخل السجون، صحيح أن المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الأمن الداخلي وأعلن فيه عن رزمة من الإجراءات القمعية ضد الأسرى كان مبالغا فيه حتى قالت مصلحة السجون نفسها أنه دعاية انتخابية، ولكن التغيرات على واقع الأسرى كانت مادية وملموسة وخطيرة أحدها العمل على عزل الأسرى تماماً عن عالمهم الخارجي بوسائل تكنولوجية قد تكون قاتلة في تأثيرها الصحي عليهم، إضافة إلى إجراءات أخرى.
● الاعتداء من جهة أخرى على المسجد الأقصى وإغلاق باب الرحمة وإبعاد قادة الأوقاف عن المسجد هو تصعيد آخر ممنهج ومدروس وفرض وقائع جديدة لم تكن من قبل، ومن المرجح أن تستمر بعد هدوء العاصفة.
● اقتطاع أموال الضرائب عن ميزانية السلطة الفلسطينية عقوبة على دفع مخصصات الأسرى والجرحى والشهداء والتي لا نستطيع فصلها عن هذا السياق.
فالمستهدف واحد هو القدس ومن يدافع عنها من أسرى وجرحى وشهداء، وصحيح أن السلطة الفلسطينية لم تخضع لهذا بشكل كامل حتى الآن لكن يبدو أنها في الطريق إلى ذلك، فحتى الآن قطعت هذه المخصصات على أساس فصائلي نسبياً عن المستفيدين من حركتي حماس والجهاد الإسلامي في السجون وخارج السجون وعن عدد من أبناء حركة فتح في قطاع غزة في محاولة من السلطة للضغط على فصائل المقاومة لتسليمها قطاع غزة من جهة وفي محاولة لقطع الطريق على حكومة الاحتلال من جهة أخرى. لكن الاحتلال لا يقبل ولن يرضى حتى يحول السلطة بشكل كامل إلى أداة بيد اليمين الصهيوني الحاكم، لا بيد إسرائيل كما كانت تريدها الحكومات السابقة أن تكون أداة لتصفية القضية الفلسطينية ومحورها القدس والمقاومة.
على صعيد الحلبة السياسية الصهيونية تقوم السلطة بالتزامها الهدوء وعلى غير ما ترغب السلطة بتعزيز رؤية نتنياهو اليمينية المتطرفة على حساب الوسط واليسار الصهيوني وعلى حساب أي تفكير بتسوية مع الفلسطينيين.
فاليسار الصهيوني ينادي بإعطاء الفلسطينيين دولة على أجزاء من الأرض المحتلة عام 1967 لحفظ أمن إسرائيل، وحمايتها من الانزلاق إلى أبرتهايد أو دولة واحدة ثنائية القومية وينادي بتقليص الاستيطان لهذا الغرض أيضاً، لكن اليمين الحاكم الذي يقوده نتنياهو يرى أن لا ضرورة لهذا كله وأن الفلسطينيين يخضعون بالقمع والعنف والعقوبات لا بالتنازلات، فالاستيطان ينمو ويترعرع في الضفة الغربية وفي القدس، والأمن مستتب بل ويرى اليمين الصهيوني أنه كما يزعم يقدم معروفا للسلطة الفلسطينية بأن حماها من سيطرة حركة حماس على الضفة الغربية كما يقول، وحتى الإدارة الأمريكية الحالية فهي يمينية صهيونية تصدق رؤية نتنياهو واليمين عموماً. وعليه لا يمكن لليسار أن يزعم أن التسوية مع الفلسطينيين ضرورة للانسجام مع الأمريكان في سياستهم، بل ولا حتى غير الأمريكان، فبفضل التزام السلطة الفلسطينية بالتنسيق الأمنى وما يحققه من هدوء أصبح أسهل على نتنياهو إقناع أوروبا وأستراليا وأمريكا الجنوبية أن فتح سفارات في القدس لا يتعارض مع الرغبة في تحقيق السلام مع الفلسطينيين.
و بينما يرى اليسار أن السلام مع الفلسطينيين يفتح الطريق للتطبيع مع العالم العربي أثبت نتنياهو أن العرب كما يزعم في صفه أعداء للفلسطينيين خصوصاً بعد موجة الزيارات واللقاءات في السنوات الأخيرة وهو الذي سبق الانتخابات، ومن المرجح أنه سيستمر بعدها.
وبالتالي فإن الاقتصار على الدافع الانتخابي لإجراءات الاحتلال الأخيرة ربما يخدم نتنياهو وسياسته الرامية لتصفية القدس والمقاومة وروحها المتمثلة بالأقصى والأسرى والجرحى وعائلات الشهداء في كل مكان، إضافة إلى الحصار والحروب على قطاع غزه، إضافة واستمرارا لسياسة الاحتلال الرامية إلى عزل المقاومين فرادى وجماعات عن المجتمع الفلسطيني من خلال تشديد الوطأة عليهم من كل النواحي وإشغال باقي الفلسطينيين بلقمة عيشهم وبعض الحيل الأخرى كالسفر والحركة والتعليم.