الفكر الصهيوني المعاصر في المناهج المدرسية الإسرائيلية

جاء في قانون التعليم بدولة "إسرائيل" (إن الهدف من التعليم الرسمي هو إرساء الأسس التربوية على أسس الثقافة اليهودية، ومنجزات العلم، وعلى محبة الوطن، والولاء للدولة وللشعب اليهودي).

 

كتب العقيدة اليهودية، وفي مقدمتها العهد القديم (التوراة، والأنبياء، والمكتوبات)، إضافة إلى كتب الشارحين المفسرين من الحاخامات والكتب الربانية كالتلمود (المشنا والجمارا)، والمدراش والهلاخا والهغدا، بما تتضمنه من أصول للمعتقد والفكر، والأحكام والنصوص التاريخية والأخلاقية، وقوانين اليهود السياسية والمدنية والدينية؛ شكّلت الاتجاه والمنطلق الذي ترتكز عليه العملية التربوية الصهيونية، وتوجهاتها نحو تنفيذ كل ما هو مدرج تحت ذلك من عناوين ومسميات.

وتم التأكيد على هذه المعاني في قرارات زعماء اليهود في ثلاثة وعشرين مؤتمرًا منذ عام 1897 حتى عام 1951، كان آخرها المؤتمر الذي انعقد في القدس لأول مرة عام 1951، وهو يبحث في ظاهرة مسألة الهجرة إلى "إسرائيل"، فيما كان هدفه دراسة الخطط التي تؤدي إلى تأسيس مملكة صهيون العالمية، والاستيلاء على العالم بشتى الوسائل.

ومنذ عهد الانتداب البريطاني على فلسطين، وقبل قيام الكيان الإسرائيلي، حرصت الصهيونية على القبض بيدها على زمام المبادرة في مجال التعليم، وفرضت على الإدارة البريطانية إرادتها بأن يكون للوكالة اليهودية الحق في وضع المناهج الدراسية للطلاب اليهود، في الوقت الذي حُجب هذا الحق عن سكان الأرض الشرعيين، أي العرب الفلسطينيين، بل نُصِّبَ مسؤول بريطاني على إدارة المعارف، بحيث يضع المناهج التي تتناسب مع وعد بلفور وصك الانتداب البريطاني، الذي نصَّ على وضع أهل فلسطين في أحوال اقتصادية واجتماعية تهيئ لقيام الوطن القومي اليهودي.

ولعل الدارس لطبيعة المجتمع الإسرائيلي اليوم، يلاحظ تلك الملاءمة والتوافق القوي بين أهداف التربية اليهودية من جهة، وأهداف الحركة الصهيونية وحاجات المجتمع الإسرائيلي من جهة أخرى، فقد كانت التربية اليهودية بخلفيتها الدينية والتوراتية والتلمودية العنصرية، وبفلسفتها المستمدة من تعاليم الصهيونية العدوانية، هي الوسيلة الأولى والأهم، التي استخدمت لتحقيق أهداف الصهاينة في إنشاء الكيان الإسرائيلي وبقائه. 

إن أهم ما يميز التربية والتعليم في الكيان الإسرائيلي هو عسكرتها، لدرجة تجعل الطالب – خصوصًا في المراحل الإعدادية والثانوية- جنديًّا، وبهذا تتكامل المناهج مع التربية، لتؤدي دورًا واحدًا هو خلق جيل متطرف معبأ بكافة المبررات، ليسلب ويغتصب حق الآخرين.

ولا يخفى مدى ارتباط المدارس الإسرائيلية بالجيش، بل إن الأمر يفوقه إلى حد تسلم ضباط متقاعدين من الجيش وجهاز المخابرات (الشاباك) وظائف إدارية في المدارس، والعمل مربّين للطلاب، وأيديهم ملطخة بدماء الفلسطينيين، حيث تمول وزارة المعارف مشاريع خاصة، تؤهل ضباطًا متقاعدين من الجيش وجهاز المخابرات (الشاباك) للعمل مربّين في مدارسها.

الفلسطينيون في الكتب المدرسية الإسرائيلية

ينطلق اليهود في نظرتهم للعرب الفلسطينيين نظرة استعلائية، مبنية على مصادر دينية تعتمد على ما ورد في نصوص التوراة المزوّرة، ونظرة فلسفية، مبنية على بنات أفكار بعض مفكريهم، سواء القدامى منهم أو المعاصرين.
فقد حرفوا بعض النصوص التوراتية المعادية للأغيار من أجل تحقيق مآربهم، ودسّوها في الكتب الدراسية لأبنائهم، ومنها: "أنا الرب الذي ميّزكم من الشعوب"، و" وقد ميّزتكم من الشعوب لتكونوا لي" (مجمع الكتب المقدسة، 2009).

كما أكدوا أيضًا على نصوص توراتية أخرى للناشئة اليهود، مليئة بالكراهية والحقد الأعمى، منها: "حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدْعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الذي فيها يكون مسخّرًا لك، ويُستعبَد لك، وإن لم تساعدك بل حاربتك فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف… وأما النساء والأطفال والبهائم وكل من في المدينة غنيمة… وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا، فلا تستبق نسمة منها" (مجمع الكتب المقدسة، 2009).

وقد وضعت وزارة المعارف الإسرائيلية القيم التربوية التي تعتمدها في كتب العلوم الإنسانية (الجغرافيا – التاريخ – التربية المدنية – العقيدة اليهودية – المطالعة)، في سلم اهتماماتها العنصرية، ومنها ما جاء في كتاب (المرتكزات والقيم التربوية الصهيونية)، الذي تتضح فيه أمور كثيرة، تعكس نظرتهم للعرب والفلسطينيين، التي تدلّ على تجاهل تام لهم، ووصفهم بالغرباء والآخر. ففي مراجعة للكتب الدراسية الإسرائيلية، في المدارس الإعدادية الحكومية، يُلاحظ أنه لم يُعثر على اهتمام خاص بشيء اسمه فلسطين، غير أنه تمت الإشارة للفلسطينيين بمصطلح "الآخر" بمعناه الاجتماعي، وأحيانًا في غمار الحديث عن شعوب أخرى كاليابانيين والصينيين" (دكتور فيرر، 2002).

يدِّعي اليهود بأن العرب وغيرهم غرباء (غوييم)، والغوي (الغريب) عندهم يحق قتله، وسلبه، واستعباده، ولم يُبقِ اليهود وصفًا قبيحًا ولا مصطلحًا سيئًا في قاموس لغتهم، إلا واستخدموه في توصيفهم للعرب والفلسطينيين، موثّقين ذلك من كتبهم، حيث يعلمونه لأطفالهم وناشئتهم؛ ليكبروا على تلك القيم التي تستعلي على الآخر. والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها:

  • الفلسطيني يتقن ركوب الخيل… ورغم إيجابيات ذلك إلا أنه يستخدمه للسرقة من اليهود.
  • فقط العرب من يعملون في الأرض، فلاحة الأرض لهم فقط.
  • لن أترك أيادي الغرباء تعمّر وطني.
  • المعروف عن العربي أنه "تمر هندي" أو سُمّ.
  • العرب: قتلة مخربون وجوههم قبيحة.
  • العربي: طويل القامة، عريض المنكبين، يلمع في عينيه بريق الغضب، وجهه قاس، شاربه مدبب يرتفع على شكل قرنين (دكتور فيرر، 2002).
  •  

يلاحظ الدارس للكتب الدراسية الإسرائيلية أمورًا في غاية الغرابة، وبالذات فيما له علاقة بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام1967؛ فالإسرائيليون يؤكدون لأطفالهم في الكتب المدرسية على مجموعة من القضايا حول أرض فلسطين، لتصبح مع الوقت مسلّمات عندهم، ومنها:

  1. لليهود حق تاريخي في هذه البلاد، والعرب جاؤوا من الصحراء، واحتلوها لا غير، بدليل تراجعهم عنها، وهروبهم أمام أهلها اليهود.
  2. العرب لا يستحقون هذه البلاد، لأنهم "أعداء للمدنية والحضارة والتقدم البشري".
  3. الوجود العربي الإسلامي كان عابرًا.
  4. فلسطين التاريخية هي أرض "إسرائيل" الكبرى.
  5. لا وجود لشيء اسمه الخط الأخضر في خرائطهم.
  6. يتحاشون الإشارة إلى المدن الفلسطينية والأماكن الإسلامية والعربية المقدسة، والجامعات الفلسطينية لا ذكر لها إطلاقًا في كتبهم.
  7. يبرزون مستوطنات الضفة الغربية.
  8. يطلقون على الضفة الغربية اسم يهودا والسامرة.

يهدف الاحتلال من وراء هذا الأسلوب، الذي يحمل في طياته تغييب الآخر وتهميشه، إلى خلق أجيال من أبنائهم يحملون هذه القناعات، لتكون حافزًا لهم للدفاع عن هذه الأرض، وعدم التنازل عنها (الدار، شتاحيم فلسطينيين لو ببيت سفرينو:مناطق فلسطينية ليست في مدرستنا، 2004).

القدس والأماكن المقدسة

حاول القائمون على إعداد المنهاج التعليمي الإسرائيلي تهميش الحق الإسلامي والعربي في القدس، من خلال ما دسوه من سموم داخل الكتب وبين السطور.

فمع بدْء العملية التعليمية في المرحلة الابتدائية، تُقدّم المناهج الدراسية في كل من الدراسات الاجتماعية والجغرافيا والتاريخ، والتربية المدنية، والتربية الوطنية، عرضًا مفصلاً عن أرض "إسرائيل" والمستوطنات الإسرائيلية في القدس. ومن أهم مرتكزات المنهاج التعليمي الإسرائيلي الخاص بمدينة القدس ما يلي:

التنكر للوجود التاريخي العربي والإسلامي في المدينة المقدسة، واعتبارها مدينة يهودية خالصة، يقترن وجودها التاريخي بوجود المؤسسات والمعابد والهياكل اليهودية، والتأكيد على أن الحضور التاريخي لليهود فيها لم ينقطع، رغم ما تعرضت له من هدم وترميم، حيث لم تلبث هذه المعابد والقصور والهياكل اليهودية أن أعيدت لها أمجادها، حسب ادعائهم، في مراحل متعددة في التاريخ، وخاصة بعد "إعادة توحيد القدس وجعلها عاصمة أبدية لإسرائيل" بعد عدوان1967، والنص التالي مثال على ذلك: "…. إن جعْل أورشليم عاصمة لإسرائيل، لا يُعزى إلى قوة الإعلان عن مركزها ومكانتها، بل بسبب تاريخ اليهود التراثي فيها".

  1. اعتبار الفتح الإسلامي للمدينة على أنه احتلال، وأن الخليفة عمر بن الخطاب قاد جيش المحتلين، والنص التالي مثال على ذلك: "… احتلال العرب المسلمين (لفلسطين) تم في 638م، فبسطوا نفوذهم على (القدس) وطبعوها بطابعهم… وعمر بن الخطاب كان قائدًا لجيش المحتلين، وبعد أن استتب الحكم للعرب، قام المسلمون بتنظيف موقع الهيكل المقدس، الذي كان مغطى بالزبالة والقاذورات، ليقيموا فيه مبناهم الرائع (قبة الصخرة) والمسجد الكبير".
  2. الادعاء بأن سائر المعابد والكنائس والمساجد هي أماكن أثرية أبدية يهودية، بناها المسيحيون والمسلمون على أنقاضها، كما هو الحال بالنسبة للمسجد الأقصى، الذي بُني على أنقاض هيكل سليمان في جبل (الموريا)، الذي اشتراه سيدنا إبراهيم وهيأه فيما بعد النبي ليكون مقرًّا له في عاصمته (أورشليم). (الدار، 2004)
  3. وصْف العرب أهالي مدينة القدس بالمخربين والدخلاء، والادعاء بأن عملية طرد الغزاة من الصليبيين على يد القائد صلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس، جاءت بفعل أعمال تخريبية تدميرية قام بها الأيوبيون والمماليك المسلحون، والنص التالي مثال على ذلك: "إن القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي طرد غالبية المسيحيين من (القدس) بعد أن سيطر عليها عام 1187م، وأعاد لها طابعها الإسلامي، وإن اليهود عادوا إلى (أورشليم) … المماليك احتلوا القدس بعد أن كانوا عبيدًا متمردين.. فلم يهتموا بإعادة بناء القدس".
  4. الادعاء بأن احتلال القدس من قبل قوات الاحتلال جاء نعمة لأهلها، لأنها شهدت خلال هذه الفترة نهضة عمرانية وحضارية حسبما جاءت به الصهيونية، وجاء الاحتلال لتخليص القدس من العبث والتخريب العربي حين كانت خاضعة للسلطة العربية.
  5. اعتبار القدس قبلة أنظار اليهود، وبؤرة تتجمع حولها اليهودية، وما المسيحية والإسلام سوى عقيدتين تأثرتا باليهودية، التي تعتبر القدس محورها ومعقد رجائها. (وزارة المعارف، 2016)  

الترويج للرواية الصهيونية العنصرية 

يهدف واضعو الكتب المدرسية الإسرائيلية إلى التأكيد على الرواية الصهيونية في مختلف جزئيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، متجاهلين تمامًا رواية الآخر، رغم القرائن الكثيرة التي تدلّ على أن ما يروّجون له مجرّد تزوير للتاريخ والجغرافيا، ومن جملة هذه القضايا:

  1. قضية الحق في فلسطين: فقد لجأت وزارة المعارف إلى نشر الرواية الصهيونية الخاصة بالحق اليهودي في فلسطين، مستعينة بمجموعة من المؤرخين المعنيين أيضًا بنشر مثل هذه الثقافة، بل وتربية الأجيال الصغيرة عليها. وقد شبّهوا العرب سكان البلاد الأصليين ببدْوٍ رحّل جاؤوا من الصحراء محاولين القضاء على الحضارة الإسرائيلية، كما أنهم زجوا ببعض المصطلحات الفجّة في مناهجهم ضد العرب الفلسطينيين، الذين تصفهم تلك المناهج باللصوص وغير الحضاريين (فودا، 2002). 
  2. قضية اللاجئين: أظهرت الكتب المدرسية الإسرائيلية قضية اللاجئين الفلسطينيين على أنها لا تعدو كونها مسألة أعداد من الفلسطينيين قرروا الفرار والهرب لا غير، وأن الصهاينة لم يرتكبوا بحقهم أي ممارسات فظة، أو مجازر أو مس بحقوق الإنسان (فودا، 2002).

ومن أهم مصادر الفكر الصهيوني المتطرف والمروّج للرواية الصهيونية، ما عرف بوثيقة الاستقلال، التي تم الإعلان عنها مع الإعلان عن الكيان الإسرائيلي عام 1948. فقد اعتمدت الوثيقة عددًا من العناصر الأساسية، التي تصبّ كلها في صالح المشروع الصهيوني، ومن هذه العناصر ما يلي: 

  1. حق اليهود التاريخي والقانوني والطبيعي في إقامة وبناء الدولة.
  2. الإعلان عن الدولة ومؤسساتها. 
  3. بيان أسس إدارة الدولة بالنسبة للشعب اليهودي، ثم تجاه سكان البلاد كافة، وأخيرًا تجاه الأمم المتحدة.
  4. توجيه نداء إلى الأمم المتحدة، وللعرب داخل فلسطين، وللدول المختلفة، وأخيرًا للشعب اليهودي.
  5. عدم بيان حدود دولة "إسرائيل"، وذلك بهدف التحلل من أي التزام، والاستمرار في سياسة التوسع.

انطلاقًا من وحي هذه المفاهيم، تم وضْع فلسفة تربية النشء الصهيوني، وتركزت فلسفة التعليم لأبناء اليهود في المفاهيم التالية:

  • إن اليهود أمة واحدة لا بد من تجميعهم في أرض فلسطين؛ ليكونوا في بوتقة واحدة يجمعهم الدين، واللغة، والوطن.
  • إن "أرض إسرائيل" هي وطن هذه الأمة، ولا بد من العودة إليه والارتباط به.
  • إعادة صياغة الأمة اليهودية وفق الروح والثقافة اليهودية، وحيًا من الدين اليهودي واللغة العبرية، وتطبيق ذلك على اليهود جميعًا، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. 
  • اعتبار التوراة في أصولها العبرية المصدر الأساس للتاريخ اليهودي، وجغرافية الوطن، ومصدر اللغة العبرية، والأدب القومي، والمحتوى الأساسي للتقاليد الروحية والأخلاقية.
  • اعتبار الشعب اليهودي شعب الله المختار، الذي هو فوق كل الشعوب، وكل الشعوب مسخّرة لخدمته، واعتبار كل الحضارات والعلوم إنما هي وحي من هذا الشعب المختار. 
  • إيجاد المجتمع العسكري الدائم، وذلك بتدريب الشعب كله على الجندية، وبما يشجّع على إدخال التدريب العسكري إلى المدارس، وتأسيس منظمات (الجنداع) و (النحال)؛ لشحن أفكار الناشئة منذ نعومة أظفارهم بروح العداء والاحتقار للعرب. 
  • الإيحاء للأجيال الناشئة دومًا بأن العرب يعملون على إبادتهم وتدمير دولة "إسرائيل"، وشحن المنهاج المدرسي بصور البطولات الخارقة للشعب اليهودي، الذي وعده الله بالاستخلاف في الأرض، وتذكير التلاميذ بأيام الإذلال والمهانة والمذابح، التي واجهها اليهود على أيدي الشعوب الأخرى على مر العصور (الكنيست، 2016).

نماذج من كتب التعليم الإسرائيلية

تشكّل كتب التدريس في مناهج التعليم الإسرائيلية، في مختلف مراحل التعليم المدرسية، جزءًا من الفكر الصهيوني، الذي تسود فيه عناصر الاحتلال: العنصرية، والإرهاب، والكراهية.

وفي معظم كتب التدريس، لا يزال اليهودي يوصف بأنه "جالب الحضارة"، والعربي هو "البدائي" و"المتخلف". وفيما يلي أمثلة على ذلك، وفق الدراسة التي أعدها الباحث الإسرائيلي الدكتور "إيلي فودا"، الذي أعد تحليلاً عميقًا وموثقًا للكتب التعليمية الإسرائيلية، التي وصفها بأنها قادت إلى تكوين أفكار مسبقة عن العربي، بأنه "غشاش" و"متخلف" و"لص"، يستحيل التعايش معه (فودا، 2002).

ويورد "إيلي فودا" 12 قصة يعتبرها محطات بارزة في التكوين التربوي، التي اعتمدته "إسرائيل" في كتب التاريخ، ويدعم الباحث دراسته بنصوص وصور ورسوم كاريكاتيرية، تُظهر كيفية إخضاع التاريخ للسياسة الإسرائيلية، بحيث تُظهر هذه النماذج عمق النظرة العنصرية إلى العرب، وبصورة يشير فيها المؤلف إلى أن الفتاة الإسرائيلية "تاتيانا موسكين"، التي رسمت عام 1997 النبي محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بشكل بذيء، ليست حالة استثنائية أو هامشية في المجتمع الإسرائيلي، وإنما هي إفراز طبيعي للحقن العنصري الذي قامت عليه "إسرائيل" (فودا، 2002).

وفيما يلي بعض الأمثلة من هذه النماذج:

  1. كتاب "ديرخ هميليم" (طريق الكلمات) للصف الرابع:
  2. "جاء الطلائعيون (اليهود) لحراثة أرضهم بسلام وطمأنينة، لكن جيرانهم العرب لم يعجبهم ذلك، وحاولوا طردهم من أرضهم، ومن مرة لأخرى كانوا يحرقون الحقول، ويسرقون الأبقار أو المواشي من القطيع، وحتى إلحاق الأذى بأعضاء المجموعة" (تاليطمان و رايزبرغ).
    "… لكن الطلائعيين لم يتمكنوا من العيش بهدوء دائمًا، فقد كانت رياح شريرة تهب عند الجيران (العرب)، وكانت شوكة المحرضين تتقوى باستمرار، وظل العرب يحاولون المسّ بأرواح اليهود وممتلكاتهم" (فودا، 2002).
  3. مستوطنة بيتاح تكفا: دراسة لإيلي فودة
  4. تُفْرِد الدراسة نماذج لكيفية بناء المستوطنات الأولى مع بدء مرحلة الهجرة إلى "إسرائيل"، وعلى ذلك تقول كتب التعليم الإسرائيلية: حين شرع اليهود في بناء هذه المستوطنة كان بقربها قرية يقطنها العرب، وجوههم صفراء، والذباب على وجوههم ولا يحاولون طرده، وكثير من العرب كانوا عميانًا يمشون وهم يمسكون أيدي بعضهم البعض، أما الأطفال فكانوا حفاة، بطونهم منفوخة من الأمراض، وآثار لسعات حشرات الصحراء بادية على مناطق عديدة من أجسادهم شبه العارية (فودا، 2002).
  5. قصة بعنوان "خريف أخضر" (شاحام)
  6. هي قصة تتحدث عن أسير عربي متقدّم في السن، وقع في أيدي الجنود اليهود، وتبرز القصة شخصية الأسير العربي كشخصية هزيلة جبانة، يفضي بأسرار بلده من الخوف والجبن دون أن يطلبها منه أحد، ويصرّ في تذلل على تقبيل أيدي الجنود اليهود، في حين يمتنع اليهودي عن الموافقة على ذلك التقبيل.
    وفي هذا المقطع من القصة، يقول الجندي اليهودي: "لقد نفّذ كل ما أمرته به، أحضر الماء، كما قام بمهمات مختلفة كنت أكلفه بها، وكان يعود في كل مرة كالكلب العائد إلى كوخه". وفي نهاية القصة، يستخدم الجنود اليهود هذا الأسير العربي مع كلاب الألغام، وينفجر به لغم، فيقوم الجنود اليهود بإحراق جثته.
  7. قصة خربة خزعة (اسم مستعار لقرية عربية) 
  8. جاء في القصة أن شروط النظافة والمحافظة على الصحة تكاد تنعدم بين العرب، وأن الإجراءات الصحية التي لا يستطيع الإنسان العيش ساعة واحدة بدونها، غير متوفرة في أي قرية عربية، حتى في القرى الكبرى الغنية. ولعدم وجود المراحيض يقضي العرب حاجاتهم في أي مكان، فالأولاد يقضون حاجاتهم في الساحة أو الحظيرة أو البيت، أما الكبار فيأخذ الواحد منهم إبريقًا ويخرج إلى الحقل.

    وتكاد عادة الاستحمام تكون غير مألوفة عند العرب، وهناك بعض الفلاحين الذين لم يمسّ الماء أجسادهم منذ زمن طويل، وإن امرأة عربية أقسمت بالله أنها ولدت ستة أولاد دون أن يمسّ الماء جسدها، وهناك مثل عند العرب يقول "الطفل الوسخ أصحّ وأشدّ". ويرتدي العرب الثياب ولا يبدلونها إلى أن تبلى، حيث تغدو مليئة بالقمل والبراغيث، ويكلح لونها، والعربي صانع القهوة يبصق في الفناجين كي ينظفها. (يزهار، 1949).

  9. كتاب المدنيات، أو التربية المدنية للمدارس العربية: لنكون مواطنين في "اسرائيل"… دولة يهودية وديمقراطية
  10. جاء الإصدار الجديد لكتاب (المدنيات: لنكون مواطنين في "إسرائيل")، ليكشف ازدياد معدلات التمييز والعنصرية على المستوى الرسمي الإسرائيلي، بل والتطرف الفكري والأيديولوجي حيال العرب الفلسطينيين. يؤكد هذا الكتاب على الكثير من المعاني والقضايا التي تضع الفلسطينيين في الداخل المحتل خارج المعادلة تمامًا، ولعل من أهمها:
     

    1. يركّز الكتاب على يهودية الدولة، وهذا ما تم تسطيره على صفحة الغلاف.
    2. يدّعي الكتاب أن الكيان الاسرائيلي يقع في قلب البلاد العربية، التي تصرّح بوضوح عن خططها لمحوها من الخارطة العالمية.
    3. يدّعي الكتاب بأن العرب يعدّون العدّة لحرب إبادة ضد "إسرائيل"، بحيث يقذفون بالإسرائيليين في البحر.
    4. يحرّض الكتاب على العرب بأنهم إذا لم ينفذوا تهديداتهم "لإسرائيل" الآن، فإن ذلك ليس بسبب عدم رغبتهم في ذلك، بل بسبب عدم مقدرتهم، ولذا من واجب "إسرائيل" ألا تجعل لهم مقدرة أبدًا.
    5. يركّز الكتاب على شحن الطلاب بروح العداء، وإشعارهم بعدوّ متربّص بهم، مما يفرض عليهم أن يضربوه بشدة كلما أتيحت لهم الفرصة. 
    6. يصوّر الكتاب العرب بالمتخلفين اجتماعيًّا، ويصفهم بالعائلات والقبائل المتناحرة، التي تنتشر بينهم عادات لا تمت للحضارة بأي صلة (سكوف، 2016). 
    7.  

الخلاصة

بعد عرض هذه النماذج والأدلة الموثقة من فلسفة التربية الصهيونية المطبّقة في مدارس الكيان الإسرائيلي، لا بدّ أن يتأكد القارئ أن هذا التلقين زُرع في عقول الناشئة من أبناء المهاجرين والمستوطنين اليهود، وعبر عملية منظمة من التوجيه التربوي، الذي يتسم بأعنف أشكال العرقية والعنصرية والعدوانية، وتعاليم ونبوءات وإرهاصات كاذبة، روّج لها قادة الاستعمار في الغرب المتصهين، مع مجموعة من حاخامات أوروبا وأدباء ومفكري الصهيونية الجدد، أمثال ليوبنسكر وهيرتزل، تركزت في معظمها في بريطانيا، وإن كانت قوى في فرنسا وألمانيا وروسيا قد لعبت دورًا بارزًا في تنفيذ هذا المشروع.

واليوم، وفي القرن الواحد والعشرين، وعبر كتاب المدنيات الجديد، الذي تم طرحه عام 2016، يستمر دهاقنة هذا الفكر المتخلف، في نشر هذه الادعاءات والأكاذيب، عبر مناهج مدرسية، بهدف تحقيق مآرب سياسية، وتشويه الآخر، الذي هو كلّ من ليس يهوديًّا، الأمر الذي يعكس عنصرية بغيضة، وقومية مقيتة، في عصر يُفترض أن تستند فيه المفاهيم إلى احترام الآخرين، وتنشئة الأجيال على الانفتاح، وليس الكراهية.  

 

 

المراجع

الكنيست. (21 حزيران, 2016). هعتصمؤوت (مغيلات هعتصمؤوت): الاستقلال (وثيقة الاستقلال). تم الاسترداد من أتار هكنيست: موقع الكنيست:
http://main.knesset.gov.il/About/Occasion/Pages/IndDeclaration.aspx
ايلي فودا. (2002). هستوريا وزخرون بمعريخت هحينوخ:هسخسوخ هعربي يسرائيل برئي سفري هليمود لهيستوريا بيسرائيل،1948-200: تاريخ ومذكرات في وزارة المعارف: الصراع العربي الإسرائيلي من في كتب التاريخ إسرائيل من 1948-200. تم الاسترداد من متاح: المركز لتكنولوجيا المعرفة:
http://lib.cet.ac.il/pages/item.asp?item=16735
بيناه غيلر تاليطمان، و راحل رايزبرغ. (بلا تاريخ). يحيدات سفري هليمود:قسم الكتب الدراسية (التعليمية). تم الاسترداد من موقع كتب الاطفال التعليمية: 
http://limud.kinbooks.co.il/page_452
روت دكتور فيرر. (5 كانون أول, 2002). هغزعنون كفي شلمدو بتي: العنصرية كما علموها لابنتي. تم الاسترداد من موقع صحيفة غلوبوس: 
http://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=640877
س يزهار. (1949). خربة خزعة(ترجمة للعربية:1981). تم الاسترداد من موسوعة ويكيبيديا: 
https://he.wikipedia.org/wiki/%D7%97%D7%A8%D7%91%D7%AA_%D7%97%D7%96%D7%A2%D7%94
عكيبا الدار. (9 كانون أول , 2004). شتاحيم فلسطينيين لو ببيت سفرينو: مناطق فلسطينية ليست في مدرستنا. تم الاسترداد من اليوم السابع: 
http://www.7th-day.co.il/medina/shtahim.htm
عكيبا الدار. (9 كانون أول, 2004). غام سفريم يسرائيلييم لو حافيم مهساتاه: حتى الكتب الاسرائيلية ليست خالية من التحريض. تم الاسترداد من موقع واللا: 
http://news.walla.co.il/item/638051
مجمع الكتب المقدسة. (2009). ماغار سفروت هكودش:مجمع الكتب المقدسة. تم الاسترداد من كودش سنونيت: 
http://kodesh.snunit.k12.il/i/t/t0501.htm
ناتان شاحام. (بلا تاريخ). سيبور حوزر: استرجاع قصة. تم الاسترداد من موقع ريبوكس: 
https://rebooks.org.il/book.php?id=8867
وزارة المعارف. (2016). يروشالايم،توخنيت راب تحوميت لبتي سيفر يسودييم:القدس، خطة متعددة المجالات للمدارس الابتدائية. يروشالايم: القدس: وزارة المعارف.
ياردين سكوف. (9 أيار, 2016). سيفر هأزرحوت هحداش نحساف (كتاب المدنيات الجديد كشف النقاب عنه): يوتر دتيه وبحوت سوبلني (اكثر تدينا واقل تسامحا). تم الاسترداد من هأرتس: 
http://www.haaretz.co.il/news/education/1.2939066

 
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى