ملفات وقضاياشؤون إسرائيلية

العدوان على غزة يفجر خلافات “إسرائيلية” قد تطيح بحكومة اليمين

خاص مركز رؤية

ما يزال الشعار الذي رفعه رئيس حكومة الاحتلال “بنيامين نتنياهو” بتحقيق “النصر المطلق” على حركة حماس يثير كثيرًا من السخرية في أوساط “الإسرائيليين”، فبعد ثمانية أشهر من الهجوم الكبير الذي نفذته حماس على مستوطنات غلاف غزة، ما يزال الاحتلال يخسر، فيما يرسّخ المقاومون وجودهم في القطاع مرة بعد مرة، ويتلاشى كل ما يتحدث عنه الاحتلال من “إنجازات”، في الوقت ذاته، فإنّ حجم انشغال الساحة السياسية والحزبية والأمنية “الإسرائيلية” بالتطورات الدامية القادمة من غزة، التي يتخللها سقوط العشرات من جنود الاحتلال بين قتيل وجريح، لا يقل عن انشغالها بالخلافات الداخلية المرتبطة حكماً بحرب غزة، وتأثيراتها السلبية على الحلبة “الإسرائيلية”.

“نتنياهو” في عين العاصفة:

ظهر “نتنياهو” وسط هذا السجال مُستهدَفًا بصورة غير مسبوقة من قِبل النخبة السياسية والإعلامية, وصلت حدّ مطالبة أحدهم بـ”سحبه من شعره المستعار، وركله إلى مزبلة التاريخ”، ومطالبته إمّا أن يغادر الحلبة السياسية من تلقاء نفسه، أو أن يُساق رغماً عنه، لأن الدولة أهم منه، وقد أصبح منذ زمن بعيد ثقلاً على عنقها، ولذلك يجب عليه إخلاء مكانه، لأنه يَجرّها من فضيحة لأخرى _وفق القائل_.

يتزامن الهجوم الشخصي على “نتنياهو” مع شروع الاحتلال بعدوانه الواسع على رفح، وسط اتهامه بإهدار أسابيع عديدة، ولو ترك الجيش يستكمل عدوانه على المدينة لأنتهى الأمر منذ أربعة أشهر، لكن مماطلة “نتنياهو” أعاقت الجيش عن التقدم ميدانياً، وجعلته يتخبّط، لأنه غير قادر على اتخاذ قرار، والنتيجة أنّ كل ما يدعيه من إنجازات “تتآكل وتتبدّد”، وما إن ينسحب الجيش من منطقة حتى تعود حماس للظهور فيها من جديد.

يتركز استهداف “نتنياهو” في كونه مدمن على صناديق الاقتراع واستطلاعات الرأي، مما تسبب بإفساد الدولة بأكملها، الأمر الذي يؤكد أنّ نتيجة أدائه في العدوان على غزة تأتي هباءً، فقد عاد المقاومون للوجود، وبات “الإسرائيليون” أمام “ساحر كاذب”، وخدعة نموذجية ممن يصفونه بـ”الدجّال”، فقد غزا جيش الاحتلال القطاع، وبات عدوانه اليوم منصبّاً على رفح وجباليا، رغم أنهما أقل أهمية بكثير من غزة وخانيونس، وليس فيهما مراكز حكم وسيطرة، ولا شيء فيهما يجعلهما رمزًا أو صورة انتصار للزعيم الأكثر تراخيا في تاريخ الاحتلال، مما يؤكد أنّ ما يحصل ليس سوى حركات استعراضية للعلاقات العامة.

“غالانت” رأس الحربة:

شكّل وقوف وزير الحرب “يوآف غالانت” أمام الكاميرات، ومهاجمته لرئيسه لعدم اتخاذه قرارات بشأن “اليوم التالي” في غزة، بمثابة قنبلة مدوية، حين طالبه بإعلان عدم رغبته باحتلال غزة، والبدء بتعيين حكم محلي مدني فيها، دون التورط في مستنقعها، خشية الخسائر التي تنتظره من الدماء والأثمان الاقتصادية.

لا شكّ أننا أمام خطاب دراماتيكي حمل اتهامًا خطيرًا من وزير الحرب لرئيس الوزراء، بأنه لا يتخذ قراراً بشأن “اليوم التالي” في غزة، وبالتالي يعرّض أمن الدولة للخطر، ويقول علناً ما قاله منذ أشهر في الغرف المغلقة وفي كافة منتديات صنع القرار، والنتيجة أنّ الأول لا يثق في الأخير، وفي هذه الحالة سيضطر الأخير للاختيار بين المؤسسة الأمنية ووزير الحرب، وبين شريكيه المتشددَين “سموتريتش وبن غفير”، أي أننا أمام أزمة ثقة خطيرة للغاية، مع العلم أنّ خطاب “غالانت” احتوى على أمور مهمة جداً، فقد كشف عن خلافات عميقة في الرأي داخل الحكومة بأسرها بشأن استمرار العدوان على غزة، مع ملاحظة أنّ “غالانت” يتمتع بوزن شعبي كبير جداً، فيما “نتنياهو” غير مهتم بالخوض في مغامرة إقالته، رغم أنّ خلافهما وصل آفاقًا جديدة، وهذه المرة بسبب حرب غزة.

كشف خطاب الجنرال “غالانت” عن طريقة تفكير مشتركة مع الجنرالين الآخرين في مجلس الحرب، وهما “بيني غانتس وغادي آيزنكوت”، مع إضافة أنه سبقهما، وحصل على “الشو” الإعلامي بإعلانه معارضة “نتنياهو” من داخل البيت الحزبي الواحد، وهو الليكود، وهذه جُرأة يحسدانه عليها، مما دفع “بغانتس” إلى محاولة محاكاته من خلال مؤتمره الصحفي التالي، ومع ذلك، فقد قال “غالانت” في خطابه بطريقته المباشرة والحادة عن مستقبل الحرب على غزة بشكل أكثر وضوحًا مما قاله “غانتس”، الذي اكتفى بمنح “نتنياهو” مزيدًا من المهل الزمنية، مما يجعل الساعة الرملية لمجلس الحرب تأخذ في النفاد فعلياً، لأنه عقب التسريبات الصادرة عنه، ومناقشة خلافاته علناً، بات يُطرح السؤال حول مستقبل الحرب، وإلى أين تتجه.

إنّ خطاب “غالانت” يعني أنه وفق تقديراته المهنية، فالجيش لا يمكن أن يتواجد في غزة حتى إشعار آخر، ورغم ذلك فإنّ الأمور قد تتدحرج هناك، لأن الوضع معقد للغاية، رغم أنّ ما قاله هو نفسه ما تقوله المؤسسة الأمنية والعالم أجمع، ومفاده أنّ “نتنياهو” يطيل الحرب لأسباب شخصية وسياسية تتعارض مع مصلحة الدولة، مع العلم أنّ الخطاب يحمل دلالات خطيرة، من بينها أنّ “غالانت” قد يكون لديه معلومات بأنّ “نتنياهو” ينوي احتلال غزة فعلًا، وهو ما يواجَه برفض المؤسسة العسكرية والأمنية، مما سيلقي بظلاله السلبية على مجريات الحرب، وقد تدفع باتجاه استقالة شركاء “نتنياهو” الآخرين، خاصة “غانتس وآيزنكوت”، وتركه وحيدًا.

قبل إغلاق ملف “غالانت”، ولمزيد من التوازن في الحديث، فإنه ليس بأحسن حال من غريمه، رغم أنه يحاول “تنظيف” سجله العسكري الفاشل، فقد حصلت أثناء توليه منصب وزير الحرب، أكبر هزيمة عسكرية تردّدت أصداؤها حتى نهاية العالم، متمثلة في هجوم السابع من أكتوبر، وإذا لم يكن هذا الفشل الذريع كافياً، فإنّ “غالانت” ذاته هو نفس وزير الحرب الذي حصل على فرصة ثانية للهزيمة في الحرب المستمرة منذ قرابة ثمانية أشهر، لأنه المسؤول الأول عن الجيش، ورغم حصوله على كل موارد الدولة، لكنه لم يحقق أيًا من الأهداف التي وُضِعت، وأهمها القضاء على حماس عسكرياً ومدنياً، رغم تفاخره وغطرسته عشرات المرات بأنه سيقضي على كبار مسؤوليها، لكنه في الحقيقة هو المسؤول عن هذه النتائج السيئة جداً، وفق التوصيف “الإسرائيلي”.

“غانتس” المتردّد:

رأت أصوات “إسرائيلية” عديدة أنّ “غالانت” ظهر أكثر جرأة من “غانتس” الذي كان يجب عليه أن يقول ما قاله الأول، وقبل أشهر، وبصوته هو، لأن هذا كان دوره عندما دخل حكومة الطوارئ، ومع ذلك فقد خرج في خطاب حمل إنذارًا ل”نتنياهو” حتى الثامن من يونيو القادم، وهذه مدة زمنية كافية لإفساح المجال أمام مزيد من الحسابات السياسية، ومؤامرات الائتلاف والمعارضة، والنقاش الذي لا نهاية له حول ما إذا كان سينسحب من الحكومة أم لا، وإذا كان الأمر كذلك، فمتى، لأنه لم يتردد في اتهام رئيس الوزراء بأخذ اعتباراته الشخصية والحزبية في وقت الحرب بدلًا من الاعتبارات الوطنية والأمنية، مما يعني أنه يوافق على تصريح “غالانت”.

لا شكّ أنّ إنذار “غانتس” الجديد الموجه ل”نتنياهو” أعاد خلط الأوراق من جديد، فهو يطالب بإجابات وقرارات واضحة بشأن صفقة المختطفين، و”اليوم التالي” في غزة، وهي قضايا تشكل خطرًا على عمر حكومة “نتنياهو”، وبالتالي فإنّ دخول “غانتس” على الخط، ومحاولته إيقاظ “نتنياهو”، ستكون الخطوة الأخيرة قبل تخليه عنه، وحينها سيزداد التصدّع الداخلي لدى الاحتلال.

يدرك “غانتس” المتردد دائما أنه بإنذاره هذا بات ضيفاً على “حفلة شواء” شارك فيها أعضاء “الكنيست” والوزراء اليمينيون الذين هاجموه مثل قطيع “ضباع” اجتمعوا على “حمار وحشي” جريح، وهو ما تجلى في ردود الفعل الفورية على إنذاره، رغم أنه انضم ل”نتنياهو” مرتين، لكنه أذلّه أيّما إذلال، وفي هذه الحالة يظهر أنّ “يائير لابيد” زعيم المعارضة كان أكثر حدقة حين لم ينضم إلى حكومات “نتنياهو”، وفضّل تشكيل معارضة من الخارج، واتهام الحكومة الحالية بأنها “ضلّت طريقها، وفقدت السيطرة، وتبدو مفكّكة ومختلّة، فيما الجنود يُقتلون كل يوم في غزة، والعلاقات مع الأمريكيين تنهار”.

يتوافق “الإسرائيليون” حول جملة من السمات الشخصية ل”غانتس”، سواء مؤيدوه أو خصومه، فهو يتجلى يومًا بعد يوم بشخصية ضعيفة، ويفتقر للقدرة القيادية، ومستعد لتغيير الاتجاه وفقًا لرياح اللحظة الراهنة، ووجهات نظره ليست واضحة، ويواصل “نتنياهو” إذلاله مرة بعد أخرى، ويضعه في نقطة ضعفه، وبعيداً عن فشله السياسي، فهو يفتقر للرؤية والأيديولوجية، وفيما يعتبره البعض يمينياً، فهناك من يعلق عليه آمال يسار الوسط، وبالتالي فإن إحجامه عن الانسحاب الفوري من حكومة “نتنياهو”، وإمعانه في منحه ثلاثة أسابيع، يعني أنّ الأخير سيجد وقتًا كافيًا ليجد تمرينًا “يضحك” فيه عليه مرة أخرى، رغم أنّ رحيله سيشكّل كابوساً له، لأنه مرعوب من احتمال أن يبقى “عارياً” فقط، وهو بين بن “غفير وسموتريتش” فقط، ولذلك يحافظ عليه باعتباره ورقة توت يُديم بها بقاؤه السياسي من جهة، ويُطيل بها أمد الحرب على غزة من جهة أُخرى، محتمياً بجنرالين مثل “غانتس وآيزنكوت”.

صراع ما قبل الانفجار

لا تتوقف الخلافات الداخلية عن التصاعد حول مجريات العدوان على غزة، وتدخل فيها الاعتبارات الشخصية والحزبية للوزراء وأعضاء “الكنيست” من داخل الائتلاف اليميني ذاته، مما يعطي صورة مشوهة عن الواقع “الإسرائيلي”، مع أنه لا يمكن النظر لهذه الخلافات بأنها مهنية بحتة، بل تعود في جذورها إلى خلاف مستحكم بين وزراء اليمين الفاشي، ورؤساء الأجهزة الأمنية والجيش، الذين يتبنّون موقفًا من حرب غزة مفاده أنه لابد من إيجاد حل سياسي في نهايتها، لأنه لا يمكن لها أن تستمر حتى إشعار آخر، وبلا نهاية.

أما وزراء اليمين الذين يُحكِمون سيطرتهم على “نتنياهو” فليس لهم موقف من الحرب إلّا استمرارها، رغم أن أعضاء حزبيهما “العصبة اليهودية والصهيونية الدينية”، لا يخدمون في صفوف الجيش، وبالتالي لا يدفعون ثمناً بشريًا في حال واصلت المقاومة حصد المزيد من أرواح جنود الاحتلال في معارك غزة.

في الوقت الذي تدفع فيه المؤسسة الأمنية والعسكرية قُدمًا باتجاه إبرام صفقة تبادل أسرى مع حماس، فإنها تواجه برفض صارم من قِبَل هذا التيار المتشدد في الحكومة، بزعم أنّ أية صفقة مع الحركة تعني إقرارًا بوجودها، وإفشالًا لأهداف الحرب، وتعبيدًا للطريق أمام الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم في الصفقة للعودة من جديد لمسيرة المقاومة، وهي كلها تبريرات يرفضها جنرالات الجيش والمخابرات الذين لا يترددون في اتهام هؤلاء الوزراء بالتفريط بحياة الأسرى “الإسرائيليين” لدى حماس، وعدم الاهتمام بعودتهم لعائلاتهم.

يندلع صراع الوزراء وأعضاء “الكنيست” في الوقت الذي تعيش دولة الاحتلال حربًا طويلة وصعبة تهدد بالانفجار في أي لحظة ، والتحول إلى حرب وجودية إقليمية، سبق أن حذرت منها الأوساط الأمنية والعسكرية بين يوليو وأكتوبر 2023، لكن “نتنياهو” الذي استمع لعدد لا يتوقف من هذه التحذيرات الاستراتيجية الدراماتيكية من رؤساء أجهزته الأمنية، لم يُصغِ إليها، وهي تحذيرات خاصة غير منشورة سمعها من رؤساء الأركان (الشاباك، الموساد، مجلس الأمن القومي)، مع العلم أنه لم يتلق أي رئيس وزراء في أي مرحلة من مراحل الدولة مثل هذا الكم الهائل من التحذيرات الخطيرة من الأشخاص المسؤولين عن أمنها، التي تكاد تصل إلى حد الهستيريا، لكنّ “نتنياهو” ظهر متعجرفًا، ومنتفخًا، ولم يأخذ الأمور على محمل الجدّ، وكل ما كان يهمه الاستمرار في إرضاء “بن غفير وسموتريتش”، وفق التوصيف “الإسرائيلي”.

تكشف تفاصيل هذه الأزمة المستفحلة أننا أمام رئيس وزراء يفعّل بانتظام ما هو جيد له، وسيئ للدولة، ويعرف أفضل من جميع “الإسرائيليين” حجم الضرر الذي يُلحقه تحالفه مع “المتطرفين والمهووسين” بإشعال الحرائق في الدولة وحولها، ويعرف أنّ التحالف مع أمريكا أهم مليون مرة من التحالف مع “المجانين” حوله، ويدرك مع مرور الوقت أنّ حزام النار يحيط ب”إسرائيل” الممزقة من الداخل، وتشبه الحوت الذي بدأ ينزف في الماء، ويجذب حشدًا من أسماك القرش من كل مكان.

مستقبل حرب غزة

تقف أسباب كثيرة خلف خروج “غالانت وغانتس” بإعلانهما لـ”فضح كل الغسيل القذر” لمجلس الوزراء أمام المجال العام، والمتمثل في أن شريكي “نتنياهو”، “سموتريتش وابن غفير”، وبدعم من بعض وزراء “الليكود”، يضغطون عليه لتشكيل حكومة عسكرية في غزة، مما أظهر الجنرالين مصمّمين على إفشال الخطوة من خلال فضحها في مهدها الآن، وليس بعد فوات الأوان، وقد شكّلت العاصفة التي تسببت بها تصريحهما قمة جبل الجليد في الخلافات حول غزة، التي قد تطيح بمجلس الحرب وحكومة الائتلاف مجتمعة، بدليل ما شهدته الساحة السياسية والحزبية من نقاش كبير حول صفقة التبادل مع حماس، والكشف عن تباينات متصاعدة بين الوزراء، بين من يرى ضرورة توسيع عملية رفح، ومن يدفع باتجاه إبرام الصفقة، حتى تسبب “بن غفير” بإثارة غضب بعضهم، خاصة “آيزنكوت” الذي طالبه بـ”خلع الحذاء حين يتكلم”، واصفًا إياه بـ”المراوغ”، فيما لم يتردد رئيس مجلس الأمن القومي “تساحي هنغبي” باتهام “بن غفير” “بالتلاعب على الوزراء”، وخرج “غالانت” من اجتماع الحكومة فور أن بدأ دور “بن غفير” في الحديث، مما اعتبرها الأخير إهانة له.

بدا لافتًا أن يتبع تحذيرات “غالانت وغانتس” الموجهة ل”نتنياهو” صدور وثيقة أمنية “إسرائيلية” تحذر من السيطرة على غزة، نظرًا لتبعاتها المتوقعة: عسكريًا وماليًا وأمنياً، مما اعتُبِر توافقًا داخل المؤسسة العسكرية والأمنية مع توجهات الجنرالين، ورفضاً لنوايا “نتنياهو”، وأظهر انقسامًا عموديًا غير مسبوق في الحلبة السياسية والحزبية، وفي وقت الحرب.

تزامنًا مع هذه الفوضى العارمة في مجلس الحرب و”الكابينت”، فقد سرّبت أوساط الجيش عددًا من الفرضيات حول ما ينتظر الاحتلال في غزة بعد انتهاء الحرب، أولها عودة السلطة الفلسطينية، وثانيها بقاء حماس، وثالثها سيطرة الاحتلال، ورابعها خيار “الصوملة” والفوضى الأمنية، ورغم أنّ جميع الخيارات تبدو سيئة للاحتلال، لكن أقلّها سوءً هو الأول، وفق ما تقوله أوساط “غالانت” والجيش، بعكس ما يريده “نتنياهو” وشركائه المتطرفين، الذين يسعون إلى الاستيطان مجددًا في غزة لإعادة عقارب الساعة التاريخية الى الوراء تسعة عشر عامًا قبل الانسحاب منها في 2005.

شكّل صدور هذه الوثائق العسكرية والتقديرات الأمنية بالتزامن مع تصريحات “غالانت وغانتس” مناسبة مهمة للتأكيد على أنّ المواجهة التي افتتحاها مع “نتنياهو” تعتبر فصلاً علنياً يستبق تبادل الاتهامات بين المعسكرات التي تقود الحكومة بشأن الجدل الدائر حول قضايا “اليوم التالي” في غزة، والتي أثارت المزيد من المشاحنات بينهما، وقد تعبّد الطريق نحو استقالة باقي الشركاء، خاصة “غانتس وآيزنكوت”، مما يعني إعلان شهادة وفاة حكومة الطوارئ التي تشكلت بعد هجوم السابع من أكتوبر.

في الوقت ذاته، فإن التحفظ الذي يشترك فيه عدد من أعضاء الحكومة ومجلس الحرب، إضافة للجنرالات في الجيش والأمن، يتركز في أنّ إدارة الحرب الجارية تبدو خطيرة، أو بتعبير أدق مشكلة قلّة الإدارة والتردد من قبل “نتنياهو”، لأنه لا توجد حرب يحتل فيها الجيش مناطق، ثم ينسحب منها، ثم يضطر للعودة إليها، كما حصل في مدن ومخيمات وأحياء غزة، بسبب السلوك الفاشل والإدارة الإشكالية قبل الحرب وأثناءها، مما زاد من حجم الإخفاقات، والنتيجة أنّ الاحتلال وقع في مستنقع غزة، ومع مرور الوقع بات الغرق قرين سلوكه هناك.

لا يُخفي “الإسرائيليون” فرضية مفادها أنّ الخسائر التي تكبدها الجيش في غزة خلال الأيام القليلة الماضية دفعت بخروج الخلافات السياسية والحزبية إلى العلن، لأن تلك الخسائر، وما أظهرته المقاومة من أداء مفاجئ للاحتلال، فجّر البرميل المملوء بالمتفجرات الأمنية والسياسية والقيادية منذ أشهر عديدة، وظهر أنها ورطت الجيش في حرب بلا معنى.

من الواضح أنّ “غالانت وغانتس وآيزنكوت”، وخلفهم الجيش والأمن، لا يريدون وضع الاحتلال في الوحل الذي يعيشه في الضفة الغربية، بالسيطرة على ملايين الفلسطينيين المعادين له، باعتبارها خطوة “مجنونة” قد تقضي عليه، لأنهم واكبوا الانسحاب من غزة قبل عشرين عامًا، وفهموا أنه لا فائدة من وجود آلاف من المستوطنين وسط ملايين الفلسطينيين.

الخاتمة:

لا يمكن اعتبار الخلافات “الإسرائيلية” الداخلية الآخذة في التصاعد يومًا بعد يوم شأنًا “إسرائيليًا” داخليًا، بل هو شأن “إسرائيلي” فلسطيني بامتياز، لأن أساس هذه الخلافات مرتبط بمستقبل العدوان الجاري على غزة، وتباينات التيارات “الإسرائيلية” حول مآلاتها، والمعضلة المتعلقة بـ”اليوم التالي” بعد انتهاء الحرب، مما يعني انّ غزة ومقاومتها مطالبة بمراقبة هذه الخلافات “الإسرائيلية” عن كثب، ومحاولة التأثير فيها، إن استطاعت، في مسعى مشروع لترجيح كفة المطالبين بإنهاء العدوان الدموي على الشعب الفلسطيني في غزة، وهي مسألة بحاجة إلى مزيد من الحنكة والذكاء في قراءة تبعات وخلفيات هذه الخلافات “الإسرائيلية”، دون الاكتفاء بجانبها المعلن فقط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى