القراءة الشهرية لأبرز ما تناولته مراكز الأبحاث الأجنبية حول القضية الفلسطينية
أيار/ مايو 2021
محمد حسن
تركزت أعمال مراكز الأبحاث الأجنبية المتخصصة خلال شهر مايو 2021 على ملف “الصراع الفلسطيني الصهيوني”، وخاصة حول المواجهة الأخيرة التي أخذت أشكالا لم تعهدها القضية منذ عقود. يتناول هذا التقرير أبرز الموضوعات التي أثيرت من قبل المتخصصين، كأسباب المواجهة، ودور اتفاقيات التطبيع في إشعالها، وما كشفته هذه الاتفاقيات، ومدى تأثيرها على قواعد “الصراع”، ورؤيتهم للمنتصر، والإخفاق في بنية النظام الإسرائيلي، ومسارات خروج “إسرائيل” من مأزقها، والتغير في لغة الصين والاتحاد الأوروبي نحو القضية الفلسطينية. وكان لمعهد واشنطن، ومؤسسة دراسات الشرق الأوسط في واشنطن، ومركز دراسات الأمن القومي لدى الاحتلال، ومؤسسة المبادرة الأمريكية، الدور الأكبر في التحليل والتقدير وتقديم التوصيات.
انتصار حماس
يرى إيتاي برون (Itai Brun) في مقالته المنشورة من قبل مؤسسة دراسات الأمن القومي، أن القيادة الإسرائيلية تفاجأت من الهجمات الصاروخية غير المسبوقة كمّا ونوعا، والتي منحت حركة حماس صورة المنتصر في المعركة الأخيرة. ويشك برون أن هذا الانتصار سيغيّر الوضع الراهن للصراع.
وفي سياق آخر، لم ينكر ثلاثة من الكتاب الداعمين لإسرائيل في مقالتهم بعنوان “الحملة الإدراكية لعملية حارس الأسوار: المعركة السردية“، أنه كان لحركة حماس اليد العليا في المعركة، وأنها اكتسبت إنجازا إدراكيا عظيما. لكنهم يؤكدون على أن ما يتناقله الإعلام لا يعكس الواقع، إذ حققت المعركة قدراً من الإنجازات لصالح الإسرائيليين، تمثل أبرزها في تقديم معلومات حول القدرات العسكرية، لحركات المقاومة في غزة، إضافة إلى تدمير بنية حساسة تعود للمنظمات المسلحة، وتدمير بنى تحتية حيوية في القطاع.
أبرز ما كشفته المواجهة الأخيرة بين الفلسطينيين و “الإسرائيليين”
تم نشر مخرجات ورشة نقاشية على صفحات معهد واشنطن، وكانت بعنوان ” عنف حماس وإسرائيل: السياق والمسار“. خلص المشاركون في الورشة إلى أن عاملا رئيسا أشعل فتيل الأحداث الأخيرة، وهو الغموض السياسي في الأفقيْن الفلسطيني والإسرائيلي. وكانت الأحداث قد أظهرت مدى اليأس في الشارعيْن من أي أفق لحل الصراع. يأتي ذلك في سياق تضييع المعسكر الأمريكي الإسرائيلي الفرص الكبيرة لإنعاش رأس السلطة الفلسطينية محمود عباس وتقويته، مما منح حركة حماس يدا عليا. بناء عليه، يؤكد الباحثون أن على الولايات المتحدة، إذا أرادت استعادة طريق الدبلوماسية إلى الواجهة، أن تعمل بقرب مع قيادات السلطة الفلسطينية.
و حسب المبعوث الأمريكي الأسبق للسلام في الشرق الأوسط دينيس روس، فإن “تبادل” الصواريخ بين “إسرائيل” وحماس كشف بعض الحقائق، منها أولا: لا يمكن إدارة الظهر للقضية الفلسطينية، فقد أثبتت الوقائع خطأ الفرضية الإسرائيلية بأن تطبيع العلاقات مع العرب يؤدي إلى احتواء الحالة الفلسطينية، من خلال الالتفاف عليها وتهميشها. ثانيا، لا تزال القدس في مكانة حساسة جدا من شأنها إشعال فتيل الصراع، خاصة عندما يتم تهديد الوجود الفلسطيني في القدس، أو أي من الأماكن المقدسة. ثالثا، تهدد حركة حماس مستقبل أي أمل “لعملية السلام”.
وفي سياق أسباب المواجهة، يتفق الكاتب باول شينكمان (Paul Shinkman) مع دينيس روس، بأن اتفاقيات التطبيع بين “إسرائيل” وبعض الدول العربية، واحدة من الأسباب البارزة التي عجّلت بلوغ الأحداث الأخيرة إلى ذروتها؛ لأن الطريق الدبلوماسي، الذي يقلل من فرص اللجوء إلى المواجهات المسلحة، ويقلل من إمكانية الدخول في حالة فوضى، قد تم تعطيله بفعل اتفاقيات التطبيع، التي اعتمدت على استراتيجية تهميش الفلسطينيين فيها بشكل مبالغ فيه، وبُنيت على فرضيات الاستهانة بثقل الفلسطينيين في المعادلة السياسية.
وعلى الصعيد الداخلي الإسرائيلي، يرى الكاتب زاك بوخامب (Zack Beauchamp) في مقالته بعنوان ” تفكك إسرائيل” على موقع “فوكس ميديا” أن الأحداث الأخيرة أثبتت وجود إخفاق كبير في البنية السياسة في “إسرائيل” في استيعاب الفلسطينيين في مناطقها، مما يضع المجتمع هناك تحت عواقب مستقبلية بعيدة المدى.
توجس اقتصادي
مايكل روبين (Michael Rubin)، وهو كاتب رفيع المستوى وداعم لإسرائيل في مؤسسة المبادرة الأمريكية (American Enterprise Institute). وفي مقالته بعنوان “صواريخ حماس والطائرات بدون طيار الإيرانية: حرب استنزاف اقتصادي ضد إسرائيل؟” يشرح” روبين” بعض الخسائر الإسرائيلية الاقتصادية الناتجة عن القصف الصاروخي من المقاومة الفلسطينية. فقد أشار إلى أن كل بطارية من القبة الحديدية تكلف 100 مليون دولار أمريكي، وأن تكلفة كل صاروخ مضاد تتراوح ما بين 40 ألف و 80 ألف دولار. وفي المواجهة الأخيرة، اعترضت القبة الحديدية 2500 صاروخ بتكلفة تقارب 100 مليون دولار. لم يفصل الكاتب هذه الخسارة الإسرائيلية عن سياق حلبة المنافسة الاقتصادية في الإقليم وخاصة مع تركيا وإسرائيل. والخسارة الاقتصادية الإسرائيلية حسب روبين، لا تظهر انعكاساتها الجدية على المدى القريب، بل ستؤثر على المكانة الاقتصادية الإقليمية لإسرائيل. ومن الأمثلة على المنافسة تصنيع الطائرات المسيرة في تركيا وإيران من جهة، و”إسرائيل” من جهة أخرى. فاستمرار عدم الاستقرار سيشكل استنزافا للاقتصاد الإسرائيلي، المستفيد منه في الإقليم كما يرى روبين هم الأتراك والإيرانيون.
وفي السياق الاقتصادي أيضا، يؤكد كارين يونغ (Karen E. Young) في مقالته المنشورة على بلومبيرغ، والتي كانت بعنوان “أرباح اتفاقات إبراهيم في إسرائيل في موضع شك” على ضعف الوعود الاقتصادية لمعاهدة أبراهام. فمضمون الجانب الاقتصادي من المعاهدة قائم على قاعدة الأعمال المباشرة بين أفراد الشعبين، العربي والإسرائيلي، لكن أحداث الأسابيع الأخيرة هددت الوعود الاقتصادية كافة. مما سيؤدي إلى سحب الاستثمارات المحتملة من الخليج. خاصة وأنّ بعض الشركات الأوروبية انسحبت من اتفاقيات تعاون مع شركات إسرائيلية، كما حصل مع شركات نرويجية مؤخرا. إضافة إلى ذلك، بُنيت الوعود الاقتصادية في الاتفاقية الإبراهيمية على مبالغة في تقدير مستقبل السياحة من الخليج إلى “إسرائيل”، ولا يبدو أن الخليجيين منسجمون مع توجهات الاتفاقية، كما لا يبدو أنهم راضون عن السلوك الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين.
كيف يمكن أن تخرج “إسرائيل” من مأزقها بناء على اقتراحات مثقفين داعمين لها؟
يحاول ديفيد بولوك (David Pollock) في مقالته المنشورة في معهد واشنطن، أن يساعد “إسرائيل” على الخروج من أزمتها الأخيرة. يوصي بولوك “إسرائيل” بتقديم “دعم إنساني” مباشر لقطاع غزة، ويرى أن على “إسرائيل” تشجيع تركيا وقطر من أجل تحقيق ذلك. الدعم الإنساني لقطاع غزة سيساعد في تعزيز أصوات “الاعتدال” الفلسطينية من جهة، ويرمم ما فسد من السمعة الإسرائيلية عالميا من جهة أخرى. يعتقد بولوك أيضا أن تنفيذ وقف إطلاق نار بعيد المدى، هو خيار أفضل لإسرائيل، مع التركيز على تسهيل إعادة الإعمار والإغاثة للقطاع. وأخيرا، يجب الضغط على تركيا وقطر، من أجل ثنيهما عن تقديم الإسناد لحركة حماس.
أما أودي ديكيل (Udi Dekel)، وفي مقالته المنشورة في مؤسسة دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بعنوان “عملية حارس الأسوار: تصور النهاية”، فيقدم توصياته للحكومة الإسرائيلية كما يلي:
- يجب على أي اتفاقية قادمة أن تكون مع قيادة السلطة الفلسطينية، ويجب العمل على تهميش مكانة قيادة حركة حماس فيها، وعدم منحها الشرعية والاعتراف، أو تحقيق أي إنجازات.
- الإبقاء على أوضاع الحصار كما كانت قبل اندلاع الأحداث الأخيرة.
- منع مأسسة المنظمات العسكرية.
- يجب على أي عملية إعادة إعمار أن تستثني دولا كتركيا وإيران وقطر، وأن يفسح المجال أكثر للدول العربية “البراغماتية”.
- تقييد أنشطة الجماعات اليهودية المتطرفة.
- تعزيز مكانة الأردن في سيطرتها على الأماكن المقدسة في مدينة القدس.
- منح الأمل للدوائر الفلسطينية غير المقتنعة بالعمل المسلح.
ينبغي على الأوروبيين والصينيين إعادة مقاربتهم للصراع
يعتبر بريزلسماو آوسفيكس (Przemysław Osiewicz)، أن انعدام الاستقرار في الملف الفلسطيني الإسرائيلي، تهديد مباشر للاتحاد الأوروبي. فالأخيرة تؤيد حل الدولتين، وتعتبرها الصورة المثالية لتسوية الصراع، لكن ينظر الكاتب لحل الدولتين كأُمْنية وفرص تحقيقها قليلة. لذلك يحث الكاتب الأوروبيين على الانتقال من عالم الأقوال إلى عالم الأفعال، وذلك من خلال تفعيل الرباعية الدولية، والعمل بشكل مشترك إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، على أسس حماية حقوق الإنسان وحياة المدنيين.
وفي سياق آخر هناك حالة من عدم الرضا في الأوساط الإسرائيلية تجاه الصين؛ بسبب موقفها من الأحداث الأخيرة، فقد بدت لهم الصين داعما للفلسطينيين. وحسب إيال بروبر (Eyal Propper) فإن ذلك يعود إلى طبيعة الصراع والمنافسة بين الولايات المتحدة والصين على الساحة الدولية. فقد أرادت بيجين صفع الولايات المتحدة نتيجة محاولة الأخيرة تحريك ملف الإيغور، وشمل الخطاب الصيني الأخير تعبيراتٍ غير معهودة، كالفلسطينيين “المسلمين” الذين يواجهون الإسرائيليين. بالتالي، سيدفع هذا التصعيد على الساحة الدولية، إلى تهديد استراتيجي للمصالح القومية الإسرائيلية، وقد يساهم في إعادة الحياة أكثر للقضية الفلسطينية.