ملفات وقضاياالمشهد الفلسطيني

العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزة: السياقات والمآلات

أ. كريم قرط[1]

بدأ جيش الاحتلال “الإسرائيلي” عصر يوم الجمعة 5 آب الجاري عدوانًا على قطاع غزة؛ إثر التوتر الذي أحدثه اعتقال جيش الاحتلال للشيخ بسام السعدي القيادي في الجهاد الإسلامي في جنين، إلا أن المقاومة الفلسطينية، لا سيما حركة الجهاد الإسلامي، لم تكن حتى ذلك الوقت قد أطلقت أية قذيفة أو صاروخ من قطاع غزة نحو المستوطنات “الإسرائيلية”، على الرغم من التهديدات التي صدرت عن الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي وذراعها العسكري، بالتصعيد على خلفية اعتقال السعدي.

بعد ثلاثة أيام على العدوان والتوصل إلى هدنة برعاية مصرية، ينطلق التقرير من تساؤلات باتت محط تساؤل شعبي، وأهمها: ما الأهداف الحقيقية التي سعت “إسرائيل” إلى تحقيقها؟ ولماذا تستهدف حركة الجهاد الإسلامي بالتحديد؟ ولماذا لم تنضم كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس إلى المواجهة؟

اعتقال السعدي:

تمكنت قوات الاحتلال من اعتقال الشيخ بسام السعدي، القائد الأبرز لحركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، عقب اقتحامها الموسع لمدينة جنين في الأول من آب/أغسطس، إلّا أنّ عملية الاعتقال التي وثقتها تسجيلات مصورة تظهر قوات الاحتلال تجر السعدي على الأرض وتعتدي عليه، قد أدت إلى تصعيد الأوضاع، إذ أصدرت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، عقب هذه الحادثة، بيانًا أعلنت فيه “رفع الجهوزية لدى وحداتها المقاتلة؛ تلبيةً لنداء الواجب أمام العدوان “الإسرائيلي” الذي تعرض له الشيخ بسام السعدي”.

سارعت من جانبها سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” إلى نشر صورة للسعدي من السجن تظهره بصحة جيدة، في سياق تبديد التخوفات من اغتياله وتهدئة الأوضاع، كما أرسل الاحتلال صورًا أخرى للسعدي إلى الوسيط المصري لطمأنة الجهاد الإسلامي، في ذات الوقت بدأ الاحتلال “الإسرائيلي” باتخاذ جملة من الإجراءات “الاحترازية” على حدود قطاع غزة، فرفعت حالة التأهب للقبة الحديدية للحد الأقصى، وأغلقت الشوارع والمستوطنات المحاذية للقطاع، كما أغلقت معبري كرم أبو سالم وبيت حانون.

عله ساد الاعتقاد لدى قادة الجهاد الإسلامي أن مطالبهم ليست بهذا القدر من الخطورة أو التعقيد، وأنه كان بالإمكان تجنب التصعيد؛ فمطالب حركة الجهاد انحصرت في المطالبة بالإفراج عن الأسير الإداري المضرب عن الطعام خليل العواودة، ووقف انتهاكات الاحتلال في الضفة الغربية.

كما أن هذه المرة ليست الأولى التي تهدد الجهاد الإسلامي بالرد والتصدي لعدوان في الضفة الغربية، فقد أعلنت سرايا القدس رفع جاهزيتها، عندما كان الأسير الإداري هشام أبو هواش مضربًا عن الطعام، للرد إذا ما تعرض أبو هواش للخطر، ولكن ذلك لم يستتبع تصعيدًا فعليًا، وهو ما تكرر في حالات كثيرة، ربما من أبرزها تهديد الجهاد بالرد إذا تعرض أسرى نفق جلبوع -الذي ينتمي 5 منهم للجهاد- للخطر أو تمت تصفيتهم، وفي هذه الحالة بالتحديد كان الاحتلال “الإسرائيلي” قد تجنب تصفيتهم حتى لا يحدث أي تصعيد.

لذا يبدو أن الجهاد لم يكن يتوقع أن تؤول الأمور إلى التصعيد لا سيما في ظل الوساطات لتهدئة الأوضاع، فيما بادرت “إسرائيل” بشن هجوم مباغت على قطاع غزة عصر 5 من آب الجاري، تمكنت خلاله من اغتيال قائد شمال قطاع غزة في سرايا القدس تيسير الجعبري.

عملية “مطلع الفجر”:

تدرك “إسرائيل” أن المقاومة الفلسطينية غير معنية بالدخول في معركة جديدة في المرحلة الحالية، وذلك بناءً على عدة اعتبارات، أهمها هو انشغال العالم بالأزمة الأوكرانية، ولاحقًا الأزمة التايوانية، وبداية جهود إعادة الإعمار، وسياسة التسهيلات من تصاريح وغيرها التي تقدمها “إسرائيل” إلى القطاع في ظل الأزمات الإنسانية الخانقة التي يعاني منها، لا سيما وأن معركة سيف القدس لم يمضِ عليها سوى عام ونيّف، وقد بدا هذا الأمر بوضوح خلال مسيرة الأعلام “الإسرائيلية” التي جرت في أواخر أيار الماضي، والتي لم تؤدي إلى تصعيد عسكري مع الاحتلال.

بدت “إسرائيل” ولذات الأسباب تقريبًا غير معنية بمعركة جديدة مع المقاومة في غزة، بالرغم أن الحالة الانتخابية شكلت حافزا للعدوان، يضاف على هذه الأسباب الحالة السياسية المضطربة في الساحة “الإسرائيلية”، وفي ذات الوقت بدأ الاحتلال في الإعداد لهذا العدوان على مرأى المقاومة الفلسطينية، بحشد قواته على الحدود مع غزة وتهيئة التحصينات والاحترازات الأمنية في المستوطنات المحاذية للقطاع، وفي 4 آب الجاري صادق رئيس أركان الجيش “الإسرائيلي” “أفيف كوخافي” على خطط هجومية غزة تحسبًا لـ”سيناريوهات تصعيدية” في غزة.

رافقت هذه الاستعدادات حملة إعلامية موجهة ضد حركة الجهاد، وهي دعاية مكثفة موجهة في الأساس نحو الجمهور “الإسرائيلي” لتبرير الإجراءات الأمنية المشددة على حدود غزة، ولإقناع الجمهور “الإسرائيلي” بأهمية الانخراط في معركة جديدة ضد المقاومة الفلسطينية حتى تتوقف حالة الحصار المفروضة على مستوطنات الجنوب بفعل تهديدات الجهاد الإسلامي.

اختارت “إسرائيل” لهذا العدوان مسمى “علوت هشاحر” باللغة العبرية، التي تعني باللغة العربية “مطلع الفجر”، إذ إن المصطلح العبري يشير بدقة إلى الزمن الذي يكون قد بدأ الضوء خلاله بالبزوغ والشمس لم تطلع بعد، والمصطلح العربي المماثل له هو مطلع الفجر الذي ورد في سورة القدر: “سلام هي حتى مطلع الفجر”، وبعيدًا عن المعنى اللغوي للمصطلح، هناك دلالات واضحة لهذا المصطلح على العدوان من حيث طبيعته واستمراريته، فاختيار أسماء العمليات العسكرية لدى الاحتلال منوط بـ”الدائرة المعنوية” أو “دائرة الحرب النفسية” في جيش الاحتلال “الإسرائيلي”، ولذلك فلكل تسمية هناك دلالات ترتبط بالمعركة وطبيعتها، ولكن هذه الدلالات لا تكون واضحة دائمًا للجمهور “الإسرائيلي”، فقد لاحظت أن التسمية التي أطلقها الاحتلال على هذه العملية كانت محل تساؤل وتهكم حتى لدى الجمهور “الإسرائيلي”.

يدرك المتعمق في القراءة أن هذه التسمية قادمة من حدث تاريخي توراتي، ورد في الإصحاح 32 من سفر التكوين، الذي تدور قصته حول صراع يعقوب مع رجلٍ عند محاولته تجنب الصدام مع أخيه عيسو، الذي أرسل له يعقوب الهدايا حتى يتجنب الصدام معه، ولكن ذلك لم يجدِ نفعًا، وحسب السرد فقد صمد يعقوب له وتغلب عليه حتى مطلع الفجر، فاستحق البركة لأنه جاهد مع الله، إذ إن مصطلح “مطلع الفجر” ورد بشكل واضح في هذه القصة وله دلالات واضحة في سياق الأحداث، ومن أهم تلك الدلالات:

  • حتمية المواجهة مع المقاومة الفلسطينية، فيعقوب في القصة لم يستطع تجنب المواجهة مع أنه حاول كثيرًا.
  • أن المواجهة قد لا تكون شاملة مع المقاومة الفلسطينية كلها.
  • عدم جدوى سياسة التسهيلات والاسترضاء المقدمة لغزة في تجنب المواجهة، لأن يعقوب أرسل لأخيه الكثير من الهدايا حتى يتجنب مواجهته، إلا أنه لم يجد مناصًا من المواجهة في النهاية.
  • قصر مدة العملية العسكرية، فصراع يعقوب من ذلك الرجل استمر حتى مطلع الفجر، وهو ما كانت تصبو إليه “إسرائيل” بأن تستمر المواجهة لأيام أو ساعات معدودة تنتهي صباح اليوم التالي للعدوان.
  • تحقيق انتصار للاحتلال عقب الجولة، حيث انتصر يعقوب على الرجل في نهاية المطاف.

بعيدًا عن الدعاية الموجهة ضد الجهاد الإسلامي، ومحاولة إظهار أن العملية في الأساس ناتجة عن تهديدات ونوايا الجهاد الهجومية؛ تمكن الاحتلال من تحقيق هذه الدعاية من خلال بدء العدوان باغتيال الجعبري، وهنا أصبح الجهاد الإسلامي هو الطرف الأبرز في المواجهة الذي أخذ على عاتقه التصدي للعدوان “الإسرائيلي” الذي يستهدف كل قطاع غزة وليس الجهاد وحده، إلا أن الدعاية “الإسرائيلية” استمرت في التأكيد على أن العملية ضد الجهاد فقط.

لم يقتصر الادعاء في هذه الدعاية على أن فصائل المقاومة الأخرى كانت غير مشاركة في المواجهة، وإنما يتمادى الادعاء “الإسرائيلي” بالقول بأن سكان قطاع غزة كانوا ينبذون حركة الجهاد أيضًا، إذ يقول “يوحنان تزوروف” الباحث في معهد أبحاث الأمن القومي “الإسرائيلي” في مقال له بعنوان “وحدة الجهاد الإسلامي“: “في اليوم الثالث من عملية مطلع الفجر ما زالت منظمة الجهاد الإسلامي تجد نفسها وحيدة في المعركة، وأن الجمهور الفلسطيني في غزة لا يشعر بأنه جزء من هذه الحرب ولا يتضامن معها، كما أنه روج إلى أن حماس الشقيقة الكبرى تقف على الجانب الآخر ولا تمد يدها، مع أن الواقع يناقض الدعاية “الإسرائيلية” في كثير من الحيثيات؛ إذ إن العدوان كان يستهدف مجمل سكان قطاع غزة، الذي كان معظم ضحاياه من المدنيين والأطفال، كما كانت هناك غرفة عمليات مشتركة للفصائل تصدر عنها بيانات متتالية حول العدوان.

أسباب حقيقية:

إن العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزة -بناء على ما سبق- لم يكن له مبررات متوقعة، حتى أن الأهداف “الإسرائيلية” من المعركة كانت عمومية. وقد كثرت التحليلات التي تتحدث عن أسباب العدوان، إلا أن الأسباب الحقيقية تتعلق بالساحة السياسية “الإسرائيلية” المضطربة، وتوجه “إسرائيل” إلى انتخابات مبكرة عقب انفراط عقد حكومة “بينت – لابيد”، ويرى البعض أنه لا يمكن اختزال سبب العدوان بالانتخابات “الإسرائيلية”، إلا أن هذا العدوان – المحدود زمانيًا وتنظيميًا –لا يمكن قراءته بعيدًا عن السياق الانتخابي في “إسرائيل”؛ فبعد انهيار حكومة “بينت – لابيد” وتولي الأخير منصب رئيس حكومة تسيير الأعمال، بدأ التحضير لجولة انتخابات الكنيست الخامسة التي من المتوقع أن تجري في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وتشهد هذه الجولة تنافسًا محمومًا بين عدة أقطاب سياسية في “إسرائيل”، فإلى جانب “الليكود” وزعيمه “بينامين نتانياهو”، أعلن وزير الدفاع الحالي “بيني غانتس” ورئيس حزب “أمل جديد” “غدعون ساعر” عن خوض الانتخابات في قائمة واحدة، وفي المقابل يشكل حزب “يوجد مستقبل” بزعامة رئيس الوزراء الحالي “يأير لابيد” القطب المركزي الثالث في هذا السياق الانتخابي.

أضحت المنافسة الآن بين رؤوس هذه الأقطاب ليست على عدد المقاعد، وإنما على رئاسة الحكومة، ويحتاج كل قطب إلى رصيد سياسي وعسكري يستطيع من خلاله المنافسة على هذا المنصب، فبعض رؤساء الحكومات لدى الاحتلال هم جنرالات سابقون ولديهم تاريخي عسكري حافل، وهو معيار مهم في ظل مجتمعٍ يعاني من حساسية مفرطة تجاه القضايا الأمنية، ولكن “لابيد” ليس لديه أي رصيد عسكري مهم في تاريخه، بحكم قدومه للحلبة السياسية من عالم الصحافة، حتى أنه كان يعمل مراسلًا لصحيفة “محنيه” أو المعسكر[2]؛ خلال خدمته العسكرية، ولذلك يحاول تعزيز رصيده العسكري من خلال استقطاب رئيس الأركان السابق “غادي آيزنكوت” الذي يعتزم الترشح في هذه الانتخابات لمعسكره الانتخابي، وإلى ذلك، فإن العدوان المحدود على قطاع غزة الذي سيخرج منه بصورة انتصار واضح سيساهم في تعزيز صورته كقائد قوي وقادر على التعامل مع التهديدات الأمنية.

دور المؤسسة الأمنية:

توكل صلاحية اتخاذ قرار الحرب أو شن عملية عسكرية موسعة، قد تؤدي إلى حرب إلى الثالوث المكون من رئيس الحكومة، ووزير الدفاع، ورئيس الأركان، ومن الملاحظ أن لهؤلاء الثلاثة مصلحة أكيدة في شن عدوان محدود على قطاع غزة في هذه الفترة الحساسة، إذ إن لكل منهم اعتباراته الخاصة حياله، فبالإضافة إلى رئيس الوزراء الساعي خلف مصلحته الانتخابية، يأتي وزير الدفاع الحالي “بيني غانتس”، الذي يطمح هو الآخر إلى التقدم للانتخابات حاملًا معه ذكرى انتصار قريب العهد على المقاومة الفلسطينية.

لا تختلف الصورة كثيرًا لدى رئيس الأركان “أفيف كوخافي” الذي شارف على انتهاء ولايته كرئيس للأركان، فمن المهم له أن ينهي خدمته بصورة نصر يرافق ذاكرة الجمهور “الإسرائيلي” تعويضًا عن التراجع الذي أحدثته معركة سيف القدس، فقد درجت عادة الجنرالات “الإسرائيليين” على أن يتوجهوا إلى الحلبة السياسية بعد إنهاء خدماتهم العسكرية، وربما يكون هذا هو مسعى “كوخافي”، كما فعل سلفه “آيزنكوت” الذي يعتزم الترشح في الانتخابات الحالية.

من الدارج ألّا تستغل المراحل الانتقالية في تعزيز الدعاية الانتخابية في “إسرائيل”، إلا أن حالة الاضطراب السياسي الذي تعيشه “إسرائيل” منذ قرابة الأربع سنوات أتاح إمكانية ممارسة العديد من السياسات وتنفيذ العديد من الخطوات السياسية والعسكرية كاستجابة لهذا “الأمر الواقع” الذي لا يُعلم متى سينتهي.

إعلان الهدنة:

أعلن عن التوصل لاتفاق هدنة بعد ثلاثة أيام من بدء العدوان، بناءً على أن المقاومة لم تكن معنية بخوض معركة جديدة، إلا أن هذه المعركة فُرضت عليها وتمكنت من مواجهتها وتوسيع دائرة الاستهداف والصواريخ بما يتناسب مع تطورات المعركة، وقد بدا واضحا تقاسم الأدوار بين فصائل المقاومة، ولكن بصورة موسعة.

بعيدًا عن دعاية الاحتلال وخطابه الموجه لجمهوره حول عدوانه الأخير على قطاع غزة، فإن المقاومة الفلسطينية لم تكن معنية بالمواجهة، وخاضت المعركة بما يتناسب مع ظروفها وتقديراتها للوضع العسكري والشعبي في قطاع غزة، وللوضع الإقليمي والدولي الذي كان عاملًا مهمًا في عدم رد المقاومة على مسيرة الأعلام “الإسرائيلية” في أيار الماضي، ولذلك قبلت حركة الجهاد الإسلامي بالتهدئة بعد ثلاثة أيام فقط، ففي مساء السابع من آب، أعلنت مصر أنها توصلت لاتفاق تهدئة يبدأ سريانه مع منتصف ليل ذلك اليوم، ولم يتضمن اتفاق التهدئة شروطًا كثيرة سوى التعهد بنقل الأسير خليل العواودة إلى المشفى والإفراج عن الأسير بسام السعدي، وهي مطالب تكميلية للاتفاق من حيث أن المقاومة لم تدخل المواجهة بحزمة مطالب تتعلق بالقطاع أو أي قضية كبرى أخرى، لأن المعركة في الأساس فُرضت عليها بشكل مباغت، وكان الدور الأهم للمقاومة هو التصدي لذلك العدوان ورفع كلفته.

مواقف متعددة:

يمكن القول إن صدى العدوان الحالي كان باهتًا في الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية والداخل، على خلاف معركة سيف القدس، مع أن المسجد الأقصى شهد اقتحامات يهودية مكثفة بغطاء حكومي كامل خلال العدوان، إذ اقتصر التفاعل الشعبي على بعض الوقفات والمظاهرات الخجولة. أما على المستوى الرسمي؛ فقد أدانت السلطة الفلسطينية العدوان في غزة واقتحام المسجد الأقصى، ودعت إلى تدخل أمريكي ودولي لوقف العدوان، وهو موقف لا يختلف عن المواقف في السابق إبان الاعتداءات المتكررة على قطاع غزة.

أما على المستوى الدولي؛ فلم يكن للعدوان “الإسرائيلي” صدى بمستوى معركة سيف القدس، فمعظم الدول الغربية، بما في ذلك روسيا، والأمم المتحدة دعت إلى وقف “أعمال العنف”، وأكدت العديد من الدول الغربية في المقابل على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وهي مواقف معتادة، بطبيعة الحال، وعلى المستوى الشعبي؛ لم يكن هناك سوى بعض المسيرات والوقفات التضامنية الخجولة في بعض الدول؛ ويعود ذلك إلى انشغال العالم بالأزمة الأوكرانية وتبعاتها، وبالأزمة التايوانية، وهو ما كان له دور مهم في لفت الأنظار عن العدوان “الإسرائيلي” على غزة.

أما على المستوى العربي؛ فقد صدرت إدانات للعدوان عن معظم الدول العربية وجامعة الدول العربية وغيرها من المنظمات، ودعوات للمجتمع الدولي بالتحرك لوقف العدوان، إلا أن مصر تجنبت إدانة العدوان بشكل مباشر، وكثّفت جهودها، وقطر، في التوصل إلى وقف إطلاق، وقد شهدت مواقف دول التطبيع العربي، خاصة المغرب، تحولًا نحو تبني خطاب أقرب للخطاب الإنساني الداعي لوقف العنف دون وصف الأحداث بالعدوان أو إدانته، فيما كان الموقف الإماراتي أكثر تماهيًا مع الموقف “الإسرائيلي”، إذ لم يصدر عنها سوى تصريح من سفارتها في تل أبيب دعت فيه مواطنيها الموجودين في “إسرائيل” إلى أخذ الحيطة والحذر وضرورة اتباع تعليمات السلامة الصادرة عن السلطات “الإسرائيلية”.

في المحصلة، فرضت جملة المتغيرات التي يمر بها العالم والإقليم شكلًا معينًا من التفاعل مع العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزة، وقد كان هذا الاعتبار أحد أهم العوامل التي وقفت خلف التوصل السريع لاتفاق وقف إطلاق النار، وإحجام المقاومة الفلسطينية عن الإلقاء بكامل ثقلها في المعركة.

الخاتمة:

شنت “إسرائيل” عدوانها على قطاع غزة وهي تجتر جملة من المسببات والمبررات والأهداف التي تستخدمها في كل مرة، وتسعى فيها لشن عدوان على الشعب الفلسطيني، دون أن يكون لهذا العدوان أي أسباب حقيقية على أرض الواقع، إلا أن التنافس الانتخابي المحموم الجاري حاليًا في الحلبة السياسية “الإسرائيلية” كان هو المحرك الأساسي للعدوان “الإسرائيلي”، وهو عامل كان مرافقًا لكثير من الاعتداءات “الإسرائيلية” على الشعب الفلسطيني، فأهداف العدوان الحالي التي أعلن عنها الاحتلال، وأعلن أنه حققها أيضا، هي ذات الأهداف التي يعلن عنها في كل عدوان، وهو ما تُثبت الأحداث اللاحقة أنه مجرد شعارات لا تمت للحقيقة بصلة.

يبرز اختلاف هذا العدوان عما سبق هو أنه جرى بصورة معركة أكبر من مجرد عملية خاطفة، حتى يكون لها الأثر المطلوب في الشارع “الإسرائيلي”، وقد أثبتت هذه المعركة قدرة حركة الجهاد الإسلامي على مواجهة الاحتلال في إطار عدوان موسع استطاعت خلاله الحركة توجيه  أكثر من 1000 صاروخ حتى القدس وتل أبيب، وهو ما يشير إلى التطور النوعي لدى الجهاد والمقاومة بشكل عام، إذ إن الجهاد وحدها استطاعت أن توجه هذا القدر من الصواريخ في غضون 3 أيام، فكيف إذا شاركت بقية الفصائل، كما أظهرت هذه المعركة أن الاحتلال مارس سياسة تكتيم إعلامي شديد على خسائره حتى لا يؤثر على معنويات جمهوره ويظهر فشله في تحقيق أهدافه، وهو ما تعلمه من معركة سيف القدس التي رشحت خلالها العديد من الصور والإثباتات على الدمار الذي أحدثته صواريخ المقاومة في مستوطنات الاحتلال.

[1]  باحث في مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، رام الله

[2]  صحيفة مخصصة للجيش.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى