القضية الفلسطينية في جولة ”بايدن“.. الرؤية والدلالات
أ.كريم قرط[1]
زار الرئيس الأمريكي ”جو بايدن“ الأراضي الفلسطينية ضمن زيارته الإقليمية التي بدأها في ”إسرائيل“ واختتمها في جدة بالمملكة العربية السعودية في الفترة ما بين (13-16 تموز/يوليو2022)، وكانت زيارته إلى مدينة بيت لحم الأقصر ضمن جولته، إذ لم تتجاوز مدتها الساعتين، التقى خلالها الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل أن يتوجه إلى كنيسة المهد.
جاءت هذه الزيارة في ظل ظروف عالمية متحركة دفعت الولايات المتحدة إلى تنفيذ استدارة مهمة في سياستها الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط، والمملكة العربية السعودية بشكل خاص، فيما همشت القضية الفلسطينية على جدول الأعمال، ويمكن القول إنها لم تكن موجودة إلا بشكل هامشي يتعلق ببعض المساعدات الإنسانية والمالية، الأمر الذي يطرح تساؤلًا عما إذا كان هذا التهميش يمثل استكمالًا لنهج سلفه ”دونالد ترامب“، أم أن هناك أولويات دفعت الإدارة الأمريكية إلى إعادة ترتيب أولوياتها في منطقة الشرق الأوسط؟، وما هي الآثار السلبية التي قد تتركها هذه الزيارة على القضية الفلسطينية؟
تغير الاستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة:
تحاول الولايات المتحدة الإبقاء على حضورها في منطقة الشرق الأوسط، ولو بالحد الأدنى، رغم انشغالها بقضايا عديدة في مقدمتها مواجهة الصعود الصيني والعودة الروسية إلى الساحة الدولية، حيث بدأت هذه الاستراتيجية إبان ولاية الرئيس الأمريكي الأسبق ”باراك أوباما“، الذي وضع مبدأ ”القيادة من الخلف“ لتقليل الانخراط الأمريكي في أزمات المنطقة، وتبني استراتيجية ”الاستدارة إلى الشرق“ لمواجهة الصعود الصيني.
سار الرئيس الأمريكي ”دونالد“ على ذات السياسة تقريبًا، مع أنّ ولايته شهدت انخراطًا أمريكيًا مهمًا في المنطقة، كان جله منحازاً إلى ”إسرائيل“ على حساب القضية الفلسطينية، إذ لم تختلف إدارة ”بايدن“ في توجهاتها إزاء المنطقة عن هذا الخط، فمن بين أهداف السياسة الخارجية التي أعلنت عنها إدارة ”بايدن“ عقب توليها كان: الرد بشكل أفضل على المكانة المتصاعدة للصين، وإنهاء الحروب الأبدية، والعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما بدا من خلال الانسحاب الأمريكي العشوائي من أفغانستان، والعودة إلى المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، إلّا أنّ تبعات الأزمة الأوكرانية أجبرت الولايات المتحدة على إجراء استدارة من جديد في سياستها الخارجية نحو الشرق الأوسط، فالزيارة الأمريكية إلى المنطقة أتت في ظل ارتفاع أسعار النفط والغاز، وبحث أوروبا عن بديل للغاز الروسي، وارتفاع مستويات التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية جراء الأزمة الأوكرانية؛ في ظل تراجع شعبية الرئيس الأمريكي ”بايدن“ واقتراب موعد انتخابات الكونغرس النصفية. يشار إلى أنّ لدى الولايات المتحدة مخاوف من تنامي علاقات حلفائها في المنطقة بكلٍ من الصين وروسيا، في ضوء إحجام حلفائها عن الانحياز إلى الموقف الغربي بشكل مطلق في الأزمة الأوكرانية، ولذلك تشكل هذه الزيارة محاولة لطمأنة هؤلاء الحلفاء بالتزام الولايات المتحدة بأمنهم، في ضوء الشكوك التي ثارت لديهم حول مدى استعداد أميركا الفعلي للدفاع عنهم بعد أزمة أوكرانيا، وبوادر الانسحاب الأمريكي من المنطقة، ولا يعدُّ الأمن هو الغرض الوحيد الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تقديمه لحلفائها، فعلاقات الصين بدول الخليج أصبحت متعددة ومتشعبة في المجالات الاقتصادية، وتأتي زيارة ”بايدن“ ضمن جهود أعمّ لمواجهة الصعود الصيني وتقديم الولايات المتحدة نفسها بديلًا عن الصين في المجالات التنموية، فزيارة ”بايدن“ إلى السعودية تمخض عنها العديد من الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، وذلك في محاولة لثني دول الخليج عن تعميق علاقاتها مع كل من الصين وروسيا.
بناء على ذلك، لم تكن القضية الفلسطينية ضمن حسابات زيادرة ”بايدن“ إلى المنطقة، ولم يكن من المتوقع أن ينتج عنها أي تطور إيجابي في مسار التسوية مع السلطة الفلسطينية، وهذا ما يدفعنا إلى استعراض موقف إدارة ”بايدن“ بشكل عام من القضية الفلسطينية.
موقف إدارة ”بايدن“ من القضية الفلسطينية:
لم يشهد موقف إدارة الرئيس الأمريكي ”جو بايدن“ من القضية الفلسطينية تغيرًا جوهريًا عن سياسة سلفه ”دونالد ترامب“، الذي كان يعد الرئيس الأكثر انحيازًا إلى ”إسرائيل“، فمع أن آمال السلطة الفلسطينية تصاعدت بحدوث تغير جوهري في السياسة الأمريكية عقب رحيل ”ترامب“، إلّا أنّ سياسة إدارة ”بايدن“ أظهرت أنه ليس هناك تغير جوهري أو حتى تكتيكي تجاه القضية الفلسطينية، فإدارة ”بايدن“ لم تتراجع عن الاعتراف الأمريكي بالقدس الموحدة عاصمة ”لإسرائيل“، كما لم تتراجع عن نقل سفارتها إليها، ولم تعد فتح القنصلية الأمريكية في شرق القدس، ولم تتراجع عن وسم منتجات المستوطنات ”الإسرائيلية“ بأنها منتجات ”إسرائيلية“، ولم تتخذ أي خطوات وضغوط لوقف الاستيطان أو دفع مسار التسوية، كما أنها لم تتراجع عن مسار التطبيع بين ”إسرائيل“ والدول العربية، الذي يشكل تجاوزًا لمبادرة السلام العربية، وعلاوةً على ذلك، لم تبادر إلى رفع منظمة التحرير الفلسطينية عن قوائم الإرهاب الأمريكية، ولم يكن التغير في الموقف الأمريكي متعلقًا إلّا بعودة بعض المساعدات المالية الأمريكية للأونروا والسلطة الفلسطينية، وهو نفس التوجه الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي بإعلانه عن عودة الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، ومن الملاحظ أن انحصار مواقف أمريكا وحلفائها إزاء القضية الفلسطينية بتقديم الدعم المالي وتحسين الظروف الحياتية وهو توجه يتلاقى مع خطط السلام الاقتصادي ”الإسرائيلية“ بتفرعاتها المختلفة.
بناء على ما سبق، يلاحظ أن إدارة ”بايدن“ منذ قدومها وحتى اندلاع الأزمة الأوكرانية لم تكن معنية، بما يتعلق بالقضية الفلسطينية، إلا بالحفاظ على الهدوء ومنع حدوث أي تصعيد أو تطويقه، كما حدث خلال معركة سيف القدس أيار 2021، وخلال شهر رمضان 2022؛ حتى لا يؤثر ذلك على سياسات الولايات المتحدة الإقليمية سواء أكانت الانسحاب من المنطقة أو الانخراط فيها.
زيارة ”بايدن“ للأراضي الفلسطينية:
سبقت زيارة ”بايدن“ إلى المنطقة عدة خطوات ”إسرائيلية“ وعربية وغربية للحفاظ على الهدوء والاستقرار في المناطق الفلسطينية، وذلك في محاولة لتغييب القضية الفلسطينية عن مشهد الأحداث المتسارعة في المنطقة، وخصوصًا خلال زيارة ”بايدن“، فقبيل الزيارة أعلن الاتحاد الأوروبي عن عودة الدعم المالي للسلطة الفلسطنية، وأعلنت ”إسرائيل“ من طرفها تقديم حزمة تسهيلات للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي مقابل ذلك، بذلت عدد من الدول العربية والإقليمية وساطات وجهودًا للحفاظ على الاستقرار خلال زيارة ”بايدن“ على جبهة غزة، كما حاولت ”إسرائيل“ الحفاظ على الاستقرار في الضفة الغربية عبر التواصل المباشر مع رئيس السلطة الفلسطينية، وزيارة وزير الدفاع ”الإسرائيلي“ ”بني غانتس“ له في المقاطعة والاتفاق على تعزيز التنسيق الأمني.
أما فيما يخص الزيارة؛ فلم تحظَ الأراضي الفلسطينية إلا بقرابة الساعتين فقط من زيارة ”بايدن“ إلى المنطقة الممتدة من 13-16 تموز/يوليو 2022، فحسب برنامج الزيارة؛ وصل ”بايدن“ إلى مستشفى المطلع في القدس الشرقية قرابة الساعة 10:30 صباحا، ثم توجه إلى بيت لحم قرابة الساعة 11:30 التقى خلالها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مقر المقاطعة، وزار كنيسة المهد، ثم غادر من هناك إلى مطار بن غوريون متوجهًا إلى جدة في إشارة إلى فتح السعودية مجالها الجوي أمام الطيران القادم من ”إسرائيل“، بينما كانت زيارته إلى ”إسرائيل“ عكس ذلك، فقد استمرت يومين التقى خلالها بعدد من المسؤولين ”الإسرائيليين“ الكبار، من رئيس الوزراء الانتقالي ”يأير لبيد“ حتى رئيس المعارضة ”بنيامين نتانياهو“، وتمخضت عن العديد من الاتفاقات الثنائية. وأيضا على عكس زيارته للملكة العربية السعودية التي التقى خلالها بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، بالإضافة إلى مشاركته في القمة الخليجية العربية التي تضم بالإضافة إلى دول الخليج كلا من مصر والأردن والعراق، ما يعنيه ذلك بوضوح هو أن القضية الفلسطينية ليست سوى جزئية هامشية من زيارة ”بايدن“، لم ينتج عنها سوى تأكيد ”بايدن“ اللفظي على أنه ما زال معتقدًا بأن حل الدولتين هو الحل الأفضل للقضية الفلسطينية.
أسهمت زيارة ”بايدن“ في زيادة تهميش القضية الفلسطينية عبر سلسة من الأهداف التي أُعلن عنها خلال الزيارة، بعيدًا عن التأكيد اللفظي على التمسك بحل الدولتين، فمن بين الأهداف المعلنة لزيارة ”بايدن“ كان دفع عملية التطبيع بين ”إسرائيل“ والدول العربية، ومحاولة جذب السعودية للتطبيع الرسمي مع ”إسرائيل“، وتعزيز دمج ”إسرائيل“ في المنطقة من خلال تحالفات عسكرية واقتصادية بينها وبين الدول العربية ”إسرائيل“، وفي هذا الإطار كان هناك أحاديث تدور عن نية إدارة ”بايدن“ الإعلان عن حلف عسكري دفاعي جوي موجه ضد إيران، وهو ما أطلق عليه الملك الأردني عبدالله الثاني ”ناتو شرق أوسطي“، تكون ”إسرائيل“جزءا منه، إلا أن الدول العربية أعلنت واحدة تلو الأخرى رفضها للفكرة وتوجهها إلى تحسين علاقاتها مع إيران.
لم يلغِ ذلك تعزيز العلاقات بين ”إسرائيل“ والدول العربية وتأكيد الولايات المتحدة على السير نحو تحقيق اندماج ”إسرائيل“ في المنطقة، حيث جاء “إعلان القدس” الذي وقعه الرئيس الأمريكي ”جو بايدن“ ورئيس الوزراء ”الإسرائيلي“ الانتقالي ”يأير لبيد“ خلال زيارة الأول إلى ”إسرائيل“ ليعلن بوضوح عن رؤية السياسة الخارجية الأمريكية نحو المنطقة والقضية الفلسطينية و”إسرائيل”، وهو ما يمكن اعتباره تأكيدًا أمريكيًا على سياساتها الدائمة تجاه هذه القضايا، وبعيدًا عن زيارة ”بايدن“ الهامشية للأراضي الفلسطينية وتأكيده عدة مرات على إيمانه بحل الدولتين، جاء إعلان القدس ليعلن عن الانحياز الأمريكي الكامل إلى ”إسرائيل“ وتبني تصوراتها لحل القضية الفلسطينية بعيدًا عن أي أفق سياسي، إذ جاء في البيان أن الولايات المتحدة تؤكد على التزامها بالحفاظ على أمن ”إسرائيل“ وتفوقها العسكري النوعي، وهذا التفوق العسكري ليس مقتصرًا على أعداء ”إسرائيل“ وإنما على أصدقائها والدول المطبعة معها أيضًا، وفي هذا الإطار نص الإعلان على تعهد الولايات المتحدة الأمريكية بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي باستخدام جميع عناصر القوة الأمريكية، وهو ما يعني إمكانية استخدام القوة العسكرية ضد إيران.
يضاف إلى ما سبق، تعهد الولايات المتحدة بتقديم مساعدات عسكرية إلى ”إسرائيل“ بمليارات الدولارات، وإمكانية مضاعفة هذا الدعم بشكل غير محدود في حالات الاستثناء، مثل العدوان ”الإسرائيلي“ على قطاع غزة، وتشير هذه الحيثية إلى انحياز أمريكي مباشر ضد الشعب الفلسطيني، وتبني رواية ”إسرائيل“ في العدوان على قطاع غزة، وإنكار حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، وما يعزز ذلك، أن الإعلان ربط حركات المقاومة الفلسطينية بوكلاء إيران في المنطقة، مؤكدًا على أن الولايات المتحدة ستعمل مع شراكائها على مواجهتها، كما أكد الإعلان على مساعي تعميق التطبيع ومشاريع دمج ”إسرائيل“ في المنطقة، وتوسيع دائرة التطبيع لتشمل دولًا عربية وإسلامية جديدة، ولم يكتفِ الإعلان بالتأكيد على دعم ”إسرائيل“ عسكريًا، وتجاوز القضية الفلسطينية، وإنكار حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، وإنما تعدى ذلك إلى إنكار حق الشعب الفلسطيني ومناصريه بأي انتقاد أو إدانة ل”إسرائيل“ وسياساتها، وقد أكد الإعلان على أن الولايات المتحدة و”إسرائيل“ ستواصلان العمل معًا لمحاربة كل الجهود الرامية إلى مقاطعة ”إسرائيل“ أو نزع الشرعية عنها، أو إنكار حقها في الدفاع عن النفس، أو استبعادها بشكل غير عادل في أي منتدى، بما في ذلك في الأمم المتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية، وفوق كل ذلك رفض حملة المقاطعة BDS ومواجهتها.
لم يترك إعلان القدس أي حيثية تؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية إلا ونص عليها، ومع أن الإعلان تضمن تأكيدًا أمريكيًا على مبدأ حل الدولتين إلا أنه اعتبر أن هذا الحل بعيد المنال، وفي مقابل ذلك تضمن الإعلان نصًا صريحًا يشير إلى تبني الولايات المتحدة بشكل رسمي لأطروحات السلام الاقتصادي، حيث جاء فيه: ”يؤكد القادة على التزامهم المشترك بالمبادرات التي تعزز الاقتصاد الفلسطيني وتحسن نوعية حياة الفلسطينيين“.
بعيدًا عمّا نص عليه الإعلان، فقد جاءت جميع خطوات ومراحل زيارة ”بايدن“ على أنها تطبيق عملي لما جاء فيه، فزيارة ”بايدن“ إلى الأراضي الفلسطينية التي اعتبرت خطوة رمزية لتمسك الولايات المتحدة بحل الدولتين، لم ينتج عنها سوى تقديم المساعدات المالية، إذ أعلن ”بايدن“ خلال زيارته إلى مستشفى المطلع عن تقديم مساعدة لمستشفيات القدس بقيمة 100 مليون دولار، بالإضافة إلى التعهد بتقديم 200 مليون دولار للأونروا، كما أُعلن عن مبادرات لتحسين الوصول إلى الرعاية الصحية والتكنولوجيا، وإطلاق الاتصال الرقمي 4G لكل من غزة والضفة الغربية؛ لتوفير فرص عمل جديدة وتطوير الاقتصاد الفلسطيني، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتعزيز الحوار بين الناس لدعم السلام.
من الواضح أن ما قدّمه ”بايدن“ للفلسطينيين لا يخرج عن إطار الحلول الاقتصادية للقضية الفلسطينية، وهو منحى يبدو أن أمريكا وأوروبا قد تبنتاه عمليًا، وهو ما عبرت عنه تصريحات المستشار الألماني ”أولاف شولتز“ خلال زيارته إلى ”إسرائيل“ في آذار/مارس المنصرم، والهدف من وراء ذلك هو الحفاظ على السلطة الفلسطينية وعدم انهيارها في ظل الأزمات المالية التي تواجهها، ومحاولة الحفاظ على الهدوء والاستقرار في الساحة الفلسطينية بشكل عام، ومن ناحية أخرى، أسهمت زيارة ”بايدن“ في دفع عجلة التطبيع إلى الأمام، وتمثل ذلك بفتح السعودية لأجوائها أمام الطيران ”الإسرائيلي“ والطيران القادم والمتوجه إلى”إسرائيل“، وهي الخطوة التي دشنها الرئيس ”بايدن“ بإقلاعه من مطار بن غوروين إلى مطار جدة مباشرة، وقد رأى ”بايدن“ أن تلك الخطوة يمكن أن تساعد في بناء الزخم نحو مزيد من اندماج ”إسرائيل“ في المنطقة.
المواقف الفلسطينية من زيارة ”بايدن“:
في ضوء الآثار السلبية لزيارة ”بايدن“ إلى المنطقة، التي كانت واضحة منذ البداية، وخاصة بعد صدور ”إعلان القدس“، لم تحظ الزيارة إلى المنطقة والأراضي الفلسطينية بدعم الفصائل والشارع الفلسطيني، فمع أن الرئيس أبو مازن استقبل ”بايدن“ وتباحث معه في أوضاع القضية الفلسطينية، إلا أن هناك أصواتًا من داخل حركة فتح شككت في جدوى الزيارة والغرض منها، حيث قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد: ”نحن غير متفائلين من الزيارة، ومتشككون منذ بداية الحديث عن مؤتمر وتحالف شرق أوسطي جديد، على غرار حلف (الناتو) من أجل مواجهة إيران، كأنها هي الخطر الأوحد. هذا الحلف، هو إرضاء للمخاوف ”الإسرائيلية“ من إيران، ولن يكون من أجل مصلحة الشعوب العربية وإحلال السلام في الشرق الأوسط“.
بينما في الجانب الآخر؛ عارضت معظم الفصائل الفلسطينية زيارة ”بايدن“ ولقاءه بالرئيس عباس، حيث أصدرت حركة حماس بيانًا قالت فيه: إن ”أجندة الزيارة تعبّر بوضوح عن نهج هذه الإدارة المستمر في تكريس الاحتلال الصهيوني ودعمه، الماضي في عدوانه ضد أرضنا وشعبنا ومقدساتنا، وتنكّره لحقوق شعبنا المشروعة في الحريّة والاستقلال“، كما حذرت من محاولات الإدارة الأمريكية دمج ”إسرائيل“ في المنطقة وتوسيع دائرة التطبيع معها، ودعت السلطة الفلسطينية إلى الكف عن الرهان على الموقف الأمريكي والعودة للخيار الشعبي في المقاومة والثورة المستمرة.
من ناحية أخرى، أعلنت حركة الجهاد الإسلامي معارضتها للزيارة، إذ أكّد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة على أن أهداف زيارة ”بايدن“ معلومة مسبقًا، وأن أمريكا تسعى إلى الحفاظ على مصالحها ومصالح ”إسرائيل“ الأمنية، وأن الفلسطينيين عليهم أن لا ينتظروا التسهيلات الحياتية التي يقدمها الاحتلال، وإنما عليهم أن يبادروا إلى المقاومة لانتزاع حقوقهم الوطنية.
كما أصدرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بيانًا رفضت فيه الزيارة، ودعت الشعب الفلسطيني للتصدي للمخططات الاستعمارية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، حيث جاء في البيان: ”إن الإدارة الأمريكية لا تتورع عن إظهار أهدافها من خلال سياساتِها العدوانية التي تمارسها ضد شعبِنا، وكذلك من خلال برنامج هذه الزيارة المعلن،… أن الهدف الرئيسي من هذه المنظومة الاستعمارية هو منح الكيان الصهيوني مزيدًا من التسليح والدعم العسكري والسياسي والمالي، … وكذلك لتصفية القضية والحقوق الفلسطينية، وفرض احتلال وعبودية أبدية على شعب فلسطين، وفرض هيمنة الكيان الصهيوني على دولنا وشعوبنا ومواردنا وأرضنا“.
الخاتمة:
لم تكن القضية الفلسطينية محط اهتمام خلال زيارة ”بايدن“ إلى المنطقة، ولكن هذه الزيارة تركت آثارًا سلبية بالغة الخطورة على القضية الفلسطينية، وزادت في تهميشها ومحاولات تصفيتها وتجاوزها، وإنهاء مبادرة السلام العربية التي اقترحتها السعودية في قمة بيروت 2000، والإعلان الرسمي عن أن حل الدولتين أصبح غير ذي صلة بالواقع.
كما كشفت الزيارة عن توجهات غربية نحو أطروحات السلام الاقتصادي، والتعامل مع القضية الفلسطينية كونها قضية إنسانية وليس كونها قضية سياسية، من خلال العودة المحدودة للمساعدات المالية الغربية للسلطة الفلسطينية، وهي سياسة لا تختلف عن السياسة ”الإسرائيلية“ في هذا الإطار؛ القائمة على تجاهل الحل السياسي، مع التأكيد اللفظي عليه، وحصر القضية الفلسطينية بالمساعدات الإنسانية والتسهيلات الاقتصادية، في مسعى للحفاظ على الهدوء والاستقرار في المنطقة، ويمكن القول أن هدف الإدارة الأمريكية هو إسكات القضية الفلسطينية حتى لا تظل عامل توتر في المنطقة، الذي من شأنه أن يعرقل مشاريع التطبيع الإقليمي، ويجبر الولايات المتحدة على الانشغال عن أهدافها في مواجهة الصين وروسيا.
[1] – باحث في مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، رام الله.