المخاطر المحيطة بإسرائيل واستراتيجيات التصدي لها
عقد معهد دراسات الأمن القومي مؤتمره السنوي التاسع منتصف كانون ثاني 2016، الذي تركزت أعماله حول تغير قواعد اللعبة الدولية، والمخاطر التي تواجه إسرائيل، كالصراع مع الفلسطينيين، وقدرات حزب الله من الشمال وحماس من الجنوب، إضافة إلى تأثيرات الاتفاق النووي مع إيران على إسرائيل، وتأثيرات القوى العظمى في الشرق الأوسط، ومواجهة الإسلام السلفي الجهادي في المنطقة، كظاهرة تنظيم الدولة الإسلامية.
ومن بين أبرز المتحدثين في المؤتمر كان نفتالي بينيت زعيم حزب البيت اليهودي "هبايت هيهودي"، والذي انتقد طريقة تعامل إسرائيل مع الملفات المذكورة، حيث أشار إلى أن الإسرائيليين الذين يتوقع أن يبلوروا الواقع أصبحوا منجرين خلفه، "في ظل موجة التطرف المحيطة بنا والانتقادات الدولية".
وأردف بينيت قائلاً إن أعداء إسرائيل فهموا أنه لا يمكنهم الانتصار عليها في ساحة المعركة، لذلك أدخلوا مركبات جديدة في التعامل، وإسرائيل بقيت في الخلف. "علينا أن نتسلح بأفكار جديدة وليس فقط بالسلاح، الطائرة الحربية الجديدة لن تستطيع مقاومة النفق، والقانون الدولي لا يسمح باستخدام كل أنواع السلاح، ومن يتجدد في النهاية سينتصر".
تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)
الجنرال جون ألون، الرئيس الأسبق للائتلاف الدولي لمكافحة الدولة الإسلامية، اعتبر أن الإسرائيليين يتجهون نحو مرحلة عالمية الدولة الإسلامية وتوسعها كجزء من الصراع العالمي، وقال إن هنالك ثلاثة أطر للدولة الإسلامية (1) القلب ومركزه سوريا والعراق، (2) الإرساليات والأطراف وهي التنظيمات المتضامنة مع التنظيم وهي منتشرة في العالم، (3) الشبكة التي تربط بين القلب والأطراف، والتي تدفع بالكثيرين للانضمام للتنظيم.
وأضاف ألون أن الائتلاف الدولي انتبه منذ البداية لوجوب استهداف الدولة الإسلامية، معتبرًا أن البغدادي تحلى بالذكاء عندما قام عام 2014 بإعلان الخلافة والتي حولت داعش إلى كيان دولي، "اليوم يوجد العديد من الجهود للنجاح في مواجهة التنظيم، وليس صحيحًا أن داعش لا توجد على رأس الأولويات، لذلك يجب تجميع كل قيادات العالم لنقاش آلية مواجهة الدولة الإسلامية، وعلى رأس المشتركين يجب أن يكون العرب لأن هذه مشكلتهم بالتحديد"، وأضاف "علينا أن نفهم كيف تعمل شبكة التنظيم، وكيف تتوسع وتنتشر.
كان الاعتقاد عندما تدخلت روسيا في سوريا أن تساهم في القضاء على الدولة الإسلامية، وإضعاف الأسد، لكن هذا لم يحدث. فيما يتعلق بإسرائيل كلا الخيارين سيء، سواء الدولة الإسلامية أو الأسد لكن على إسرائيل أن تتجهز لكليهما بالتوازي."
أما الرئيس الإسرائيلي رؤوبن ريفلين، فاعتبر أن الجهاد السلفي الموجود داخل إسرائيل هو التهديد الأكبر، مشيرًا إلى أن هذا الفكر موجود بالقرب من الفلسطينيين في داخل إسرائيل حيث يعانون من موجة تطرف ديني، وفي ظل انغلاق الإسرائيليين زاد استقطاب الإسلام الراديكالي من استقطاب مؤيديه، كما أثنى ريفلين على قرار الحكومة الإسرائيلية بدعم الميزانية المتعلقة بالعرب في الداخل، مشيرًا إلى أن ذلك لا يكفي لسد الفجوات التي حصلت نتيجة الظلم ولسنوات طويلة.
تهديد حزب الله وإيران
من جانبه اعتبر رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي جادي أيزنكوت، أن إسرائيل تواجه العديد من التهديدات، أبرزها تهديد حزب الله، بعد أن استطاع إعادة بناء قوته وتسلحه منذ العام 2006، وفي ظل سعي حسن نصر الله للسيطرة على لبنان، أما التهديد الثاني من وجهة نظر أيزنكوت هو إيران التي تسعى للسيطرة على المنطقة من خلال حزب الله ونظام الأسد والعديد من الميلشيات الشيعية في المنطقة، حتى في غزة تسعى إيران للتأثير ودفعها لمواجهة إسرائيل.
فيما اعتبر السفير الأمريكي دانيال شفيرو، أن الإرهاب هو التهديد المركزي الأكبر وعلى الجميع في المنطقة إيجاد طرق لمواجهته، وفيما يتعلق بالملف الإيراني اعتبر شفيرو، أن لا خلاف بين إسرائيل والولايات المتحدة، فالهدف مشترك وهو منع إيران من امتلاك سلاح نووي، مؤكدًا أن التعاون الأمني الأمريكي الإسرائيلي لم يكن في تاريخه مثل اليوم رغم الخلافات حول بعض القضايا.
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتعاظم قوة حماس في غزة
كما تحدث أيزنكوت عن التهديد القادم من غزة، معتبرًا أنه بعد عقد من الهدوء في الضفة تعتبر الساحة الفلسطينية التهديد الأكبر على المدى القريب، وهذا يتطلب تفكيرًا عميقًا ومتواضعًا في فهم الآخر، فكثير من القضايا معقدة ومقلقة جدًا، كعمليات الطعن غير المتوقعة، وفي ذات الوقت فحماس بدأت بإعادة قوتها والاستعداد لجولة قادمة في غزة رغم أن 2015 كانت الأكثر هدوءًا.
أما وزيرة الخارجية السابقة تسيبي لفني وزعيمة حزب الحركة "هتنوعا" المعارض، فقد اعتبرت أن أهم ما يجب أن تقوم به إسرائيل إيجاد حل سياسي مع الفلسطينيين، مضيفة "أنه يجب علينا العمل مع الرئيس الفلسطيني أبو مازن الذي يؤمن بالسلام"، وبحسب قولها فإنه لن يكون هناك سلام في المنطقة من دون سلام مع الفلسطينيين، فإبقاء الصراع مفتوحًا معناه استسلام لما أسمته الإرهاب وليس صراعًا به، مضيفة "لا ندير الصراع بل الصراع هو من يديرنا، إسرائيل الآن تفتقد إلى الرؤية، واستمرار الأمور على حالها من دون اتفاق سياسي معناه دولة ثنائية القومية، وحينها لن تكون إسرائيل لا دولة يهودية ولا ديموقراطية".
وعند حديثها عن موجة الانتفاضة الفلسطينية القائمة قالت إنه يجب اتخاذ العديد من التدابير لإيقافها، منها الدعم الاقتصادي وتسليم بعض المناطق.
أما يتسحاك هرتسوغ زعيم المعارضة وزعيم المعسكر الصهيوني "همخنيه هتسيوني" ، فقد اعتبر أن الحل السياسي هو الأمثل لإيقاف الانتفاضة الفلسطينية، معتبرًا أن التنازل عن المناطق المحيطة بالقدس كجبل المكبر والعيسوية؛ هو الضامن الأبرز لأمن إسرائيل ولوحدة القدس، "في نفس الوقت الذي علينا أن نعمل فيه مع العديد من الأطراف لمواجهة التحديات في الشرق الأوسط والتي منها الإرهاب والملف الإيراني وبناء نظرية أمنية لمواجهة الإسلام المتطرف؛ علينا كذلك الوصول إلى حل سياسي مع الفلسطينيين والانفصال عن الفلسطينيين في إطار حل دولتين".
ولم يفوّت هرتسوغ الفرصة في انتقاد نتنياهو معتبرًا أن على إسرائيل قبل الانفصال عن الفلسطينيين الانفصال عن بنيامين نتنياهو.
توتر الشرق الأوسط
ومن بين المتحدثين كان الليكودي جدعون ساعر الذي أكد أن الوقائع في الشرق الأوسط تشير إلى تغير قواعد اللعبة، وأن استمرار الأحداث في سوريا معناه زيادة موجات الإرهاب في أوروبا وفي دول المنطقة. "الشرق الأوسط هو أساس ازدهار الأيدولوجيات وعلى رأسها الإسلام المتطرف. على إسرائيل أن تكون فعالة وليس فقط في داخل حدودها بل أبعد من ذلك، وفحص إمكانية عمل اتفاق سياسي إقليمي مع الأردن ومصر لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بأفكار جديدة مع أن النجاح غير مضمون."
في حين اتجه يائير لبيد، زعيم حزب يوجد مستقبل "يش عتيد" المعارض، اتجاهًا آخر في توصيف التهديدات التي تحيق بإسرائيل، معتبرًا أن تراجع صورة إسرائيل العالمية تعتبر تهديدًا كبيرًا، "علينا استعادتها من خلال سياسات خارجية متوازنة، نعيش اليوم في عالم مليء بالإرهاب، لا تستطيع الدبلوماسية مواجهته بطرق أخلاقية، بل بطرق إستراتيجية استخباراتية".
وتطرق لبيد لعمل وزارة الخارجية الإسرائيلية، معتبرًا أن عليها علاج أمور مر عليها عقد من الزمن، ومنها ابتعاد الجيل الصغير في الولايات المتحدة عن إسرائيل، وحركات المقاطعة وغيرها، معتبرًا أن وزارة الخارجية لا تقل أهمية عن الأمن، وأن على إسرائيل تأهيل العديد من الدبلوماسيين ليقوموا بهذه المهمة.
الإستراتيجيات الإسرائيلية
لم يختلف الحاضرون والمتحدثون حول المخاطر التي تواجه إسرائيل، والتي على رأسها مخاطر داخلية كالانتفاضة الفلسطينية وتعاظم قوة حماس في غزة، أو التغيرات الإقليمية وزيادة قوة التنظيمات الجهادية، إضافة إلى الملف النووي الإيراني، ورغم أنه كان واضحًا أن الخطابات في المؤتمر تحولت إلى منصات خطابية تصلح أحيانًا للدعاية الانتخابية، لكن ذلك لم يخف عمق الأزمة الأمنية التي تحياها إسرائيل في ظل عجزها عن مواجهة انتفاضة تطلق عليها هي انتفاضة أفراد، وعبرت وعلى لسان رئيس هيئة أركانها ومن قبله رئيس وزرائها أنه لا يوجد حل سحري لتلك الأحداث.
فقد بدا جليًا أن إسرائيل تبني نظرياتها الأمنية في الفترة الحالية بالاتكال والاعتماد على الآخرين من خلال الولايات المتحدة ومواجهة الملف النووي الإيراني، وأحيانًا من خلال الأمل في أن تحقق لهم روسيا ما لم يستطيعوا تحقيقه في تفتيت سوريا، والتلويح إلى إمكانية التعاون مع الدول العربية في سبيل الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية على أسس جديدة لا يتخللها تنازلات جوهرية.
ويمكن تلخيص الإستراتيجية الأمنية الإسرائيلية في التعامل مع المخاطر المحيطة بها وفقًا لما طرح من أفكار وتصورات في مؤتمر معهد الأمن القومي الإسرائيلي على النحو الآتي:
أولاً: الملف الإيراني، لم يعد تهديدًا في المرحلة الحالية، لكن من الممكن أن يكون كذلك بعد عشر سنوات، وعلى إسرائيل التنسيق الدائم مع الولايات المتحدة في هذه المسألة، والعمل على إضعاف إيران من خلال الساحة السورية.
ثانيًا: على إسرائيل الاستعداد إلى إمكانية استمرار الأوضاع الحالية في سوريا والشرق الأوسط لسنوات طويلة مع إمكانية عدم عودة سوريا كدولة واحدة.
ثالثًا: الاستعداد لإمكانية مواجهة عسكرية أقوى وأكبر مع حزب الله اللبناني، الذي تعاظمت قدراته التسليحية في الفترة الأخيرة.
رابعًا: العودة إلى المفاوضات مع الفلسطينيين للوصول إلى حل سياسي حسب الشروط الإسرائيلية، وفي حال فشل ذلك على إسرائيل أن تقوم بعملية انفصال فعالة عن الفلسطينيين.
خامسًا: إعداد الجيش لمواجهة أخرى مع غزة في ظل تعاظم وازدياد قوة حماس الصاروخية وبنائها للأنفاق.
سادسًا: تعميق العلاقات مع الدول العربية البراغماتية، للمساعدة في حل القضية الفلسطينية ومواجهة تنظيم الدولة الاسلامية، في ظل وجود قاسم مشترك الا وهو التهديد الايراني.