الدعاية الإعلامية الإسرائيلية الناطقة بالعربية
تعمل "إسرائيل" بكل جَدّية على اختراق المجتمع الفلسطيني والعربي بوسائل إعلامها المقروءة والمسموعة والمرئية، إذ انتشر في السنوات الأخيرة عدد من الإذاعات والفضائيات والمواقع الإعلامية الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية، والمتابع للشأن الإسرائيلي يعلم أن هذا الكمّ الهائل من وسائل الإعلام الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية لم يكن وجوده مجرد صدفة، بل جاء ضمن خطط وإستراتيجيات تعكس وجهة النظر الإسرائيلية، وآليات الدفاع عنها.
فقد قال الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في إحدى محاضراته التي قدّمها أمام دورة تأهيل مراسلين، ومحرِّري برامج في التلفزيون والراديو باللغة العربية "نصبو إلى إعلام إسرائيلي ناطق باللغة العربية يعكس حقيقة جيشنا ودولتنا".
أضف إلى ذلك ما قاله وزير الخارجية الإسرائيلي السابق ووزير الجيش الإسرائيلي الحالي إفيغدور ليبرمان "سوف نعمل على إقامة موقع إخباري باللغة العربية يحمل توجهنا نحن؛ باستثمار نحو 10 مليون شيكل".
الإعلام الإسرائيلي الناطق باللغة العربية له وسائل كثيرة ومتعددة، أهمها في وقتنا الحالي وسائل التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر" وغيرها، فعندما تتصفحها تَجِدُ كمًّا كبيرًا من الصفحات الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية، وستجد صفحات بالعربية لرئيس "إسرائيل"، ورئيس وزرائها، والناطق باسم حكومتها وصفحة للناطق باسم جيشها.
وأضف إلى ذلك صفحة لمنسق شؤون الاحتلال الإسرائيلي في غزة والضفة المحتلة، وغيرها من الصفحات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والفنية الناطقة باللغة العربية والتي تدار من إسرائيليين يعرفون ماذا وعمّن ولماذا ومتى يكتبون، وكلها يشترك في متابعتها آلاف من الفلسطينيين والعرب.
كل هذا ولا يكتفي الاحتلال بذلك؛ بل يقوم بإعلانات مموَّلة على مدار الساعة ترويجًا لتلك الصفحات, كما أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أنشأت صفحة على "الفيس بوك" باسم "إسرائيل تتكلم بالعربية"، إضافة لقناة على اليوتيوب، وصفحة تابعة للوزارة على "تويتر" , كما يوجد موقع إخباري إسرائيلي باللغة العربية سُمّي "المصدر", والعديد من المواقع التي لا يتسع المقام لذكرها, مما لا يدع مجالاً للشك بأن ما يحدث هو أمر مدروس ومخطط له, إذ قال منشه شاؤول -الخبير الإسرائيلي في شؤون الشرق الأوسط- إن دراسات إسرائيلية حول عادات استخدام الإعلام في العالم العربي كشفت أن الإنترنت هو الوسيلة الإعلامية الأكثر استخدامًا.
لم تكن مواقع التواصل الاجتماعي أو المواقع الإلكترونية الوسيلة الإعلامية الوحيدة، بل هناك وسائل أخرى ناطقة باللغة العربية سواء كانت تلك الوسائل إذاعية أو قنوات تلفزيونية، حيث يوجد إذاعة "صوت إسرائيل" التي تُعَدُّ من أوائل وسائل الإعلام الإسرائيلية الناطقة بالعربية، كما أُنشئت في بداية عام 2001 القناة الفضائية الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية، أضف إليها قناة i24 , حيث أُطلق بثها عام 2013, وتُعَدُّ من أحدث وسائل الإعلام الإسرائيلية الناطقة بالعربية.
لا بدّ وأن يكون لوسائل الإعلام الإسرائيلية الناطقة بالعربية، التي ذُكرت سابقًا؛ أهداف سواء على المدى القريب أو البعيد, وأهم هذه الأهداف هو تزوير الحقائق وإخفاؤها, فلم تمض سوى أيام قليلة على استشهاد الطفل عبد الله نصر عطوة أبو مضيف (10سنوات)؛ بطلق ناري من الجيش الإسرائيلي شرق القرارة في قطاع غزة, حتى بدأت الصفحات الإعلامية الإسرائيلية الناطقة بالعربية في قلب الحقائق, ونفي أن يكون سبب استشهاد الطفل رصاصًا أُطلق من الجيش الإسرائيلي, وقالت صفحة منسق شؤون الاحتلال الإسرائيلي "إن سبب مقتل الطفل ناتج عن رصاص أطلق في أحد الأفراح في المنطقة ", مما يدلّ على أن ما تقوم به هذه الوسائل هو قلب الأحداث ومجرياتها .
اختراق الوعي الفلسطيني والعربي والتأثير عليهما يُعَدُّ من الأهداف الرئيسة للإعلام الإسرائيلي الناطق بالعربية, إذ استطاعت هذه الوسائل الإعلامية أن تصل إلى عدد كبير من المشاهدين والمستمعين والقراء الفلسطينيين والعرب, فلو ألقينا نظرة سريعة على صفحات التواصل الاجتماعي لوجدنا مئات الآلاف من المتابعين الفلسطينيين والعرب لهذه الصفحات, وكما أن للمواقع متابعين فإن للإذاعات مستمعين, فلو رَكِبْتَ إحدى وسائل النقل العام, أو ذهبت إلى مقهى في أحد الإحياء العربية, لوجدت أن عددًا منها يستمع إلى راديو "إسرائيل" باللغة العربية, وكذلك الأمر فيما يتعلق بالمشاهدين للفضائيات الإسرائيلية الناطقة بالعربية, مما يجعل من السهل على هذا الإعلام اختراق الوعي العربي ودسّ السم في العسل.
يقوم الإعلام الإسرائيلي ببث مضامينه باللغة العربية لمصلحة "إسرائيل" الأمنية, لأن تحقيق الأمن يُعتبر من الأولويات التي يجب عليه أن يقوم بها, فاستخدام سياسة التهديد والوعيد, وسياسة العصا والجزرة, وشرعنة قتل الفلسطينيين أكبر دليل على ذلك, اعتقادًا منه بأنها ستَردع من يفكر بالقيام بعمليات فدائية ضده, وفي سياق متصل لا يمكن إغفال الجانب المخابراتي بجميع أشكاله في هذا الإعلام, مثل استدراج وإسقاط الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي, وجمع المعلومات, ومتابعة ردود أفعال المتابعين الفلسطينيين حول أي قضية من القضايا, لأن معظم القائمين على الإعلام وخاصة صفحات التواصل الاجتماعي هم رجال مخابرات أو لهم خلفية أمنية.
ومن المهمات التي يقوم بها الإعلام الإسرائيلي الناطق بالعربية، أنه يُعيد نشر ما تقوم ببثه بعض وسائل الإعلام العربية من مدح لـ "إسرائيل" وسياستها، واعتبارها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأنها المثل الأعلى ويجب على العرب الاقتداء بها.
كما أن التهويد من أهداف هذه الدعاية الإسرائيلية الناطقة بالعربية, وذلك من خلال ترسيخ المفاهيم والمصطلحات العبرية, فمثلاً عندما تُذكر القدس لا تذكر إلا "أورشليم", وعندما يُنشر خبر عن الضفة الغربية تسمى "يهودا والسامرة", وكذلك مدينة نابلس "شكيم ", ولا يقتصر التغيير على الأماكن, بل يعمل الإعلام الناطق بالعربية على الدفاع عن التوجهات الإسرائيلية من خلال تسمية جيشهم "جيش الدفاع الإسرائيلي", وكأن ما يقوم به من قتل وتشريد وتدمير للشعب الفلسطيني هو فقط للدفاع عن النفس.
أفيخاي أدرعي الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي قال إن "هناك حاجة ماسة لتدعيم الإعلام الإسرائيلي الناطق باللغة العربية سواء في سلطة البث أو في وزارات الدولة المختلفة، من أجل تحقيق نوع من التواصل مع المحيط العربي ونقل حقيقة دولة إسرائيل إلى الشعوب المجاورة ", مما يؤكد أن هذا الإعلام له هدف تطبيعي يراد به تحسين وجه "إسرائيل" القبيح، وإظهارها في موقع المعتدى عليه من "الإرهاب الفلسطيني", على الرغم من أنها دولة احتلال قامت على قتل وتشريد الشعب الفلسطيني.
لا نستطيع أن نجزم بأن الإعلام الإسرائيلي الناطق بالعربية حقق جميع أهدافه، لأن احتلال الأرض وقتل وتشريد الملايين من سكانها ليس بهذه السهولة التي يمكن معالجتها من خلال وسائل إعلام إسرائيلية ناطقة بالعربية، أو حملات إعلامية تستهدف الفلسطينيين والعرب، وذلك لوجود وعي لدى هذه الشعوب بأن "إسرائيل" بلد قائم على الاحتلال، إلا أن بعضًا من هذه الأهداف تم تحقيقها، ففي بعض الأحيان تَجِدُ من يدافع عن الرواية الإسرائيلية للأحداث.
في النهاية، نرى أن الدعاية الإسرائيلية الناطقة بالعربية كما الناطقة بالعبرية بكل أشكالها المكتوبة والمسموعة والمرئية، قائمة على الكذب والخداع والتضليل, من أجل تحقيق الأهداف التي وُضعت لأجلها، وأن مواجهة هذه الدعاية بحاجة إلى مزيد من عمليات الرصد والتحليل والمتابعة, للحدّ من خطورتها على المجتمع الفلسطيني والعربي, كما يقع على عاتق الإعلام الفلسطيني والعربي نشر التوعية حول هذا الإعلام الخبيث, ومواجهته بالحقائق بمهنية, وبكل الوسائل الإعلامية الحديثة.