العملية الأمنية الإسرائيلية في خانيونس الدوافع والتداعيات والنتائج

 

  • مقدمة

لم تتوقف تداعيات العملية الأمنية الإسرائيلية، التي كشفتها وأحبطتها إحدى مجموعات كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في 11 تشرين ثاني/ نوفمبر شرق مدينة خانيونس في قطاع غزّة1. فبعد أن دفعت نتائجُها مجرياتِ الأحداث إلى مواجهة واسعة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، على مدار يومين متواصلين، فقد ألقت بظلال كثيفة على الواقع السياسي الإسرائيلي، بدأت باستقالة وزير الجيش إيفغدور ليبرمان، رافقها حديث حول احتمال استقالة الحكومة، وإجراء انتخابات مبكّرة2.

وفي الجانب الفلسطيني، حققت كتائب القسام إنجازا استخباريا غير مسبوق في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بكشف صور أعضاء الوحدة الأمنية الإسرائيلية، التي أوقفتها الكتائب شرق خانيونس، وأحبطت مهمتها. ودعت الموطنين الفلسطينيين لتقديم أي معلومات حول عناصر الوحدة وتحركاتهم3، وهو الأمر الذي تعاملت معه المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية باهتمام بالغ4.

بعد يومين من المواجهات، أسفرت الجهود المصرية عن تثبيت وقف إطلاق النار5، ليعود الحديث مجدّدًا عن إمكانية استكمال مباحثات التهدئة التي عطلتها هذه المواجهة6.

تقرأ هذه الورقة دوافع العملية الأمنية الإسرائيلية وتوقيتها، ودلالات إحباطها من قبل المقاومة الفلسطينية، وما تلاها من مواجهات عسكرية واسعة، ثم عودة سريعة إلى وقف إطلاق النار. وتستعرض الورقة السيناريوهات المترتبة على ذلك، من احتمالات استكمال مباحثات التهدئة، أو العودة إلى عدوان إسرائيلي واسع على قطاع غزّة.

  • مسار الأحداث

في مساء 11 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، أوقفت مجموعة من كتائب القسام، شرق مدينة خانيونس في قطاع غزّة، سيارة اشتبهت بها للتحقق منها، وقد تبين أنّها تقلّ عددًا من عناصر القوات الخاصّة الإسرائيلية، يتخفّون في زيّ مدنيّ، وهو ما أفضى إلى اشتباك مسلح، استشهد فيه عنصران من كتائب القسام أحدهما قائد ميداني، ثم أربعة آخرون من القسام، وعنصر من ألوية الناصر صلاح الدين، وذلك أثناء مطاردة الوحدة الإسرائيلية الخاصّة، وتدخُل الطيران الإسرائيلي7. وحسب اعترافات الحكومة الإسرائيلية، قُتل ضابط إسرائيلي رفيع، وأصيب آخر بجروح متوسطة8.

على الفور، أطلقت المقاومة الفلسطينية عددًا من الصواريخ على مستوطنة "إشكول"، ثم توسعت في اليوم التالي عددًا ورقعةً ونوعًا، وصولًا إلى مدينة عسقلان، ليعترف الاحتلال الإسرائيلي بسقوط 370 صاروخًا، واعتراض 100 منها9، وإصابة 85 إسرائيليًّا، ومقتل فلسطيني يعمل في مدينة عسقلان، بصواريخ المقاومة الفلسطينية، وإصابة جندي إسرائيلي بجروح بالغة، بعد استهداف المقاومة الفلسطينية حافلة جنود إسرائيليين بصاروخ "كورنيت". وقد تعطلت الدراسة في مدن عسقلان، وأسدود، وبئر السبع، ومستوطنات "كريات جاد"، و"كريات ملاخي"، وما يُسمى بـ "مستوطنات غلاف غزّة"10.

في المقابل، استهدف الاحتلال الإسرائيلي في 150 غارة جوية، 80 مؤسسة وبناية في قطاع غزّة، منها عمارات سكنية، ومنازل مواطنين، وفندق، وقناة الأقصى الفضائية، ومواقع للمقاومة الفلسطينية. واستشهد في هذه الغارات 13 فلسطينيًّا، وأصيب 28 آخرون11. وقال الاحتلال الإسرائيلي إنّ من بين أهدافه أهدافًا عسكرية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، من بينها مجمعات عسكرية ومواقع رصد12، وخلايا إطلاق قذائف صاروخية، وأنفاق للمقاومة، ومواقع لإنتاج وسائل قتالية، ومقرّ الاستخبارات العسكرية التابع لحركة حماس13، ومقرّ الأمن الداخلي، وآليات خاصّة بالقوات البحرية التابعة لحركة حماس أيضا، ليبلغ مجموع الأهداف الفلسطينية المستهدفة، حسب الرواية الإسرائيلية، 160 هدفًا14.

  • خلفيات الحدث والدوافع الإسرائيلية

جاءت عملية التسلل الإسرائيلية إلى قلب قطاع غزّة، في ظلّ أجواء متفائلة من إمكانية إبرام اتفاقية تهدئة، بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وبين الاحتلال الإسرائيلي. فحتى قبل يوم واحد من العملية، تحدثت المصادر المصرية عن الاقتراب من اتفاق تهدئة يستمر حتى عامين، وعن إقناع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، بتسهيل إتمام هذا الاتفاق15.

وكمقدّمات لهذه التهدئة، كان الاحتلال الإسرائيلي في مطلع شهر تشرين أول/ أكتوبر 2018، قد وافق على تدخّل قطري برعاية الأمم المتحدة؛ لتمويل شبكة كهرباء قطاع غزّة، بما يزيد عدد ساعات وصل الكهرباء يوميًّا، حتى ستة شهور قادمة16. وفي مطلع تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، وبموافقة إسرائيلية، أُدخلت الدفعة الأولى من المنحة القطرية لدفع رواتب موظفي القطاع، وتقديم مساعدات لعدد من الأسر الفلسطينية، وبلغت الدفعة 15 مليون دولار، من أصل 90 مليون يُفترض أن تُدفع خلال الشهور الستة القادمة17.

في هذا السياق، بدت العملية الإسرائيلية شديدة الغموض. فمن حيث التوقيت، تتناقض العملية مع مباحثات التهدئة، التي أخذت "إسرائيل" تتعاطى معها بقبول ومرونة أكثر من ذي قبل، وذلك بعد عجزها عن احتواء "مسيرات العودة" أو وقفها. ومن حيث المغامرة بوحدة من نخبة القوات الخاصّة الإسرائيلية، فقد قيل في البداية إنّ هدفها كان اغتيال أو اختطاف "نور الدين بركة"، القائد الميداني في كتائب القسام، والذي استشهد في الاشتباك الأول مع الوحدة بعد إيقافها للتحقق منها. لذلك، فإنّ التوقيت، وطريقة التخفي، والمعدات التي استخدمتها الوحدة، وطبيعة الوحدة وخصوصيتها، ترجّح أن العملية قد تنطوي على أهداف استخبارية أعمق من ذلك، وهو ما قاله متحدث باسم الجيش الإسرائيلي حينما أكد أن هدف العملية لم يكن القتل أو الاختطاف، وإنما كان جزءًا من نشاط أمني استخباري أوسع، هدفه تمكين التفوق الإسرائيلي18.

ما قامت المقاومة بنشره أو تسريبه منذ وقوع الحدث، يقدم مادة معقولة لتفسير السلوك الإسرائيلي الذي يبدو متناقضًا. فالعملية الاستخبارية الإسرائيلية، قد تكون بدأت قبل وقت طويل من اكتشافها، وقد تكون جزءًا من نشاط استخباري دوري أو بعيد المدى. ولذا، فإن انكشاف المجموعة، هو الذي حصل في وقت غير ملائم سياسيا للحكومة الإسرائيلية على الإطلاق.

تبدو احتمالات الأهداف الإسرائيلية من العملية، في كونها جزءًا من نشاط استخباري "ضروري" يستهدف منطقة "معادية"، مما يعني العودة لهذا النمط من النشاط بعد استخلاص العبر والدروس19، أو أنّها تندرج ضمن الرؤية الإسرائيلية، التي تسعى لفرض معادلة الاحتلال الإسرائيلي وشروطه على قطاع غزّة، بما يجعل الأمن الإسرائيلي متفوقًا، وبما يرمم صورة الحكومة الإسرائيلية، التي تُعرّف نفسها بأنها حكومة الأمن، وذلك بعدما عجزت عن احتواء مسيرات العودة، واضطرت لقبول المبادرات الإقليمية والدولية، التي تمكنت من إدخال الأموال إلى قطاع غزّة. وقد تعرّضت حكومة بنيامين نتنياهو لانتقادات متصاعدة طوال الشهور الأخيرة، اتهمتها بالضعف أمام حركة حماس، والعجز عن اتخاذ القرارات الصحيحة20. ويبقى احتمال تعلّق العملية بالمزاودات الإسرائيلية الداخلية بين أقطاب اليمين الإسرائيلي، احتمالًا قائمًا.21

هذه الحيثيات المتعلقة بالسياق والتوقيت وطبيعة العملية، منحت نتائج المواجهة أهمية خاصّة، دفعت أكثر المراقبين إلى القول بأن المقاومة الفلسطينية حققت إنجازًا واضحًا في النتائج حينما كسرت المعادلة الإسرائيلية، وأرغمت الحكومة الإسرائيلية على العودة مجددًا إلى التهدئة. وهو ما ذهب إليه مراقبون إسرائيليون قالوا إن حماس حققت هدفًا في المرمى الإسرائيلي مقابل صفر لـ "إسرائيل"22، الأمر الذي يستدعي فحص الكيفية التي أدارت فيها المقاومة هذه الجولة.

  • إدارة المقاومة الفلسطينية لهذه المواجهة

شكّل استمرار مسيرات العودة منذ نهاية آذار/ مارس الماضي، تحدّيًا للمنظومة التي تحاصر قطاع غزّة. ففي حين كانت مراهنة الاحتلال الإسرائيلي على تلاشي هذه المسيرات بالتدريج، في ظلّ انقسام فلسطيني، واستنزاف إسرائيلي مستمرّ لمجتمع قطاع غزّة، فإنّه وعلى العكس، أسهمت هذه المسيرات في الوصول إلى تخفيف الحصار عن القطاع، ودفع مفاوضات التهدئة إلى الأمام، وإيجاد أرضية من الوحدة الشعبية على أساس من الأهداف المشتركة. ويمكن القول إنّ الإدارة المشتركة للمسيرات من قبل معظم الفصائل الفلسطينية، وباشتراك الفعاليات المدنية والأهلية، والصمود طوال هذه الشهور، وتنوع الوسائل للضغط على العصب الإسرائيلي، كل ذلك مثّل إطارًا للفعل الوطني في قطاع غزّة.

عمليًا، جسدت غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة، نمطًا من الوحدة الفعلية في الميدان23، وآثرت وحدة العمل المقاوِم على طبائع الاستعراض والمنافسة. وحالت دون انفتاح ثغرات في جسد المقاومة في قطاع غزّة، ودون إخضاع سياسات المواجهة للقرارات المنفردة الخاصة بالفصائل، ولتكون في النهاية تعبيرًا عن مستوى النضج السياسي لدى المقاومة الفلسطينية، وبالتالي أمكن ضبط إيقاع المعركة بمسؤولية عالية24.

وإذا كان إحباط مهمة وحدة القوات الإسرائيلية الخاصّة، قد منح المقاومة دفعة معنوية، فإنّ التناقضات الإسرائيلية الداخلية، لا سيما بين أقطاب الحكومة اليمينية، والسياق السياسي الكامل الذي وصل بالمشهد إلى قبول "إسرائيل" باتفاق تهدئة مع المقاومة، وتقديمها تنازلات مسبقة من خلال "التسهيلات" التي قدّمت للقطاع. كل ذلك مكّن المقاومة من تقدير موقف دقيق للاحتمالات التي يمكن أن تتجّه إليها المعركة25. ولأن احتمال اتساع المواجهة غير مستبعد كليًّا، رغم كونه الأضعف، فإن المقاومة، ومن خلال غرفة العمليات المشتركة، والأهداف المركزة وذات المضامين السياسية الواضحة، والخطاب الإعلامي المحسوب، تمكنت من تسجيل هدف لصالحها، وكسر المعادلة الإسرائيلية بوضوح.

  • تداعيات المواجهة الأخيرة على الاحتلال الإسرائيلي

تظهر المفارقة عند مقارنة النتائج بالنسبة لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين. فقد استقال إيفغدور ليبرمان، وزير الجيش الصهيوني، من منصبه، وانسحب من الائتلاف الحكومي، الأمر الذي أدخل حكومة نتنياهو في حالة من الجدل، حيث طالب حزب البيت اليهودي أن يتولى زعيمه نفتالي بينت وزارة الجيش، أو أن تستقيل الحكومة، وتذهب إلى انتخابات مبكرة، ولكن استقر الأمر بعد اجتماع نتنياهو بنفتالي بينت، على أن يتولى نتنياهو نفسه هذه الحقيبة، وتستمر الحكومة في عملها. وهو الأمر الذي اعتُبر انتصارا لنتنياهو، وحكمة من بينت، وهزيمة لليبرمان26.

من جهة أخرى، طلبت لجنة الخارجية والأمن في الكنيست من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، تقديم تقرير سرّي حول ملابسات مهمة الوحدة الإسرائيلية الخاصّة، التي كشفتها ولاحقتها إحدى مجموعات كتائب القسّام. وكانت الحكومة الإسرائيلية قد فرضت بعد الحادثة قيودًا واسعة على الإعلام، تقيّد من حرّيته في تناول الحادثة. وبينما أخذت كتائب القسام تنشر معلومات مستمرّة حول الحادثة، وتكشف عن صور أعضاء الوحدة الخاصّة، كانت "إسرائيل" في المقابل تضاعف من قيودها على الإعلام فيما يخصّ الحادثة، ولا سيما في تشديد الرقابة العسكرية على الإعلام الإسرائيلي في عدم تداول صور الجنود التي نشرتها كتائب القسام27.

وحسب المراقبين الإسرائيليين، فإنّ هذه هي المرّة الأولى خلال العقد الماضي، التي تُضطر فيها "إسرائيل" للإقرار بوقوفها خلف عملية أمنية، الأمر الذي يعني انكشافًا استخباريًا واضحًا، دفع أجهزة الأمن الإسرائيلية لإجراء تحقيقات داخلية، لا تخلو من صراع على الصلاحيات، واتهامات متبادلة في تحمّل المسؤولية، إضافة إلى أسئلة يطرحها المراقبون الإسرائيليون حول آليات اتخاذ القرار في عملية من هذا النوع، وفي توقيت حسّاس كالذي جرت فيه، إضافة إلى أثر التغييرات التي طرأت في السنوات الأخيرة على آليات مراقبة هذه العمليات، وضبطها28.

وبالفعل عيّن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي إيزنكوت، فريقًا خاصًّا لتقييم عمليات الجيش الإسرائيلي، وخاصة العملية الأخيرة في قطاع غزّة29. وفي ردّ الفعل الشعبي الإسرائيلي، نظم المستوطنون الإسرائيليون احتجاجات واسعة في "غلاف غزّة"، وبعض مدن الجنوب30.

رأت المقاومة الفلسطينية أن كشف الوحدة الأمنية الإسرائيلية وما تبعها من مواجهة تمثل إنجازين: عسكريا وسياسيا31. يُعدّ الإنجاز السياسي، المستند إلى الفاعلية العسكرية، هو الأبرز في هذه الحالة، إضافة إلى الإنجاز الأمني، المتمثل أولًا في كشف الوحدة الأمنية العسكرية الإسرائيلية، وبالتالي إحباط عملها ومهمتها، وثانيًا في الوصول إلى معلومات إضافية حول أعضاء الوحدة، والكشف عن صورهم، وثالثا في وقوف المقاومة على مهمات هذه الوحدة داخل قطاع غزّة، والخيوط التي ارتبطت بها لوجستيًّا وأمنيًّا واستخباراتيًّا، وهو الأمر الذي يعدّه بعض المراقبين من معالم التحول في الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين32.

إضافة إلى ذلك، فإنّ النتائج الأمنية تمنح الإنجاز السياسي قيمة دعائية، وتشكّل رافعة معنوية للفلسطينيين. فبينما تفرض الرقابة العسكرية الإسرائيلية القيود على الإعلام الإسرائيلي فيما يخص الحادثة، فإن المقاومة الفلسطينية تنشر المزيد من ا لمعلومات، وتقيم مهرجانًا تأبينيًّا لشهداء خانيونس، كثفت فيه الرموز السياسية والدعائية، ومنها عرض قطعة سلاح غنمها مقاتلو القسّام من الوحدة الإسرائيلية الخاصّة، وتلاوة رسالة من القائد العام لكتائب القسّام محمد الضيف، قرأها رئيس حركة حماس في غزّة يحيى السنوار33.

  • في المواقف وردود الأفعال

تمثّل غرفة العمليات المشتركة، التي تضمّ 13 فصيلًا، موقفًا عامًّا لمجموع الفصائل الفلسطينية، وهو ما أشار إليه يحيى السنوار، رئيس حركة حماس في قطاع غزّة، قائلًا إنّ غرفة العمليات المشتركة هي نواة جيش التحرير، وهي نموذج للعمل المشترك الذي يمكن البناء عليه، ومؤكّدًا على أن العمل على كسر الحصار لن يتوقف، وأن المقاومة مستعدة أكثر من أي وقت مضى لأيّ مواجهة محتملة34، وهو ما يعني أن مسيرات العودة ستظلّ قائمة بعد جولة المواجهة الأخيرة. كما أشاد إسماعيل هنية بهذه الحاضنة الشعبية، وأعلن عن استعداد الحركة لوقف إطلاق النار في حال توقف عدوان الاحتلال35.

وفي نفس السياق، أكّد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة، على أنّ ما جرى كان إنجازًا كبيرًا للمقاومة الفلسطينية، داعيًا للحفاظ على أهم إنجازات المقاومة، سواء المتمثلة في وحدة الفصائل، أو في نتائج المواجهة الأخيرة، وداعيًا في الوقت نفسه السلطة الفلسطينية في رام الله، إلى إنهاء ما سمّاه "مواقفهم وإجراءاتِهم المعاديةُ لغزة وللمقاومة"36.

وفي الموقف الرسمي للسلطة الفلسطينية، أجرى الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس اتصالات دولية وإقليمية لوقف العدوان على قطاع غزّة، وذلك حسب ما نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية37، التي قالت إن الرئيس قطع جولة خارجية له، وعاد إلى رام الله لمتابعة تطورات العدوان الإسرائيلي على غزّة38.

وكان الناطق باسم الحكومة الفلسطينية قد قال في بيان له إن حكومة الاحتلال تجر بلادنا والمنطقة إلى مزيد من المخاطر والتوتر عبر سياستها التصعيدية، وحذر من إقدام قوات الاحتلال على ارتكاب مجازر جديدة بحق أبناء قطاع غزّة، وجدد مطالبته بتدخل دولي عاجل لوقف العدوان، والعمل الفوري على توفير حماية دولية للشعب الفلسطيني39.

وعلى صعيد الأمم المتحدة، طالب الأمين العام أنطونيو غوتيريش، الأطرافَ المعنية، بالعمل على منع نشوب حرب جديدة في غزة. وقدمت الكويت وبوليفيا طلبًا لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن؛ لمناقشة التصعيد الإسرائيلي في غزّة. وكان وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، قد طلب من بعثة دولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، أن تطلب عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، لمناقشة الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة40، بيد أن هذه المشاورات لم تخرج بنتيجة41.

وفي اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى رفع الحصار عن قطاع غزّة42. وفي المناسبة ذاتها، أعرب مجلس الأمن الدولي عن قلقه إزاء تدهور الأوضاع في القطاع43. وكان جيمي ماكغولدريك، نائب مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط نيكولاي ميلادينوف، قد وصل إلى قطاع غزة لبحث التهدئة بين فصائل المقاومة والاحتلال الإسرائيلي44.

وعربيًّا، اجتمع مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين في دورته الطارئة برئاسة السودان، لبحث تطورات الاعتداء العسكري الإسرائيلي على غزّة45. وكان لافتًا في المواقف العربية، مشاركة وفد المخابرات المصرية برئاسة نائب رئيس جهاز المخابرات المصري، اللواء أحمد عبد الخالق، مسؤول الملف الفلسطيني في جهاز المخابرات، في حفل تأبين شهداء القسام، مما اعتبره بعض المراقبين رسالة للسلطة الفلسطينية، بأنّ مصر ماضية في وساطتها لإنفاذ اتفاقية التهدئة بين المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل"46.

وفي المواقف الإسلامية، ندّدت الرئاسة التركية بالهجوم الإسرائيلي على قطاع غزّة47، بينما برز الموقف الإيراني بإعلان إيران تبنيها لجميع أسر شهداء مسيرات العودة في غزّة48.

  • خلاصة

أسفرت جولة المواجهات التي اندلعت ما بين 11 – 13 تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، عن العودة إلى تثبيت وقف إطلاق النار، والسعي مجددًا لإبرام اتفاقية تهدئة. لقد اتضح ذلك من سلوك الوفود الأممية والمصرية إلى غزّة، وكذلك زيارة وقد من حركة حماس إلى القاهرة، وهو الأمر الذي يعتبره كثير من المراقبين تطورًا مهمًّا في الصراع بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة، وبين الاحتلال الإسرائيلي، حيث تمكنت المقاومة هذه المرّة من كسر المعادلة الإسرائيلية المعهودة، وإجبارها على عدم الذهاب إلى عدوان أوسع.

ويرى مراقبون أنّ استراتيجية "إسرائيل" المتبعة في السنوات الأخيرة تجاه قطاع غزّة، آخذة بالتآكل، وذلك بفعل استمرار مسيرات العودة وصمودها، والأدوات التي يجري تطويرها فيها باستمرار، وبعدما تحوّل الحصار إلى عامل استنزاف لـ "إسرائيل" والمستوطنات المحيطة بغزّة.

لكن مراقبين آخرين يحذرون من احتمالات الرد الإسرائيلي، ويستدلّون على ذلك بكثرة العمليات الاستخبارية مؤخرًا في عمق القطاع، وتصريحات نتنياهو بشأن استمرار الحكومة وإنقاذ الائتلاف، ويساعد على ذلك تطبيع بعض الدول العربية، ووجود ترمب في البيت الأبيض49.

في هذا السياق، لا يمكن إغفال وجود مخاطر حقيقية تتعلق بمساع لعزل قطاع غزة، عبر "تهدئة" تمنع المقاومة من مواجهة إجراءات إسرائيلية محتملة في بقية الأراضي الفلسطينية، وتقيدها في مواجهة محاولات التصفية الدولية للقضية الفلسطينية.

وفي أبعاد أخرى، لا سيما الأمنية والدعائية، ما تزال تداعيات المواجهة مستمرّة، وذلك بعد نشر كتائب القسام صورًا لأعضاء الوحدة الخاصة، مما أضاف حلقة جديدة في هذه المواجهة، ما زال تفسيرها بالنسبة لإسرائيل غير متوفر، وما زالت التساؤلات بشأنها دون إجابات، وخاصة فيما يتعلق بكيفية معرفة كتائب القسام بأسماء أعضاء الخلية، وكيفية حصولها على صورهم.


1 بيان توضيحي حول الأحداث الجارية شرق خانيونس، موقع كتائب القسام، 11 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/C4wChZ

2 أفيغدور ليبرمان يستقيل ويدعو إلى إجراء انتخابات: "التنظيم – الاستسلام للإرهاب"، والا، 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، (افيغدور ليبرمان هِتبتار اوكَرا لبخيروت هَهَسْدَرا كنيعاه لِتِرور، والا، 14 بنوفمبر 2018)، https://goo.gl/86dpGf

3 حول عملية حد السيف التي أفشلت مخططا صهيونيا خطيرا، موقع كتائب القسام، 22 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/qpJVqD

4 Hamas Releases Images of 'Israeli Fighters Involved in Gaza Raid'; IDF Censors, haaretz, Nov 22, 2018, https://goo.gl/y1BYdF

5 جهود مصرية تسفر عن تثبيت وقف إطلاق النار بين المقاومة والعدو، موقع كتائب القسام، 13 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/2W2RLd

6 وفد من حماس يتوجه للقاهرة لمناقشة التهدئة والمصالحة، موقع عرب 48، 21 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/jswKJY

7 القسام يفشل عملية كبيرة للعدو الصهيوني داخل قطاع غزة، موقع كتائب القسام، 12 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/sYnxQP

8 قتل ضابط برتبة عقيد وأصيب ضابط آخر في تبادل لإطلاق النار في عمق قطاع غزة، والا، 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018. (كِتسين بِدرجوت سجان الوف نِهراج اوكتسين نوسِف نِفتساع بخيلوفي هَإيش بَعوميك رتسوعت عَزّه) https://goo.gl/4vHtPF

9 تغريدة لأفيخاي أدرعي الناطق باسم الجش الإسرائيلي، موقع تويتر، 12 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/fWBubc

10 قتلى، 85 جريحا، مئات الصواريخ والاعتداءات، الجهاد الإسلامي: أيضًا بعد أسدود سيبقون بالملاجئ، ynet ، 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، (هروج، شموني ف حميش نِفجَعيم، مئوت ركتوت اوتيكيفوت، هَجهاد هَإسلامي: جَم معبار لإسدود يِشِهوا بَمكلتيم)، https://goo.gl/9RJpKs

11 13 شهيدا و28 جريحا حتى اللحظة: الاحتلال استهدف 80 مؤسسة وبناية بغزة بـ 150 غارة، موقع المركز الفلسطيني للإعلام، 13 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/Gmb27n

12 تغريدة لأفيخاي أدرعي الناطق باسم الجش الإسرائيلي، موقع تويتر، 12 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/Rdn8hm

13 تغريدة لأفيخاي أدرعي الناطق باسم الجش الإسرائيلي، موقع تويتر، 12 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/KYiKPT

14 تغريدة لـ أوفير جندلمان المتحدث باسم رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، موقع تويتر، 13 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/y2NW95

15 مصادر مصرية: التهدئة في غزة ستستمر لعامين وتبدل في مواقف عباس، موقع عرب 48، 10 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/Pt9xLZ

16 قطر تحل أزمة كهرباء غزة بـ 60 مليون دولار، موقع صحيفة الشرق القطرية، 10 تشرين أول/ أكتوبر 2018، https://goo.gl/hPCDhQ

17 قطر تدفع رواتب موظفي غزة لخفض التوتر وإسرائيل تقول الأموال ليست لحماس، موقع وكالة رويترز للأنباء، 9 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/9cweiu

18 قتل ضابط برتبة عقيد وأصيب ضابط آخر في تبادل لإطلاق النار في عمق قطاع غزة، والا، 12 تشرين الثاني / نوفمبر. (كِتسين بِدرجوت سجان الوف نِهراج اوكتسين نوسِف نِفتساع بخيلوفي هَإيش بَعوميك رتسوعت عَزّه)، مصدر سابق.

19 Amos Harel, Analysis Top Security Panel Asks Israeli Army for Classified Report on Botched Gaza Op, haaretz, Nov 26, 2018, https://goo.gl/wdGpvi

20 نتنياهو يستسلم لشبه منظمة، حماس، القناة7، 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2018. (نتنياهو نِكناع لِأرجون كِكِيوني، هَحماس)، https://goo.gl/r9ob2k

21 Yossi Verter, Analysis Netanyahu's Dilemma: Surrender to His Arch-nemesis or Be Forcefully Dragged Into Elections, haaretz, Nov 15, 2018, https://goo.gl/fVVKxN

22 شمريت مئير، نتيجة الشوط الثاني 1: 0 لصالح حماس، ynet، 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018. (شيمريت مئير، توتسات مِخَتسيت 1:0 لخَماس)، https://goo.gl/aaqFbc

23 محسن صالح، نحو جبهة موحدة.. لدعم المقاومة الفلسطينية، موقع عربي21، 23 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/NTyaX2

24 ساري عرابي، الطريق الطويل إلى "الكورنيت" البصير.. غزّة ومقاومتها وعِبَرها، المركز الفلسطيني للإعلام، 14 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/pNN6dZ

25 التصعيد الأخير في قطاع غزة: دلالات وانعكاسات، مركز رؤية للتنمية السياسية، 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، مصدر سابق.

26 بينت لن يحصل على حقيبة الدفاع، موقع المصدر الإسرائيلي، 16 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/squJyX

27 . Amos Harel, Analysis Top Security Panel Asks Israeli Army for Classified Report on Botched Gaza Op, haaretz, Nov 26, 2018,

28 المصدر السابق.

29 New IDF Team to Assess Special Ops Following Botched Gaza Op, haaretz, Nov 27, 2018, https://goo.gl/2qSRqU

30 سكان سديروت يحتجون على وقف النار؛ في غزة احتفالات بفوز حماس، والا، 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018. (توشفييم بَسديروت هِفيجو نيجِد هَفْسَكا هَإيش؛ بعزّه حوجوجيم بعتسيرت حماس)، https://goo.gl/STUPq8

31 راجع آراء نخبة من المراقبين الفلسطينيين في تقرير لمركز رؤية للتنمية السياسية: التصعيد الأخير في قطاع غزة: دلالات وانعكاسات، مركز رؤية للتنمية السياسية، 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، مصدر سابق.

32 ساري عرابي، الأبعاد الرمزية والفعلية في المعركة الاستخباراتية بين القسام و"إسرائيل، المركز الفلسطيني للإعلام، 27 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/4r9bTz

33 خلال مهرجان تأبين شهداء خانيونس.. السنوار: اتخذنا قرارا بكسر الحصار ولن نبيع دماء الشهداء، موقع حركة حماس، 16 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://hamas.ps/ar/post/9886

34 المصدر السابق.

35 تصريح صحفي صادر عن رئيس المكتب السياسي للحركة، موقع حركة حماس، 13 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://hamas.ps/ar/post/9868

36 الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي : المقاومة حققت إنجازاتٍ بارزة وكبيرةٍ في المعارك الأخيرة، موقع حركة الجهاد الإسلامي، 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/LytMS6

37 الرئيس يجري اتصالات إقليمية ودولية مكثفة لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، 12 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/nsTGBy

38 الرئيس يختصر جولته الخارجية ويعود إلى أرض الوطن لمتابعة آخر التطورات، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، 13 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/4921ay

39 الحكومة تحمل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن العدوان على أهلنا وأبناء شعبنا في قطاع غزة، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، 13 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/qvtM59

40 غزة: الكويت وبوليفيا تطلبان عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، موقع عرب 48، 13 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/DXJqEC

41 مجلس الأمن يفشل في الإجماع على قرار غزة، موقع قناة RT، 14 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/9uiqPE

42 الأمم المتحدة تدعو لرفع الحصار عن غزة، وكالة معا، 29 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/YkfiUk

43 مجلس الأمن قلق إزاء تدهور الأوضاع في غزة، موقع الجزيرة نت، 28 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/99qADQ

44 نائب مبعوث الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية يصل غزة، موقع إذاعة الأقصى، 29 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/Z6j9ix

45 مجلس الجامعة العربية يناقش العدوان على غزة، موقع النجاح الإخباري، 15 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/cngeks

46 محمد الأغا، على منصة حماس.. مصر تردُّ الصاع لـ "إسرائيل"!، موقع مدونات الجزيرة، 22 تشرن ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/8dVqfR

47 تركيا تدعو "إسرائيل" لوقف سياسة البطش والعدوان بغزة، المركز الفلسطيني للإعلام، 13 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/iD9jVV

48 شكرتها الهيئة الوطنية.. إيران تتبنى شهداء مسيرات العودة في غزة، موقع إذاعة الأقصى، 27 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/nYSD3F

49 تغريدة لعزمي بشارة، موقع تويتر، 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/GUociq

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى